يوم لقبت بالعالم الجليل (أمر مضحك)

[عبدو الصغير]

السلام عليكم ورحمة الله،

يقال أن شر البلية ما يضحك وأن الإنسان عدو ما يجهله، وما أكثر الحوادث الطريفة التي تمر على الإنسان في حياته ليتذكرها بعد حين من الزمن فيضحك كثيرا وقد يسخر من نفسه ومن محيطه....

وهذه واحدة منها وقعت لي في أواخر تسعينات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة، وأذكر حينها أنني كنت طالبا في السنة الأولى جامعي حيث كان الهاتف النقال جديدا أنداك وبالكاد يملكه أحد والمتداول بين الناس أنداك هو الهاتف الثابت، وحتى محلات الهواتف العمومية كانت تشتغل بالثابت فقط....

المهم أذكر حين ذاك أن شابا من منطقتنا الصغيرة إشترى هاتفا نقالا لأول مرة ولم يكن أحدا من أهل القرية يملك هاتفا نقالا في ذلك الوقت، فكان حدثا مثيرا داخل قريتنا وانتشر بين أغلب سكان القرية على بساطتهم، يقول أحد الشيوخ : إنه يتكلم به ويضعه في جيبه إن هذا لشيء عجيب ما سمعنا به من قبل...وقد كثرت الأحاديث في هذا الشأن بين مختلف أبناء القرية...وليس هذا المهم في الأمر،

المهم في القصة أن لهذا الشاب صديق لي في مثل سني، هذا الصديق اشتهر بالفضول الزائد في كل الأمور فما من آلة أو أي شيء رآه إلا حاول العبث به من باب الفضول، هذا الفضول الذي أوصله في كثير من الأحيان إلى مشاكل كبيرة، وبدافع هذا الفضول فقد حاول صديقي الوصول إلى هاتف أخيه لكن الهاتف كان أغلب الوقت مع أخيه فلم يتمكن من ذلك....

إلى أن أتحيت له الفرصة في يوم من الأيام بعد خروج أخيه لأمر طاريء تاركا وراءه هاتفه النقال مما جعل الفرصة مواتية لصديقي ليشبع فضوله من هذه الآلة العجيبة التي لم يرها من قبل ولم يعرفها...

أخد صديقي الهاتف النقال وشرع بالعبث به وأطال في ذلك... ومن حيث لا يدري ومن سوء حظه فقد فعل نظام تحويل المكالمات وقام بتحويل جل المكالمات إلى رقم ثابت لأحد التجار في قريتنا...وحينما شعر بعودة أخيه وضع الهاتف في مكانه وكأن شيئا لم يحدث،

أخد الشاب هاتفه وأول ما لاحظه ذلك السهم الذي يظهر عادة حينما نشغل خدمة تحويل المكالمات فعرف أن هناك أمر حدث لهاتفه، ثم إن هاتفه لم يرن تلك الأمسية على غير العادة فساوره الشك في هذا الأمر... وانطلق في الغد صباحا إلى القرية ليفاجئه ذلك التاجر أن هاتفه الثابت يرن وحينما يرفع السماعة يجد أناسا يطلبون الشاب فيجيب التاجر ببساطته أنهم مخطئون في الرقم، ومع الوقت تضايق التاجر من كثرة رنين الهاتف وقد تأكد الشاب والتاجر أن لذلك السهم الموضح على شاشة الهاتف النقال سبب في هذا الأمر، لكن لا أحد يعرف مثل هذه الأمور ولا أحد يقدر على حل مثل هذه المشكلات...

وكباقي الأخبار الأخرى فقد انتشر هذا الخبر أيضا بين سكان القرية وفحواه أن هاتف الشاب تعطل وأن جل مكالماته تستقبل من قبل التاجر، واستنجد الشاب والتاجر بكل أصحاب الهواتف العمومية علهم يجدون حلا لمشكلتهم لكنهم لم يجدوا شيئا لأن جل محلات الهواتف العمومية كانت تشتغل بالهاتف الثابت ولا تفقه شيئا عن هذا الوافد الجديد...

المهم أن أهل القرية انشغلوا وعلى رأسهم الشاب والتاجر وتحيروا من أمرهم هذا ولم يجدوا أي حل خاصة أن مركز الهاتف النقال لا يوجد إلا على مستوى العاصمة بحكم حداثة هذا المنتوج وأن الذهاب إلى العاصمة قد يتطلب وقتا، وقد ُنصح الشاب من طرف بعض الرجال أنه يمكنه أن يفقد هاتفه من طرف الشركة الأصلية لأنه عبث به (وهو رأي على بساطته لكنه مضحك)،

ولما يأس الناس من جل المحاولات قال أحدهم إن هذا الأمر يتطلب شخصا مثقفا يتقن بعض الفرنسية عله يقرأ ويحاول أن يفهم ما حل بالهاتف النقال وأشار عليهم بي وقد أكثر من المديح، وأخبرهم أنني شاب أدرس في الجامعة وأنني كثير المطالعة لمختلف الكتب (ولا أدري ما علاقة هذا بذاك)...

المهم أنه في إحدى الأمسيات طرق بابنا ثلاث رجال طالبين من أخي الصغير أن يناديني، ولما خرجت تعجبت للأمر فقد وجدت ثلاث رجال ينظرون إلي وكأن الأمر يتعلق بمصير أمة، وبعد إلقاء التحية أخبروني الخبر والذي يتعلق بذلك الهاتف وقد كنت على علم به ، قلت وما المطلوب مني وأنا لا أعرف شيئا عن هذه الآلة ولم يسبق لي أن استعملتها؟؟؟ قالوا حاول رويدا رويدا فقد يتطلب الأمر بعض التركيز والقراءة باللغة الفرنسية ونحن لا نفقه ذلك....قبلت الأمر على مضض مع إخباري أياهم أنني لا أعرف شيئا وأن لا ينتظروا مني أية نتيجة،

أخدت الهاتف وشرعت بالبحث فيه، دخلت ملف الرسائل وبدأت أبحث عن أي علاقة تربط بين الرسائل والمكالمات فلم أجد شيئا، فخرجت ودخلت ملفا آخر فلم أفلح...وبقيت أحاول هنا وهناك إلى أن دخلت ملف المكالمات وبالصدفة دخلت إلى ملف تحويل المكالمات وقد عرفت ذلك من خلال السهم الموضح، فأدركت أنني قريب من الحل..

المهم دخلت فوجدت خدمة تحويل المكالمة مفعلة فقمت بإبطالها بعدما قمت بحذف رقم التاجر....كل هذا الأمر وأعين الرجال الثلاثة ترقبني،

بعدما قمت بهذا الأمر نظرت إلى الهاتف فإذا بالسهم المشير إلى تحويل المكالمات قد اختفى وأدركت أن الإشكال قد حل، فطلبت إلى الرجال أن يحاولوا تجريب الأمر، فصاح أحدهم بابنه الصغير أن يذهب إلى أي هاتف عمومي وأن يتصل بهذا الرقم والذي ناوله أياه في ورقة على أن يتولى صاحب الهاتف العمومي تشكيل الرقم...

وما هي إلا لحظات حتى رن الهاتف وهتف الرجال تا الله إنك لعالم جليل، وصاح الآخر إنك عبقري وصاح الثالث أنت "مخ"، ولأن خبر شراء الهاتف وتعطله قد انتشر فإن خبر إصلاحه أيضا قد انتشر بين سكان القرية وأصبحت حديث العام والخاص، وكم كنت أحس بالرضى حينما أمر على القوم فيتهامزون بأن ذلك الشخص (أي أنا)هو العالم الذي أصلح الهاتف النقال الذي عجز الكل عن إصلاحه،

ورغم أن هذه العملية في وقتنا الحالي يمكن لأي صبي صغير أن يقوم بها إلا أنها في ذلك الوقت استعصت على الجميع، وحينما أتذكرها أضحك طويلا...

فهل حدثت معكم أشياء كهذه؟؟؟