اعلم أن عقيدة المسلمين سلفا و خلفا بلا شك و لا ريب أن الله سبحانه و تعالى هو خالق العالم ، قائم بنفسه مستغن عن كل ما سواه ، فكلنا نحتاج إلى الله ولا نستغني عنه طرفة عين ، و الله تعالى لا يحتاج لشئ من خلقه ، و لا ينتفع بطاعاتهم و لا ينضر بمعاصيهم ، و لا يحتاج ربنا إلى محل يحله و لا إلى مكان يقله ، و إنه ليس بجسم و لا جوهر. و اعلم أن الحركة و السكون و الذهاب و المجئ و الكون فى المكان ، و الاجتماع و الافتراق ، و القرب و البعد من طريق المسافة ، و الاتصال و الانفصال ، و الحجم و الجرم ، و الجثة و الصورة و الشكل و الحيز و المقدار و النواحي و الأقطار و الجوانب و الجهات كلها لا تجوز عليه تعالى لأن جميعها يوجب الحد و النهاية و المقدار و من كان ذا مقدار كان مخلوقا ، قال تعالى:{ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ.} سورة الرعد / من الأية 8.
و اعلم أن كل ما تصور فى الوهم من طول و عرض و عمق و الألوان و هيئات يجب أن يعتقد أن صانع العالم بخلافه ، و أنه تعالى لا يجوز عليه الكيفية و الكمية و الأينية لأن من لا مثل له لا يجوز أن يقال فيه كيف هو؟ و من لا عدد له لا يجوز أن يقال كم هو؟ ، و من لا أول له لا يقال مما كان؟ و من لا مكان له لا يقال فيه أين كان؟ ، فإن الذي أيّن الأين لا يقال له أين ، والذي كيف الكيف لا يقال له كيف.فالله تعالى مقدس عن الحاجات ، منـزه عن العاهات ، و عن وجوه النقص و الآفات ، متعال عن أن يوصف بالجوارح و الآلات ، و الأدوات و السكون و الحركات ، لا يليق به الحدود و النهايات ، و لا تحويه الأرضون و لا السموات ، و لا يجوز عليه الألوان و المماسات ، و لا يجري عليه زمان و لا أوقات ، ولا يلحقه نقص و لا زيادات ، و لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات ، موجود بلا حد ، موصوف بلا كيف ، لا تتصوره الأوهام ، و لا تقدره الأفهام ، و لا يشبه الأنام ، بل هو الموجود الذي لا يشبه الموجودات واحد فى ملكه فلا شريك له.
و الله سبحانه و تعالى خالق العالم بأسره علويه و سفليه. والأرض و السموات ، قادر على ما يشاء ، فعال لما يريد ، موجود قبل الخلق ليس له قبل و لا بعد و لا فوق و لا تحت و لا يمين و لا شمال و أمام و لا خلف و لا كل و لا بعض و لا طول و لا عرض ، كان و لا مكان ، كون الأكوان و دبر الزمان ، لا يتخصص بالمكان ، و لا يتقيد بالزمان ، ليس بمحدود فيحد ، و ليس بمحسوس فيجس ، و لا يُحس و لا يُمس و لا يُجس.
و كل ما كان من معانى الأجسام و صفات الأجرام فهو عليه تعالى محال ، و كل ما ورد فى القرءان أو السنة وصفا لله تعالى فهو كما ورد و بالمعنى الذي يليق بالله تعالى بلا تكييف و لا تمثيل و لا تشبيه.
و لا يجوز حمل المتشابه من الآيات و الأحاديث على ظواهرها ، و من فعل ذلك فقد كذب القرءان و خرج عن إجماع الأمة الإسلامية.
و في ذلك يقول شيخ الإسلام الحافظ البيهقي رحمه الله:[ و في الجملة يجب أن يعلم أن استواء الله سبحانه و تعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج ، و لا استقرار في مكان ، و لا مماسة لشئ من خلقه ، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين ، و أن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان ، و أن مجيئه ليس بحركة ، و أن نزوله ليس بنقلة ، و أن نفسه ليس بجسم ، و أن وجهه ليس بصورة ، و أن يده ليست بجارحة ، و أن عينه ليست بحدقة ، و إنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها و نفينا عنها التكييف ، فقد قال تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.} سورة الشورى / 11. و قال:{ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ.} سورة الإخلاص / 4. و قال:{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا.} سورة مريم / من الأية 65. انتهى من كتابه الاعتقاد و الهداية صفحة 72.
و على هذا الاعتقاد إجماع أهل الإيمان و نقل هذا الإجماع النووي فى شرح مسلم 5 / 24 = طبعة دار الفكر = بيروت عن القاضي عياض المالكي أنه لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم و محدثهم و متكلمهم و نظارِهم و مقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله فى السماء كقوله تعالى:{ أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء.} سورة تبارك / من الأية 16. و نحوه ليس على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم.
و على هذا كان أئمة الإسلام و بحور العلم كالإمام ابن الجوزي الحنبلي حيث يقول فى كتابه المدهش = طبعة دار الجيل = صفحة 131:[ و إنما تضرب الأمثال لمن له أمثال ، كيف يقال له كيف ، والكيف فى حقه محال ، أنىَّ تتخيله الأوهام و كيف تحده العقول.] و يقول:[ ما عرفه من كيفه و لا وحده من مثله ، و لا عبده من شبهه ، المشبه أعشى و المعطل أعمى.]
و فى كتابه الفتاوى الهندية [ 2/259 ] من طبعة دار إحياء التراث العربي يقول ما نصه:[ يكفر بإثبات المكان لله تعالى.] و فى كتاب المنهاج القويم شرح شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمى على المقدمة الحضرمية صفحة 224 يقول:[ و اعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي و مالك و احمد و أبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة و التجسيم و هم حقيقون بذلك.]
و مثل ذلك قال الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه فيما رواه عنه القشيري فى الرسالة:[ من زعم أن إلهنا في شئ ، أو على شئ ، أو من شئ فقد أشرك ، إذا لو كان فى شئ لكان محصورا ، و لو كان على شئ لكان محمولا ، و لو كان من شئ لكان محدثا.] أى مخلوقا.
و هذا المعتقد الحق الذي نقل الإجماع عليه أيضا إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك فى كتابه الإرشاد حيث يقول فى صفحة / 58:[ مذهب أهل الحق قاطبة أن الله سبحانه و تعالى يتعالى عن الحيز و التخصص بالجهات.]
و قال الإمام الكبير عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي فى الفرق بين الفرق صفحة / 333:[ و أجمعوا على أنه لا يحويه مكان و لا يجري عليه زمان.]
و على هذا الاعتقاد إجماع أهل الإيمان و نقل هذا الإجماع النووي فى شرح مسلم 5 / 24 = طبعة دار الفكر = بيروت عن القاضي عياض المالكي أنه لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم و محدثهم و متكلمهم و نظارِهم و مقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله فى السماء كقوله تعالى:{ أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء.} سورة تبارك / من الأية 16. و نحوه ليس على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم.