دراسة في كتاب إعجاز القرآن للباقلاني - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > منتدى اللّغة العربيّة

منتدى اللّغة العربيّة يتناول النّقاش في قضايا اللّغة العربيّة وعلومها؛ من نحو وصرف وبلاغة، للنُّهوضِ بمكانتها، وتطوير مهارات تعلّمها وتصحيح الأخطاء الشائعة.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

دراسة في كتاب إعجاز القرآن للباقلاني

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-01-20, 17:38   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
بلقاسم الأمين
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي دراسة في كتاب إعجاز القرآن للباقلاني

مقدمــــــــــــــــــــة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على قائد الغر المحجّلين وعلى آله وأصحابه أجمعين
أمّا بــــــعـــــــــــــد:
فقد أنزل الله القرآن الكريم، فَبَهرَ به الألباب،وسلب به العقول والأبصار، لِما فيه مِنْ حق وجلال فآمنت به بعض النفوس،وعاند بعضها الآخر شقاءً وضلالاً،إلاَّ أن كل واحد من هذين الفريقين وقف مبهوراً من بيان القرآن وعظمته،واعترف بروعة بيانه،وعظمة إعجازه .
والإعجاز في القرآن من أشرف العلوم وأعظمها مكانة كيف لا وهو السبيل المفضي إلى فهم
كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ،لذلك أولى القدماء هذا الفنَّ عناية كبيرة،ومازال حتى الآن،ومن بين هؤلاء العلماء الذين اهتموا بقضية الإعجاز القرآني العالم الفذ: أبو بكر محمد الباقلاني،الذي سيكون موضوع بحثنا لهذا اليوم.
وعليه نطرح الإشكالية التالية:من هو الباقلاني؟وكيف كانت حياته؟ وماذا قال عنه
معاصروه؟ وماهي أهم المجالات العلمية التي طرقها ؟وفيما تمثّلتْ جهوده في إعجاز القرآن؟
ولمعالجة هذا الموضوع قسّمنا بحثنا إلى ثمانية مباحث؛تطرقنا في المبحث الأول إلى نبذة
عن حياة الباقلاني،والمبحث الثاني تحدثنا فيه عن مكانته العلمية والدينية وثناء العلماء عليه
أما المبحث الثالث تطرقنا فيه إلى أهم محتويات كتابه،والمبحث الرابع تكلمنا فيه عن رؤيته للإعجاز،والمبحث الخامس تطرقنا فيه إلى موقفه من البديع والتشبيه والسجع والشعر والمبحث السادس تحدثنا فيه عن طريقته في معالجته قضية الإعجاز القرآني
والمبحث السابع تعرضنا فيه إلى جملة وجوه إعجاز القرآن،والمبحث الثامن والأخير ختمناه ببعض النماذج التطبيقية لإثباته للإعجاز القرآني.
وبما أننا سنقوم بوصف وتحليل كل ماذكرناه عن الباقلاني،فكان المنهج المتّبع وصفيا تحليليا
مناسبا لهذا المقام.
ومن أهم الصعوبات والعراقيل التي واجهتنا في هذا البحث تشعب المادة العلمية
وعدم قدرتنا على الإلمام بجوانب كل الموضوع .
وفي الأخير لابُدّ من كلمة شكر وعرفان تُؤدَّى لأصحابها بعْد الحمد والثناء على الله
عزّ وجلّ، فنشكر أستاذنا الفاضل الذي أتاح لنا فُرْصَة البحث في هذا الموضوع
كما نتقدم بالشكر الجزيل لمن قدّم لنا يد العَوْن والمساعدة .
المبحث الأول: نبذة عن حياة الباقلاني
-1نسبه وموطنه
القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم،المعروف بالباقلاني،أو ابن الباقلاني
والبَاقلاني نسبة إلى الباقلّى وبيعه، البصري المتكلم المشهور؛كان على مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري
ومؤيدا اعتقاده وناصرا طريقته،سكن بغداد،وصنف التصانيف الكثيرة المشهورة في علم الكلام وغيره(1)
وكان موصوفا بجودة الاستنباط وسرعة الجواب،سمع الحديث،كان كثير التطويل في المناظرة،حيث
جرى يوما بينه وبين أبي سعيد الهاروني مناظرة فأكثر فيها الباقلاني الكلام ووسع العبارة
وزاد في الإسهاب،ثم التفت إلى الحاضرين وقال:اشهدوا علي أنه إذا أعاد ماقلت لا غير لم اطلبه
بالجواب،فقال الهاروني:اشهدوا عليّ أنه إن كان أعاد كلام نفسه سلمت له ماقال
توفي رحمه الله يوم السبت،ودفن يوم الأحد لسبع بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة (ت403)هـ
ببغداد ،وصلى عليه ابنه الحسن،ودفن في داره بدرب المجوس،ثم نقل بعد ذلك فدفن في مقبرة باب حرب.
رثاه بعض شعراء عصره بقوله:
انظر إلى جبل تمشي الرجال به وانظر إلى القبر مايحوي من الصلف
وانظر إلى صارم الإسلام مغتمدا وانظر إلى درة الإسلام في الصدف(2)



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان
تح: د.إحسان عباس،دار صادر بيروت لبنان ،ج4،ص269-270
(2)ينظر:الخطيب البفدادي،تاريخ بغداد مدينة السلام وأخبار محدثيها وذكر قطانها العلماء من غير أهلها ووارديها،
تح:بشارعو معروف،دار الغرب الاسلامي،بيروت ،لبنان،ط1 ،1422هــ/ 2001م،المجلد الثالث،ص364-369



-2شيوخه وتلاميذه:
أ- شيوخه:
تتلمذ الباقلاني على مجموعة من العلماء كان لهم الأثر في تغذية عقليته وصقل موهبته وتنوع اهتماماته
العلمية ومن هؤلاء:
-أبو بكر الأبهري:محمد بن عبد الله(289-375)شيخ المالكية في عصره،فقد أخذ عنه الفقه،وصحبه فأطال صحبته
-أبو بكر: أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي(274-369) وقد أخذ عنه الحديث
-أبو محمد:عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسى(274-369)
-أبو عبد الله:محمد بن خفيف الشيرازي المتوفى سنة371،وقد أخذ عنه علم الأصول
- ابن بهتة: محمد بن عمر،البزار،المتوفى سنة374
-أبو أحمد:الحسين بن علي النيسابوري(293-375)
-أبو أحمد:الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري(293-382)
-أبو محمد:عبد الله أبي زيد القيرواني،المتوفى سنة386 عن ست وسبعين سنة.
-أبو عبد الله الطائي:محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد،البصري،صاحب أبي الحسن الأشعري،وقد درس عليه الباقلاني الأصول والكلام،وكان من أخص تلاميذه.
-أبو الحسن الباهلي البصري صاحب أبي الحسن الأشعري.... (1)
ب- تلاميذه
تتلمذ على يديه الكثير وخاصة من أهل البصرة وبغداد وغيرها،ومن هؤلاء:
- القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن نصر،البغدادي المالكي(362-422)
-أبو عمران موسى بن عيسى بن أبي حجاج الغفجومي
-أبو ذر الهروي المالكي الأشعري(355-434)
- أبو الحسن السكري علي بن عيسى،الشاعر الذي استفرغ شعره في مدح الصحابة والرد على الرافضة،والنقض على شعرائهم،وقد صحب الباقلاني؛ودرس عليه الكلام .
- أبو الحسن الحربي علي بن محمد المالكي(356-437)
-القاضي أبو جعفر محمد بن أحمد السمنائي،الحنفي(361-444)
-ابو الحسن البغدادي رافع بن نصر،المتوفى سنة447.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ينظر: أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني،إعجاز القرآن،تح:السيد أحمد صقر،دار المعارف،القاهرة،مصر،ص20
-أبو طاهر الواعظ محمد بن علي،المعروف بابن الأنباري(375-448)
-أبو عبد الله الحسين بن حاتم الأزدي،المتوفى غريبا بالقيروان
-أبو عبد الرحمن السلمي محمد بن الحسين الصوفي(330-412)
-القاضي أبو محمد بن أبي نصر
-أبو حاتم محمود بن الحسن الطبري،المعروف بالقزويني،درس على الباقلاني:أصول الفقه
- القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني،المعروف بابن اللبان
-أبو بكر محمد بن الحسين الإسكافي
-أبو علي الحسن بن شاذان(339-426)
-أبو القاسم عبيد الله بن أحمد الصيرفي(355-435)
-أبو الفضل عبيد الله بن أحمد المقري(370-451). (1)

3- مذهبه وعقيدته:

كان الباقلاني مالكيا في المذهب،فقيها أصوليا متكلِّما أشعريا مشهورا

حيث قال القاضي عياض في كتابه:"ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب الإمام مالك":


ومن أهل العراق والمشرق أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد،القاضي المعروف بابن الباقلاني ؛الملقب

بشيخ السنة، ولسان الأمة،المتكلم على مذهب المثبتة وأهل الحديث ،وطريقة أبي الحسن الأشعري...

قال أبو الحسن بن جهضم الهمذاني: كان شيخ المالكيين في وقته،وعالم عصره المرجوع إليه فيما أشكل على غيره"(2).


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ينظر: أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني،إعجاز القرآن،ص38-41
(2) المصدر نفسه ،ص 57

المبحث الثاني: مكانته العلمية والدينية وثناء العلماء عليه
أ- مكانته العلمية والدينية وثناء العلماء عليه
كرس الباقلاني حياته للتدريس والتأليف أما التدريس فقد اجتمعت له كل أدواته ولم يصرفه عنه صارف؛حتى
إنه أثناء مقامه مع عضد الدولة بشيراز،وتدريسه لابنه الأمير،لم يمنعه ذلك،بل عقد دروسا عامة لأهل السنة
ومن الكتب التي درسها لهم :كتاب :"اللمع" لأبي الحسن الأشعري.
قال الصاحب ابن عباد في وصفه ووصف زميله:"وابن الباقلاني بحر مغرق..."
وقال القاضي عياض في "ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب الإمام مالك" :"ومن أهل
العراق والمشرق أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد،القاضي المعروف بابن الباقلاني؛الملقب بشيخ السنة،
ولسان الأمة،المتكلم على مذهب المثبتة وأهل الحديث...وقال أبو الحسن بن جهضم الهمذاني: كان شيخ
المالكيين في وقته،وعالم عصره المرجوع إليه فيما أشكل على غيره.."
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء:"ابن الباقلاني الإمام العلامة أوحد المتكلمين، متقدم الأصوليين،صاحب
التصانيف كان يضرب المثل بفهمه...
وقال عنه ابن عمار الميورقي:" كان مالكيا فاضلا متورعا..."
وقال أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن برهان النحوي،المتوفى سنة 456هـ: من سمع مناظرة القاضي أبي
بكر لم يستلذ بعدها بسماع كلام أحد من المتكلمين والفقهاء والخطباء والمسترسلين.
وقال أبو عمران الفاسي (368-430): "القاضي أبو بكر سيف أهل السنة في زمانه،وإمام متكلمي أهل الحق
في وقتنا".
-قال أبو عبد الله الصيرفي:" كان صلاح القاضي أكثر من علمه..."
- وقال عنه أبو حاتم الطبري محمود بن الحسن القزويني:" إن ماكان يضمره القاضي الإمام أبو بكر
الأشعري رضي الله عنه،من الورع والديانة ،والزهد والصيانة،أضعاف ماكان يظهره..."
وقال أبو الفرج محمد بن عمران الخلال:" وكان ورد القاضي أبي بكر محمد بن الطيب،في كل ليلة،عشرين
ترويحة؛ مايتركها في حضر ولا سفر".
- قال أبو بكر الخوارزمي محمد بن العباس ،المتوفى سنة 383:"كل مصنف ببغداد إنما ينقل من كتب الناس
إلى تصانيفه؛سوى القاضي أبي بكر،فإن صدره يحوي علمه وعلم الناس".
- وقال عنه أبو محمد البافي:"لو أوصى رجل بثلث ماله أن يدفع إلى أفصح الناس لوجب أن يدفع لأبي بكر الأشعري".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينظر: أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني،إعجاز القرآن،ص 56
ب- آثاره: لقد أسهم الباقلاني في التأليف بنصيب موفور،وكان من عادته إذا صلى العشاء،وقضى ورده
وضع دواته بين يديه،وكتب خمسا وثلاثين ورقة؛فإذا صلى الفجر دفع إلى أصحابه ماصنفه ليلته،وأمره
بقراءته عليه؛وأملى من الزيادات مايلوح له فيه. وقد تسنى له أن يؤلف نيفا وخمسين كتابا؛لم يصل إلينا
منها إلا عدد يسير، ومن هذه المؤلفات نذكر مايلي:
- النقض الكبير
- الرد على الرافضة والمعتزلة والخوارج والجهمية
-الإمامة الكبيرة
- كيفية الاستشهاد في الرد على أهل الجحد والعناد
- الأصول الكبير في الفقه
- مناقب الأئمة
- الملل والنحل
- هداية المسترشدين والمقنع في معرفة أصول الدين
- نقض النقض
- الفرق بين معجزات النبيين وكرامات الصالحين
- التقريب والإرشاد
- دقائق الكلام
- الكسب
- التبصرة
- تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل
-إعجاز القرآن
- تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل
- الإنصاف فيما يجب ولا يجوز فيه الخلاف
- الإنتصار لصحة القرآن
- إكفار المتأولين
- كشف الأسرار وهتك الأستار في الرد على الباطنية
- الإيجاز
- الإبانة عن إبطال مذهب أهل الكفر والضلالة
- التقريب والإرشاد
- البيان عن فرائض الدين وشرائع الإسلام ووصف مايلزم من جرت عليه الأقلام من معرفة الأحكام
- كتاب الحدود في الرد على أبي طاهر محمد بن عبد الله القاسم
- تصرف العباد والفرق بين الخلق والاكتساب
- الرد على المعتزلة فيما اشتبه عليهم من تأويل القرآن
- الدماء التي جرت بين الصحابة
- المقدمات في أصول الديانات
- المقنع في أصول الفقه
- الأصول الصغير
- مسائل الأصول
- مختصر التقريب والإرشاد الصغير
- مختصر التقريب والإرشاد الأوسط
- المسائل التي سأل عنها ابن عبد المؤمن
- رسالة الأمير
- المسائل القسطنطينية
- جواب أهل فلسطين
- البغداديات
- الأصبهانيات
- النيسابوريات
- الجرجانيات
-الكرامات
- الأحكام والعلل
- إمامة بني العباس
- نقض النقض على الهمذاني
- الإمامة الصغيرة
- شرح اللمع لأبي الحسن الأشعري
- شرح أدب الجدل
- التعديل والتجويز
- أمالي إجماع أهل المدينة
- فضل الجهاد
- المسائل والمجالسات المنثورة
- الرد على المتناسخين
- نقض الفنون للجاحظ
المبحث الثالث :بطاقة فنية للكتاب
أ- نبذة عن الكتاب
عنوان الكتاب: إعجاز القرآن
المؤلف:محمد بن الطيب أبو بكر الباقلاني
المحقق:السيد أحمد صقر
عدد المجلدات:1
عدد الصفحات:396
الكتاب من كتب إعجاز القرآن التي دافعت عن نظم القرآن وأسلوبه المعجز،وردت كلّ الشبهات المثارة حوله
من قبل الفرق الكلامية الموجود في ذلك الوقت.
ب- أهمية الكتاب:
يقول محقق الكتاب أحمد صقر: وهو أول كتب الباقلاني نشرا،وأشهرها ذكرا،وهو أعظم كتاب ألّف في الإعجاز
إلى اليوم،وإن كره ذلك بعض المتعصّبين على العهد العتيق.
ج- سبب التأليف
ذكر الباقلاني في مقدمته أن الذين ألفوا في (معاني القرآن) من علماء اللغة والكلام، لم يبسطوا القول في
الإبانة عن وجه معجزته، والدلالة على مكانه، مع أن الحاجة إلى ذلك البيان أمسّ، والاشتغال به أوجب،فهو
أحق بالتصنيف من الجزء والطفرة، والأعراض، وغريب النحو، وبديع الإعراب.
د- أهم الدراسات التي كتبت عن هذا الكتاب
من الدراسات التي كتبت عن هذا الكتاب :الدكتور فاضل عبّود التميمي بعنوان:إعجاز القرآن للباقلاني منهجه
ومسائله وإشكالية بديعه.





هـ - محتويات الكتاب:
تضمن الكتاب ثمانية عشر فصلا وهي:
الفصل الأول في أن نبوة النبي معجزاتها القرآن
الفصل الثاني في الدلالة على أن القرآن معجزة قد ثبت بما بينا في الفصل الأول أن نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم مبينة على دلالة معجزة القرآن، فيجب أن نبين وجه الدلالة من ذلك
الفصل الثالث في جملة وجوه إعجاز القرآن
الفصل الرابع في شرح ما بينا من وجه إعجاز القرآ ن لإخبار عن الغيوب في عهد الرسول عليه السلام
الفصل الخامس في نفي الشعر من القرآن
الفصل السادس في نفي السجع من القرآن
الفصل السابع في ذكر البديع من الكلام
الفصل الثامن في كيفية الوقوف على إعجاز القرآن
الفصل التاسع رد شبهة حول الإعجاز
الفصل العاشر في التحدي
الفصل الحادي عشر في قدر المعجز من القران
الفصل الثاني عشر في أنه هل يعلم إعجاز القرآن ضرورة
الفصل الثالث عشر:فيما يتعلق به الإعجاز
الفصل الرابع عشر في وصف وجوه البلاغة
الفصل الخامس عشر في حقيقة المعجز
الفصل السادس عشر في كلام النبي صلى الله عليه وسلم
الفصل السابع عشر شروط المعجز
الفصل الثامن عشر حول الإعجاز






المبحث الرابع :الإعجاز عند الباقلاني

أ- منهجه في دراسة الإعجاز القرآني

- بيان ماذكره العلماء قبله بإيجاز ،للاستفادة منه في رأيه عن الإعجاز

- ذكر وجوه الكلام وما تتفاوت فيه طرق البلاغة

- ذكر السمات التي يجب أن يتسم بها الكلام البليغ بكل أجناسه من الشعر ورسائل وخطب ،فهذه الأصول التي

يقع فيها التفاوت ليعرف سموَ منزلة القرآن ،وتجاوزه الحد الذي يبيح موازنته بغيره .


ب- أهمية دراسة الإعجاز القرآني

حيث يقول :"واعلم أن هذا علم شريف المحل،عظيم المكان، قليل الطلاب، ضعيف الأصحاب، ليست له عشيرة تحميه،
ولا أهل عصمة تفطن لما فيه، وهو أدق من السحر، وأهول من البحر، وأعجب من الشعر، وكيف لا يكون كذلك وأنت
تحسب أن وضع الصبح في موضع الفجر يحسن في كل كلام إلا أن يكون شعراً أو سجعاً،وليس كذلك،فإن إحدى اللفظتين
قد تنفر في موضع، وتزل عن مكان لا تزل عنه اللفظة الأخرى، بل تتمكن فيه وتضرب بجرانها، وتراها في مظانها وتجدها
فيه غير منازعة إلى أوطانها، وتجد الأخرى - لو وضعت موضعها - في محل نفار ومرمى شراد، ونابية عن استقرار.
لكل شيء سبب ولكل علم طريق".
ج- حقيقة الإعجاز القرآني
حقيقة إعجاز القرآن عند الباقلاني أنه لايقدر عليه العباد،لأنهم لو قدروا عليه لبطل الإعجاز،حيث يقول في هذا الصدد
:"معنى قولنا إن القرآن معجز على أصولنا أنه لا يقدر العباد عليه،وقد ثبت أن المعجز الدال على صدق النبي صلى
الله عليه وسلم لا يصح دخوله تحت قدرة العباد، وإنما ينفرد الله تعالى بالقدرة عليه، ولا يجوز أن يعجز العباد عما
تستحيل قدرتهم عليه،كما يستحيل عجزهم عن فعل الأجسام،فنحن لا نقدر على ذلك،وإن لم يصح وضعنا بأن عاجزون
عن ذلك حقيقة، وكذلك معجزات سائر الأنباء على هذا،فلما لم يقدر عليه أحد، شبه بما يعجز عنه العاجز.
لو قدر على مثل القرآن العباد لبطلت دلالة المعجز وإنما لا يقدر العباد على الإتيان بمثله،لأنه لو صحّ أن يقدروا عليه بطلت
دلالة المعجز،وقد أجرى العادة أن يتعذر فعل ذلك منهم وأن لا يقدروا عليه، ولو كان غير خارج عن العادة لأتوا بمثله
وعرضوا عليه من كلام فصحائحهم وبلغائهم مايعارضه. فلما لم يشتغلوا بذلك،علم أنهم فطنوا لخروج ذلك عن أوزان
كلامهم،وأساليب نظامهم،وزالت أطماعهم عنه.


د- الأعاجم لا يعرفون إعجاز القرآن إلا من خلال عجز العرب الفصحاء
يرى الباقلاني أنه لا يتهيأ لمن كان لسانه غير العربية، من العجم والترك وغيرهم،أن يعرفوا إعجاز القرآن،إلا أن يعلموا
أن العرب قد عجزوا عن ذلك، فإذا عرفوا هذا بأن علموا أنهم قد تحدوا على أن يأتوا بمثله، وقرعوا على ترك الإتيان
بمثله ،ولم يأتوا به، تبينوا أنهم عاجزون عنه، وإذا عجز أهل اللسان فهم عنه أعجز.
هـ - ماالذي وقع التحدي إليه؟
حيث يقول في هذا الصدد :إن قال قائل:بينوا لنا ماالذي وقع التحدي إليه،أهو الحروف المنظومة،كنظمها متتابعة كتتابعها
أو الكلام القائم بالذات،أو غير ذلك؟ تحداهم بنظم القرآن لابمثل الكلام القديم.
قيل:الذي تحداهم به أن يأتوا بمثل الحروف التي هي نظم القرآن،منظومة كنظمها ،متتابعة كتتابعها مطردة كاطرادها،ولم
يتحداهم إلى أن يأتوا بمثل الكلام القديم الذي لا مثل له،وإن كان كذلك فالتحدي واقع إلى أن يأتوا بمثل الحروق المنظومة،
التي هي عبارة عن كلام الله تعالى في نظمها وتأليفها،وهي حكاية لكلامه،ودلالات عليه،وأمارات له،على أن يكونوا
مستأنفين لذلك، لاحاكين بما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم .
التوراة والإنجيل كلام قديم وليس بمعجز في النظم
ولا يجب أن يقدر مقدر،أو يظن ظان،أنا حين قلنا:إن القرآن معجز فإنه تحداهم إلى أن يأتوا بمثله أردنا غير مافسرناه
من العبارات عن الكلام القديم القائم بالذات.
في قدر المعجز من القرآن
الذي ذهب إليه عامة أصحابنا،وهو قول أبي الحسن الأشعري في كتبه، أن أقل ما يعجز عنه من القرآن السورة، قصيرة
كانت أو طويلة، أو ما كان بقدرها.
قال: فإذا كانت الآية بقدر حروف السورة، وإن كانت سورة الكوثر، فذلك معجز.
ويرى أن دلالة الإعجاز فهي عن معجزة عامة،عمت الثقلين وبقت بقاء العصرين،ولزوم الحجة بها في أول وقت
ورودها إلى يوم القيامة على حد واحد، كما أن الدلالة على أن القران معجز نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.





المبحث الخامس:موقف الباقلاني من البديع والتشبيه والسجع والشعر
لقد اهتم كتاب إعجاز القرآن بقضايا الإعجاز القرآني،وهو من أنضج الكتب التي ألف حول الإعجاز،إلا أنه
في الوقت ذاته من المصادر البلاغية الأساسية،التي أسهمت في تحديد مسار البلاغة.
- متى علم البليغ عجزه عن القرآن علم عجز غيره
ومتى علم البليغ المتناهي في صنوف البلاغات عجزه عن القرآن علم عجز غيره ، لأنه يعلم أن حاله وحال غيره في هذا
الباب سواء،إذ ليس في العادة مثل للقرآن يجوز أن يعلم قدرة أحد من البلغاء عليه، فإذا لم يكن لذلك مثل في العادة،
وعرف هذا الناظر جميع أساليب الكلام، وأنواع الخطاب، ووجد القرآن مبايناً لها، علم خروجه عن العادة، وجرى مجرى
ما يعلم أن إخراج اليد البيضاء من الجيب خارج عن العادات، فهو لا يجوزه عن نفسه، وكذلك لا يجوز وقوعه من غيره
إلا من وجه نقض العادة، بل يرى وقوعه موقع المعجزة.
كانت فكرة مخالفة النظم القرآني لصور التعبير المعتادة عند العرب هي الدافع للباقلاني إلى أن ينفي هذه

الصور عن القرآن وبدأ بالشعر،ثم نفى أنْ يكون في القرآن من الكلام الموزون غير المقفى ثم نفى أن يكون

ما في القرآن من السجع الذي ورد في كلام العرب وسمى ماجاء منه في القرآن فواصل متابعا "للرماني"


في ذلك,لأن فكرته في مخالفة نظم القرآن الكريم لكل أساليب العرب.


وعرض الباقلاني ثلاثين لونا من البديع ،وهو في ذلك يتعرض لها من زاوية خاصة وهي :هل يمكن أن

يُعرف إعجاز القرآن من جهة ما تضمنه من بديع ؟ وبعد ذكر هذه الألوان ،وتفصيل الكلام فيها،أجاب عن

السؤال ،ليقول أن الإعجاز لا يستفاد من هذه الوجوه ،لأن ليس فيها مايخرق العادة ويمكن التوصل إليها

بتعلمها ،ومع ذلك لا يسلب الباقلاني هذه الألوان كل فضل ،لكن لايرضى أن ينسب إليها الفضل في الإعجاز،


لأن التحدي إلى القرآن الكريم إنما كان للإتيان بمثل القرآن ونظمه لا أن يسند الإعجاز لما تضمنه من ألوان بديعه

المرحلة الأولى :عرض فيها من مأثور الخطب ما يعتبر قمة في البلاغة البشرية ،ليوازن الناظر بينها وبين

النظم القرآني ،ويعرف الفصل بين النظمين ،والفرق بين الكلامين .

فقد عرض فيها خطباً للرسول صلى الله عليه وسلم ليوازن فيها المخاطب بين الكلامين ويعرف الفرق بين

نظم القرآن ونظم البشر .




المرحلة الثانية :عمد فيها إلى قصيدتين انعقد الإجماع على علو قدرهما في البلاغة ،ونقدهما وكشف عما

بهما من خلل يتبرأ منه النظم القرآني .

والقصيدتان هما :"معلقة امرئ القيس" التي مطلعها "قفا نبك"،وقصيدة "للبحتري" ،ومطلعها

"أهلا بذلكم الخيال المقبل " ،وقد كشف عن العيوب فيهما والتي يتبرأ منها النظم القرآني .

المرحلة الثالثة :نظر في النظم القرآني ،محاولا الكشف عن سماته المميزة ،وخصائصه التي لا يمكن لبشر

أن يرقى إلى إدراكها .

فهو يرفض فكرة إثبات الإعجاز البلاغي للقرآن عن طريق ما فيه من بديع، وذلك لأنه على حد تعبيره
:«لاسبيل إلى معرفة إعجاز القران من البديع الذي ادّعوه في الشعر ووصفوه فيه وذلك أن هذا الفن ليس فيه
ما يخرق العادة ويخرج عن العرف بل يمكن استدراكه بالتعلم والتدرب به والتصنع له كقول الشعر ورصف
الخطب وصناعة الرسالة والحذق في البلاغة وله طريق يُسلك ووجه يِقصد وسلم يُرتقى فيه إليه) أي:أن
البديع ببساطة لا يخرج عن طوق البشر،فلا يعجز أي إنسان أن يأتي في كلامه بتشبيه أو استعارة ،أو
طبا؛لأن البديع في حد ذاته غير معجز،وإنما المعجز هو الصورة الباهرة التي وجد عليها في القرآن،واتساقه
مع سائر النظم القرآني اتساقا عجيبا ورائعا، بينما نجد أن الشعر والنثر البشري على يحتوي على التشبيه
البليغ أو الاستعارة الجيدة ولكن يوجد إلى جوارها التعبير الساقط ،واللفظ المبتذل.

والباقلاني يستخدم مصطلح البديع بمفهومه العام الشامل الذي كان متعارفا عليه في عصره،فالبديع عنده
يشمل كل المباحث والفنون البلاغية،أي: أنه يضم مباحث علوم البلاغة الثلاثة -التي لم تكن في عصره-
قد تحددت وتمايزت واستقلت ،وهي:البيان ،والمعاني ،والبديع،فهو مثلا يرى أن الاستعارة والتشبيه من
البديع،وهما كما نعلم أصبحا – فيما بعد – من أهم مباحث علم البيان، وهو يعتبر المساواة وبعض صور
الإطناب من البديع ،ونحن نعلم أنهما أصبحا من موضوعات علم المعاني.وهو يعتبر أن مجموعة من الصور
البديعية التي استقرت فيما بعد تحت عنوان البديع ،مثل المطابقة والتجنيس ،ورد الأعجاز على الصدور.(1)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ينظر:شوقي ضيف،البلاغة تطور وتاريخ،دار المعارف،القاهرة ،مصر،ط9،ص 110-111




وكما يرفض الباقلاني فكرة التوصل إلى إثبات إعجاز القرآن عن طريق ما فيه من بديع، فإنه يرفض أيضا
فكرة التوصل إلى إثبات إعجاز القرآن عن طريق أقسام البلاغة العشرة التي حددها الرماني(1) ،حيث عقد فصلا
بعنوان (فصل في وصف وجوه البلاغة) لـخَّص فيه أقوال الرماني الذي يشير إليه وإن كان لا يصرح باسمه
حيث يقول (ذكر بعض أهل الأدب والكلام أن البلاغة على عشرة أقسام :الإيجاز،والتشبيه، والاستعارة،
والتلاؤم، والفواصل،والتجانس،والتصريف،والتضمين، والمبالغة،وحسن البيان.

وبعد أن ينتهي من تلخيص آراء الرماني حول هذه المباحث، يشير إلى أن البعض يرى أنه من الممكن
التوصل إلى إعجاز القرآن من هذه الوجوه، بيد أنه يرفض هذا الرأي، ثم يقرر أن هذه الوجوه العشرة تنقسم إلى قسمين:
- قسم يمكن الوقوع عليه والتعلم له ،ويُدرك بالتعلم،فما كان كذلك فلا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن به

- أما القسم الثاني فهومالاسبيل إليه بالتعلم من البلاغات، فذلك هو الذي يدل على إعجازه.

ويضرب لذلك مثلا، بأننا لو قلنا:بأن مافي القرآن من تشبيه معجز في ذاته،فسوف يعترض علينا بما في

الأشعار من تشبيهات رائعة ،ويمثل لذلك بما في شعر ابن المعتز من تشبيه بديع يشبه السحر.

وينتهي الباقلاني من ذلك ،إلى أن مثل هذه الوجوه البلاغة ليست معجزة في حد ذاتها،وإنما المعجز في هذه
الوجوه هو أولا:حسنها البالغ وسموها،وثانيها :ارتباطها واتساقها مع بقية الكلام ،على نحو بالغ الروعة
والتكامل ،بحيث لا يحس القارئ بأي قدر من التفاوت البلاغي،في هذا الكلام الرباني ،الذي يضارع بعضه
بعضا في البلاغة والفصاحة.

والباقلاني يحصر الوجه البلاغي للإعجاز القرآني (أي:بديع نظمه) في وجوه عشرة،بعضها يرجع إلى القرآن
في جملته، وبعضها يرجع إلى بعض أساليبه، وبعضها يرجع إلى مفرداته، وبعضها يرجع إلى حروفه.
1- فمما يرجع إلى جملته،كونه خارجًا عن المألوف من كلام البشر، والمعروف من تنظيم خطابهم ،فليس هو
بالشعر،ولا بالنثر،وليس هو بالسجع ...إلى آخر ما هو معروف للبشر من أجناس الكلام،وهو يبذل جهدا
كبيرًا في محاولة إثبات مخالفة القرآن في جملته لجنس الكلام البشري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ينظر:شوقي ضيف،البلاغة تطور وتاريخ،ص 113-114



ومما يرجع إلى جملته أيضا،أنه لم يعهد للعرب كلام يشتمل على ما في القرآن من فصاحة وبلاغة،ومعان في
مثل طول القرآن،وإنما عرفت لهم مقطوعات نثرية قصيرة،وقصائد شعرية معدودة لم تخل من نقص وعيب.

ومما يرجع إلى جملته كذلك:أنه على تعدد أغراضه ومراميه من قصص ومواعظ وأحكام ،وترغيب وترهيب
لايتفاوت في بلاغته،فهو دائما على درجة واحدة من البلاغة السامية،بينما نجد أن الشعراء والأدباء
المجيدين،إنما يجيدون في بعض الأغراض دون سواها،فالذي يجيد في المدح لا يجيد في الهجاء مثلا،والذي
يبرع في الخطب لايبرع في الحكم والأمثال...

2- وأما مايرجع إلى أساليبه، فيذكر من ذلك أن القرآن الكريم ،قد اشتمل على كل الأساليب البلاغية ،التي
تنبني عليها أجناس الكلام البشري،من إيجاز وإطناب، ومجاز وحقيقة، واستعارة وتصريح، كل ذلك مما
يتجاوز حدود كلامهم ، في الفصاحة والإبداع والبلاغة.

ويذكر من ذلك أيضا أن بلاغته لا تتفاوت في الانتقال من أسلوب إلى أسلوب،ولا من طريقة من طرق القول
إلى طريقة أخرى،ويذكر من ذلك أننا إذا أخذنا آية قرآنية ووضعناها في ثنايا أي كلام ،نظمًا كان أو نثرا،فإنها
تكون هي واسطة العقد في هذا الكلام كالدرة التي ترى في عقد من الخرز.

3- وأما مايرجع إلى مفرداته،فمن ذلك أنه استعمل بعض المفردات في معان ومدلولات جديدة،لم تكن مألوفة

في البيئة العربية قبل الإسلام. ومن ذلك أيضا بُعده عن المفردات المستكرهة ،الثقيلة على السمع.

4- وأما ما يرجع إلى حروفه ،فهو أن في القرآن ثمان وعشرين سورة افتتحت بحروف مقطعة من الحروف

العربية الثمانية والعشرين،وقد اشتملت هذه السور على أربعة عشر حرفا من حروف الهجاء،أي نصف

حروف الهجاء،وهذه الحروف الأربعة عشر اشتملت على نصف كل قسم من الأقسام التي انقسمت إليها

حروف العربية،حيث اشتملت على نصف حروف الهمس ونصف حروف الجهر،كما اشتملت على نصف
حروف الحلق،ونصف حروف الإطباق،ونصف الحروف الشديدة.
كانت فكرة مخالفة النظم القرآني لصور التعبير المعتادة عند العرب هي الدافع للباقلاني إلى أن ينفي هذه

الصور عن القرآن وبدأ بالشعر،ثم نفى أنْ يكون في القرآن من الكلام الموزون غير المقفى ثم نفى أن يكون

ما في القرآن من السجع الذي ورد في كلام العرب وسمى ماجاء منه في القرآن فواصل متابعا "للرماني"

في ذلك,لأن فكرته في مخالفة نظم القرآن الكريم لكل أساليب العرب.

أما موقفه من قضية المحسنات البديعية فهو يلح على انتقاد هذه المحسنات إذا لم يقتضها المعنى، ويستلزمها
السياق الفني ، أي:أنه يعد هذه المحسنات أدوات فنية تعبيرية، تكتسب قيمتها الفنية من الدور التعبيري الذي
تؤديه، فإذا لم تؤد دورا في العمل الأدبي كانت عيبا من العيوب ، وليست مزية من المزايا.
كما حاول الباقلاني عقد المقارنات بين القرآن وبليغ الكلام شعرا ونثرا حيث ساق طائفة من خطب الرسول صلى الله عليه
وسلم ورسائله،ومن خطب صحابته وغيرهم،ليلمس القارئ فرق مابين ذلك كله وبين القرآن،ودرس معلقة امرئ القيس
وبين ما فيها من عوار ومن تكلف ومن حشو وخلل وتطويل ووحشي من الألفاظ وغريب،وكيف تفاوتت أبياتها بين الجودة
والرداءة،والسلاسة والغرابة،وتحدث عن جمال نظم القرآن وكيف أنه وزع على كل آياته بقسطاس سواء مها القصص
وغير القصص،بينما يتفاوت كلام البلغاء من الشعراء حتى في القصيدة الواحدة.



المبحث السادس:طريقته في معالجة قضية إعجاز القرآن

بدأ الباقلاني معالجته للموضوع ببيان في أن نبوة النبي صلى الله وعليه وسلم معجزتها القرآن ،وتضمن ذلك ما يلي :


أ ـ أن القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى للرسول ،إضافة إلى معجزات أخرى ولكن القرآن هو المعجزة التي


عمت الثقلين ،وبقيت كحجة من أول وقتها إلى يوم القيامة .


ب ـ وأن عجز أهل العصر الأول عن الإتيان بمثل القرآن دليل على عجز أهل العصور التالية


ج ـ والفارق بين القرآن وغيره من الكتب السماوية أنها ليست معجزة بنظمها ،وإن تضمنت الإخبار بالغيوب

فهي معجزة بما انضاف إليها من معجزات الأنبياء ،أما القرآن الكريم فهو معجز بنظمه ،وبما يتضمن من الغيوب .

أما دلالته على أن القرآن معجز، فقد أرجع ذلك إلى أصلين ثابتين هما:

الأصل الأول :أن القرآن المحفوظ في المصاحف هو الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه هو الذي

تلاه على من في عصره ثلاثا وعشرين سنة والطريق إلى معرفة ذلك :

هو النقل المتواتر ،وانتشاره بين العرب والعجم .

الأصل الثاني : أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد تحداهم إلى أن يأتوا بمثله ،وقرعهم على ترك الإتيان به

طول السنين التي عاشها بينهم ، فلم يأتوا بذلك .

ويضيف إلى ذلك دليلا آخر :أنَّ القرآن لو كان مما يقدر عليه البشر،لكان اتفق إلى وقت مبعثه من هذا القبيل

ما يمكنهم أن يعارضوه به ولكن لم يرد عنهم أنهم عارضوه بخطبة أو رسالة أو نظم بديع .









المبحث السابع: جملة وجوه إعجاز القرآن
أ- جملة وجوه الإعجاز المقبولة
أحدهما يتضمن الإخبار عن الغيوب، وذلك مما لا يقدر عليه البشر، ولا سبيل إليه.
فمن ذلك ما وعد الله تعالى نبيه عليه السلام أنه سيظهر دينه على الأديان
بقوله عزّ وجلّ(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الْحقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ))(1)
والوجه الثاني أنه كان معلوماً من حال النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أمياً لا يكتب ولا يحسن أن يقرأ. وكذلك كان
معروفاً من حاله أنه لم يكن يعرف شيئاً من كتب المتقدمين وأقاصيصهم وأنبائهم وسيرهم، ثم أتى بجملة ما وقع وحدث
من عظيمات الأمور، ومهمات السير، من حين خلق الله آدم عليه السلام إلى حين مبعثه.
الوجه الثالث أنه بديع النظم،عجيب التأليف،متناه في البلاغة إلى الحد الذي يعلم عجز الخلق عنه.
فالقران له يختص به ويتميز في تصرفه عن أساليب الكلام المعتاد.
ب- وجوه الإعجاز المرفوضة:
من بين وجود الإعجاز المردودة عند الباقلاني القول بالصرفة حيث يرى أن القول بالصرفة هو رأي قوم في

الإعجاز القرآني وأنها عندهم تدل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لايرتضي هذا الرأي مذهبا في

الإعجاز،ويرد عليه ردودا مقنعة ،يمكن إيجازها فيما يلي :

1ـ لو كان الإعجاز بالصرفة حقا ، لكان الأقوى في الحجة،والأبين في الدلالة أن يجيء القرآن في أدنى

درجات البلاغة ؛ لأن ذلك أبلغ في الأعجوبة ،فإن الذي يعجز عن كلام هو في مستوى كلام الناس أو أدنى

منه يكون ذلك دليلا على أن هناك قوة غلابة حالت بينه وبين المعارضة ، حيث تكون الصرفة هي الوجه

للإعجاز ، فالأقرب أن يكون القرآن في مستوى كلامهم أو دونه ،ولا حاجة حينئذ لمجيء القرآن في نظم بديع

2ـ أننا لو سلمنا أن العرب المعاصرين للبعثة صرفوا كما يزعمون ،لم يكن من قبلهم من أهل الجاهلية

مصروفين عما كان يعدل في الفصاحة والبلاغة , فلما لم يوجد في كلام من قبله مثله عُلم أن ما ادعاه القائل

بالصرفة ظاهر البطلان

3ـ أنه لو كانت المعارضة ممكنة ،وإنما منع منها الصرفة ،لم يكن الكلام معجزا،وإنما يكون المنع هو العجز

،فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة التوبة33
المبحث الثامن :بعض النماذج التطبيقية لإثبات الإعجاز القرآني
سلك الباقلاني في دراسته للقرآن الكريم طريقين :

1 ـ اختيار آيات متفرقة من السور

2 يتناول سور كاملة

- ومثال ما تناوله في آيات متفرقة :

قوله تعالى (وَهَمَّتْ كُلُّ أمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأخُذُوهُ )).(1)

يقول معلقا على ذلك:هل تقع في الحسن موقع قوله:"لِيَأْخُذُوهُ" كلمة،وهل يقوم مقامها في الجزالة لفظة،وهل

يسد مسدها في الأصالة نكتة،لو وضع موضع ذلك "ليقتلوه " ،أو"ليرجموه"،أو" لينفوه" ،أو" ليطردوه"

أو" ليهلكوه" ،أو" ليذلوه" ونحو هذا...ما كان ذلك بديعاً ولا بارعاً ،ولا عجيباً ولا بالغاً .

وقال تعالى (وكذلك أوحينا إليك روحاً مِنْ أمْرِناَ ،ماَ كُنْتَ تَدْرِي مَاالكِتَابُ وَلاَ الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعْلنَاهُ نُوراً نَهْدِي

بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطِ مُسْتَقِيمِ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَافِي السَّمَوَاتِ وَمَافِي الأرْضِ،ألاَ

إلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ )).(2)

يدل على صدوره عن الربوبية ،ويبين عن وروده عن الإلهية،وهذه الكلمة بمفردها وأخواتها،كل واحدة

منها لو وقعت بين كلام كثير تميزت عن جميعه ،وكانت واسطة عقده ،وغرّة شهره .

وكذلك قوله:{وَلَكِنْ جَعْلَنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عَبَادِنَا }

فجعله روحاً لأنه يحيى الخلق،فله فضل الأرواح في الأجساد،وجعله نوراً،لأنه يضيء ضياء الشمس في

الآفاق،ثم أضاف وقوع الهداية إلى مشيئته ،ووقف وقوع الاسترشاد به على إرادته ،وبيّن أنه لم يكن ليهتدى

فكيف كان يهدى لولاه فقد صار يهدى ولم يكن من قبل ليهتدى ،فقال:{وَإنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاط مُسْتَقيمٍ صِرَاط
اللَّه الَّذي لَهُ مَافِي السَّمَواتِ وَمَافِي الأرْضِ ألا إلى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ}

فانظر إلى هذه الكلمات الثلاث ،فالكلمتان الأوليان مؤتلفتان،وقوله:{ألاَ إلى اللَّه تَصِير الأُمُورُ}كلمة منفصلة

مباينة للأولى،وقد صيرهما شريف النظم أشد ائتلافا من الكلام المؤتلف ،وألطف انتظاما من الحديث المتلائم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة غافر5
(2) سورة الشورى 51-53
وهكذا يتحدث الباقلاني عن ألوان البلاغة التي تضمنها النص الكريم ،فبيّن كيف جاز التعبير عن القرآن بأنه

"روح" و"نور" وأن ذلك لأنه يحيى الخلق فله فضل الأرواح في الأجساد،ولأنه يُضيء ضياء الشمس في

الآفاق ،وواضح أن هذا حديث عن التشبيه والاستعارة ووجه الشبه وعن أثر ذلك في عرض المعنى

وكذلك يتحدث الباقلاني عن ائتلاف الأسلوب،وترابط أجزائه،عند تعرضه لقوله تعالى:{وَإنَّكَ لَتَهْدي إلَى

صرَاط مُسْتَقِيمٍ صِرَاط اللَّه الَّذي لَهُ مَافي السَّمَواتَ وَمَافِي الأرْضِ،ألاَ إلى اللَّه تَصِيرُ الأمُور }

فيذكر أن الكلمتين الأوليين:{وَإنَّكَ لَتْهْدي .....} و{صِرَاطِ اللَّهِ } مؤتلفتان،أما الكلمة الثالثة وهي قوله تعالى:

{ألا إلى اللَّه تَصِيرُ الأمُورُ } فهي مباينة لأولى إلا أنَّ النظم الشريف قد صيرهما أشد ائتلافا من الكلام المتلائم

أليس هذا بعينه هو مايدرسه البلاغيون في باب "الفصل والوصل"،وما يتبع ذلك من صور كمال الاتصال،

وكمال الانفصال ... إلى آخر هذه الصور .

- ومثال ما تناوله من سورة كاملة :

ففي دراسته للنص القرآني من خلال سورة كاملة ،حرص على إبراز أن السورة تمثل وحدة متلاحمة الأجزاء

،تترابط أجزاؤها ترابطا يتضح فيه اتصال المتأخر بالمتقدم،واللاّحق بالسابق ,وكأن الآيات يستدعى بعضها

بعضا،هذا على قدر مايبدو-في الظاهر من تباعد بين الموضوعات- ولكن شرف النظم يجعلها أشد تلاحماً من الملائم المتصل .

ففي دراسته لسورة الإسراء يذكر قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ وآتَيْنَا مُوسَى الكتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدَى لِبَني إسْرَائيلَ ألاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً ذًريَّةَ مَنْ حملْنَا مَعَ نُوحٍ إنَّهُ كَانَ عَبْداَ شَكُوراً }.(1)
ثم يقول :هذا خروج لو كان في غير هذا الكلام لتصور في صورة المنقطع وقد تمثل في هذا النظم لبراعته وعجيب أمره واقعا موقع مالا ينفك منه القول .وقد يتبرأ الكلام المتصل بعضه من بعض ،ويظهر عليه التثبيج والتباين،للخلل الواقع في النظم .وقد تصور هذا الفصل للطفه وصلا ،ولم يبن عليه تميز الخروج ،ثم انظر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الإسراء 1-3
كيف أجرى هذا الخطاب إلى ذكر نوح،وكيف أثنى عليه،وكيف تليق صفته بالفاصلة،بقوله تعالى:{إنَّه كَانَ عَبْداً شَكُورَاً } وكيف تم بها النظم،مع خروجها خروج البروز من الكلام الأول إلى ذكره،وإجرائه إلى مدحه بشكره وكونهم من ذريته يوجب عليهم أن يسيروا بسيرته وأن يستنوا بسنته،في أن يشكروا كشكره،ولا يتخذوا من دون الله وكيلا،وأن يعتقدوا تعظيم تخليصه إياهم من الطوفان،لم حملهم عليه ونجاهم فيه ،حين أهلك من عداهم به ،وقد عرفهم أنه إنما يؤاخذهم بذنوبهم وفسادهم فيما سلَّط عليهم من قبلهم وعاقبهم،ثم عاد عليهم بالإفضال والإحسان،حتى يتذكروا ويعرفوا قدر نعمة الله عليهم ،وعلى نوح الذي ولدهم وهم ذريته ، فلما عادوا إلى جهالتهم وتمردوا في طغيانهم عاد عليهم بالتعذيب ،ثم ذكر الله عز وجل في ثلاث آيات بعد ذلك معنى هذه القصة التي كانت لهم،بكلمات قليلة في العدد،كثيرة الفوائد ،لايمكن شرحها إلا بالتفصيل الكثير والكلام الطويل ،ثم لم يخل تضاعيف الكلام مما ترى من الموعظة،على أعجب تدريج وأبدع تأريج بقوله:{إنْ أحْسنْتَم أحْسَنْتُمْ لأنْفُسكُمْ وإنْ أسَأتُمْ فَلَهَا }،ولم ينقطع بذلك نظام الكلام،وأنت ترى الكلام يتبدد مع اتصاله،وينتشر مع انتظامه،فكيف،بإلقاء ماليس منه في أثنائه ،وطرح ما يعدوه في أدراجه إلى أن خرج إلى قوله:{ عَسَى رَبَّكُمْ أنْ يَرْحَمَكُمْ ،وَإنْ عُدْتُمْ عُدْنا } يعني:إن عدتم إلى الطاعة عدنا إلى العفو .
كما يرى الباقلاني أن إعجاز القرآن يكون في الأحكاميات وفي آيات التوحيد ،فمن الأولى قوله تعالى:
((يَسْئَلُونَكَ مّاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيّبَاتُ،وَمَا عَلَّمْتُم مِنَ الْجوَارِحِ مُكَلِّبِينَ، تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا
عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُم،وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيهِ وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)).(1)
فيقول أن هذه الآية من الحكمة،والتصرف العجيب،والنظم البارع،مايدلك إن شئت على الإعجاز،مع هذا الاختيار
والإيجاز، فكيف إذا بلغ ذلك آيات وكانت سورة؟
ونحو هذه الآية قوله(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُميَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبَاً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ، يأمُرُهُم
بِالمَعْرِوفِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ، وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرهُمْ وَالأَغلاَلَ التَّي كَانَتْ
عَلَيْهمْ، فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أوَلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)).(2)
ومن الثانية قوله تعالى(هُوَ الحَيُّ لا إله إلا هُوَ فادعُوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدينَ الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ)).(3)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المائدة 4
(2) سورة الأعراف 157
(3) سورة غافر65

وكقوله(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرقَانَ عَلَى عَبْدِهِ، لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَمَواتِ وَالأَرْضِ وَلَمَ يَّتخِذْ وَلَداً
وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ شَريكٌ فِي المُلكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)).(1)
وكقوله: ((تَبَارَكَ الَّذِي بيدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ)).(2)
وقوله تعالى( فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)).(3)
فانظر إلى ماجرى له من الكلام من علو أمر هذا النداء،وعظم شأن هذا الثناء،وكيف انتظم مع الكلام الأول،وكيف اتصل بتلك المقدمة،وكيف وصل بها مابعدها من الأخبار عن الربوبية،وما دل به عليها من قلب العصامية،وجعلها دليلا يدله عليه ومعجزة تهديه إليه .
وقال تعالى(الّر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِليكَ، لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظًّلًمَاتِ إِلى النُّورِ بإِذْنِ رَبِّهمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)).(4)
فأخبر أنه أنزله ليقع الاهتداء به، ولا يكون كذلك إلا وهو حجة، ولا تكون حجة إن لم تكن معجزة.
وقال تعالى:﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.(5)فهذه خمس كلمات متباعدة في المواقع،نائية المطارح،قد جعلها النظم البديع أشد تألفا من الشيء المؤتلف في الأصل،وأحسن توافقا من المتطابق.
وقال تعالى(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )).(6)هذه تشتمل على ست كلمات،سناؤها وضياؤها على ماترى،وسلاستها وماؤها على ماتشاهد،ورونقها
على ماتعاين،وفصاحتها على ماتعرف،وهي تشتمل على جملة وتفصيل،وتفسير ذكر العلو في الأرض باستضعاف الخلق
بذبح الولدان،وسبي النساء،وإذا تحكم في هذين الأمرين فما ظنك بما دونهما،لأنها النفوس لاتطمئن على هذا الظلم
والقلوب لاتقر على هذا الجور. ثم ذكر الفاصلة التي أوغلت في التأكيد،وكفت في التظليم، وردت آخر الكلام على أوله وعطفت عجزه على صدره.ثم ذكر وعده تخليصهم بقوله( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)).(7)، فهذا من التأليف بين المؤتلف،والجمع بين المستأنس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الفرقان 1-3
(2) سورة الملك 1
(3) سورة النمل 8
(4) سورة إبراهيم 1
(5) سورة القصص: 77
(6)سورة القصص 4
(7) سورة القصص 5

خاتمــــــة

من أهم النتائج التي توصلنا إليها في بحثنا هذا مايلي:
- أنّ الباقلاني بلغ في إعجاز القرآن من الجلالة ما لم يبلغه إلا القليل،وقد أصبح
مضرب المثل في معرفة الإعجاز والتبرير فيه،ويبدو فضله في كتابه ومباحثه
- يرى الباقلاني أن إعجاز القرآن يكون في الأحكاميات وفي آيات التوحيد وإثبات النبوة
وفي قصص الأنبياء؛ فذكر من ذلك قصة موسى ،وقصة إبراهيم عليهم السلام
- الباقلاني كرس جهده للرد على الفرق الإسلامية الذين عللوا الإعجاز القرآني بالصرفة
- حقيقة الإعجاز عند الباقلاني أنه لايقدر عليه العباد لأنهم لو قدروا عليه لبطل الإعجاز
- أن كتاب الباقلاني "إعجاز القرآن" من أهم البحوث الرائدة حول قضية الإعجاز
وقد أسهم بدور أساسي في نشأة البحث البلاغي وإثرائه،إذ شكل مناخا مناسبا

لنموه وتطوره فارتبط الدرس البلاغي بالقرآن الكريم وخدمته وإثبات إعجازه


- القضية الأساس التي شغل الباقلاني لإثباتها في كتابه هي انفراد القرآن الكريم

بأسلوب مباين لأساليب كلام العرب من ناحية تصرفه في تناول المعاني والتعبير عنها
- لقد تميز القاضي أبو بكر بعدة مميزات جعلته يتبوأ منزلة رفيعة بين أقرانه من علماء عصره،وجعلت قلوب طلبة العلم تتشوف للنيل من بحر علومه التي لا ساحل لها،فقد كان
رحمه الله تقيا،دينا، فصيحا، بليغا،طويل النفس،عالي الهمة،قوي العبارة،بارعا في المناظرات
ذكيا،سريع البديهة،بل كان في غاية الذكاء والفطنة.
كما كان رحمه الله ورعا،تقيا، كثير العبادة والتنفل،بعيدا عن مواقع الشبهات،مترفعا عن
مواطن الشهوات،وَعُرف بقوته في المناظرة،وتوسعه في العبارة وسرعته في الرد.


قائمة المصادر والمراجع

القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم

1- ابن خلكان ،أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان،وفيات الأعيان أنباء أبناء
الزمان ،تح: د.إحسان عباس،دار صادر بيروت لبنان.

2- الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب،إعجاز القرآن،تح:السيد أحمد صقر،دار المعارف،القاهرة،مصر.

3- الخطيب البغدادي،تاريخ بغداد مدينة السلام وأخبار محدثيها وذكر قطانها العلماء من غير أهلها ووارديها
تح:بشارعو معروف، دار الغرب الاسلامي،بيروت ،لبنان،ط1 ،1422هــ/ 2001م،المجلد الثالث

4- شوقي ضيف،البلاغة تطور وتاريخ،دار المعارف،القاهرة ،مصر،ط9.



الفهرست
مقدمة............................................. .................................................. .................. أ
المبحث الأول:نبذة عن حياة الباقلاني......................................... .................................... 01
-1نسبه وموطنه .................................................. .................................................. .01
-2شيوخه وتلاميذه………………………………………………………………………..02
3-مذهبه وعقيدته........................................... .................................................. ....... 03
المبحث الثاني:مكانته العلمية والدينية وثناء العلماء عليه.............................................. .........04
أ-مكانته العلمية والدينية وثناء العلماء عليه.............................................. ......................... 04
ب-آثاره............................................. .................................................. ................05
المبحث الثالث:بطاقة فنية للكتاب............................................ ..................................... 07
أ- نبذة عن الكتاب:........................................... .................................................. ......07
ب- أهمية الكتاب............................................ .................................................. .......07
ج- سبب التأليف........................................... .................................................. ........07
د- أهم الدراسات التي كتبت عن هذا الكتاب............................................ ............................07
هـ - محتويات الكتاب:........................................... .................................................. ..08
المبحث الرابع:الإعجاز عند الباقلاني......................................... .................................... 09
أ- منهجه في دراسة الإعجاز القرآني........................................... ....................................09

ج- حقيقة الإعجاز القرآني........................................... ................................................09
د- الأعاجم لا يعرفون إعجاز القرآن إلا من خلال عجز العرب الفصحاء ......................................10
هـ - ماالذي وقع التحدي إليه؟............................................. ..........................................10
المبحث الخامس:موقف الباقلاني من البديع والتشبيه والسجع والشعر.......................................11
المبحث السادس:طريقته في معالجة قضية إعجاز القرآن .................................................. ....11
المبحث السابع:جملة وجوه إعجاز القرآن............................................ ............................17
أ- جملة وجوه الإعجاز المقبولة.......................................... ..........................................17
ب- وجوه الإعجاز المرفوضة.......................................... ...........................................17
المبحث الثامن :بعض النماذج التطبيقية لإثبات الإعجاز القرآني........................................... ....18
خاتمة............................................. .................................................. .................22
قائمة المصادر والمراجع.......................................... .................................................2 3
belkaçem laidaoui









 


رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 00:27

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc