ديننا دين اتباع لا ابتداع
الكاتب : الشيخ فايز الصلاح
الاتباع : السير في طريق مسلوك .
والابتداع : إحداث طريق جديد لم يُسلك من قبل .
والاتباع الشرعي : هو السير على طريق النبي صلى الله عليه وسلم ومن رضي الله عن منهجهم ألا وهم الصحابة ، قال تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [آل عمران: 31].
وقال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].
وقال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].
وقال أيضا:{وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15].
والاتباع لا يختص بأمر دون آخر، بل هو شاملٌ لأمور الدين كلها من عقيدة وشريعة ومنهج وسلوك، قال تعالى { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [الأحزاب: 21].
فالرسول صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة لنا في كل شيء . وقال ابن مسعود رضي الله عنه:"اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق" . أي كفيتم في العقائد والعبادات والسلوك، فلا يحل للمسلم أن يستدرك على الأمر الأول .
والابتداع ضد الاتباع تماماً، وهما لا يلتقيان أبداً لغة وشرعاً .
أما الابتداع في اللغة : قال في اللسان : بدع الشيء : أنشأه وبدأه .
والابتداع في الشرع : هو إحداث طريقة في الدين مخترعة من عبادة أو فكر أو سبيل، لم يُشرع في كتابٍ ولا سنة ولا فعله سلف هذه الأمة .
قال الشاطبي في الاعتصام (1/42) :" البدعة طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية يُقصد بالسلوك عليها ما يُقصد بالطريقة الشرعية".انتهى .
ومجالات البدع كثيرة في العقيدة والسلوك والأحكام والمنهج، وكل هذا داخل في قوله صلى الله عليه وسلم :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" البخاري ومسلم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الابتداع في الدين خطر عظيم ومن هذا الخطر:
1- إن المبتدع يُنصبُ نفسه في منزلة المُشرِّع، ولا يشرِّع إلا الله , قال تعالى : { أم لهم شركاءُ شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } [الشورى : 21] .
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره :" أي هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من الضلالات والجهالة الباطلة".
2- إن الابتداع في الدين أخطر من ارتكاب الذنوب والمعاصي، قال شيخ الإسلام في" الفتاوى "28/470:" ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أن البدع المغلظة شر من الذنوب".
3- إن صاحب البدعة لا يفكر بالتوبة، لأنه يظن أنها عبادة . ولهذا نُقل عن أئمة الإسلام كسفيان وغيره :" أن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية".
4- أن البدع أكثر إضلالاً للناس من المعاصي لأنهم يُقبلون إلى البدعة وينفرون من المعاصي.
5- إن أصل الشرك والضلال عن دين الله والكفر به، كان سببه الابتداع .
6- إن الابتداع معاندةٌ للشرع، وصدٌّ عن الاتباع، فمن كان مبتدعاً لا يكون متبعاً.
قال الشاطبي في "الاعتصام" (1/49) :"إن المبتدع معاند للشرع ومشاق له".
7- إن لازم الابتداع أن دين الله ناقص، وأن الله عز وجل لم يكمل دينه، قال الشاطبي في " الاعتصام" (1/49) :"فالمبتدع إنما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله : إن الشريعة لم تتم وإنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها، لأنه لو كان معتقداً لكمالها وتمامها من كل وجه لم يبتدع".
8- الابتداع باب التغيير والتبديل والفوضى في دين الله، والقول على الله بغير علم .
9- الابتداع افتراء على الله، وذلك بنسبة الباطل إلى دين الله، إذ أن المبتدع ينسب بدعتَه إلى شريعةِ الله .
قال الشاطبي في "الاعتصام" (1/52) :"وهو – أي الابتداع- اتباع الهوى في التشريع إذ حقيقته افتراء على الله".
10- ما يقع على المبتدع من اللعن والطرد ورد عمله، وإبطال أجره والضلال في الدنيا والعذاب في الآخرة، كما وردت به آثارٌ في السنة وعن سلف هذه الأمة.
11- إن الابتداع يستلزم القول بالتقصير في إبلاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربِّه.
12- إن الابتداع اتباع للمتشابه وإماتة للسنة، وإثارة للجدل والخصومة .
13- إن الابتداع اتباع للهوى، ومفارقة للجماعة واتباع سبيل المفسدين .
وغير ذلك من المفاسد العظيمة، والتي تجعل المسلم الصادق بعيدا عن الابتداع سالكاً للاتباع.
منقول موقع هيئة الشام