قال الله تعالى ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة: 11] اطلبوا العلم فإنه ميراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ( فإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا دينارا)(1) قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنا معاشر الأنبياء لا نورث )(2) ولكن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر يعني من ميراثهم اطلبوا العلم فإنه ذخر لكم في الحياة وبعد الممات قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )(3) اطلبوا العلم يكن لكم لسان صدق في الآخرين فإن آثار أهل العلم تبقى بعد فنائهم فالعلماء الربانيون لم تزل أثارهم محمودة وطريقتهم مأثورة وسعيهم مشكورا وذكرهم مرفوعا إن ذكروا في المجالس امتلأت المجالس بالثناء عليهم والدعاء لهم وإن ذكرت الأعمال الصالحة والآداب العالية كانوا قدوة الناس فيها ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾[الأنعام: 122] لا والله لا يستوي هذا وهذا لا يستوي من مات فأحياه الله بذكره وعلمه وجعل له نوراً يمشي به في الناس ومن كان في الظلمات منغمساً فيها غير قادر على الخروج منها لجهله بشريعة الله فهو في الظلمات ليس بخارج منها أيها الناس اطلبوا علم شريعة الله مبتغين به الأجر من الله عز وجل لا لتنالوا عرضاً من الدنيا فإن من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب عرضاً من الدنيا لم يجد عرث الجنة يوم القيامة أي لم يجد ريحها لأنه ابتغى الدنيا بما تبتغى به الآخرة وكل إنسان قصد الدنيا وابتغاها بما تقصد به الآخرة وتبتغى به فقد تحيل أو فقد أراد أن يتوصل بالأعلى إلى الأدنى ولذلك قال الله عز وجل: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود:15-16] أيها الناس اطلبوا العلم لترفعوا به الجهل عن أنفسكم فإن الله تعالى قال: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل:78] السمع تسمعون ما يلقى إليكم والأبصار تبصرون ما يكتب لكم والأفئدة تعقلون بها ما يلقى عليكم ولا علم للإنسان إلا بالتعلم اطلبوا العلم لترفعوا به الجهل عن عباد الله فتنشروا العلم بين الخلق فإن على أهل العلم حق تبليغه قال النبي صلى الله عليه وسلم ( بلغوا عني ولو آية )(4) وقال صلى الله عليه وسلم ( ليبلغ الشاهد منكم الغائب )(5) وإنني بهذه المناسبة أحث طلبة العلم الذين أدركوا من العلم حظاً ولو قليلا على أن ينشروه بين الخلق وأن يجعلوا مجالسهم معمورة به بالتساؤل والبحث حتى يفيدوا ويستفيدوا أما أن يجلس طالب العلم مع عامة الناس وكأنه عامي بينهم لا يفتح لهم باب العلم ولا باب التساؤل والبحث فإن ذلك فيه حرمان كثير أيها الناس وأخص الشباب بالذات اطلبوا العلم لتحفظوا به شريعة الله عز وجل فإن الشريعة تحفظ بشيئين الكتابة والحفظ في الصدور وهو العلم اطلبوا العلم لتدافعوا به عن شريعة الله فإن الدفاع عن الشريعة إنما يكون برجالها وإنني أضرب مثلاً برجل ضال مبتدع أو ملحد أو مخرف قام يدعو إلى ضلالته بين قوم لا علم عندهم فهل يستطيع أحد منهم أن يبين ضلالته ويحمي الشريعة من عدوانه لا ولو قام هذا الضال يدعو إلى ضلالته وحوله من كتب الحق والهدى ما لا يحصى فإن هذه الكتب لن يقفز منها كتاباً واحداً يبين ضلالته ويكبح عدوانه ولو قام هذا الضال يدعو إلى ضلالته في قوم بينهم عالم لقام هذا العالم مبيناً ضلالة داحضاً حجته مبطلاً لدعوته إذن فالشريعة لا تحمى إلا برجالها ولا رجال للشريعة إلا حملة الشريعة بالعلم والعمل أيها المسلمون أيها الشباب اطلبوا العلم لتدعوا به إلى الله عز وجل فإن الدعوة إلى الله لا تتم بدون العلم وكم من شخص نصب نفسه داعية إلى الله لكنه لا علم عنده فلا تكمل دعوته ولا تتم وربما تكلم عن جهل فأفسد أكثر مما يصلح يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف:108] لم يقل أدعو إلى الله وسكت بل قال أدعو إلى الله على بصيرة فالنبي عليه الصلاة والسلام يدعو إلى الله على بصيرة بصيرة بما يدعو إليه بصيرة بحال من يدعوهم حتى يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلهم بالتي هي أحسن أيها الناس إن طلب العلم أفضل من الصلاة قال الإمام أحمد رحمه الله تذاكر ليلة أحب إلي من إحيائها وذلك لأن العلم فيه من المطالب العالية ولا سيما في وقتنا هذا الذي كثر فيه طلب الدنيا والتكالب عليها وكثر فيه القراء العارفون دون الفقهاء العاملين إن ثمرة العلم العمل والدعوة إلى الله به فمن لم يعمل بعلمه كان علمه وبالاً عليه ومن لم يدعو الناس به كان علمه قاصراً عليه من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد:17] وقال جل ذكره ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً ﴾ [مريم: 76] ومن ترك العمل بما علم أوشك أن ينزع عنه العلم قال سبحانه ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [المائدة: 13] وقد قيل ( العلم يهتف بالعمل فإن أجاب وإلا ارتحل)(ك