الحملة العسكرية والإصلاح السياسي .... بقلم: سنا السورية
الحملة العسكرية الضارية التي تشنها قوات الأسد ضد المدن المنتفضة وخاصة مدينتي حمص وحماه, هدفها إسكات المعارضة والقضاء على أي شكل من أشكال الوجود المسلح للجيش الحر فيهما, هذا ما حصل في الزبداني ورنكوس وبقية ضواحي دمشق في كل من دوما وعربين وداريا خلال الأيام القليلة الماضية وهذا ما تحاوله فعله في بابا عمرو في حمص, الهدف من الحملة المعلنة هو تثبيت حكم النظام في هذه المناطق والقضاء على العصابات المسلحة فيها.
القصف بالدبابات وراجمات الصواريخ وتدمير المنازل على أهلها في بابا عمرو ليس هدفه إعادة السيطرة على هذه المنطقة, فقوات الأسد تستطيع خلال ساعات من دخول أي منطقة بما تملكه من تفوق عسكري وعتادي وقوة نيران وجنود, ولكن هدفها الآخر هو إيقاع اكبر عدد من القتلى من النساء والأطفال والشيوخ وإحداث دمار شامل في المنطقة, والمراد منه أن تكون أنموذجا لمن يعترض على سياسة بشار الأسد وردع أي محاولة من أي كان للتصدي لقواته وعصاباته , هذه العملية تكررت سابقا في حماة لعدة مرات وآخرها إحداث مجزرة مروعة راح ضحيتها قرابة الثلاثون ألفا ودمار هائل في المدينة, وتم من بعدها السيطرة على سوريا والقبض عليها بيد من حديد مما منع القيام بأية معارضة سياسية لهذا النظام لمدة تقارب الثلاثين عاما, فهل تنجح هذه السياسة مرة أخرى؟؟؟؟.
المعارضة الحالية في سوريا لم تنجح للآن بإعداد سياسة فعالة وخطة لإسقاط هذا النظام, فعندما تم التخطيط للعصيان المدني في سوريا لم يتم الأخذ بعين الاعتبار ظروف كل منطقة فيها وتغير نوعية الصراع من احتجاجات سلمية إلى عمليات مسلحة يشنها النظام على المناطق المنتفضة بحيث افرغ العصيان المدني من قوته, من ناحية أخرى عدم الوصول إلى عقول التجار في كل من حلب ودمشق وعرض المغريات والمحفزات عليهم وضمان مصالحهم المستقبلية جعل معظمهم مترددين في الانخراط في الثورة ودعمها, وأيضا لم تستطع المعارضة الحالية من كسب الصامتين في كل من حلب ودمشق بحيث جعل الثورة السورية تعاني في بعض المناطق أكثر من مناطق أخرى فهاهي حمص لوحدها تحمل عبئ الثورة بدون مساندة من أختيها دمشق وحلب بالرغم من مساندة حماة الجريحة لها في كل الأوقات.
النظام يعلم أن بإمكانه إخماد أي احتجاجات عسكرية ضده وعمليات الجيش الحر إن لم تأخذ طابعا مبتكرا ضده فلن تستطيع إحداث أي تغيير على الأرض, فالنظام تساهل بشكل غير مباشر بالانشقاقات المحدودة ضده ليجعل من هؤلاء ضحيته مستقبلا وذلك بشن عمليات عسكرية عنيفة ضد مناطق تواجدهم بحيث يحقق من خلال ذلك هدفين أولهما إيهام انه يوجد صراعا مسلحا على السلطة بين المعارضة والنظام ومن حق النظام الدفاع عن نفسه والقضاء على المعارضة المسلحة ضده, ومن ناحية أخرى يستطيع أن ينهي الاحتجاجات السلمية التي قامت ضده ويجابهها عسكريا بدون وضع اللائمة عليه من حيث انه يقضي على عصابات مسلحة ولن يسمح بعد الآن بوجود أية معارضة له في الشارع.
المجلس الوطني والجيش الحر مطلوب منهما عمل اكبر وأعظم من مقدرتهما الحالية, فكلاهما يفتقدان للتنظيم المتقن وآلية اتخاذ قرارات فعالة وذلك بسبب ظروف نشأتهما والحصار الخانق المطبق عليهما وقيام النظام بخرق كافة القوانين الانسانية وارتكاب مجازر بشعة لم تلقى الرد الكافي من المجتمع الدولي, والاهم من ذلك هو الدعم المادي ومصادر التمويل اللازمة لكل منهما ليقوما بدورهما على الوجه المطلوب وهذا لم يتحقق للآن, لن نستطيع الطلب منهما القيام بما لا يستطيعان العمل به, فلا المجلس الوطني يوجد له مركز داخل سوريا يستطيع الاجتماع فيه والتواصل مع السوريين في مناطق احتجاجهم, ولا الجيش الحر يستطيع خوض صراع مع سلطة مدججة بكل أنواع السلاح ليجابهه ببندقية تم حيازتها أثناء الانشقاق وبدون تموين بالذخيرة.
السوريين في محنة كبيرة والعالم لازال يقف متفرجا بانتظار مآل الثورة الحالية وتحقيق المكتسبات على الأرض, فالنظام يسعى جاهدا لتنظيف مناطق الاحتجاج من المنشقين عنه وإعادة سيطرته المطلقة على البلاد بحيث تكون قوته الأمنية هي الطاغية على السوريين من اجل استمرار طريقته في إدارة البلاد مستقبلا بعد إثبات جدواها في قمع الثورة السورية بحسب ما يعتقد, يخدمه في ذلك الوقت الذي يجري لصالحه مسلحا بالفيتو الروسي وتردد وخوف الدول المحيطة والغربية بالتورط في حرب لا يعلم أحدا متى تنتهي.
السوريون في صبرهم وتضحيتهم على ما يكابدونه من قوات الاحتلال الاسدي وآلة القتل الدائرة رحاها في جميع أنحاء سوريا يحاولوا جاهدين إبقاء شعلة الثورة متقدة وتحويلها إلى نار تصيب النظام نفسه بمقتل. يدعمهم بهذا ثقتهم بأنفسهم واتكالهم على الواحد الأحد, وبعض الدعم الخارجي المنتظر من الدول العربية والصديقة للشعب السوري.
من ناحية أخرى فان إعادة السيطرة على مناطق الاحتجاجات وإحكام القبضة الأمنية عليها يفتح المجال لتطبيق خطة النظام في الإصلاح السياسي المزعوم, فالدستور الجديد الذي تم إعداده من قبل قانونيين مرتبطين مع النظام تم تفصيله بحسب رغبة النظام ورؤيته للحكم في المستقبل القريب, بحيث يسمح ببعض المشاركة الشكلية التجميلية من خارج النظام مع بقائه هو المتحكم الوحيد في السياسة العامة للدولة, الهدف المعلن من الدستور هو التعددية السياسية بحيث لا تتعدى فترة الرئاسة مدتين متتاليتين يستطيع بشار الأسد مواصلة الحكم لفترة تقارب الأربعة عشرة عاما ومن بعدها يمكن تعديل الدستور ثانية لتغيير هذه الفقرة كما حدث في السابق.
الخطة التي يطبقها النظام الحالي هدفها الاستمرار في بقائه في الحكم مع تطبيقه سياسته الأمنية المفروضة على السوريين بدون تعديل كبير عليها وبقاء العصابة الحاكمة في السلطة وإبعاد كل الذين شاركوا في الثورة عن مراكز القيادة, وإعطاء مزيدا من المزايا للذين بقوا مدافعين عن النظام أو الصامتين, وهذا معناه إعادة الأمور في سوريا كما هي قبل الثورة, مما قد يؤدي إلى تهجير الملايين من السوريين إلى الدول والمناطق المجاورة بعيدا عن حكم آل الأسد بحيث لا تطالهم آلته الأمنية كما حدث في حماه في ثمانينيات القرن الماضي, والمباشرة بأعمال مسلحة ضد النظام لتتطور بعدها لتستهدف أفراد النظام وداعميه المباشرين, لتبقى المنطقة في صراع دموي تنخرط فيه المنطقة بالكامل وتطال سوريا والدول المجاورة لها وخاصة لبنان والأردن بحيث أنها تمنع الاستقرار في المنطقة لمدة طويلة, فهل العالم مستعدا لهذه المرحلة أو انه سوف يتدخل قبل أن تصل الأمور لنقطة اللاعودة.