أرشدنا الله تعالى في محكم كتابه الكريم إلى العدل في الحكم بين الناس فقال : " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) سورة النساء .
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ:جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَتَقَاضَاهُ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ لَهُ أُحَرِّجُ عَلَيْكَ إِلاَّ قَضَيْتَنِى فَانْتَهَرَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا وَيْحَكَ تَدْرِى مَنْ تُكَلِّمُ قَالَ إِنِّى أَطْلُبُ حَقِّى فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم هَلاَّ مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ كُنْتُمْ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ لَهَا إِنْ كَانَ عِنْدَكِ تَمْرٌ فَأَقْرِضِينَا حَتَّى يَأْتِيَنَا تَمْرٌ فَنَقْضِيَكِ فَقَالَتْ نَعَمْ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَأَقْرَضَتْهُ فَقَضَى الأَعْرَابِىَّ وَأَطْعَمَهُ فَقَالَ أَوْفَيْتَ أَوْفَى اللَّهُ لَكَ فَقَالَ : " أُولَئِكَ خِيَارُ النَّاسِ إِنَّهُ لاَ قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لاَ يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ". أخرجه ابن ماجة 2426.
ولقد ضرب الخلفاء الأوائل أروع الأمثلة على ذلك , فها هو الصديق أبو بكر رضي الله عنه يقول في أول كلام له بعد توليه الخلافة والحكم : " قال: أيها الناس! لقد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، وما ترك قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله؛ فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم . السيرة النبوية لابن حبان 419.
وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الجمعة بالناس، وكان قبل الجمعة يوم الخميس حين وزع عليهم ثوباً ثوباً، عندما أتته ثياب من اليمن اشتراها، فلما وصلت الثياب أعطى المسلمين, كل مسلمٍ ثوباً، وأخذ هو ثوباً واحداً، لكن عمر كان طويلاً, عملاقاً، كبير البنية، ما كفاه ثوبٌ واحد! فقال لابنه عبد الله : أعطني ثوبك مع ثوبي؛ لأني رجل طويل، ثوبك الذي هو حصتك مع المسلمين ألبسني إياه.
فقال عبد الله : خذ ثوبي, فلبس ثوبين -تغير الشكل، كيف يلبس ثوبين والمسلمون لبسوا من ثوب واحد- فبدأ الخطبة، وقال: أيها الناس! اسمعوا وعوا، فقام سلمان من وسط المسجد، وقال: والله لا نسمع ولا نطيع، فتوقف واضطرب المسجد، وقال: ما لك يا سلمان ؟قال: تلبس ثوبين وتلبسنا ثوباً ثوباً ونسمع ونطيع.قال عمر : يا عبد الله ! قم أجب سلمان ، فقام عبد الله يبرر لسلمان ، وقال: هذا ثوبي الذي هو قسمي مع المسلمين أعطيته أبي، فبكى سلمان ، وقال: الآن قل نسمع, وأمر نطع، فاندفع عمر يتكلم. أعلام الموقعين لابن القيم 2 / 180 .
وابتاع ( أي اشترى ) أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فرسًا من رجل من الأعراب ودفع له ثمنه ثم ركب فرسه ومضى به، لكنه ما كاد يبتعد بالفرس طويلاً حتى ظهر فيه عطب عاقه عن مواصلة الجري، فانثنى به عائدًا من حيث انطلق، وقال للرجل: خذ فرسك؛ فإنه معطوب، فقال الرجل: لا آخذه يا أمير المؤمنين وقد بعته منك سليمًا صحيحًا. فقال عمر: اجعل بيني وبينك حَكَمًا، فقال الرجل: يحكم بيننا شريح الكندي، فقال عمر: رضيت. فاحتكم عمر أمير المؤمنين وصاحب الفرس إلى شريح، فلما سمع شريح مقالة الأعرابي التفت إلى عمر وقال: هل أخذت الفرس سليمًا يا أمير المؤمنين؟. فقال عمر: نعم. فقال شريح: احتفظ بما اشتريتَ يا أمير المؤمنين أو رُد كما أخذت. ماذا كان موقف عمر عند ذلك؟؛ هل زمجر في وجهه وقال: كيف تحكم على أمير المؤمنين أو شيئًا من هذا القبيل؟!.. كلا، ولكن قال: وهل القضاء إلا هكذا؛ قول فصل، وحكم عدل؟!". البداية والنهاية 11/402 , فقه الدعوة إلى الله : عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني 2/564.0.
فبذل النصح للحاكم وإرشاده إلى ما فيه الصلاح والفلاح واجب شرعي , عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، قَالُوا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ِللهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِنَبِيِّهِ ، وَلأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَامَّتِهِمْ.- وفي رواية : إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قَالُوا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ِللهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.
أخرجه "أحمد" 4/102(17064) و"مسلم" 1/53(107) و"أبو داود" 4944 و"النَّسائي" "الكبرى" 7773 .
وترك التناصح سبب لنزل العذاب عليهم , قال صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده، لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم لتدعنَّه فلا يستجيب لكم ) رواه أحمد .
روى الترمذي في "جامعه" عن قيس بن أبي حازم ، عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس: إنكم تقرؤون هذه الآية، وتتأولونها على غير تأويلها: { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب ) رواه أصحاب السنن، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
مننقول