''والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس''
التحكم في النفس
مما يؤكد هذا الأمر، الوصية الخاصة من رسول الله عليه الصلاة والسلام للصائمين عن أبي هريرة
رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''الصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم
فلا يرفث ولا يصخب (وفي رواية ولا يجهل) فإن سابّه أحد أو قاتله: فليقل: إني امرؤ صائم'' متفق عليه·
وفي رواية: مرتين، والرفث: الكلام المتعلق بالنساء ، وقيل: الفحش في الكلام عامة· والصخب: الصياح
ورفع الأصوات، شأن الجهال، وهذا معنى ''ولا يجهل''·
فمن أدب الصائم أن يدفع السيئة بالحسنة وأن يقول لمن سبه أو شتمه، إني صائم، يقول ذلك بقلبه ولسانه،
يخاطب بذلك نفسه ليلجمها بلجام التقوى، ويخاطب بذلك شاتمه ليكف شره، ويطفئ غضبه بماء الحلم
والدفع بالتي هي أحسن·
وإن من المفارقات بين هذا وبين الواقع الذي نعيشه أن الواحد تراه عندما يدخل رمضان يبدو في حالة متوترة
وبدل أن يقول: اللهم إني امرؤ صائم، تجده يستغل الصيام كوسيلة للتهديد فيقول لمن يكلمه أو يخالفه الرأي:
''اتركنا فالواحد صائم عاش يضربك''·· بل تجدنا نهاب من الإنسان ونقول إنه صائم··! فكأن الصائم معذور
ومتوقع منه أن يتصرف التصرفات العرجاء، فعذره أنه صائم وأن الحشيشة تتحكم فيه، أو أنه لم يشرب القهوة
أو الشاي أو أشياء من هذا نسمعها ونراها في رمضان·
ومن المطلوب والمفروض أن يقول - عندما يؤذى من الآخرين أو يتعرض للشتم- إني صائم، حيث يتذكر العهد
مع الله، وأجر الصائمين على تحمّل الأذى، كما يخشى الحرمان من الأجر وعدم العتق من النار·
إن التحكم في النفس ورد في القرآن بمعنى كظم الغيظ، ولذلك أثنى الله عز وجل على الكاظمين الغيظ فقال سبحانه:
''وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السرّاء والضراء
والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين''· فالمتقون هنا من صفاتهم أنهم يكظمون الغيظ· فكظم الغيظ،
وهو أحد معاني التحكم في النفس، جنة عرضها السماوات والأرض، ولو لم يأتنا إلا هذه الآية لكفانا بها والله فضلا وشرفا·
فالتحكم في النفس هو منعها من التصرف الخاطئ في المواقف الطارئة والمفاجئة التي تتطلّب قدرا من الشجاعة والحكمة
وحسن التصرف، فالذي يتحكم في نفسه هو الذي يكظم غيظه، وهو الذي يحبس غضبه، قال صلى الله عليه وسلم:
''ما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيمانا''·
مظاهر عدم التحكم في النفس :
لا يخفى أن للتحكم في النفس علامات، وعدم التحكم في النفس له علامات كذلك·· فكلما ظهر منها شيء كان على الإنسان
أن يعرف ذاته ويقوّم نفسه ويحاسبها قبل أن تتصرف تصرفات هوجاء تؤدي به لما لا تحمد عواقبه··
ومن هذه المظاهر:
سرعة الغضب والانفعال والتأثر: ويشاهد هذا عند حدوث الأفعال وردود الأفعال التي لم تدرس عواقبها·
فنسمع أحيانا أن هناك بعض الناس يقومون بتصرفات تحدث كرد فعل لما وقع بهم نلومهم عنها بعد وقوعها،
أو يندمون عليها من تلقاء أنفسهم· وهذه هي التي قلت قبل قليل إنها تجرّ علينا الويلات·
والقرآن يضرب لنا المثل بأبي إبراهيم ( الخليل عليه السلام ) عندما تصرّف بغضب وتأثر مع ابنه إبراهيم
( الخليل عليه السلام ) وهو يمارس معه أحسن الأساليب وألطف العبارات قال تعالى: ''قال أراغب أنت عن آلهتي
يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنّك واهجرني مليا'' مريم·
إطلاق اللسان: والأمر الثاني الدال على عدم التحكم في النفس هو إطلاق اللسان بالسب أو الشتم أو نحو ذلك··
وهذا ما حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام الصائم·· ولنستمع لهذه القصة لنعرف كيف نقابل مثل هذه الأحداث
التي تقع في البيوت وبيننا من حين لآخر، فنجعل الإنسان في حيرة من أمره، كان الرسول صلى الله عليه وسلم
عند عائشة في يوم من الأيام، فأرسلت إحدى زوجاته، رضي الله عنهن جميعا، طعاما للرسول صلى الله عليه وسلم
قد أصلحته بصحفة مع جارية لها، فلما جاءت بالطعام والرسول عند عائشة، أخذت الغيرة عائشة رضي الله عنها،
تأتي بطعام واليوم يومها والرسول عندها، الغيرة شديدة بالنسبة للنساء، فقامت عائشة وأخذت الصحفة وكسرتها
وانتثر الطعام، فقام صلى الله عليه وسلم يجمع ما انتثر من الطعام ويقول: غارت أمكم، غارت أمكم،
وهو يبتسم صلى الله عليه وسلم·
وأخذ صحفة جديدة وأرسلها إلى أم المؤمنين بدل ما كسر·· هذا هو خلق المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا هو الخلق·
كم من المتحادثين وبسبب كلمة قالها أحدهم، فرد عليه الآخر حتى تصل أحيانا إلى أن يلعن الرجل أباه وأمه
(قيل كيف يا رسول الله يلعن الرجل أباه وأمه؟ قال: يسب أب الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)·
قال الشاعر:
وإذا غضبت فكن وقورا كاظما.......... للغيظ تبصر ما تقول وتسمع
فـــــتكــفى به شرفا تصبّر ساعة......... يرضى بها عنك الإله وتُرفع
يقول صلى الله عليه وسلم: ''أمسك عليك لسانك''· ولما قال له معاذ رضي الله عنه: إنا يا رسول الله مؤاخذون
بما نتكلم؟ قال: ''ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم''··
وقال صلى الله عليه وسلم وقد أمسك بلسان نفسه: كف عليك هذا·
ودخل عمر رضي الله عنه على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو آخذ بلسانه يجره، وكأنه يريد أن يقلعه،
قال له: يا أبا بكر حسبك، قال: هذا الذي أوردني الموارد·
فالمحافظة على اللّسان وضبط اللّسان سبب التحكم في النفس بل هو جزء من ذلك·
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
2007-05-11, 22:20
التحكم في النفس
العرض العادي
