تاريخ الصراع العقدي مع الرافضة في بلاد المغرب الإسلامي
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أمّا بعد : فهذه مشاركة أخرى نحاول من خلالها كشف ملابسات الوجود الرافضي في هذه المنطقة الأصيلة من العالم الإسلامي ومعرفة مواقف الأمراء والعلماء والعامة من هذا الطاريء الخبيث الذي مكر بهم وقفز على رؤوسهم وعاث في بلادهم فسادا خصوصا ونحن نعيش في زمن كثرت فيه خطباؤه وقلّ فيه علماؤه فانقلبت الحقائق وزيّفت المقاييس وصار الخوف أن تغيّر الأحكام بتغيّر التصوّرات فنقع من حيث لا نشعر في نفس المطبات التي وقع فيها أجدادنا فإذا كان الحاضر نتيجة للماضي فإنّ المستقبل هو النتيجة الحتميّة لما يصنع في الحاضر .
هي رحلة تلقي بظلالها على فترة مظلمة من فترات مغربنا الإسلامي الأصيل سيطر فيه الباطنية سبّابة الصحابة على دواليب السلطة ومقاليد القرار بما أشربوه من كيد ومكر إستند إلى مجموعة من الظروف الموضوعية والشروط الواقعية التي دفعت ببعض أبنائنا يومها إلى مناصرة دجاجلة العبيديين على حكّام ذلك العصر وأمرائه نتيجة الحنق الإجتماعي والسياسي الذي صنعه الإستهتار بالحكم وإهمال شأن الرعية والغفلة عمّا يحاك في الظلام ..
لكنّ القوم لم يفطنوا إلاّ وسيوف العبيديين مسلطة على رؤوسهم وأحذيتهم العفنة تدوس على رقابهم فختفت هالة القداسة والتعظيم الزائف التي صنعتها الآلة الدعائية للعبيديين ويقيت الحقائق ماثلة بنارها وسوادها أمام المسلمين ..
وللقاريء أن يتصوّر حجم المأساة والألم والشعور بالعجز والقهر التي كانت تراود عامة المسلمين وعلماءهم وهم يقفون عاجزين عن ردّ سبّابة الصحابة عن غيّهم في أسواق المسلمين ومساجدهم وباقي أماكن تجمّعاتهم ..
فاحذر أيّها القاريء الحصيف أن يخدعك الرافضة بسحر دعايتهم ولتنظر لحال إخوانك المسلمين في البلاد التي يحكمها هؤلاء الأنجاس أو تلك التي يكثر فيها وجودهم ولتقرء شيئا من تاريخ أجدادك معهم ولتنفذ ببصيرتك لما بين السطور فربّ حامل فقه لمن هو أفقه منه وأترككم الآن مع هذا النقل عن كتاب (جهود علماء المغرب في الدفاع عن عقيدة أهل السنة) وهو دراسة في الصراع العقدي في المغرب من الفتح الإسلامي إلى نهاية القرن الخامس من إعداد الدكتور إبراهيم التهامي وفّقه الله عزمت على نسخها ونشرها إعتمادا على طبعة مؤسسة الرسالة ناشرون وأستسمح الدار في نسخ الفصل المتعلّق بالوجود الرافضي في بلادنا وهذا لأهميّة ذلك رغم قراءتي لعبارة (حقوق الطبع محفوظة للناشر) على طرّة الكتاب فأرجو أن لا أكون مسيئا لحقوقهم كما أعتذر من القاريء الكريم عدم إضافتي لتعليقات الدكتور وتوثيقه لنقوله وتخريجه للأحاديث وتوجيهه لبعض المقالات وهذا لضيق في وقتي مع شعوري بضرورة نشر مثل هذه الدراسة في هذا التوقيت فأرجو المعذرة على ذلك :
المبحث الأول
دخول التشيّع إلى المغرب
لقد كانت بداية دخول التشيع إلى المغرب وانتشاره به على يد الداعيين الذين أرسلهما الإمام جعفر الصادق (ت 148 ه) كما قيل و (أمرهما أن يبسطا علم الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وسلم وينشروا فضلهم) ولا ندري نحن مدى صحة هذه الرواية فقد وردت في رسالة افتتاح الدعوة للقاضي نعمان (ت 363 ه) .
وهذه الرسالة يمكن اعتبارها تاريخا رسميا للدولة العبيدية وهي تصوّر الأئمة العبيديين ودعاتهم أتقياء يرغبون عن المعاصي وعن كلّ نقيصة ولا همّ لهم سوى الدعوة إلى حبّ آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلّم ونشر فضائلهم .
بينما تجد مؤرّخا سنيا وهو ابن عذارى صاحب (البيان المغرب) يذكر أنّ عبيد الله الشيعي المهدي عندما دخل إفريقيا (يعني تونس) أظهر التشيع القبيح وسبّ أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وأزواجه حاشا علي بن أبي طالب والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وسلمان الفارسي وأبا ذر الغفاري وزعم أنّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ارتدّوا بعده غير هؤلاء الذين سمّيناهم .
وهذه صورة أخرى ينقلها مؤرّخ آخر عن انحراف العبيديين وهي صورة تنمّ عن حقد دفين لهذا الدين ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولصحابته الكرام ولكلّ من يقتدي بهم ويسير في طريقهم من أهل السنة يقول القاضي عياض : (كان أهل السنة بالقيروان أيّام بني عبيد في حالة شديدة من الإهتضام والتستر كأنّهم ذمّة تجري عليهم في كثير الأيام محن شديدة ولما أظهر بنو عبيد أمرهم ونصبوا حسينا الأعمى السباب – لعنه الله تعالى – في الأسواق للسبّ بأسجاع لقّنها يتوصّل منها إلى سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم في ألفاظ حفظها وعلّقت رؤوس الأكباش والحمر على أبواب الحوانيت عليها قراطيس معلّقة مكتوب عليها أسماء الصحابة اشتدّ الأمر على أهل السنة فمن تكلّم أو تحرّك قتل ومثّل به ) .
فهذه الصورة والتي قبلها تختلفان بل وتتناقضان مع الصورة التي قدّمها القاضي النعمان عن هؤلاء القوم وسيأتي فيما يلي من البحث ما يعضد ويؤيّد بل ويصدّق ما قاله ابن عذارى والقاضي عياض عندما نتحدث عن المحنة التي تعرّض لها علماء المغرب بسبب مواقفهم الجريئة والحازمة من انحرافات بني عبيد .
ولا يفوتنا هنا التنبيه على أنّ الشيعة على اختلافهم يبيحون الكذب لأنفسهم من أجل تحسين صورتهم وإخفاء وجههم القبيح .
من هنا يمكننا القول : إنّ هذه الرواية المنقولة عن الإمام جعفر الصادق لا ندري مدى صحّتها لأنّنا – نحن أهل السنة – نعتقد أنّ الإمام جعفر الصادق كان من أهل السنة الذين يوالون أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم جميعا لا يفرّقون بين أحد منهم فلا يعقل أن يرسل داعيين ليمهدا بدعوتهما إلى قيام دولة باطنية ملحدة تضمر الإلحاد وتظهر الإسلام وحبّ آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الإمام الباقلاني عن العبيديين : (هم قوم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر) .
وعلى فرض صحّة هذه الرواية فلا يعدو أن يكون إرساله لهذين الداعيين وهو دعوة أهل تلك البلاد إلى الإسلام الذي جاء به نبيّنا صلى الله عليه وسلم وسار عليه الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم بعده ومهما يكن الأمر فإنّ بجهود هذين الداعيين دخل التشيع إلى المغرب الإسلامي وكان هذان الداعيان : أبو سفيان الحسن بن القاسم الذي نزل بإحدى المدن المغربية واسمها تالة وأقام بها وابتنى مسجدا واشترى عبدا وأمة وأظهر من العبادة والنسك والفضل ما اشتهر به بين الناس فأقبلوا عليه من جميع الجهات فكان يروي لهم أحاديث في فضل أهل البيت وعلمهم وقد تشيّع على يديه عدد كبير من أهل هذا البلد ونزل الرجل الثاني وهو عبد الله بن علي بن أحمد المعروف بالحلواني بإحدى المدن التونسية وفعل كصاحبه فتزوج وابتنى مسجدا وأظهر من العبادة والنسك ما اشتهر به ومضى ينشر دعوته
ي أوساط سكانها وتشيّع به كثير من أهل تلك المدينة وقد وجد عدد كبير ممن ممن كان يحمل الفكر الشيعي ويدين به وذلك قبل دخول أبي عبد الله الشيعي ولعلّ ذلك كان بتأثير دعوة هذين الرجلين وسريانها في المغرب فمن هؤلاء : يحيى بن يوسف المعروف بالأصمّ وامرأته وإسماعيل بن نصر المعادي وأبو حيون المعروف بابن المفتش وموسى بن مكارمة ومحمد بن عمر المروذي وعبد الله بن كليب ومحمد بن محفوظ القمودي .
ولم يقدّر لهذين الداعيين أن يعودا إلى المشرق إذا ماتا حيث قاما بدعوتهما وبهما انتشرت الدعوة الشيعية في جزء كبير من بلاد المغرب وأصبحت تلك البلاد مهيأة لقدوم الداعي صاحب البذر الذي سيبذر فيها دعوة آل البيت ومذهبهم هذا الداعي هو أبو عبد الله الشيعي الذي سيره أبو الشلعلع إلى المغرب سنة 278 ه وأمره بالمرور على ابن حوشب باليمن ليفيد من علمه فجاءه ولزمه وأفاد منه حتى صار من كبار أصحابه فعهد إليه ابن حوشب بالذهاب إلى المغرب للدعوة وقال له : (إنّ أرض كتامة من المغرب قد حرثها الحلواني وأبو سفيان وليس لها غيرك فبادر فإنّها ممهدة ) .
وقبل التوجه إلى المغرب – كما أمر – مرّ أبو عبد الله الشيعي بمكة المكرمة – شرّفها الله – وذلك أواخر ذي القعدة أو مستهلّ ذي الحجة من سنة 279 ه حيث لقي جماعة كتامة الذين يسّروا له الطريق إلى المغرب التي دخلها في ثوب معلّم للقرآن وعندما تيقّن أبو عبد الله من نصرة كتامة لدعوته أعلن بإمامتهم للرضا من آل محمّد صلى الله عليه وسلم وقال : (أنتم أنصار أهل البيت وشيعتهم) وأخبرهم عن نفسه بأنّه صاحب البذر الذي ذكره لهم أبو سفيان والحلواني ثمّ قال لهم : (أنا لا أدعوكم لنفسي وإنّما أدعوكم لطاعة الإمام المعصوم من آل البيت ) .
عند ذلك أعلن أهل كتامة طاعتهم له وبدأ هو في تنظيم مجتمعهم – كما زعم – على غرار ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة المنورة من التآخي بين المسلمين حيث أنشأ لهم دار هجرة وسماهم المؤمنين وغيرهم الكافرين ... إلخ وقد دخل في دعوته عدد كبير من الناس وكان أشدّ الناس عليهم هم المالكية وسيأتي ذكر الأسباب التي جعلتهم يقاومون الدعوة الجديدة .
وهنا بدأت مرحلة جديدة من الصراع بين علماء السنة المغاربة من جهة والشيعة العبيديين من جهة ثانية ذهب ضحيّتها عدد كبير من خيرة علماء السنة وكانت الغلبة أخيرا للمذهب الحق وخرج العبيديون من هذه الأرض الطيّبة بعد أن ضاقت بهم ليبحثوا عن موطن آخر ينشرون فيه دعوتهم فحطوا رحالهم في أرض مصر .
التشيّع بالأندلس :
بعدما عرفنا الطريق التي دخل منها التشيع إلى المغرب من ناحية تونس أنتقل إلى الحديث عن دخوله إلى الأندلس وذكر دخول التشيع إلى الأندلس مفصّلا لسببين اثنين :
الأوّل : بعد المسافة بين الأندلس وتونس
أمّا السبب الثاني : فإنّ الطريق التي دخل منها التشيع إلى الأندلس تختلف عن الطريق التي دخل منها إلى تونس وما وراءها من بلاد المغرب لذلك كان لابد من ذكر كلّ واحد على حدة .
لقد تبيّن للشيعة – كما تبيّن لغيرهم من دعاة الأفكار المنحرفة – أنّ جماعات البربر في شمال إفريقيا هم أصلح ما يكون لدعوتهم فلذلك اتجهوا إلى هذه البلاد وكان أوّل محاولة قام بها شيعي في الأندلس هي تلك التي قام بها عمر بن حفصون (ت 306 ه) الذي ظهر في جنوب الأندلس وقام بثورات دامت لسنوات طويلة وقد اهتبل فرصة وجود الفاطميين بإفريقيا (تونس) ليقيم دعوتهم في الأندلس .
ومن الرجال الذين ساهموا في نشر التشيع في الأندلس عباس بن ناصح الثقفي الشاعر الذي أوفده أبو مطرف عبد الرحمن بن الحكم (ت 237 ه) إلى العراق لالتماس الكتب القديمة التي تتناول العلوم المختلفة من طبّ ونجوم وعاد إلى بلاده بأفكار يشمّ منها رائحة التشيّع مثل القول بخروج المهدي والقول بالرجعة والأئمة السبعة إلى غير ذلك .
وكما انتشر التشيّع على يد أمثال هؤلاء فإنه انتشر أيضا بجهود الجواسيس الذين كان الفاطميون يستعملونهم للدعاية لمذهبهم في الأندلس وكان هؤلاء الجواسيس يسترون أهدافهم الحقيقية تحت ستار من المصالح المشروعة كالتجارة أو العلم أو السياحة الصوفية .
ومن هؤلاء الجواسيس الذين كان لهم أثر كبير في نشر الفكر الشيعي بالأندلس أبو اليس الرياضي الذي يعتبره المؤرّخون أوّل الجواسيس المشارقة بالأندلس ولا تذكر المصادر التي ترجمة له الكثير عنه وذلك لأنّه لما كانت مهمته سريّة فإنّ الأخبار عنهم تكون قليلة فقد ذكروا عنه أنه كان أديبا محتالا دخل الأندلس في أيام الأمير محمد مفتعلا كتابا على لسان أهل الشام ولكن يبدو أنّ الأمير محمد فطن لأغراضه الخبيثة فاحتفى به وأكرمه دون أن يمكنه من مباشرة نشاطه فاضطرّ إلى مغادرة الأندلس .
ولكن إن كان أبو اليسر لم ينجح في مهمته كلّ النجاح فإنه بلا ريب استطاع أن ينقل إلى هذه البلاد بعض الثقافة الأدبية الشيعية مثل شعر دعبل الخزاعي (ت 246 ه) الذي كان من أهم ألسنة الشيعة بالمشرق إلى كثير من رسائل الكتّاب العباسيين .
ولما توفى أبو اليسر خلفه في مهمته ابن هارون البغدادي الذي قدم هو الآخر متجسسا وقد تردد على الأندلس أعواما ووفق لما لم يوفق له سلفه أبو اليسر إذ اكتتبه عبيد الله المهدي بعد أبي اليسر واستعان به على أمر دعوته وكان له في ذلك رأي جميل ونفع عظيم وكان له دور هام في إذاعة تعاليم الشيعة العبيديين .
ومنهم من تأثّر بالدعوة الشيعية وإن لم يكن له إسهام في نشر تعاليمها فقد ذكر صاحب (البيان المغرب) أنه كان بالأندلس معلم للقرآن لم تحفظ المصادر اسمه قام في شرق الأندلس سنة 237 ه وادعى النبوة وكان يتأوّل القرآن على غير تأويله وقد قبض على هذا المتنبيء وحوكم بتهمة الزندقة وعرضت عليه التوبة فلما رفض إعلان التوبة صلب وهذه النزعة إلى تأويل القرآن تدلّ على أنه كان متأثّرا بالدعاية الشيعية .
وممن تأثّر بالإتجاه الشيعي محمد بن شجاع الوشقي (ت 305 ه) الذي كان يرى جواز نكاح المتعة وهو بدون شك متأثّر في ذلك بالشيعة الإثني عشرية وقد قتل هذا الرجل مصلوبا .
ومنهم أيضا : محمد بن إبراهيم بن حيون (ت 305 ه) الذي كان يتهم بالتشيع لشيء كان يظهر منه في معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما .
ومن الذين تأثّروا بالتعاليم الشيعية أيضا : منذر بن سعيد البلوطي (ت 355) ه فبالرغم من أن مذهبه في الفروع كان مذهب النظّار والإحتجاج وترك التقليد وكان يميل إلى رأي داود الظاهري ويحتج له إلاّ أنه في الأصول كان يذهب مذهب أهل الكلام بصيرا بالجدل لهجا بالإحتجاج وقد تأثّر ببعض الآراء الشيعية ومن مظاهر هذا التأثّر ما نقل عنه من آراء عمد فيها إلى تأويل القرآن الكريم تأويلات باطنية وكان في ذلك متأثّرا بالتأويلات الشيعية .
ومنهم أيضا : عبادة بن عبد الله بن عبادة (ت 319 ه) الذي كان يتشيّع ويتعصّب ضدّ بني أميّة .
ولم يقتصر التشيع على الأفراد بل تعدّاهم إلى الدولة حيث قامت دولة الحموديين على أصول شيعية إلاّ أنّ تشيّعهم لم يكن ظاهر المعالم كما هو الشأن بالنسبة للدولة البويهية في إيران بل كان تشيّعهم أقلّ تطرّفا ليس في الإعتقاد ولكن في سلوكهم مع الرعية وسياستهم حيث أنّهم أخذوا من المذهب الشيعي بالقدر الذي يحقّق لهم مصالحهم السياسية .
نعم إنهم كانو يدينون ببعض المباديء الشيعية مثل القول بأنه : (لا تتم ديانة إلاّ بإمام) وأنه يجب على كلّ مسلم أن يعرف إمام زمانه إلاّ أنّهم لم يحاولوا فرض هذه المباديء على غيرهم والسبب في كونهم أقلّ تطرّفا هو بغض الناس لهم وكراهية الأندلس للاتجاه الشيعي لأنّ الاتجاه السني كان هو السائد في الأندلس .
ولكن على الرغم من ذلك فقد انتشرت في عهد الحموديين الدعوة الشيعية وثقافتها انتشارا واسعا وانتشرت كتبهم ومؤلّفاتهم عن طريق الرحالة الشيعة الذين قدموا إلى الأندلس من بغداد التي كانت آنذاك مركزا مهما من مراكز الشيعة في العالم الإسلامي .
ومن هؤلاء الرجال الذين انتشر بهم المذهب الشيعي والثقافة الشيعية في تلك الفترة : أبو الحكم عمر بن عبد الرحمن الكرماني القرطبي (ت 458 ه) فهو أوّل من أدخل رسائل إخوان الصفا إلى الأندلس وهي رسائل ذات نزعة شيعية واضحة حتى أنها نسبت إلى بعض الأئمة العلويين وكذلك انتشر المذهب الشيعي الذي قوي في عهد بني بويه ببغداد (أواخر القرن الرابع وبداية الخامس) الذي كان من أزهى عصور الأدب الشيعي ففي ظلّه نشأ بديع الزمان الهمداني (ت 398 ه) ومن الشعراء الشريف الرضي (ت 405 ه) ومهيار الديلمي (ت 428 ه) .
وبعد فهذه جملة مختصرة عن دخول التشيّع إلى المغرب الإسلامي أحببت أن أجعلها مدخلا لمقاومة التشيّع من قبل علماء المغرب السنة .
ومن خلال هذا المدخل نعلم أنّ التشيّع كان متركّزا بشكل كبير في تونس وما يليها من البلاد بحكم وجود الدولة العبيدية الشيعية والتي فرضت مبادئها بالقوة واستعملت من أجل تحقيق ذلك كلّ وسائل الضغط من العسف والتقتيل وغير ذلك ومن هنا فإنّ المقاومة السنية للتشيّع ستكون في هذا الجزء من المغرب الإسلامي أقوى منها في الجزء الآخر والله المستعان .