ولما اشتد القتل والقتال على الدنيا والكرسي لأخذ الملك والحكم بأي طريق كان ، أهـدر دم الإنسان وأصبح رخيصا أرخص من قتل الذباب، لأن عقول الناس ذهبت ولم يبق إلا حثالة من الناس يستبيحون الأعراض والأموال ويسفكون الدماء بغير مبرر شرعي فقلت الرجال وكثرت النساء وهذا كله قد حدث قال e:<< بين يدي الساعة لهرجا >> قال أبو موسى الأشعري.قلت: يا رسول الله:ما الهرج؟ قال: <<القتل>> ..
<< يقتل بعضكم بعضا حتى يقتل الرجل جاره وابن عمـه وذا قرابته >> فقال القوم : يا رسول الله !ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟ فقال رسول الله e:<< لا.تنزع عقول أكثر ذلك الزمان ، ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم>> (صحيح ابن ماجه(3198/ج2/ص55)أنظر الصحيحة (ح1688).
ولك أن تعلق أيها القارئ وخاصة وأنت تدرك تماما كيف تقتل الأرواح وتقطع الرؤوس بالعشرات بل بالمئات وترمى هكذا في الشوارع مشوهة هل عند هؤلاء الناس مسكة عقل ؟ وقالe:<< كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي،يغربل الناس فيه غربلة وتبقى حثالة من الناس،قد مرجت عهودهم وأماناتهم فاختلفوا >> (أحمد ، وأبو داود وهو في صحيح ابن ماجة 3196، والصحيحة 205).
فوقع فيهم القتل اللامشروع حتى قلت الرجال وكثرت النساء قالe:<< لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم ويظهر الجهل ويقل الرجال وتكثر النساء..>>(أخرجاه صاحبا الصحيحين )، وابن كثير في الفتن والملاحم (ج1/ص18).
وهذا إشارة إلى كثرة القتل،قالe:<< يتقارب الزمان وينقص العلم ويلقى الشح وتظهر الفتن ويكثر الهرج. قالوا : يارسول الله أيما هو؟ قال: القتل القتل >>( البخارى (ح7061) ومسلم كتاب الفتن (ج4/ص2215 ).
وفي هذا الزمان الذي أشار إليه المصطفى e:<< وقد أدركنا وأظلنا يسرع الناس فيه إلى القتل دون تورع ولا نظر إلى حكم الشرع حتى لا يدري الرجل على ما يقاتل والمقتول على ما مات،روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله e:<< والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قتل،ولا المقتول فيم قتل، فقيل: كيف يكون ذلك؟قال الهرج.القاتل والمقتول في النار>>( مسلم كتاب الفتن (ج4 /ص2231 ).
ولا يقف بهم القتل عند هذا الحد حتى يتجاوز المقاتلة إلى الذرية فيقتلون الذراري(عن الأسود بن سريع أن النبيe نهى عن قتل الذرية فقال:<< ألا لا تقتلوا ذرية،ألا لا تقلوا ذرية …>> أحمد (ج3/ص435)وقد ثبت النهي عنه في الصحيح .)،ونعوذ بالله من ذلك الزمان الذي نحن على أبوابه فكم من طفل يقتل في العالم الإسلامي بعامة،وفي جزائرنا خاصة ، إنها فتنة كادت أن تأتي على الأخضر واليابس .وإذا كان الأمر هكذا وهو كذلك في زماننا، فالمطلوب من المؤمن الذي يريد النجاة لنفسه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم من الشرك سليم من الدماء لم يتند بدم حرام فعليه أن يبتعد ويعتزل القتل والقتال في الفتنة وخاصة عند اشتداد الفتن، وتحكم الأهواء وقد أرشد إلى ذلك النبيeفي قوله لحذيفة t: << فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى تلقى الله وأنت على ذلك >>(وهو في الصحيحين ).وفي رواية قال:<< ومن كانت له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه قال : فمن لم يكن له شيء من ذلك فليعمد إلى سيفه – سلاحه – فيدق على حده بحجر ثم لينج ما استطاع النجاء >>( رواه مسلم (ج4/ص2212) وأبو داود والترمذي وابن كثير في كتابه الفتن والملاحم(ج1/34). وفي رواية قال سعد بن أبي وقاص: قلت يارسول الله أرأيت إن دخل على بيتي وبسط يده ليقتلني.فقال رسول الله:<< كن كإبن آدم وتلى} لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك .. { المائدة: 28- 29(رواه أبو داود وابن كثير في الفتن والملاحم(ج1/35 ).
وفي رواية قال لأبي ذر:<< يأبا ذر:أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضا حتى تغرق حجارة البيت من الدماء كيف تصنع؟ قال:الله ورسوله أعلم. قال:اقعد في بيتك وأغلق إليك بابك. قال:فإن لم أترك أفآخد سلاحي؟ قال:إذا تشاركهم فيما هم فيه،ولكن إن خشيت أن يروعك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك >>.وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن في الفتنة إن قاتله أحد أو رفع السلاح عليه ليقتله فليكن عبد الله المقتول ولا يكون عبد الله القاتل كخير ابني آدم - حتى يلقى الله وهو في فسحة من دينه -لم يتندى بدم حرام .وذكرت هذه الخاتمة ليكون المؤمن العاقل محتاطا لدينه،فإن الفتن على وجوه كثيرة،قد مضى منها فتن عظيمة نجا منها أقوام، وهلك فيها أقوام بإتباعهم الهـوى، وإيثارهم الدنيا فمن أراد الله تعالى له الخير فتح له باب الدعاء،وألتجأ إلى مولاه الكريم، وخاف على دينه ، وحفظ لسانه، وعرف زمانه، ولزم المحجة البيضاء والحجة البالغة الواضحة السواد الأعظم،ولم يتلون في دينه، وعبد ربه عز وجل وترك الخوض في الفتنة،فإن الفتنة يعرفها العلماء إذا أقبلت ،ويفتضح عندها خلق كثير إذا حلت ،ويعلمها الناس إذا أدبرت ، ونسأل الله العصمة والثبات وحسن الخاتمة.
وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
وكتب: أبو بكر يوسف لعويسي
جيجــــل: في منتصف رجب المحرم 1415هـ.