هل كل الطرق الصوفية على خطأ ؟ - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد

قسم العقيدة و التوحيد تعرض فيه مواضيع الإيمان و التوحيد على منهج أهل السنة و الجماعة ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

هل كل الطرق الصوفية على خطأ ؟

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-04-07, 18:57   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ابو اكرام فتحون
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ابو اكرام فتحون
 

 

 
الأوسمة
أحسن مشرف العضو المميز 1 
إحصائية العضو










B11 هل كل الطرق الصوفية على خطأ ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

هل كل الطرق الصوفية على خطأ ؟

هل كل الطرق الصوفية على خطأ ؟
أرجوا رداً قاطعاً أثابكم الله .



الطرق الصوفية محدثة, وهي من البدع
وهي متفاوتة بعضها شر من بعض
والرسول-عليه الصلاة والسلام-قال :
(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)
وقال- عليه الصلاة والسلام- من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)
فالطرق لانحصيها وإحصاؤها يحتاج إلى تعب كثير, ومراجعة كتب كثيرة
لكنها في الجملة محدثة التيجانية, والبرهانية, والكروتية, والقادرية, والنقشبندية, وطرق أخرى لكنها متفاوتة بعضها شر من بعض
فينبغي لك يا أخي اجتنابها كلها, وأن تلزم طريقة نبينك محمد-عليه الصلاة والسلام- الذي درج عليها أصحابه-رضي الله عنهم وأرضاهم-, والتابعون لهم بإحسان من الأئمة الأربعة وغيرهم
الزم طريق محمد-عليه الصلاة والسلام-وهي فعل ما أمر الله به ورسوله, وترك ما نهى الله عنه ورسوله
هذه الطريقة المحمدية التي جاء بها نبينا-عليه الصلاة والسلام-, وعليك بسؤال أهل العلم المعروفين بالإستقامة على دين الله, والبعد عن طرق الصوفية
سؤالي عليك بسؤال عما أشكل عليك والجماع لهذا عليه هو أن تلزم ما أمر الله به ورسوله
وأن تنتهي عما نهى الله عنه وسوله مما بينه أهل العلم كما في الصحيحين صحيح البخاري ومسلم, والسنن الأربع
وفي كتاب المنتقى لابن تيميه, وبلوغ المرام للحافظ بن حجر, وعمدة الحديث للشيخ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي
وغيرها من كتب أهل الحديث, وهكذا مثل زاد المعاد في هدي خير العباد للعلامة بن القيم-رحمه الله-
كل هؤلاء أوضحوا طريقه-عليه الصلاة والسلام-, وبينوا سبيله-عليه الصلاة والسلام-.

من الموقع الرسمي لسماحة الشيخ :
عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
الرابط المباشر للموضوع :
https://www.binbaz.org.sa/mat/12555








 


قديم 2014-08-16, 01:35   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ابو اكرام فتحون
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ابو اكرام فتحون
 

 

 
الأوسمة
أحسن مشرف العضو المميز 1 
إحصائية العضو










افتراضي

يرفع للفائدة بإذن الله









قديم 2014-08-17, 07:20   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الخنساء15
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه :
أخي الكريم :حسب عنوان للشيخ عبد الله بن صلفيق الظفيري ...في كتابه:حقيقة المنهج السلفي ..
براءة المنهج السلفيمن بعض مدعيه وهم ليسوا منه .
نقول : ان الصوفية أو الزهد أو سمها كما تشاء بريئة من بعض مدعيها الذين أفسدوها .......وجعلوها تظهر كالبدعة وهي في الحقيقة دعوة الى الزهد والتبتل والتقوى والخشية التي دعا اليها النبي صلى الله عليه وسلم .
قاتل الله السياسة والساسة أفسدوا كل شيء جميل حتى الدين جعلوه ساحة للحرب .










قديم 2014-08-17, 07:50   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
قطــــوف الجنــــة
عضو متألق
 
الصورة الرمزية قطــــوف الجنــــة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاكم الله خيرا
احذروهم و حذرو الناس منهم

ماذا قال الأئمة الأربعة عن الصوفية والدق على النوبة والرقيص في حلقات الذكــر...؟؟

فقالت الشافعية: السماع لهو مكروه يشبه الباطل من قال به ترد شهادته و الله اعلم...
وقال المالكية: يجب على ولاة الأمور زجرهم و إخراجهم من المساجد حتى يتوبوا و يرجعوا والله أعلم...
وقالت الحنابلة: فاعل ذلك لا يصلى خلفه ولا تقبل شهادته ولا يقبل حكمة وإن كان حاكما وإن عقد النكاح على يده فهو فاسد والله أعلم..
وقالت الحنفية: الحصر التي يرقص عليها لا يصلى عليها حتى تغسل والأرض التي يرقص عليها لا يصلى عليها حتى يحفر ترابها ويرمى ، والله اعلم)).









قديم 2014-08-25, 20:37   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ابو اكرام فتحون
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ابو اكرام فتحون
 

 

 
الأوسمة
أحسن مشرف العضو المميز 1 
إحصائية العضو










افتراضي


وقال المالكية: يجب على ولاة الأمور زجرهم و إخراجهم من المساجد حتى يتوبوا و يرجعوا والله أعلم...









قديم 2014-08-25, 22:23   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
محمد زيدان/التوبة
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية محمد زيدان/التوبة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكراً لكن الموضوع حساس خاصة في الجزائر ، وأنا أعلم ما أقول لذالك احذر التكلم عن الموضوع مع العامة واللهم اهدنا الصراط المستقيم









قديم 2014-08-26, 08:14   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
roufaida19
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية roufaida19
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفكر الصوفي شر ينخر في جسد الأمة ومن أراد أن يستبين الطريق فلينظر بإنصاف إلى أفعال الصوفيين وأقوالهم وليعرضها على الكتاب والسنة ..
سبحااان الله حتى صاحب الفطرة السليمة يهرب قلبه من جهالاتهم وخزعبلاتهم
أنصح بقراءة كتاب الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة لعبد الرحمن عبد الخالق .










قديم 2014-08-26, 09:25   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
عبد القادر الطالب
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

أحسنت أحسن الله إليك

موضوع مهم ومفيد وموفق إن شاء الله

أرجوا أن يثبت للفائدة










قديم 2014-08-26, 12:06   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
medsim46
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية medsim46
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك
شكرا جزيلا










قديم 2014-08-27, 15:19   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
قادة بلعيد
محظور
 
إحصائية العضو










B18 الزندقة الصوفية (لماذا كل الطرق الصوفية على خطا؟)

الزندقة الصوفية في هدم الأصول الاسلامية (منقول )

التصوف في أول ظهوره كان مبنيا على الغلو في العبادة.

كان التصوف في أول ظهوره معبرا عن الزهد وسلوك طائفة من المسلمين بالغت في إذلال النفس ومحو أوصافها، والانعزال عن زينة الدنيا بأنواعها بنوع من الغلو قربة منهم إلى الله تعالى كما قال الجنيد بن محمد سيد الصوفية في عصره (ت:297هـ): (ما أخذنا التصوف عن القيل والقال لكن عن الجوع وترك الدنيا، وقطع المألوفات والمستحسنات؛ لأن التصوف هو صفاء المعاملة مع الله، وأصله التعزف عن الدنيا)

كان أداء العبادات على نوع من الغلو فيها، أعني أنهم يجعلون المستحب في منزلة الواجب والمكروه في منزلة المحرم، كل الأحكام عندهم على سبيل الحتم والإلزام بدعوى التحرر من قيود الشهوة والعمل في مرضات الله تعالى على وجه الاضطرار، كقول أبي بكر الشبلي مثلا (ت:334هـ): (كنت في أول بدايتي إذا غلبني النوم أكتحل بالملح فإذا زاد علي الأمر أحميت الميل فأكتحل به) . وكقول إبراهيم بن شيبان لأبي بكر الشبلي: (كم في خمس من الإبل ؟ ـ أي مقدار الزكاة فيها ـ فقال الشبلي: في واجب الأمر شاة ـ أي حكم الشرع عند عامة المسلمين شاة ـ وفيما يلزمنا كلها ـ أي في عرف الصوفية يخرجونها كلها) .

ونجد أيضا بين صوفية القرن الثالث بمن يحرم على نفسه أكل ما أباح الله من أنواع الطعام حتى إنه ليقول لمريد من مريديه قد مد يده إلى قشر البطيخ يريد أن يأكل منه شيئا: (أنت لا يصلح لك التصوف الزم السوق) .

كما نجد ما هو أشد من ذلك لأبي الحسين أحمد بن محمد النوري (ت:295هـ) حيث صعد قنطرة وأخذ يرمي ثلاثمائة دينار في الماء واحدا واحدا ثمن عقار بيع له وهو يقول مخاطبا ربه: (حبيبي تريد أن تخدعني منك بمثل هذا) . وعطش رويم بن أحمد البغدادي (ت:303هـ) عطشا شديدا فاستسقى جارية، فقالت: (ويحك صوفي يشرب بالنهار فاستحى منها ونذر ألا يفطر أبدا) .
قواعد العبادة عند أوائل الصوفية فهي مبنية على معنى الاضطرار الذي لامساغ فيه بحيث لا يجد العبد مجالا للمستحبات والمباحات أو خيارا مقبولا لو وقع في المكروهات، كما قال عبد الله بن محمد بن منازل من كبار الصوفية (ت:329هـ): (العبودية اضطرارا لاختيار فيه) . وهو يعني بذلك الصيام الدائم والقيام المستمر والشهوة الموصدة والفقر المدقع، أو كما قال إبراهيم الخواص (ت:299هـ): (من ادعى العبودية وله مراد باق فيه فهو كاذب في دعواه) .

لم يسمح النبي ﷺ بمسلك الصوفية في الغلو والمبالغة في العبادة.

و معنى الاضطرار الذي لامساغ فيه يعني أن الصوفية أسقطوا من قواعد العبادة كل ما فيه مندوحة للإنسان من أحكام التكليف المتعلقة بالمستحبات والمباحات والمكروهات رغبة في الوصول إلى التحرر من كل ما سوى الله، والعمل في مرضاته على وجه الاضطرار، وهذا وإن دل على علو الهمة ولم يكن منهم عن سوء نية لكن ذلك هو بعينه الغلو في العبادة الذي حذر منه النبي ﷺ، فعند البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: (جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِ ﷺ يَسْأَلونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِي ﷺ ؟ فَلمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالوهَا فَقَالوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِي ﷺ، قَدْ غُفِرَ لهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَال أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلي الليْل أَبَدًا، وَقَال آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَال آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِل النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُول اللهِ ﷺ فَقَال: أَنْتُمُ الذِينَ قُلتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لهُ، لكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَليْسَ مِنِّي) ([12]).

وما فعله رويم بن أحمد البغدادي يناقض هذا الحديث عندما نذر ألا يفطر أبدا وعزم على الوصال في الصيام بسبب أن الجارية التي طلب منها الماء انقدح في ذهنها أن الصوفي هو من يصوم الدهر ولا يفطر فقالت له منكرة كما تقدم: صوفي يشرب بالنهار ؟

وما فعله أبو بكر الشبلي عندما أكتحل بالملح أو لسع عينه بالميل بعد أن وضعه في النار رغبة منه في المداومة على قيام الليل، مخالف لما رواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: (دَخَل النَّبِيُ ﷺ فَإِذَا حَبْل مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَقَال: مَا هَذَا الحَبْل؟ قَالوا: هَذَا حَبْل لزَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلقَتْ، فَقَال النَّبِي ﷺ: لاَ، حُلوهُ، ليُصَل أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَليَقْعُدْ) .

منهج الاعتدال يراعي الضروريات ويمنع الانحرافات البدعية.

ولا شك أيضا أن الضرورة قد تدعو المسلم إلى التضحية بما يملك في بعض الأوقات والأزمات كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لكن التضحية على الدوام وفي أوقات الرخاء بكل ما يملكه الإنسان ويغنيه عن الناس مخالفة صريحة لسنة النبي ﷺ لما ثبت عند البخاري من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: (عَادَنِي النَّبِي ﷺ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ، أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلى المَوْتِ، فَقُلتُ: يَا رَسُول اللهِ بَلغَ بِي مِنَ الوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَال وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلثَي مَالي ؟ قَال: لاَ قُلتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ قَال: لاَ، قُلتُ: فَالثُّلثِ، قَال: وَالثُّلثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى اللقْمَةَ تَجْعَلهَا فِي فِيِّ امْرَأَتِكَ) .

والشاهد أنه لو كان خروج سعد رضي الله عنه من جمع المال فيه صلاح له لأمره النبي ﷺ بذلك، فأين هذا من فعل أبي الحسين النوري عندما صعد القنطرة ورمى الدنانير في الماء واحدا واحدا وسمي ذلك خروجا من خداع الله له بالمال.

ومن ثم فإن السنة فيها مراعاة للضروريات بالقدر الذي يتناسب مع ماهية الإنسان وتركيبه الذاتي، فالإنسان لا يعتاد شيئا إلا ويشعر بالسآمة، وقد جعل الله فطرة الإنسان وعلاقته بمن حوله ميدانا تظهر فيه آثار ربوبيته وأسمائه وصفاته، وجعل المنهج النبوي ميدانا لتحقيق العبودية ومقياسا دقيقا عن صدق النية، فمن المعلوم أن الشمولية في فهم العبادة وصف لا يلحق إلا من سلك مسلك النبي ﷺ في كل متعلقات الحياة، فالتوازن قائم ومنسجم في كل النواحي المتعلقة بأحكام العبودية، فإذا بالغ العبد في آداء جانب سيظهر تقصيره في جانب آخر دون أن يشعر، فالطاقة والوسع مجالهما محدود فيما منح للإنسان.

ومن ثم فإن كثيرا من أوائل الصوفية لما بالغوا في تحقيق العبودية وتكلفوا أمور الاستحباب على وجه الحتم والإلزام وأسقطوا النظر إلى درجات التكليف في الأحكام، لم تطرد المبالغة أو تنسحب على كل مفردات الإسلام، ومن ثم برز جانب على حساب آخر، ففي الوقت الذي ظهرت المغالاة في بعض العبادات كالصلاة والصيام والذكر وبعض النواحي الأخرى، لم تظهر همتهم في تعبيد الدنيا لله وإعداد أسبابها للدعوة وإرهاب العدو والجهاد في سبيل الله وتنظيم الروابط الأسرية والاجتماعية، بل أثروا الرباط والخلوة والسياحة في البوادي وقام بالأمور الأخرى غيرهم.

وإذا كان النبي ﷺ قد دعا إلى الزهد في الدنيا على اعتبار أنها وسيله إلى الآخرة وليست غاية في ذاتها، ودعا إلى مكارم الأخلاق ومجاهدة النفس وتأديبها والصدق مع الله تعالى وأمثال ذلك من أنواع الفضائل الإنسانية التي رغب فيها أوائل الصوفية، فإن من الحق الإشارة إلى أن أنهم كانوا يتصفون بحسن النية، ولم يكن لأغلبهم أنسقة فكرية معقدة، وإنما إضافات نابعة من مسالك شخصية وتجارب إيمانية وأنماط تعبدية قد تتسم بالمبالغة في كثير من الأحيان نتيجة الإعجاب ببعض المواقف في سلوكيات عدد من الصحابة رضي الله عنهم على وجه الخصوص، كأبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وأبي ذر الغفاري وأبي الدرداء وأويس القرني وغيرهم رضي الله عنهم .

فناء أصحاب الحلول والوحدة زندقة تهدم الكتاب والسنة.

ذكر الذهبي في ترجمة ابن الفارض أنه عمر بن علي بن مرشد بن علي، الأديب البليغ، شرف الدين، أبو القاسم، الحموي الأصل، المصري المولد والدار، ابن الشيخ أبي الحسن الفارض سيد شعراء العصر، وشيخ الاتحادية، ديوان شعره مشهورٌ، وهو في غاية الحسن واللطافة، والبراعة والبلاغة، لولا ما شانه بالتصريح بالاتحاد الملعون في ألذ عبارة، وأرق استعارة، كالفالوذج سمه سم الأفاعي، وها أنا أذكر لك منه أبياتا لتشهد بصدق دعواي، فإنه قال: تعالى الله عما يقول:
وكل الجهات السِّتِّ نحوي مشيرةٌ.. بما تم من نسكٍ وحجٍّ وعمرة. لها صلواتي بالمقام أقيمها.. وأشهد فيها أنها لي صلت. كلانا مصل واحدٌ ساجدٌ إلى.. حقيقته بالجمع في كل سجدة. وما كان لي صلى سواي ولم تكن.. صلاتي لغيري في أداء كل ركعة. إلى كم أواخي السِّتر ها قد هتكته.. وحل أواخي الحجب في عقد بيعتي. وها أنا أبدي في اتِّحادي مبدئي.. وأنهي انتهائي فيتواضع رفعتي. فإن لم يجوِّز رؤية اثنين واحداً.. حجاك ولم يثبت لبعد تثبُّت. فبي موقفي لا بل إليَّ توجُّهي.. ولكن صلاتي لي ومني كعبتي. فلا تك مفتوناً بحسِّك معجباً.. بنفسك موقوفاً على لبس غرَّة. وفارق ضلال الفرق فالجمع منتجٌ.. هدى فرقةٍ بالاتّحاد تحدَّت. وصرِّح بإطلاق الجمال ولا تقل.. بتقييده ميلاً لزخرف زينة. فكل مليحٍ حسنه من جمالها.. معارٌ له أو حسن كل مليحة. وما ذاك إلاَّ أن بدت بمظاهرٍ.. فظُّنوا سواها وهي فيهم تجلت. وما زلت إيَّاها وإيَّاي لم تزل.. ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبَّت. وليس معي في الملك شيءٌ سواي وال.. معيَّة لم تخطر على ألمعيَّتي. وها دحيةٌ وافى الأمين نبيَّنا.. بصورته في بدء وحي النبوَّة. أجبريل قل لي كان إذ بدا.. لمهدي الهدى في صورةٍ بشريَّة.. ولا تك ممّن طيّشته دروسه.. بحيث استقلت عقله فاستقرّت. فثمّ وراء النقل علمٌ يدقّ عن.. مدارك غايات العقول السّليمة. تلقّيته عني ومني أخذته.. ونفسي كانت من عطائي ممدّتي. ولا تك باللاهي عن اللهو جملة.. فهزل الملاهي جدّ نفسٍ مجدّة. تنزّهت في آثار صنعي منزّها.. عن الشّرك بالأغيار جمعي وألفتي. فبي مجلس الأذكار سمع مطالعٍ.. ولي حانة الخمّار عين طليعتي. وما عقد الزنار حكماً سوى يدي.. وإن حل بالإقرار بي فهي حلت. وإن خرّ للأحجار في البدّ عاكفٌ.. فلا تعد بالإنكار بالعصبيّة. قد عبد الدينار معنى منزهٌ.. عن العار بالإشراك بالوثنية. وما زاغت الأبصار من كل ملةٍ.. وما زاغت الأفكار في كل نحلة. وما حار من للشّمس عن غرّة صبا.. وإشراقها من نور إسفار غرّتي. وإن عبد النار المجوس وما انطفت.. كما جاء في الأخبار في ألف حجّة. فما قصدوا غيري وإن كان قصدهم.. سواي وإن لم يظهروا عقد نيّة. رأوا ضوء نوري مرّةً فتوهموا.. نارا فضلوا في الهدى بالأشعّة.

توفي ابن الفارض عليه من الله ما يستحق في جمادى الأولى 605هـ، ثاني يوم منه بمصر، وقد جاور بمكة زمانا. وأنشدنا غير واحد له أنه قال عند الموت هذين البيتين لما انكشف له الغطاء: إن كان منزلتي في الحبّ عندكم.. ما قد لقيت فقد ضيّعت أيّامي. أمنيّةٌ وثقت نفسي بها زمناً.. واليوم أحسبها أضغاث أحلام.

ذكر ابن تيمية أن ابن الفارض في قصيدته المشهورة التي يقول فيها: لها صلواتي بالمقام أقيمها. وأشهد فيها أنها لي صلت. كلانا مصل واحد ساجد إلى. حقيقته بالجمع في كل سجدة.

إلى أن قال: وما زلت إياها وإياي لم تزل.. ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت. إليَّ رسولا كنت مني مرسلا.. وذاتي بآياتي علىَّ استدلال. فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن.. منادي أجابت من دعاني ولبت. وقد رفعت تاء المخاطب بيننا.. وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي. وفارق ضلال الفرق فالجمع منتج.. هدى فرقةٍ بالاتحاد تحدت.

قال: إن العارف المحقق من هؤلاء يقول: أرسل من نفسه إلى نفسه رسولا بنفسه، فهو المرسل والمرسل إليه والرسول، ويقول من هو من أكبر من أضلوه من أهل الزهادة والعبادة مع الصدق في تسبيحاته وأذكاره: الوجود واحد وهو الله، ولا أرى الواحد ولا أرى الله. ويقول أيضا: نطق الكتاب والسنة بثنوية الوجود، والوجود واحد لا ثنوية فيه، ويكرر ذلك كما يكرر المسلمون: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. وعنده أن هذا غاية التحقيق والعرفان. ويجيء من هو من أفضل المتكلمين من النفاة للعلو يعتقد في مثل هذا أنه كان من أفضل أهل الأرض أو أفضلهم، ويأخذ ورقة فيها سر مذهبه، ويرقي بها المرضي كما يرقي المسلمون بفاتحة الكتاب، كما أخبرنا بذلك الثقاة وهم يقدمون تلك الرقية على فاتحة الكتاب.



التصوف من الحلول والاتحاد إلى الزندقة في فلسفة وحدة الوجود.

في المرحلة الأخيرة للتصوف ظهر تصوف أصحاب وحدة الوجود، والقاسم المشترك بين هذه المرحلة وبين ما سبق في التصوف الحلولي مفارقة الألفاظ الاصطلاحية لمعانيها الدلالية والعبث بطريقة الاستدلال في الأصول القرآنية والأحاديث النبوية، فقد ذهب فريق من الصوفية في القرن السادس وما بعده يتزعمهم محي الدين بن عربي الأندلسي إلى أن الله تعالى هو هذا الوجود بعينه وأنه لا موجود سواه.

ويذكر التفتازاني أن هذا المذهب لم يظهر في صورته الكاملة إلا بمجئ هذا الرجل وأنه سبقت ظهوره في الأندلس ممهدات تحدث عنها المستشرق بلاثيوس في بحثه عن ابن مسرة ومدرسته، ويذكر بلاثيوس أن آراء ابن مسرة أثرت في جميع الصوفية الأندلسيين الذين مزجوا التصوف بالفلسفة، وظهر له في أسبانيا تلاميذ كثيرون اعتقدوا آراءه على مر العصور، منهم إسماعيل الرعيني ومحمد ابن عيسى الألبيري وابن برجان في أشبيلية وهو أستاذ ابن عربي ، وقد انتقل تصوف وحدة الوجود من الأندلس والمغرب إلى المشرق على يد ابن عربي وابن سبعين الأندلسيين اللذين استقرا بهما المطاف في الشرق حيث نشرا تعاليم هذا النوع من التصوف .

وتصوف وحدة الوجود هو التصوف المبني على القول بأن ثمة وجودا واحدا فقط هو وجود الله، أما العالم وكثرة المخلوقات فهي وهم على التحقيق تحكم به العقول القاصرة فالوجود إذن واحد لا كثرة فيه، على أن من أصحاب وحدة الوجود كابن عربي من يفسح المجال للقول بوجود الممكنات أو المخلوقات على نحو ما، ومنهم من يطلق القول بالوحدة ويمعن في ذلك إلى الحد الذي يجعله لا يثبت إلا وجود الله فقط، وهؤلاء هم أصحاب الوحدة المطلقة وعلى رأسهم ابن سبعين .

وأيا كانت الاختلافات بين القائلين بوحدة الوجود إلا أن النتيجة المترتبة على هذا الفكر الصوفي الفلسفي أن هذه الكثرة التي نراها إنما هي مظاهر لله فقط، أو مرآة يتعين فيها ويرى نفسه فيها، أو أثواب يلبسها ويخلعها، فهو السماء بما فيها من شمس وقمر ونجوم وأفلاك، وهو هذا السحاب الذي نراه مسخر بين السماء والأرض بما فيه من ثلج وبرد وأمطار، ولا فرق بين الأضداد، ولا فرق بين العبد والرب ؛ فالعابد هو المعبود والذاكر هو المذكور.

يقول ابن عربي: (ما في الوجود مثل ما في الوجود ضد، فإن الوجود حقيقة واحدة، والشيء لا يضاد نفسه، فإذا أدخلت جنته دخلت نفسك معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها حين عرفت ربك بمعرفتك إياه، فتكون صاحب معرفتين معرفة به من حيث أنت، ومعرفة به من حيث هو، لا من حيث أنت) .

ويقول:

فيحمدني وأحــــمده : ويعبـــــدني وأعبده

ففي حــــال أقربه : وفي الأعيــــان أجحده

فيعـرفني وأنكـــره : وأعــرفه فأشــــهده

ويقول أيضا:

فأنت عبــد وأنت رب : لمن له فيــــه أنــت عبـــد

وأنت رب وأنت عبــد : لمن لـــه في الخطاب عهد .

والله تعالى عند ابن عربي هو الهواء والماء والتراب والنار التي منها تتركب سائر الموجودات، والأمر قسمة بينه وبين هذه العوالم التي هي مجالي له يظهر فيها، فكما أنها فقيرة ومحتاجة إليه لأنه هو جوهرها ووجودها الأصيل، فكذلك هو مفتقر إليها من أجل تعينه وظهوره فيها، كما تفتقر الروح في ظهور آثارها للأبدان ([47]). يقول: (سبحان من خلق الأشياء وهو عينها) ، وقال أيضا:

يا خالق الأشياء في نفســه : أنت لما تخلقـه جـامع

تخلق مالا ينتهي كونه فيـك : فأنت الضيق الواسع .

وقد كان لابن عربي من الخصائص والقدرات العجيبة على صياغة مذهبه شعرا ونثرا ما يثير استغراب العقول، يقول في الإفصاح عن فلسفته:

فإنا أعبــــدٌ حقــــــا : وإن الله مـــــولانـــا

وإنــا عيــــــنه فاعـلم : إذا مـــا قلت إنسانــــا

فلا تحجب بإنســـــــان : فقــــد أعطـــاك برهانا

فكن حقا وكـــــــن خلقا : تكن بالله رحمـــــانا

وهذه العبارات التي نطق بها ابن عربي في وحدة الوجود مهما اختلفت وتنوعت فإن مضمونها شيء واحد، وهو أنه ما ثم غير الله في هذا الوجود سواء جُعلت الكثرة أجزاء له أو أنواع أو أنها وهم، أو جُعلت مظاهر وتجليات، فالمآل واحد وهو أنه ما ثم إلا وجود واحد.

ويلزم من هذا الفكر الخبيث أن يكون الله تعالى هو الأشياء جميعا بما فيها متقابلات ومتضادات، ويلزم أن يكون هو الإنس والجن والشجر والحيوان وكل شيء، ولذا يرى ابن عربي أن الأديان كلها حق، وأن المجوس عبدة النار والمشركين عابدي والأوثان وغيرهم ليسوا كفار وضلالا، بل مذاهبهم هي عين الهدى والإيمان، لأنهم حين عبدوا النار والحجارة والصلبان ما عبدوا إلا الله تعالى، فإذا كان الله تعالى قد تجلى بذاته لذاته في جميع هذ الصور والمتعينات فالهدي والإيمان في زعمهم أن تعبد وتعظم جميعا، والضلال أن تخصيص بعض تلك المظاهر بالعبادة دون بعض، فالكفر عندهم ليس هو عبادة غير الله إذا ليس هناك غيره، ولكن الكفر ستر حقيقة المعبود بتخصيص بعض مجالية بالعبادة دون البعض الآخر.

وحكم ابن عربي أيضا بإيمان فرعون وأنه كان يشاهد عين الحقيقة حين قال أنا ربكم الأعلى، ولم يكن كاذبا في دعواه أنه هو الله، بل كان في أعلى مقامات التوحيد، ولذا كان أغراقه في البحر تطهيرا له من توهم الغيرة حين هم أن يسلم، وخالف في ذلك صريح القرآن الذي نطق بموته على الكفر، وأنه لم ينفعه إيمانه حين أدركه الغرق، وأن الله إنما نجاه ببدنه ليكون عبرة ماثلة للأجيال من بعده، وزعم أيضا أن موسى u لم يلم قومه على عبادة العجل ولم ينكرها عليهم.

وقد أكد ابن عربي في فلسفته لمعاني الجزاء والطاعة والمعصية بأن هذه الأمور لا مدلول لها في مذهبه بالمعنى الذي نفهمه نحن منها، فإنه لا نعيم ولا عذاب بالمعنى المفهوم من الشرائع، بل إن مآل الخلق جميعا إلى النعيم حتى من كان في عذاب فهو في نعيم بهذا العذاب الذي سمي عذابا من عذوبته وحلاوة طعمه، قال ابن عربي:

وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم : على لذة فيهـــا نعـــيم مبــــاين

نعيم جنان الخلد فالأمر واحد : وبينهما عنــد التجــــلي تبـــاين

يسمي عذابا من عذوبة طعمه : وذاك كالقشــر والقشــر صائن .



· ابن عربي وأسلوبه الصوفي في الزندقة والترويج لوحدة الوجود.

وكل هذه الأمور في واقع مذهب ابن عربي تجليات من الله في صور الرضا والغضب كتجلياته تماما في صور الهدي والضلال، ويمكننا أن نلخص منهج ابن عربي وأسلوبه في صياغة مصطلحاته الفلسفية ومزجها بألفاظ قرآنية أو نبوية حتى تلتبس على عامة أتباعه في النقاط الآتية:

1- يتعمد ابن عربي تعقيد البسيط وإخفاء الظاهر لأغراض يصعب معرفتها فعباراته تحتمل في أغلب الأحيان معنيين على الأقل أحدهما ظاهر، وهو ما يشير إليه ظاهر الشرع، والآخر باطن وهو ما يشير به إلى مذهبه، ومن يعمق النظر في معانيه ومراميه يدرك أن المعنى الثاني هو الهدف الذي يرمي إليه، أما ما يذكره مما له صلة بظاهر الشرع فإنما يقدمه إرضاء لأهل الظاهر من الفقهاء وأهل الحديث الذين يخشى أن يتهموه بالخروج والمروق.

2- يستعمل ابن عربي كثيرا من المصطلحات الفلسفية والكلامية على سبيل الترادف أو المجاز مع ألفاظ أخرى واردة في القرآن والحديث، فيحملها من المعاني ما يخرجها عن أصلها، فالخير الذي تكلم عنه أفلاطون والواحد الذي تكلم عنه أفلوطين والجوهر عند الأشاعرة، والحق أو الله كما يفهم معناه المسلمون كل هذه مستعملة عنده بمعنى واحد وغير ذلك كثير.

3- قوة التفكير عنده خاضعة إلى حد كبير لقوة خياله لذلك نراه يلجأ إلى الأساليب الشعرية والتشبيهات والمجازات في إيضاح أدق المعاني الفلسفية في مذهبه فيؤدي ذلك إلى تضليل القارئ الذي يأخذ بجميع لوازم ذلك.

4- يتلاعب بالألفاظ والمعاني ويحملها أكثر مما تحتمل لدرجة التعسف، ويتجه بها كثيرا نحو الغموض ويتمتع بدرجة عالية من الحصيلة اللفظية، كما يتمتع بقدرة فائقة على صياغة أفكاره شعرا ونثرا، ولا يلتزم الرمزية على صعوبتها التزاما مطردا، فإذا رمز بشيء في موضع عاد فرمز به هو نفسه إلى شيء آخر.

5- الاستناد الكثير والمتكرر إلى كتاب الله، وتأويل آياته وفق نظريته، ويسهل على ابن عربي إلى حد كبير التقاط ما يشاء من ألفاظ القرآن ليضعها على أي معنى مفارق يعن له، ويكاد المتتبع لوجوه الاستدلال تنقطع أنفاسه في معرفة تبرير معقول أو وجه من الوجوه لارتباط ألفاظ ابن عربي ومصطلحاته بأصولها القرآنية، وكثيرا ما يمزج الآيات القرآنية بعضها ببعض حيث لا توجد صلة ظاهرة بينها، فيؤدي ذلك إلى خلط كثير، كما أنه يفعل ذلك أيضا في السنة فيستند إلى أحاديث منسوبة للنبي ﷺ ويتأولها على ما يوافق المذهب، كما أن تلك الأحاديث أكثرها ضعيف أو موضوع، ويستند أيضا إلى أقوال منسوبة إلى الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، ويعوز تلك الأقوال الصدق والأمانة العلمية.

6- الاستناد إلى أقوال كبار رجال التصوف السابقين أمثال الجنيد بن محمد وأبي يزيد البسطامي وغيرهما ويحمل كلامهم في أكثر المواضع ما لا يحتمل، ويكثر من ذكر الكرامات للأولياء والصالحين والمبالغة فيها إلى حد كبير.

7- الاعتماد على المنامات والأحلام والإلهامات والتعامل معها كما يتعامل مع الواقع لدرجة أنه ادعى أنه رأى النبي ﷺ، وأعطاه كتاب فصوص الحكم، وأنه كتبه بناء على توصياته وأنه ﷺ هو الذي وضع له حدوده.

8- تأدى به اعتقاده في وحدة الوجود إلى جرأة في وصفه للحق تبارك وتعالى تهتز لها أفئدة المسلمين، فهو يتكلم عن الله تعالى وكأنه يتكلم عن مخلوق من أحقر المخلوقات على اعتبار أنه تعين في الكل وظهر متجليا في المخلوقات بأسرها، فلا عجب أن يصفه بصنم أو أنه ظهر متجليا في كلب أو خنزير، أو أنه ظهر في صورة امرأة جميلة أو دميمة أو ما شابه ذلك مما تقشعر له الأبدان ويعجز اللسان عن وصفه.

تلك حقيقة التصوف عبر مراحله بصورة وجيزة، ولعل القارئ يشاركني الرأي في استبعاد المرحلتين الثالثة والرابعة لما فيهما من أمور الزندقة والدعوة إلى هدم الإسلام تحت مسمى التصوف، وإن كان أثرهما أوسع في الواقع حيث استمرت الألفاظ والمصطلحات التي نجمت عنهما حتى هذا العصر.

وما من مكان إلا وستجد من شيوخ الطرق الصوفية من يدافع عن ابن عربي ويتبنى آراءه الفلسفية، بل يعتبره قطب الأولياء وخاتمهم، وأن البشرية لم تنجب عارفا مثله، ولذا أنبه إلى أن المباحث الآتية حول أصول التصوف يدور النقاش فيها في إطار المراجع التي خلفها الصوفية الذين يعترفون بالثوابت الإسلامية، وأن الوحي مبني على القرآن وما ثبت في السنة النبوية.



الفكر الفلسفي الصوفي وأثره في الزندقة والعبث بأصول الدين.

لقد ظهر أثر هذا العبث الصوفي الفلسفي في الأصول القرآنية والنبوية، فبدلا من أن يكون اللفظ عندهم موضوعا على المعنى المراد في الكتاب والسنة، أصبح اللفظ نفسه موضوعا عندهم على نقيضه تماما تحت هذه الفلسفة الحلولية الوجودية، فالقرآن لم يعد هو القرآن، بل هو عندهم عبارة عن الذات التي يضمحل فيها جميع الصفات، فهي المجلى المسماة بالأحدية، أنزلها الحق تعالى على نبيه محمد ، ليكون مشهد الأحدية من الأكوان.

قال محي الدين بن عربي: (قال في التنزيل بلسان نوح:﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً*فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً ﴾ نوح:5/6 ، وعلم العلماء أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، والأمر قرآن لا فرقان، ومن أقيم في القرآن لا يصغى إلى الفرقان وإن كان فيه، فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن، ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد ﷺ ، لأنه أوتي جوامع الكلم، فما دعا محمد قومه ليلا ونهارا، بل دعاهم ليلا في نهار، ونهارا في ليل) .


ويذكر الجيلي أن الفرقان عبارة عن حقيقة الأسماء والصفات على اختلاف تنوعاتها، فباعتباراتها تتميز كل صفة واسم عن غيرها، فحصل الفرق في نفس الحق من حيث أسمائه الحسنى وصفاته، فإن اسمه الرحيم غير اسمه الشديد، واسمه المنعم غير اسمه المنتقم، وصفة الرضا غير صفة الغضب فكما أن الفرق حاصل في الأفعال فكذلك في الصفات، وكذلك في نفس واحدية الذات التي لا فرق فيها، لكن من غرائب شئون الذات جمع النقيضين من المحال والواجب.

يقول عبد الرزاق الكاشاني: (ولقد آتيناك سبعا أي الصفات السبع التي ثبتت لله تعالى، وهى الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والتكلم من المثاني التي كرر وثنى ثبوتها لك، أولا في مقام وجود القلب عند تخلقك بأخلاقه واتصافك بأوصافه فكانت لك، وثانيا في مقام البقاء بالوجود الحقاني بعد الفناء في التوحيد، والقرآن العظيم، أي الذات الجامعة لجميع الصفات، وإنما كانت لمحمد ﷺ سبعا، ولموسى تسعا لأنه ما أوتى القرآن العظيم، بل كان مقامه التكليم، أي مقام كشف الصفات دون كشف الذات، فله هذه السبع مع القلب والروح) .

ومن زندقة الصوفية أن الصنم الذي عنوان الشرك والضلال أصبح هو الله عند الصوفية فالصنم عندهم هو من حيث هو مظهر الوجود المطلق تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، قال التهانوي: (الصنم في اصطلاح السالكين عبارة عن مظهر الوجود المطلق الذي هو الحق، فالصنم من حيث الحقيقة هو الحق، وليس باطلا أو عبثا، وعابد الصنم يطلق عندهم على عابد الحق لأن الحق في صورة صنم: . فإذا ظهر صحيحا فالكل عابد بالضرورة) .

وهذا الصنم يفسر على المعنى الذي ذكره ابن عربي أن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله في المحمديين، وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه، أي حكم ربك فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وإن التفرقة والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة، وكالقوة المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود، فالأدنى يقصد أهل الظاهر من تخيل فيه الإلوهية، فلولا هذا التخيل ما عبد الحجر ولا غيره .

ومصطلح الذكر في مفهوم محي الدين بن عربي لا يؤدي إلى معنى تطمئن به القلوب وتغفر به الذنوب، ولكن يؤدي إلى ما ذكره ابن عربي في قوله: ألا بذكر الله تزداد الذنوب.. وتحتجب البصائر والقلوب وترك الذكر أفضل كل شيء.. فشمس الذات ليس لها غروب. وقوله: دع الذكر والتسبيح إن كنت عاشقا.. فليس يديم الذكر إلا المنافق. إذا كان من تهواه في القلب حاضرا.. وأنت تديم الذكر كنت منافقا .

وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ويوم الجمعة الذي جعله الله لصلاة الجمعة . أصبحت ليلة القدر ويوم الجمعة عند الصوفية هو وقت اللقاء والوصول إلى عين الجمع، إذ هو عندهم اليوم الذي ظهرت فيه جميع الصفات، وسمي هذا الظهور عين الجمع لاجتماع الكل فيه، ولهذا المعنى عندهم سميت الجمعة جمعة، وهو يوم وصول السالك إلى مقام المشاهدة المعبر عنها بلقاء الحق، وهو يوم دائم عندهم يعني به الصوفي وقت مطلق اللقاء، كما قال عمرو بن الفارض: وكل الليالي ليلة القدر إن دنت.. كما كل أيام اللقا يوم الجمعة .

وحتى الغراب لم يسلم من زندقتهم، فيذكر الكاشاني أن الغراب في عرف الصوفية كناية عن الجسم الكلى لكونه في غاية البعد عن عالم القدس والحضرة الأحدية، ولخلوه عن الإدراك والنورية.

يقول الكاشاني: (الغراب الجسم الكلي، وهو أول صورة الجوهر الهبائي، وبه عم الخلاء، وهو امتداد متوهم من غير جسم، وحيث قبل الجسم الكلي من الأشكال الاستدارة، علم أن الخلاء مستدير، ولما كان هذا الجسم، أصل الصور الجسمية الغالب عليها غسق الإمكان وسواده، فكان في غاية البعد من عالم القدس وحضرة الأحدية، سمي بالغراب الذي هو مثل في البعد والسواد) .

وهل يوجد عاقل يقبل الدعاء عليه بسواد الوجه في الدارين؟ فسواد الوجه في الدارين لم يعد مذمة عند الصوفية، ولكنه كمال المدح لكل صوفي وصل إلى مرتبة وحدة الوجود، لأن سواد الوجه في الدارين عند هؤلاء الصوفية يعبر عن أسمى الحالات التي يمكن أن يصل إليها الصوفي، فهو الفناء في الله بالكلية، بحيث لا وجود لصاحبه ظاهرا وباطنا دنيا وآخرة، وهو الفقر الحقيقي على زعمهم، وهو الرجوع إلى العدم الأصلي .

قال الكاشاني: (ومعنى السواد المذكور في الدارين، هو رؤية المرء سقوط قدره، وتفاهة قيمته وحقارة منزلته في الدنيا والآخرة، فهو لا يرى له عملا منجيا في الآخرة، ولا على أحد في الدنيا، وذلك لتحققه بفقر الصوفية، وهو الانحباس في بيد التجريد الذي عرفته، وهو المقام الذي يبيد فيه كل ما سوى الحق تعالى، أي يعدم، وقد يتحقق صاحب هذه الحالة بالفقر الحقيقي الذي هو فقد الأنانية في وجود حقيقة الحقائق، وقد يرى سواد وجهه، وهو ظلمة عدمية في الدارين، أي في الدنيا ولآخرة) .



☼ ادعاء الصوفية أن الولي المحقق يعرج إلى السماء كما يشاء.

ادعي الصوفية أن الولي المحقق عند الصفاء يعلم السراء والضراء ويعرج إلى السماء كيفما يشاء. قال ابن عربي: (اعلم يا بنيّ أن العبد المحقق الصوفي إذا صفا وتحقق صار كعبة لجميع الأسرار الإلهية من كل حضرة وموقف، ويرد عليه في كل يوم جمعة ما دام في ذلك المقام ستمائة ألف سرّ ملكوتي، واحد منها إلهي، وخمسة أسرار ربانية، ليس لها في حضرة الكون مدخل) .

وقال ابن البان عن عروجه إلى السماء: (أوقفني الحق على بساط الأسرار، وارتقيت إلى السماء الأولى، ثم ارتقينا إلى السماء الثانية، ثم انتهينا إلى السماء السابعة، وفيها ملك على كرسي من نور، وفي هذه السماء رضوان خازن الجنان، وأجمل الملائكة من جنده، وفيها إسرافيل رئيس عالم الجبروت، وهو الذي بشرني بالقرب والمنزلة الكريمة عند ربي، وبالسعادة في الآخرة والشفاعة في أمة محمد e، وفي هذه السماء رأينا إبراهيم الخليل مسندا إلى البيت المعمور، ثم انتهينا إلى سبعين حجابا آخر حتى انتهيت إلى آخر حجاب هناك، وإذا بكرسي من اللؤلؤ منصبة قوائمه من الجوهر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، فأخذ آخذ بيدي وأجلسني عليه، ثم نزّل علىّ شيء ودخل جوفي من حيث لا أعلم، فقال لي شيئا في قلبي. ها قد أكرمك مولاك بالسكينة الربانية. فلما أحسّ باطني بها سكن كل جارحة فيّ. فكأني لم أر أشياء ولم يهلني شيء. ثم نوديت من مكان قريب. وذلك من جهاتي الستّ: يا حبيبي ومطلوبي، السلام عليك، فغمضت عينيّ، وكنت أسمع بقلبي ذلك الصوت حتى أظنه من جوارحي لقربه مني، ثم نوديت: انظر عليّ، ففتحت عينيّ فصرت كلي أعينا، وكأن في باطني ما أراه في ظاهري، وصرت كأني برزخ بين كونين وقاب، كما يرى الرائي عند النظر في المرآة ما بخارجها.. وإذا بذلك الحجاب قد رفع وأذن لي بالدخول، ولما دخلته رأيت الأنبياء صفوفا صفوفا ودونهم الملائكة، ورأيت أقربهم للحق أربعة أنبياء، ورأيت أولياء أمة محمد أقرب الناس إلى محمد وهو أقرب الخلق إلى الله تعالى وأقرب إليه أربعة أولياء، فعرفت منهم السيد محيى الدين عبد القادر، وهو الذي تلقاني إلى باب الحجاب، وأخذ بعضدي حتى دنوت من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله، فناولني يمينه فأخذته بكلتا يديّ، فلا زال يجذبني ويدنيني حتى ما بقي بيني وبين ربي أحد، فلما حققت النظر في ربي ورأيته على صورة النبي، إلا أنه كالثلج أشبه شيء أعرفه في الوجود من غير رداء ولا ثياب، ولما وضعت شفتي على محل منه لأقبله أحسست ببرد الثلج سبحانه وتعالى، فأردت أخر صعقا، فمسكني سيدنا محمد صلى الله عليه وآله) .

وابن عربي يجعل عروجه محاكيا للمعراج النبوي فقول: (بينما أنا نائم وسر وجودي متهجد قائم جاءني رسول التوفيق، ليهديني سواء الطريق، ومعه براق الإخلاص، عليه لبد الفوز ولجام الإخلاص، فكشف عن سقف محلىّ، وأخذ في نقضى وحلىّ، وشق صدري بسكين السكينة، وقيل لي تأهب لارتقاء الرتبة المكينة، وأخرج قلبي في منديل، لآمن من التبديل، وألقى في طست الرضا، بموارد القضا، ورمى منه حظ الشيطان، وغسل بماء: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان، ثم أتيت بالخمر واللبن، فشربت ميراث تمام اللبن، وتركت الخمر حذرا أن أكشف السر بالسكر، استفتح لي سماء الأجسام فرأيت سر روحانية آدم عليه السلام، فاستفتح الرسول الوضاح، سماء الأرواح، قال لي: مرحبا وأهلا) . إلى آخر الخرافات والمختلقات الصوفية.

ونقل عن أبي الحسن الخرقاني أنه قال: (صعدت ظهيرة إلى العرش لأطوف به فطفت عليه ألف طوفة أو كما قال، ورأيت حواليه قوما ساكنين مطمئنين فتعجبوا من سرعة طوافي وما أعجبني طوافهم، فقلت: من أنتم، وما هذه البرودة في الطواف؟ فقالوا: نحن ملائكة، ونحن أنوار، وهذا طبعنا لا نقدر أن نجاوزه، فقالوا: ومن أنت وما هذه السرعة في الطواف؟ فقلت: بل أنا آدميّ، وفيّ نور، ونار هذه السرعة من نتائج نار الشوق)

والجيلي كذلك ذكر عروجه ومعراجه، ورؤيته لسدرة المنتهى وتجليات الربّ تبارك وتعالى(). وكذلك يذكر ابن شريف النفزي الرندي الأندلسي المتوفى 792هـ . فيقول: (يرسل الله تعالى الملك إلى وليه، ويقول له: استأذن على عبدي، فإن أذن لك فادخل، وإلا فارجع، فيستأذن عليه من سبعين حجابا، ثم يدخل عليه ومعه كتاب من الله عز وجل عنوانه: من الحيّ الذي لا يموت إلى الحيّ الذي لا يموت، فإذا فتح الكتاب وجد مكتوبا فيه عبدي، اشتقت إليك فزرني، فيقول: هل جئت بالبراق؟ فيقول: نعم، فيركب البراق، فيغلب الشوق على قلبه، فيحمله شوقه، ويبقى البراق إلى أن يصل إلى بساط اللقاء) .

وهناك آخرون كثيرون من الصوفية ادعوا عروجهم إلى السماء، ومعراجهم أو مكالمتهم الرب، ومخاطبتهم إياه، ومنهم صالح بن بان النقا السوداني . ودفع الله بن محمد الكاهلي الهذلي السوداني. وفتح الله بوراس القيرواني. ومحمد بن قائد اللواني العراقي. وأبو العباس المرسي ومثل هؤلاء كثيرون لا يعدون ولا يحصون.

ويذكر الصوفي القديم المشهور عزيز الدين النسفي عن عروج المتصوفة إلى السماء: (إن بعض الصوفية يعرجون إلى السماء الأولى ويطوفون حولها، وبعضهم يتجاوزون من السماء الأولى.. وبعضهم يصلون إلى العرش إذا أمكن لهم) .



الصوفية يدعون أنهم يكلمون ربهم عند التجلي في عين الجمع.

الصوفية لا يعرجون إلى السماء فقط، ولكنهم يدعون أنهم يكلمون ربهم عند التجلي في عين الجمع، فيقول عبد الكريم الجيلي: (ومن المكلمين من يذهب به الحق من عالم الأجسام إلى عالم الأرواح وهؤلاء أعلى مراتب. فمنهم من يخاطب في قلبه، ومنهم من يصعد بروحه إلى سماء الدنيا، ومنهم إلى الثانية والثالثة كل على حسب ما قسم له، ومنهم من يصعد به إلى سدرة المنتهى فيكلمه الله هناك، وكل من المكلمين على قدر دخوله في الحقائق تكون مخاطبات الحق له و لنه سبحانه وتعالى لا يضع الأشياء إلا في مواضعها. ومنهم من يضرب له عند تكليمه إياه نور له سرادق من الأنوار. ومنهم من ينصب له منبرا من نور. ومنهم من يرى نورا في باطنه فيسمع الخطاب من تلك الجهة النورية، وقد يرى النور كثيرا وأكثر مستديرا ومتطاولا. ومنهم من يرى صورة روحانية تناجيه، كلّ ذلك لا يسمى خطابا، إلا إنْ أعلمه الله أنه هو المتكلم، وهذا لا يحتاج فيه إلى دليل، بل هو على سبيل الوهلة فإن خاصية كلام الله لا تخفى، وأن يعلم أن كل ما سمعه كلام الله فلا يحتاج هناك إلى دليل ولا بيان، بل بمجرد سماع الخطيب يعلم العبد أنه كلام الله ، وممن صعد به إلى سدرة المنتهى من قيل له حبيبي إنيتك هي هويتي وأنت عين هو وما هو إلا أنا، حبيبي بساطتك تركيبي وكثرتك واحديتي، بل تركيبك بساطتي وجهلك درايتي، أنا المراد بك أنا لك لا لي، أنت المراد بي أنت لي لا لك، حبيبي أنت نقطة عليها دائرة الوجود فكنت أنت العابد فيها والمعبود، أنت النور أنت الظهور أنت الحسن و الزين كالعين للإنسان والإنسان للعين: أيا روح روح الروح والآية الكبرى ويا سلوة الأحزان للكبد الحرّى. ويا منتهى الآمال يا غاية المنى حديثك ما أحلاه عندي وما أمرا. ويا كعبة التحقيق يا قبلة الصفا ويا عرفان الغيب يا طلعة الغرا. أتيناك أخلفناك في ملك ذاتنا تصرف لك الدنيا جميعا مع الأخرى. فلولاك ما كنا ولولاي لم تكن فكنت وكنا والحقيقة لا تدرى فإياك نعني بالمعزة والغنى وإياك نعني بالفقير ولا فقرا) .

لينظر الباحث وليتعمق، هل بقي هناك شيء خفي بعد هذا كله؟ ولكننا لتوثيق ما هو موثق نورد نصوصا أخرى من أكابر القوم الآخرين وأعاظمهم، منها ما نقل المتصوفة عن أبي يزيد البسطامي أنه كثيرا ما كان يقول للفقهاء: (أخذتم علمكم ميتا عن ميت، ونحن أخذنا علمنا عن الحيّ الذي لا يموت) .

وهو الذي يذكرون عنه أنه ذكر معراجه ومكالمته الرب تعالى الله عما يقولون به علوا كبيرا فيقول: (أدخلني في الفلك الأسفل، فدوّرني في الملكوت السفلي، فأراني الأرضين وما تحتها إلى الثرى، ثم أدخلني في الفلك العلوي فطوّف بي في السموات وأراني ما فيها من الجنان إلى العرش. ثم أوقفني بين يديه فقال لي: سلني أيّ رأيت حتى أهبه لك، فقلت: يا سيدي ما رأيت شيئا استحسنته فأسألك إياه، فقال: أنت عبدي حقا تعبدني لأجلي صدقا لأفعلن بك)

وقال أبو يزيد البسطامي: (رفعني مرة فأقامني بين يديه، وقال لي: يا أبا يزيد، إن خلقي يحبون أن يروك. فقلت: زيّني بوحدانيتك، وألبسني أنانيتك، وارفعني إلى أحديتك، حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك، فتكون أنت ذاك، ولا أكون أنا هنا) .

وقال الجنيد بن محمد: بتّ عند سري ليلة، فقال لي: أنائم أنت؟ فقلت: لا. فقال: أوقفني الحق بين يديه، فقال: أتدري لم خلقت الخلق؟ قلت: لا. قال: خلقتهم فادّعوا محبتي، فخلقت الدنيا، فاشتغل بها من عشرة آلاف تسعة آلاف، وبقي ألف، فخلقت الجنة فاشتغل بها تسعمائة، وبقي مائة، فسلطت عليهم شيئا من بلائي، فاشتغل تسعون، وبقي عشرة، فقلت لهم: لا الدنيا أردتم، ولا في الجنة رغبتم، ولا من البلاء هربتم، فماذا تريدون؟ قالوا: إنك تعلم ما نريد. فقال: سأنزل عليكم من البلاء ما لا تطيقه الجبال، أفتثبتون؟ قالوا: ألست أنت الفاعل؟ قد رضينا بذلك. نحمد ذلك بك وفيك ولك. فقال: أنتم عبادي حقا.

ويروى عن سهل بن عبد الله التستري أنه قال: (أنا منذ ثلاثين سنة أكلم الله والناس يتوهمون أني أكلمهم) . والشعراني نقل عن علي الخواص أنه قال: (قد سمعت سيدي إبراهيم المتبولي يقول كثيرا: لي ثلاثون سنة وأنا مقيم في حضرة الله لم أخرج، وجميع ما أتكلم به إنما أكلم به الحق سبحانه وتعالى) .



الطريقة الرفاعية تدعي أن شيخ الطريقة يكلم الله بلا واسطة.

والرفاعية أيضا لا يريدون أن يقل شأن مرشدهم وهاديهم، وتنحط مكانته في أعين مريديه ومقلديه، فنقلوا عنه أنه كان كثيرا بينه وبين الربّ مناجاة ومخاطبات فنقلوا عن ابن جلال في جلاء الصد ما نصه: (نقل عن السيد إبراهيم الأعزب أنه قال: كنت جالسا في الغرفة مع السيد أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنهما، ورأسه على ركبتيه، فرفع رأسه وضحك بأعلى صوته فضحكت أنا أيضا ثم ألححت عليه ليخبرني عن سبب ضحكه، فقال: أي إبراهيم، ناداني العزيز سبحانه: أني أريد أن أخسف الأرض، وأرمي السماء على الأرض. فلما سمعت هذا النداء تعجبت، وقلت: إلهي، من ذا الذي يعارضك في ملكك وإرادتك؟ قال سيدي إبراهيم: فأخذته الرعدة ووقع على الأرض وبقي في ذلك الحال زمانا طويلا) .

وحينما رأى الشاذلية هذه المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة لمرشد الرفاعية أحمد الرفاعي، لم يرضوا أن يتخلفوا عنهم، فقالوا: إن ما لشاذلينا لم تكن مخاطبات فحسب، بل إن الله جل مجده هو الذي سماه بهذا الاسم، فيذكر الإمام الأكبر السابق للأزهر، الدكتور عبد الحليم محمود نقلا عن أبي الحسن الشاذلي كيفية نزوله من جبل زغوان، ومغادرته خلوته، فيقول: (قيل لي: يا علي: اهبط إلى الناس ينتفعوا بك. فقلت: يا ربّ أقلني من الناس فلا طاقة لي بمخالطتهم. فقيل لي: انزل فقد أصحبناك السلامة، ودفعنا عنك الملامة. فقلت: تكلني إلى الناس آكل من دريهماتهم. فقيل لي: أنفق يا علي، وأنا الملي، إن شئت من الجيب، وإن شئت من الغيب. ونزل الشاذلي من على الجبل ليغادر شاذلة، ويستقبل مرحلة جديدة، فقد انتهت المرحلة الأولى التي رسمها له شيخه. وقبل أن نغادر معه شاذلة إلى رحلته الجديدة نذكر ما حكاه فيما يتعلق بنسبته إلى شاذلة، قال: قلت ك يا ربّ لم سميتني بالشاذلي؟ ولست بشاذلي؟ فقيل لي: يا علي، ما سميتك بالشاذلي وإنما أنت الشّاذّ لي. بتشديد الذال المعجمة يعني: المنفرد لخدمتي ومحبتي).

وقلما يوجد صوفي أو متصوف إلا وقد ادّعى مثل هذه الدعوى، بل كتب التراجم وطبقات الصوفية مليئة بمثل هذه الأكاذيب والشناعات، والجرأة على الله، والانتقاص من شأن نبينا صلوات الله وسلامه عليه خاتم النبيين وسيد المرسلين، حيث ينسبون إلى أنفسهم، أو إلى مرشديهم ومتصوفيهم ما لم يكن لبشر أن يحصل عليه حتى سيد الخلائق وأفضل النبيين والمرسلين مثل ما أوردنا عنهم، ومثل ما رووا عن فتح الله بوراس القيرواني أنه كان يقول: (أشهدني الله تعالى ما في السموات السبع وما في الكرسي وما في اللوح المحفوظ وجميع ما في الحجب، وفككت طلاسم السموات السبع والفلك الثامن الذي فيه جميع الكواكب وجميع الفلك الثامن، وهم بنات نعش والجدي والقطب، ووصلت إلى الفلك التاسع الذي يسمونه الأطلس، ورصدت جداوله وأنا عند ذلك طفل صغير لم أبلغ الحلم)

وكان يقول: (وفي السماء السابعة شاهدت ربي وكلّمته وفوق العرش والكرسي قد ناداني وخاطبته وما في اللوح المحفوظ من الآي والأمر والنهي قد حفظته وبيدي باب الجنان قد فتحته ودخلته وما فيه من الحور العين قد رأيته وحصيته ومن رآني ورأي من رآني وحضر مجلسي في جنة عدن وبستانها قد أسكنته)

ومثل ذلك ذكر الشعراني عن الدسوقي المتوفى 776هـ حيث قال: (أنا كل وليّ في الأرض خلعته بيدي. ألبس منهم من شئت، أنا في السماء شاهدت ربي، وعلى الكرسي خاطبته، أنا بيدي أبواب النار أغلقتها، وبيدي جنة الفردوس فتحتها. من زارني أسكنته جنة الفردوس) .

ثم إن الصوفية أصّلوا قاعدة وحكما عاما ينطبق على أهل الحقائق جميعا فما كان وليّ متصل بالله تعالى إلا وهو يناجي ربه كما كان موسى u يناجي ربه . وزعموا أن معراج الصوفية وخرقهم السموات، ومكالمتهم الربّ، ومخاطبته إياهم جائز شرعا ونقلا، وهو المنقول عن الشاذلي، وابن عطاء الله في لطائف المنن، ومحمد السنوسي في كبراه، والشيخ عبد الباقي وغيرهم .

وقد نقل الشعراني عن الشاذلي قوله: (لا إنكار على من قال: كلّمني الله كما كلّم موسى) .

يقول الدباغ: (وكلام الحق سبحانه يسمعه المفتوح عليه إذا رحمه الله عز وجل سماعا خارقا للعادة فيسمعه من غير حرفه ولا صوت ولا إدراك لكيفية، ولا يختص بجهة دون جهة، بل يسمعه من سائر الجهات، بل ومن سائر جواهر ذاته، وكما لا يخص السماع له جهة دون أخرى، كذلك لا يخص جارحة دون أخرى يعني أنه يسمعه بجميع جواهره وسائر أجزاء ذاته فلا جزء ولا جوهر ولا سنّ ولا ضرس ولا شعرة منه إلا وهو يسمع به، حتى تكون ذاته بأسرها كأذن سامعة،، ثم ذكر اختلاف أهل الفتح في قدر السماع وبيّنه بما لا يذكر) .



الصوفية يزعمون أن أولياءهم يعلمون الغيب وما كان وما يكون.

وأما إطلاعهم على الغيب، وإحاطتهم بعلم ما كان وما يكون، وإخبارهم بكل ما ظهر وما بطن فكتب القوم مليئة بهذه المختلقات، بل يمكن لقارئ كتب الصوفية والباحث في تراجمهم وطبقاتهم أن يقول: إن شخصا ما ينسب إلى هؤلاء الناس ويعدّ منهم إلا أن يكون حاملا لذلك العلم الذي هو من خاصة رب السموات والأرض، فيقول القشيري في بيان درجات السلوك: (ثم في خلال هذه الأحوال قبل وصوله إلى هذا المقام الذي هو نهاية كان يرى جملة الكون يضيء بنور كان له حتى لم يخف من الكون عليه شيء، وكان يرى جميع الكون من السماء والأرض رؤية عيان ولكن بقلبه، وكان لا يرى في هذا الوقت بعين لأنه شيء ولكن لم يكن هذه رؤية علم، بل لو تحرك في الكون ذرة أو نملة) .

ونقل الكلاباذي عن أبي عبد الله الأنطاكي أنه قال: (إذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق، فإنهم جواسيس القلوب، يدخلون في أسراركم، ويخرجون من هممكم) .

ويقول ابن عجيبة الحسني: (إن الحق سبحانه قسّم الخلق قسمين وفرقهم فرقتين: قسم اختصهم بمحبته، وجعلهم من أهل ولايته، ففتح لهم الباب، وكشف لهم الحجاب، فأشهدهم أسرار ذاته، ولم يحجبهم عنه بآثار قدرته) .

إذا كشف الحجاب، وفتح لهم الباب علم العوالم بأجمعها على ما هي عليه من تفاريعها من المبدأ إلى المعاد وعلم كل شيء، كيف كان؟ وكيف هو كائن؟ وكيف يكون؟ وعلم ما لم يكن، ولم لا يكون ما لم يكن؟ ولو كان ما لم يكن كيف كان يكون؟ كل ذلك علماً أصليا حكيما كشفيا ذوقيا من ذاته لسريانه في المعلومات علما إجماليا تفصيلاً كليا جزئيا مفصلا في إجماله... ومنهم من تجلى الله عليه بصفة السمع فيسمع نطق الجمادات والنباتات والحيوانات، وكلام الملائكة واختلاف اللغات، وكان البعيد عنه كالقريب) .

وقال عماد الدين الأموي: (إذا انكشفت الحجب عن القلب تجلى فيه شيء مما هو مستور في اللوح المحفوظ، ولمع في القلب من وراء ستر الغيب شيء من غرائب العلم.. يشرف على الملكوت الأعظم، ويرى عجائبه، ويشاهد غرائبه، مثل اللوح، والقلم، واليمين الكاتبة، وملائكة الله تعالى يطوفون، حول العرش يسبحون بحمد ربهم، وبالبيت المعمور، ويسبحونه ويقدسونه، ويفهم كلام المخلوقين من الحيوانات والجمادات، ثم يتخطى منها إلى معرفة الخالق للكل والمالك للكل فتغشاهم الأنوار، وتتجلى لقلوبهم الحقائق) .

ويقول الدباغ وهو يذكر بعض ما يشاهده المفتوح عليه وهو الولي عنده، فيقول: (أما في المقام الأول فإنه يكاشف فيه بأمور، منها: أفعال العباد في خلواتهم. ومنها: مشاهدة الأرضين السبع والسموات السبع، ومنها مشاهدة النار التي في الأرض الخامسة، وغير ذلك مما في الأرض والسماء. ومن الأشياء التي يشاهدونها: اشتباك الأرضين بعضها ببعض، وكيف تخرج من أرض إلى أرض أخرى، وما تمتاز به أرض عن أرض أخرى، والمخلوقات التي في كل أرض. ومنها مشاهدة اشتباك الأفلاك بعضها ببعض، ما نسبتها من السموات وكيف وضع النجوم التي فيها. ومنها مشاهدة الشياطين وكيف توالدها. ومنها مشاهدة الجن وأين يسكنون؟ ومنها مشاهدة سير الشمس والقمر والنجوم، وأما ما يشاهده في المقام الثاني فإنه يكاشف بالأنوار الباقية كما كوشف في المقام الأول بالأمور الظلمانية الفانية، فيشاهد في المقام الملائكة والحفظة والديوان والأولياء الذين يعمرونه، وأما المقام الثالث فإنه يشاهد فيه أسرار القدر في تلك الأنوار المتقدمة. وأما المقام الرابع فإنه يشاهد فيه النور الذي ينبسط عليه الفعل، وينحل فيه كانحلال السمّ في الماء، فالفعل كالسم والنور كالماء، وفي المقام الخامس يشاهد انعزال الفعل عن ذلك النور، فيرى النور نورا، والفعل فعلا، والمفتوح عليه لا يغيب عليه ما في أرحام الأنثى فضلا عن غيره) .

وكان الدباغ هذا يرى أيضا أن المتصوفة لا يعرفون الغيب فحسب، بل يعرفون الغيوب الخمسة التي ذكرها الله تعالى في محكم كتابه أنه لا يعلمها أحد غيره
قال ابن المبارك: قلت للشيخ عبد العزيز الدباغ: إن علماء الظاهر من المحدثين وغيرهم اختلفوا في النبي ﷺ ، هل كان يعلم الخمس المذكورات في قوله:﴿ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ ، فقال وعن سادتنا العلماء: كيف يخفى أمر الخمس عليه والواحد من أهل التصوف من أمته الشريفة لا يمكنه التصرف إلا بمعرفة هذه الخمس . والجدير بالذكر أن الدباغ هو القائل: (ما السموات والأرضون السبع في نظر العبد المؤمن إلا كحلقة ملقاة في فلاة) . وأيضا: (إن الجنين إذا سقط من بطن أمه يراه العارف في تلك الحالة إلى آخر عمره).

وقال أحمد الرفاعي: (إن العبد ما يزال يرتقي من سماء إلى سماء حتى يصل إلى محل الغوث، ثم ترتفع صفته إلى أن تصير صفة من صفات الحق، فيطلعه على غيبه حتى لا تنبت شجرة، ولا تحضر ورقة إلا بنظره، ويتكلم هناك عن الله بكلام لا تسعه عقول الخلائق... وكان يقول: إن القلب إذا انجلى من حبّ الدنيا وشهوتها صار كالبلّور، وأخبر صاحبه بما مضى وبما هو آت من أحوال الناس) .

قال الشبلي: (لو دبت نملة سوداء على صخرة صماء في ليلة ظلماء ولم أشعر بها أو لم أعلم بها لقلت أنه ممكور بي) .

وينقل المنوفي الحسيني عن إبراهيم الدسوقي أنه كان يقول: (إن للأولياء الإطلاع على ما هو مكتوب على أوراق الشجر والماء والهواء وما في البر والبحر وما هو مكتوب على صفحة قبة خيمة السماء، وما في جباه الإنس والجان مما يقع لهم في الدنيا والآخرة) .

وأما الشاذلي فقال: (من عبد الله باسمه الحيّ المحيي وأكثر منه، ولا حد لأكثره، شاهد حياة كل شيء ومحييه. ومن ذكر بهم جميعا صعدت روحه إلى الملأ الأعلى، وصعدت روحه إلى العرش، ليكتب عند الله من الكاملين الصديقين) .

وقال أفضل الدين: (لا يعطى أحد القطبية حتى يعرف جميع عوالم هذه العروش والكراسي والسموات والأرضين بأسمائهم وأنسابهم وأعمارهم وأعمالهم) .

ويقول محمد ضيف الله الجعلي السوداني: (كشف الأولياء على قسمين: منهم من ينظر في اللوح فإنه لا يتغير ولا يتبدّل كسيدي علي الخواص. ومنهم من ينظر في ألواح المحور والإثبات، وعدتها ثلاثمائة وستون لوحا فإنها تتغير وتتبدّل، فإذا أخبر الوليّ بكلام ولم يقع فلا ينكر عليه بأن يقال: كذب، بل يحمل على أنه نظر في ألواح المحور والإثبات)
. فانظر هذه الخرافة المختلقة ما أشنعها وأقبح بها.



من الصوفية من لا يزال عاكفا على اللوح أو يشهده تارة تارة.

قال ابن عربي: (من الصوفية من لا يزال عاكفا على اللوح، ومنهم من يشهده تارة تارة) ([106]). ونقل ابن عربي عن الجنيد أنه قال: (العارف هو الذي ينطق عن سرّك وأنت ساكت) .

لقد بيّن في إحدى كتبه طريق إطلاع الصوفية على الغيب فقال: (الكشف والإطلاع على الغيب يكون بطريق التجلي، إما بالتنزل أو بالعروج) . ويقول ابن عربي: (فأما العلم اللدني، فمتعلقه الإلهيات وما يؤدي إلى تحصيلها من الرحمة الخاصة. وأما علم النور فظهر سلطانه في الملأ الأعلى قبل وجود آدم بآلاف السنين من أيام الرب. وأما علم الجمع والتفرقة فهو البحر المحيط، الذي اللوح المحفوظ جزء منه، ومنه يستفيد العقل الأول، وجميع الملأ الأعلى منه يستمدون. وما ناله أحد من الأمم سوى أولياء هذه الأمة. وتتنوع تجلياته في صدورهم على ستة آلاف ومائتين. فمن الأولياء من حصّل جميع هذه الأنواع، كأبي يزيد البسطامي، وسهل بن عبد الله، ومنهم من حصّل بعضها) .

ويقول في إحدى رسائله: (للأرواح الإنسانية إذا صفت وزكت معارج في العالم العلوي المفارق وغير المفارق فينظر مناظر الروحانيات المفارقة، فترى مواقع نظرهم في أرواح الأفلاك ودورانها بها، فينزل مع حكم الأدوار وترسل طرفها في رقائق التنزيلات حتى ترى مساقط نجومها في قلوب العباد، فتعرف ما تحويه صدورهم وما تنطوي عليه ضمائرهم، وما تدل عليه حركاتهم.. وإذا توجهت الأسرار نحو قارئها بفناء وبقاء، وجمع وفرق سقطت عليها أنوار الحضرة الإلهية من حيثها، لا من حيث الذات، فأشرقت أرض النفوس بين يديه فالتفت فعلم ما أدركه بصره وأخبر بالغيب وبالسرائر وبما تكنه الضمائر وما يجري في الليل والنهار) . وقال: (يرتقي الوليّ إلى عالم الغيب فيشاهد اليمين ماسكة قلمها وهي تخطط في اللوح) .فهذه هي آراء ابن عربي وأقواله، صريحة في معناها، جلية في مغزاها، واضحة في مرادها، لا غموض فيها ولا تعقيد، ولا تحتاج إلى التبيين والتوضيح.

وأما تلميذه محمد بن إسحاق القونوي المتوفى 673 هـ فيقول: (إن الكمل ومن شاء الله من الأفراد أهل الإطلاع على اللوح المحفوظ، بل وعلى المقام القلمي، بل وعلى حضرة العلم الإلهي، فيشعرون بالمقدر كونه لشبق العلم بوقوعه) .

ويقول شهاب الدين السهروردي المقتول: (الأنبياء والفضلاء المتألهون يتيسر لهم الإطلاع على المغيبات، لأن نفوسهم إما قوية بالفطرة أو تتقوى بطرائقهم وعلومهم، فينتقشون بالمغيبات، لأن نفوسهم كالمرايا المصقولة تتجلى فيها نقوش من الملكوت. فقد يسري شبح إلى الحس المشترك، يخاطبهم ألدّ مخاطبة وهو في أشرف صورة، وربما يرون الغيب بالحس المشترك مشاهدة، وربما يسمعون صوت هاتف، أو يقرؤن من مسطور) .

وقال لسان الدين بن الخطيب في روضته: (النفوس عند صفائها تتشبه بالملأ الأعلى، وتنتقش فيها أمثلة الكائنات المتعشقة فيه بنوع ما، وتشاهد المحجوبات، وتؤثر في العوالم السفلية) .

وبمثل ذلك قال داود بن محمود القيصري: (إذا خلص الرجل، وصفا وقته، وطاب عيشه بالالتذاذ بما يجده في طريق المحبوب، بصر باطنه، فيظهر له لوامع أنوار الغيب، وينفتح له باب الملكوت، ويلوح منه لوايح) .

والترمذي الملقب بالحكيم يقول: (إن الأولياء لهم علامات وعلوم، وأما ما يعرفونه من العلوم فهي (علم البدء، وعلم الميثاق، وعلم المقادير، وعلم الحروف، فهذه أصول الحكمة، وهي الحكمة العلمية، وإنما يظهر هذا العلم عن كبراء الأولياء ويقبله من له حظ في الولاية).

ويقول الجيلي عبد الكريم: (كل واحد من الأفراد والأقطاب له التصرف في جميع الممكلة الوجودية، ويعلم كل واحد منهم ما اختلج في الليل والنهار فضلا عن لغات الطيور. وقد قال الشبلي رحمه الله تعالى: لو دبّت نملة سوداء على صخرة صماء في ليلة ظلماء ولم أسمعها لقلت: أني مخدوع أو ممكور بي. وقال غيره: لا أقول: ولم أشعر بها لأنه لا يتهيأ لها أن تدبّ إلا بقوتي وأنا محركها) .

هذا ومثله أكثر من أن يحصى، وتأتي حكايات المتصوفة المتضمنة إخبارهم بالغيب، وإحاطتهم بجميع علوم الكون وأحواله، وإطلاعهم على ما كان وما يكون في محله.










 

الكلمات الدلالية (Tags)
التيجانيـــة, الطريقـــة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:43

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc