السلام عليكم ورحمة الله
ما بالُ أهل الأهواء لهم محبَّة شديدة لأهوائهم؟»
قالَ شيخ الإسْلام الإمام ابن تيميَّة (ت: 728) رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "وأصل ضلال مَنْ ضلَّ هُوَ تقديم قياسه على النَّص المُنزَّل مِنْ عند الله، واختياره الهوى على اتِّباع أمر الله
، فإنَّ الذّوق والوجد ـ ونحو ذلك ـ هُوَ بحسب ما يحبُّه العبد، فكلَّ محبٍّ لهُ ذوق ووجد بحسب محبَّته.
أهل الإيمان لهم من الذّوق والوجد مثل ما بيَّنه النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله في الحديث الصَّحيح:
((ثلاثة من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: مَنْ كان الله ورسوله أحبّ إليه ممَّا سواهما،
ومَنْ كان يحبّ المرء لا يحبُّه إلاَّ الله، ومَنْ كانَ يكره أنْ يرجع في الكفر بعد إذْ أنقذه الله منه؛ كما يكره أنْ يُلقى في النَّار))،
وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((ذاقَ طعم الإيمان مَنْ رَضِيَ باللهِ ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمُحَمَّدٍ نبيًّا)).
قيلَ لسُفيان بن عُيَيْنَة: ما بالُ أهل الأهواء لهُم محبَّة شديدة لأهوائهم؟ فقالَ:
أنسيتَ قوله تَعَالَى: ﴿وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ ﴿البقرة: 93﴾، أو نحو هذا الكلام.
فعبّاد الأصنام يحبّون آلهتهم؛
كما قالَ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾ ﴿البقرة: 165﴾
. وقالَ: ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ﴾ ﴿القصص: 50﴾،
وقالَ: ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى﴾ ﴿الأنعام: 166﴾
، ولهذا يميل هؤلاء إلى سماع الشِّعر والأصوات الَّتي تهيج المحبَّة المطلقة الَّتي لا تختصّ بأهل الإيمان
، بل يشترك فيها محبّ الرَّحمن، ومحبّ الأوثان، ومحبّ الصِّلبان،
ومحبّ الأوطان، ومحبّ الإخوان، ومحبّ المردان،
ومحبّ النِّسوان، وهؤلاء الَّذين يتَّبعون أذواقهم ومواجيدهم مِنْ غير اِعْتبار لذلكَ
بالكتابِ والسُّنَّة، وما كانَ عليهِ سلف الأُمَّة".اهـ.
([«العبوديَّة» لابن تيميَّة / (1/ 19، 20)