اعلم وفقك الله إلى مرضاته أن عقيدة أهل السنة مبنية على تنـزيه الله عن مشابهة المخلوقات، فالله تبارك وتعالى لا يشبه شيئاً من المخلوقات ولا يشبهه شىء، كان قبل المكان بلا مكان وهو الآن على ما عليه كان، كان ولم يكن أين ولا كيف ولا مكان، فكون الأكوان ودبر الزمان فلا يحتاج إلى المكان ولا يتقيد بالزمان، فكما كان قبل المكان بلا مكان فهو الآن على ما عليه كان، أي موجود بلا مكان.
وهذا ما ثبت عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال: (كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان) كما رواه الإمام أبو منصور البغدادي في الفرق بين الفرق.
هذه هي العقيدة التي كان عليها رسول الله وصحابته الكرام والتابعون لهم بإحسان كما سنبين في هذا الرد.
وسترى أن استدلال الكاتب ببعض الآيات والأحاديث على مدّعاه استدلالٌ فاسد كما سيظهر لك من ردنا هذا إن شاء الله تعالى، فلنشرع بالمقصود سائلين الله التوفيق فيما هنالك.
واعلم أن الحافظ تاج الدين السبكي نقل في طبقاته ( 9/36) عن العلامة شهاب الدين ابن جهبل أنه قال: مذهب الحشوية في إثبات الجهة مذهبٌ واهٍ ساقطٌ، يظهرُ فسادُهُ من مجرّدِ تصورِهِ، حتى قالت الأئمة: لولا اغترار العامة بهم لما صرِفَ إليهم عنان الفكر، ولا قطر القلم في الرد عليهم.اهـ
وقال الإمام أبو نصر القشيري في التذكرة الشرقية ما نصه: وقد نبغت نابغة من الرعاع لولا استنـزالهم للعوام بما يقرب من أفهامهم ويُتصورُ في أوهامهم لأجللت هذا الكتاب عن تلطيخه بذكرهم يقولون نحن نأخذ بالظاهر ونجري الآيات الموهمة تشبيها والأخبار المقتضية حدا وعضوا على الظاهر ولا يجوز أن نطرق التأويل إلى شئ من ذلك ويتمسكون على زعمهم بقول الله تعالى:{ وما يعلم تأويله إلا الله}.
وهؤلاء والذي أرواحنا بيده أضر على الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان لأن ضلالات الكفار ظاهرة يتجنبها المسلمين وهؤلاء أَتوا الدينَ والعوامَّ من طريقٍ يغترُّ به المستضعَفون فأوحوا إلى أوليائهم بهذه البدع وأحلُّوا في قلوبهم وصفَ المعبود سبحانه بالأعضاء والجوارح والركوب والنـزول والاتكاء والاستلقاء والاستواء بالذات والتردد في الجهات فمن أصغى إلى ظاهرهم يبادر بوهمه إلى تخيل المحسوسات فاعتقد الفضائحَ فسالَ به السيلُ وهو لا يدري.اهـ نقلها الحافظ الزبيدي في الإتحاف ( 2/176 ? 177).