دخل جهاز التّلفاز كلّ بيت وكلّ غرفة، لدرجة أنّه أصبح كالخبز يتناوله أطفالنا مع وجبة الطّعام، وصار آخر ما تلتقطه أعينهم قبل النّوم. يتشربون منه سلوكياتهم، ويقلّدون ما يرونه في هذا الصّندوق العجيب والخطير في نفس الوقت، دون وعي منهم بآثاره السّلبية. لطالما تساءلت: لم صار أطفالنا يميلون إلى العنف أحيانا، ويستخدمون القوّة لحلّ مشكلاتهم أحيانا أخرى؟ إلى أن عثرت على دراسة أثبتت أن أفلام الكرتون تُظهر أكثر من 80 مشهد عنف في السّاعة. وإذ ذاك تبين أنّ من بين أسباب العنف لدى أطفالنا هو ميلهم إلى تقليد شخصيات أفلام و مسلسلات تعرضها عليهم قنوات متخصصة في برامج الأطفال.
كما أكّدت نفس الدراسة أن مشاهد العنف تتسبّب في خلق مناخ مليءٍ بالمخاوف، وتجرّد المشاعر لدرجة أنّ الأطفال و المراهقين أصبحوا يمارسون في مدارسهم ما يرونه من عنف على شاشة التّلفاز، إضافة إلى الكوابيس التي تلازمهم أثناء نومهم، والّتي تؤثّر على حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعيّة، لأنّهم باتوا يعانون من هذيان ذهني جرّاء إفراطهم في مشاهدة العنف؛ فهم يخافون من الخروج، ولا يشعرون بالأمان، ويجتنبون التّعامل مع جيرانهم، ويميلون إلى العدوانيّة، كما يقلل من الإبداع والتخطيط لوجود الأفلام الخيالية الجاهزة.
أما من الجانب الصّحّي، فإنّ الجلوس المطوّل أمام التّلفاز يرهق العينين، ويقلّل من الانتباه والتّركيز في فترة المراهقة، ويتعب الجسد نتيجة الجلوس الطويل بشكل غير مريح، إضافة إلى الكسل والخمول وقلّة الحركة وبالتالي السّمنة، زيادة على هذا فإن الجلوس الكثير أمام التلفاز يؤدِّي إلى العزلة، باعتباره بديلا عن الوسط الاجتماعيّ.
وفي دراسة أخرى قام بها عدد من العلماء في جامعة مونتريال الكنديّة، والّتي ترأّستها الأستاذة " ليندة باغي"، خلصت إلى أنّ مشاهدة التّلفاز لمدّة أكثر من 3 ساعات يوميا تؤثّر سلبًا على النّطق من حيث تكوين المفردات، وكذلك على تطوير مهارات الحساب لدى الطفل ذي سنتين. لذا أوصى الخبراء بفرض توجيهات على الأهالي لمراقبة ساعات مشاهدة أطفالهم التلفاز، بحيث لا تتجاوز السّاعتين في اليوم للأطفال فوق السّنتين، وكذا التّأكّد من جلوسهم على مسافة لا تقلّ عن ثلاثة أمتار عن الشّاشة، وحضّهم على مزاولة نشاطات أخرى مفيدة أكثر لسنّهم كاللعب.
وفي دراسة أجراها البروفيسور الفرنسي "مارسيل لوثر" أثبت أنّ المدّة الأقصى المسموح بها للأطفال بالجلوس أمام التّلفاز دون أيّ تأثير سلبي هو 50 دقيقة في اليوم؛ حيث كشف أنّ التّلاميذ المتفوّقين في دراستهم لا تزيد مدّة مشاهدتهم للتلفاز عن ساعة في اليوم، في الوقت الّذي كشفت ذات الدّراسة أنّ التّلاميذ الّذين يعانون من التّعثّر الدّراسي ويحصلون على درجات ضعيفة هم التّلاميذ الذين يقضون وقتا طويلا يفوق السّاعتين إلى ثلاث ساعات يوميا أمام التلفاز، لأنّ هؤلاء لا يتمتّعون بالوقت الكافي للمطالعة، ولا لإطلاق العنان لخيالهم، أو حلّ واجباتهم المدرسية في هدوء بدون تسرّع.
إنّ خطورة التّلفاز لا تقف هنا فقط، بل تصل إلى حدّ التّأثير على العقيدة والدّين، لأنّ معظم الجهات المسؤولة عن إنتاج أفلام الكرتون يابانية أو أمريكية.
وللآباء دور مهمّ جدّا في توعية أبنائهم للتّفريق بين ما ينفعهم وما يضرّهم، وإليكم بعض النّصائح التّوعويّة الّتي يحسن اتباعها لترشيد استعمال جهاز التلفاز:
- التقليل من استخدام التلفاز لمدة ساعة إلى ساعتين يومياً مع الاهتمام بنوعية البرامج المشاهدة.
- جعل أجهزة التلفاز وألعاب الفيديو خارج حجرات الأطفال، وعدم وضعها في أكثر الأماكن ظهوراً في المنزل، بل توضع في مكان بعيد حتى لا تكون رفيقا دائمًا لأطفال الأسرة.
- التعرف على محتوى البرامج التي يشاهدها الأطفال، حتى لو كانت مخصّصة لهم.
- الإجابة على أسئلة الأطفال التي تدور في أذهانهم بخصوص ما يستجد عليهم من مفاهيم استبنطوها من خلال برنامج ما شاهدوه، وتصحيح أفكارهم الخاطئة.
- تعويد الطفل على التفريق فيما يشاهده بين الواقع والخيال، وعدم تقليد كل شيء يراه.
- التربية بالقدوة الحسنة من خلال الإقلال من متابعة التّلفاز.
- تقديم نشاطٍ بديلٍ للطّفل عن مشاهدة التّلفاز، كممارسة الأنشطة والهوايات.
التّلفاز سلاح ذو حدين، وكي لا أنفي عنه دوره الإيجابي دعوني أُذكّر أنّه يسهم كذلك في إثراء رصيد الطّفل ثقافيا وعقائديا، من خلال البرامج الإسلامية الجميلة والممتعة والهادفة، وطالما كان الأولياء حريصين على جودة و صحّة البرامج الّتي يشاهدها أبناؤهم فإن هذا سيثري الرصيد اللّغويّ بالمفردات والمعاني.
إن حياتنا مع التلفاز شبيهة بالذي يرعى الغنم في وادي السّباع، إذا غفل عنها أُكلت. وأحسن ما أختم به ما رواه عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عن رعيَّتِه، فالإِمَامُ رَاعٍ ومَسؤُولٌ عن رعيَّتِه، والرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهلِهِ ومَسؤُولٌ عن رَعِيَّتِه، والمَرأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيتِ زَوجِهَا وَمَسؤُولَةٌ عن رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمسؤُولٌ عن رَعِيَّتِه. (قال الراوي: وحسبت أنه قد قال): وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسؤُولٌ عن رَعِيَّتِه».
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
2014-03-13, 13:55
حذاري من التلفاز
العرض العادي
