لا ريب أن أهل السنة جميعا يجلون الصحابة ويعترفون لهم بالفضل وهذا لا خلاف فيه، غير أن ذلك لا يريدون به أبدا أنهم معصومون أو أنه لا يجوز انتفاد تصرفات صدرت منهم أو بيان حيدهم عن الصواب فهم بشر غير معصومين، فإذا كان الشيعة قد تطرفوا في أئمتهم وزعموا لهم العصمة ونحن ننكر عليهم ذلك أفيجوز لنا التصرف بمقتضى العصمة ثم نقول إننا لا ندعي لهم العصمة.
فالصحابة تصدر منهم أخطاء وقد تصدر منهم معاص وواجبنا أن لا نرفع مقام الصحابة إلى حد العصمة بل أن نعاملهم بشرا يصيبون ويخطئون يطيعون ويعصون، والعجب ممن يجعل بمنع نقد تصرف صدر منهم أو بيان معصية لأحدهم وقد حد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم وقد جاء الحديث بهلاك الخادم لرسول الله وهو صحابي ولكنه كان سارقا وهو صحابي.
وحتى أثبت تعامل السلف الأجلاء مع الصحابة وذكرهم لفضائلهم مع الإشارة إلى أخطائهم وما قد يعد معصية أورد نصا لشيخ الإسلام ابن تيمية، في عثمان وعلي:
ثم لو قدر أنه كان يستحق النفي الدائم فغاية ذلك أن يكون اجتهادا اجتهده عثمان في رده لصاحبه أجر مغفور له أو ذنبا له أسباب كثيرة توجب غفرانه وقوله ومنها نفيه أبا ذر إلى الربذة وتزويجه مروان بن الحكم ابنته وتسليمه خمس غنائم إفريقية وقد بلغت مائتي ألف دينار فيقال أما قصة أبي ذر فقد تقدم ذكرها وأما تزويجه مروان ابنته فأي شيء في هذا مما يجعل اختلافا وأما إعطاؤه خمس غنائم إفريقية وقد بلغت مائتي ألف دينار فمن الذي نقل ذلك وقد تقدم قوله إنه أعطاه ألف ألف دينار والمعروف أن خمس إفريقية لم يبلغ ذلكونحن لا ننكر أن عثمان رضي الله عنه كان يحب بني أمية وكان يواليهم ويعطيهم أموالا كثيرة وما فعله من مسائل الاجتهاد التي تكلم فيها العلماء الذين ليس لهم غرض كما أننا لا ننكر أن عليا ولى أقاربه وقاتل وقتل خلقا كثيرا من المسلمين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون ويصلون لكن من هؤلاء من قاتله بالنص والإجماع ومنهم من كان قتاله من مسائل الاجتهاد التي تكلم فيها العلماء الذين لا غرض لهم وأمر الدماء أخطر من أمر الأموال والشر الذي حصل في الدماء بين الأمة أضعاف الشر الذي حصل بإعطاء الأموال فإذا كنا نتولى عليا ونحبه ونذكر ما دل عليه الكتاب والسنة من فضائله مع أن الذي جرى في خلافته أقرب إلى الملام مما جرى في خلافة عثمان وجرى في خلافة عثمان من الخير مالم يجر مثله في خلافته فلأن نتولى عثمان ونحبه ونذكر ما دل عليه الكتاب والسنة بطريق الأولى
الخلاصة أننا نحب الصحابة ونعزهم كما نحب آباءنا وأمهاتنا بل أكثر ومع ذلك فهم بشر قد تصدر منهم المعصية ويطالبون بالتوبة تماما كما تابت أمنا عائشة رضي الله عنها بعد واقعة الجمل وتماما كما أمرت رضي الله عنها زيدا أن يتوب من معاملة ربوية وإلا يكون قد أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحق لا يمنعنا أن نقول لوالدينا إنكم أخطأتم هنا أو عصيتم لأن الحق أعلى من الجميع فلا يمكن أن نضحي بالحق لمحبتنا لفلان أو تقديسنا واعتقادنا العصمةالمقنعة لفلان أو فلان وكما يقول القانونيون القانون فوق الجميع. قال تعالى: ((ولا تكسب كل نفس إلا عليها))