مضى عام الفيَلة ...و حلّ عام الغولة !
ذكرتني أحداث سنة 2016 ونوازلها المقلقة والمتسارعة بأحداث و وقائع عام الفيل ...
وتذكرت المقولة الشهيرة (( إن للكعبة رب يحميها )) التي أطلقها سيد قريش و حكيم العرب عبد المطلب ردا على فرعون الحبشة
فما أشبه عام الفيَلة بعام الغولة 2016 ! نعم الغولة التي صار يعلمها الجميع .ويشار إليها بالبنان و أصبحت أخبارها وتحركاتها وسكناتها و نبضاتها محل حديث العام والخاص ..وأصبح كثير من القوم يحذر منها ويؤكد على أنها توشك على التهامنا وابتلاعنا ومحو أثرنا من الوجود ..
وما أشبه حذف مواد الهوية بهدم الكعبة المشرفة ! وما أشبه نوق عبد المطلب بتقاعد الأساتذة !
الإبل لي وأنا ربها وأما البيت فله رب يحميه أو هكذا قال عبد المطلب بفطرته السليمة وكله ثقة و إيمان واطمئنان .. كان ذلك في عام الفيل قبل ظهور الإسلام
وها نحن في عام 2016 نقولها بثقة أكبر و إيمان أعمق واطمئنان لا حدود له لكل لأولئك المتوجسين خيفة من هاته الغولة التي نسجوا عنها أساطيرا غريبة وعجيبة
ما أريد قوله لزملائي و إخواني المحترمين حاملي راية الدفاع عن قضية وهمية أسموها ((معركة الدفاع عن الهوية و الثوابت الوطنية )).. معركة ضد عدو تربص لهم بجنده و فيلته انتشار جيشه لا يتجاوز حدود رقعة عقولهم الضيقة .. نعم عقولهم التي عشعشت فيها الوساوس والهواجس...أقول لهم لم َلا تعلنوها حربا ضروسا لتصفية وإبادة أعدائكم الحقيقيين المتمثلين في : فكركم المستلب و أحكامكم المسبقة ومواقفكم المستنسخة وهواجسكم المتغولة ..لم لا تعلنوها حربا تحرركم من بعبع أبرهة هذا الزمان و جنده و فيلته لم لا تعلنوها حربا تحطمون بها تمثال أبرهة وصنم الغولة التي جثم بعبعها في أنفسكم و استعمر عقولكم وسيطر على تفكيركم و صرتم عبيدا له يتحكم في حركاتكم و سكناتكم ويتلاعب بعواطفكم كيفما شاء و متى شاء ؟؟؟
هل يجب أن نذكركم بأن سنة الله تقتضي بأن كلاّ ميسر لما خلق له ..فكما أنّ للسياسة والحكم أهلها (وعبد المطلب و رئيسنا عبد العزيز أهل لها أحببنا هذا أم كرهنا )...و للاقتصاد أهله (وشكيب و بوشوارب أهل له أحببنا هذا أم كرهنا ) ...و للرياضة أهلها (وروراوة و قرباج أهل لها أحببنا هذا أم كرهنا)..وللدفاع و الأمن أهله (و القايد و الهامل أهل له أحببنا هذا أم كرهنا) ..فإننا نقول كذلك أن للمنظومة التربوية أهلها أيضا (و بن غبريط و بن رمضان أهل لها أحببنا هذا أم كرهنا ) فلتتركوا الصنعة لأهلها وليشتغل كل بصنعته ...فما يدرينا نحن إن كنا فعلا أهلا لصنعتنا ألا وهي رسالة التربية ؟؟؟ إن كنا نصلح لها أم لا ؟؟؟ إن كنا نجحنا فيها أم لا ؟؟؟ فلتتركوا الناس تعمل يرحمكم الله ! فمن اجتهد و أصاب فله أجران و من اجتهد و أخطأ فله أجر ...وكل ميسر لما خلق له فلتحاسبوا الناس على قدر اجتهادهم لا على نواياهم فلستم أربابا لتعلموا ما في صدورهم الله وحده يتولى السرائرو ماتخفي الصدور... ثم لمَ كل هذا التعسف والتطرف في المحاسبة إذا تعلق الأمر بغيركم ...بحيث لا تتركون لهم عذرا واحدا أو حجة يدافعون بها عن أنفسهم ؟؟؟ أما إذا تعلق الأمر بكم فالأمر ليس سيان ويختلف تماما حيث سرعان ما تنزل عليكم الرحمة والوسطية ويسهل عليكم إيجاد بدل العذر ألف عذر وبدل الحجة مليون حجة كي تبرروا تقصيركم .. هلاّ حاسبتم أنفسكم على تقصيركم في حق دينكم و وطنكم ومهنتكم و أسركم بنفس التطرف والحدة قبل و حين محاسبة غيركم ؟؟؟ أم أنكم أنبياء منزهون عن التقصير ؟؟؟! أتحدى أيا كان أن يبعد عن نفسه شبهة التقصير عمدا في حق دينه ووطنه و مهنته و أهله وعشيرته ....إذا التقصير منا واقع وعمدا في كثير من الأحيان و إن تفاوتت نسبته من شخص إلى آخر ..وأكاد أجزم أن فينا حتى من لا يصلي و لا يصوم وينتهك حرمة جيرانه و يهضم حق تلاميذه و يعصي والديه ولو سنحت له الفرصة أن يبيع وطنه في سبيل مصلحته الشخصية لفعل .وبعد كل ذلك تجد كثيرا من هؤلاء لا يتوانى في الجلوس كالقديس خلف حاسوبه ليعلن الحرب المقدسة ضد أعداء الدين و الوطن و الأمة و يخيّر الناس ويصنفهم على أساس الولاء و البراء وكل من لا يقف معه فهو عدوه ويتبرا منه ...فأي سكيزوفرينيا هذه وأي نفاق هذا ؟؟ !
مصيبتنا في أنفسنا لو تدرون وعدونا الأول لو تعلمون هي عقولنا العاطلة المستقيلة معلبة الفكر التي تميل إلى كل ماهو جاهز من أحكام واتهام و لا تكلف نفسها عناء التمحيص و الفرز والغربلة ، عقول لها قابلية الاستغباء والاستحمار ، عقول عقيمة لا تستطيع أن تنتج ولا تريد أن تنتج ، منساقة خلف عواطفها الجامحة عوض أن تسوق عواطفها خلف عقولها ... فالعقل إذا لم تشغله بالتدبر والتفكير فحتما سيشغلك بالغولة و الأساطير ...
ثم دعنا نخرج من هذا النقاش البيزنطي الذي نعلم سلفا بأنه لن يفضي إلى أي اتفاق بيننا ..ولنفرض جدلا بأنكم على الحق و أننا على الباطل وأنكم المهتدون ونحن الضالون ، و أنكم جند الله وأننا جند أبرهة نتربص الشر بدينكم
فأين أنتم من حكمة عبد المطلب الذي ترك مطمئنا شأن الكعبة لرب الكعبة يتولاها و يرعاها و راح هو يذود عن قطيعه مصدر قوته و قوت عياله ؟؟؟
أين أنتم من قول الله عز و جز : (( والله غالب على أمره ولو كره الكافرون )) أم أنكم تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ..
رجاء زملائي ..لا تستنزفوا قواكم و جهدكم وتشتتوها في خوض المعارك الدنكيشوتية التي لا محل لها سوى في عقولكم المدججة بالوساوس والأوهام و الهواجس و لتشحذوا كل عزائمكم للمعركة الحقيقية واضحة المعالم و ظاهرة المظالم ألا وهي معركة التقاعد ...
هوامش ...
يقول المنفلوطي :"إن رأيت شاعرا من الشعراء أو عالما من العلماء أو نبيلا في قومه أو داعيا في أمته قد انقسم الناس في النظر إليه وفي تقدير منزلته انقساما عظيما وانفرجت مسافة الاختلاف بينهم في شأنه ودان بحبه قوم حتى رفعوه إلى رتبة الملَك ودان ببغضه آخرون حتى هبطوا به إلى منزلة الشيطان فاعلم أنه رجل عظيم !!..
افتتن المفتتنون بنابوليون الأول فعلوا به إلى رتبة الأنبياء وتنكر له خصومه وأعداؤه فسلكوه في سلك الحمقى والممرورين.."
"لا يستطيع أن يشغل قلوب المحبين والمبغضين إلا الرجل العظيم!!"
ويقول ديل كارنيجي : "تذكر أن الانتقاد غير العادل هو مجاملة مبطنة" وهو ما يقابله بمثلنا العربي (المعكوس) : "من ذمك بما ليس فيك فقد مدحك"، فإن قيل عنك كاذب فلأنك صادق وإن قيل مجرم فلأنك رجل فاضل وإن قيل مخادع فلأنك أمين..