شَوَاطِئ الْبَكَّائِيْن
.. شَوَاطِئ عَبْر وَمَوَاعِظ .. شَوَاطِئ بِحَارِهَا الْإِيْمَان
وَأَمْوَاجُهَا الْذِّكْرَى وَالَّعْبـر ..
تُحْيِي الْقُلُوُب وَتُوْقِظ الْهَمـم !
لِنَنْطَلِق وَنَبَحـر مَعَا ، نَجْمَع نَفْيِس الْدُّرَر ..
نُحْيِي مَوَات الْأَفْئِدَة ونسبِل الْدُّمُوْع
.. دُمُوْع تَزِيْدُنَا رِفْعَة وَأَجْرَا ،
وَتَرْفَعُنَا فِي الْجِنَان
مَنْزِلَا و مُسْتَقـرَا ..
:::
يَقُوْل الْلَّه جَل فِي عُلَاه : " وَفِي الْأَرْض آَيَات لِّلْمُوقِنِيْن*
وَفِي أَنْفُسِكُم أَفَلَا تُبَصَّرُون "
وَيَقُوْل سُبْحَانَه :
" سَنُرِيْهِم آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاق وَفِي أَنْفُسِهِم
حَتَّى يَتَبَيَّن لَهُم أَنَّه الْحَق"
مَا أَوْدَعَه الْلَّه فِي بَنِي الْبَشَر مِن نِعَمَه نِعْمَتَيْن عَظِيْمَتَيْن،
نِعْمَتِي الْضَّحِك وَالْبُكَاء ..
ضَحِك وَبُكَاء أَوْدِعْهُما الْلَّه فِي الْنَّفْس الْإِنْسَانِيَّة وَالْنَّفْس الْبَشَرِيَّة
لِتُعَبِّر بِه عَن فَرَحِهَا الْمَرْغُوب وَرِضَاهَا بِه ، وَأُنْسِهَا بِمَا يَسـر ..
وِبُكـاء .. أَوْدَعَه الْلَّه فِي الْتَّفْس تُعَبِّر بِه عَمَّا يَعْتَرِيَهَا مِن الْخَوْف وَالْخَشْيَة
وَالْوَجِل ،
وَرُبَّمَا زَاد الْسُّرُوْر عَلَى الْنَّفْس فَكَان مِن فَرْط مَاقَد سِرَّهَا أَبْكَاهَا ..
فَهِي تَبْكِي فِي الْأُفـرَاح وَالْأَحْزَان !
إِن الْلَّه عـز وَجَل أَنْشَأ دَوَاعِي الْضَّحِك وَدَوَاعِي الْبُكَاء
وَجَعَلَهَا وَفْق أَسْرَار أَوْدَعَهَا فِي الْبَشَر ..
يَضْحَك لِهَذَا وَيَبْكِي لِذَاك ،
وَقَد يَضْحَك غـدَا مِمَّا أَبْكَاه الَيـوَم ،
وَيَبْكِي غـدَا مِمَّا أَضْحَكَه بِالْأَمْس
مِن غَيْر ذُهُوْل وَلَا جُنـوَن ،
إِنَّمَا هِي حَالَات جِبِلِّيَّة خَلَقَهَا الْلَّه فِيْه "
" وَفِي أَنْفُسِكُم أَفَلَا تُبْصِرُوْن "
إِن الْلَّه عَز وَجَل أَنْعَم عَلَيْنَا بِنِعْمَة الْبُكَاء انَشَكَرِه عَلَيْهَا ،
إِذ كَيْف يَعِيْش مِن لايَبْكِي !
كَيْف يَتُوْب الْتَّوْبَة النَّصُوْح إِن لَم تُخَالِطْهَا دُمُوْع الْخَشْيَة وَالْرَّجَاء !
وَقَد كَان يَدْعُو عَلَيْه الْصَّلاة وَالْسَّلام :
" الْلَّهُم إِنِّي أَعُوْذ بِك مِن عِلْم لَا يَنْفَع
، وَمَن نَفْس لَاتَشْبَع ،
وَمِن قَلْب لَا يَخْشَع ،
وَمَن عَيْن لَا تَدْمَع ،
وَمِن دُعَاء لَا يُسْتَجَاب لَه "
دِرْتُنـا الْمَصُونَة :
إِن الْبُكَاء قَافِلَة ضَخْمَة ،
حُطَّت رَكَّابْهَا فِي سُوَق رَحْبَة ،
مَا ابْتـاع الْنَّاس مِنْهَا عَلَى ثـلَاثَة أَضْرِب :
1/ ضَرْب مِن الْنَّاس اشْتَرَوُا بُكَاء الْعُشـاق وَالْمَعْشُوقِين ، أَصْحَاب الْهَوَى الْمُتَيَّمِين ،
أَهْل الْصَّبَابَة وَالَغـرَام ،
الَّذِيْن هَرَبُوْا مِن الرِّق الَّذِي خُلِقُوْا لَه
إِلَى رِق الَهـوَى وَالْشَّيْطَان ،
أَعَاذَنَا الْلَّه وَإِيَّاك مِن هَذِه الْحـال وَمِن أَهْل الْنَّار.
2/ وَضِرْب مِن الْنـاس ابتَاعُوا بُكَاء أَهْل الْحُزْن
عَلَى مَصَائِبِهِم و رَّزَايَاهُم
وَعَلَى هَذَا الْضَّرْب جُل الْنَّاس ،
فَاقْتَصـرُوْا عَلَى سِلْعَة وَافَقْت جِبِلَّتِهِم
الَّتِي جَبَلِهِم الْلَّه عَلَيْهَا ،
فَاصْبَحُوْا لَا لَهُم .. وَلَا عَلَيْهِم !
3/ وَضَرْب ثَالِث اشْتَرَوُا بُكَاء الْخَشْيَة مَن الْلَّه عـز وَجَل ..
تِلْكُم الْبِضَاعَة الَّتِي زَهِد فِيْهـا كَثِيـر مِن الْنَّاس إِلَّا مِن رَحـم الْلَّه ..
آَيـات تُتْلَى ، وَأَحَادِيث تُرْوَى ، و مُوَاعـظ تُلْقَى ،
وَلَكِن تُدْخِل مَن الْيُمْنَى وَتَخـرَج مِن الْيُسـرَى ،
لَا يَخْشَع لَهَا قَلْب وَلَا تُهْتـز لَهَا نَفْس ،
وَلَا يَسِيـل عَلَى إِثْرِهَا دَمـع ...
لَقَد أَثْنَى الْلَّه عـز وَجَل فِي كِتَابِه عَلَى الْبَكَّائِيْن
مِن خَشْيَة الْلَّه ، وَفِي طَاعَة الْلَّه ..
الأُنُقيـاء الْأَتْقِيَاء الَّذِيْن لاتَسَغَفَهُم الْكَلِمَات لِلْتَّعْبِيْر
عَمـا يُخَالِج مَشَاعِرُهُم مِن حُب رَبِّهِم وَتَعْظِيْمِهِم لَه ،
وَخَشْيَة و إِجْلَال
فَتَفِيْض دُمُوْعُهُم قُرْبَة إِلَى الْلَّه وَزُلْفَى :
" وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِل إِلَى الْرَّسُوْل تَرَى أَعْيُنَهُم تَفِيْض مِن الْدَّمْع
مِمَّا عُرِفـوَا مَن الْحَق "