حَدَيث هَمَّام عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : " خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقُرْآن " فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " الْقِرَاءَة " قِيلَ : الْمُرَاد بِالْقُرْآنِ الْقِرَاءَة , وَالْأَصْل فِي هَذِهِ اللَّفْظَة الْجَمْع وَكُلّ شَيْء جَمَعْته فَقَدْ قَرَأْته , وَقِيلَ : الْمُرَاد الزَّبُور وَقِيلَ : التَّوْرَاة , وَقِرَاءَة كُلّ نَبِيّ تُطْلَق عَلَى كِتَابه الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا سَمَّاهُ قُرْآنًا لِلْإِشَارَةِ إِلَى وُقُوع الْمُعْجِزَة بِهِ كَوُقُوعِ الْمُعْجِزَة بِالْقُرْآنِ أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِب " الْمَصَابِيح " وَالْأَوَّل أَقْرَب , وَإِنَّمَا تَرَدَّدُوا بَيْن الزَّبُور وَالتَّوْرَاة لِأَنَّ الزَّبُور كُلّه مَوَاعِظ , وَكَانُوا يَتَلَقَّوْنَ الْأَحْكَام مِنْ التَّوْرَاة.
قَالَ قَتَادَة : كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ الزَّبُور مِائَة وَخَمْسُونَ سُورَة كُلّهَا مَوَاعِظ وَثَنَاء , لَيْسَ فِيهِ حَلَال وَلَا حَرَام وَلَا فَرَائِض وَلَا حُدُود , بَلْ كَانَ اِعْتِمَاده عَلَى التَّوْرَاة , أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَغَيْره.
وَفِي الْحَدِيث أَنَّ الْبَرَكَة قَدْ تَقَع فِي الزَّمَن الْيَسِير حَتَّى يَقَع فِيهِ الْعَمَل الْكَثِير.
قَالَ النَّوَوِيّ : أَكْثَر مَا بَلَغَنَا مِنْ ذَلِكَ مِنْ كَانَ يَقْرَأ أَرْبَع خَتَمَات بِاللَّيْلِ وَأَرْبَعًا بِالنَّهَارِ , وَقَدْ بَالَغَ بَعْض الصُّوفِيَّة فِي ذَلِكَ فَادَّعَى شَيْئًا مُفْرِطًا , وَالْعِلْم عِنْد اللَّه.
قَوْله : ( بِدَوَابِّهِ ) فِي رِوَايَة مُوسَى بْن عُقْبَة الْآتِيَة " بِدَابَّتِهِ " بِالْإِفْرَادِ , وَكَذَا هُوَ فِي التَّفْسِير , وَيُحْمَل الْإِفْرَاد عَلَى الْجِنْس , أَوْ الْمُرَاد بِهَا مَا يَخْتَصّ بِرُكُوبِهِ , وَبِالْجَمْعِ مَا يُضَاف إِلَيْهَا مِمَّا يَرْكَبهُ أَتْبَاعه.
قَوْله : ( فَيَقْرَأ الْقُرْآن قَبْل أَنْ تُسْرَج ) فِي رِوَايَة مُوسَى " فَلَا تُسْرَج حَتَّى يَقْرَأ الْقُرْآن ".
قَوْله : ( وَلَا يَأْكُل إِلَّا مِنْ عَمَل يَده ) تَقَدَّمَ شَرْحه فِي أَوَائِل الْبُيُوع وَأَنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ أَفْضَل الْمَكَاسِب , وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّة الْإِجَارَة مِنْ جِهَة أَنَّ عَمَل الْيَد أَعَمّ مِنْ أَنْ يَكُون لِلْغَيْرِ أَوْ لِلنَّفْسِ , وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّ الَّذِي كَانَ يَعْمَلهُ دَاوُدُ بِيَدِهِ هُوَ نَسْج الدُّرُوع , وَأَلَانَ اللَّه لَهُ الْحَدِيد , فَكَانَ يَنْسِج الدُّرُوع وَيَبِيعهَا وَلَا يَأْكُل إِلَّا مِنْ ثَمَن ذَلِكَ مَعَ كَوْنه كَانَ مِنْ كِبَار الْمُلُوك , قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( وَشَدَدْنَا مُلْكه ) , وَفِي حَدِيث الْبَاب أَيْضًا مَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ , وَأَنَّهُ مَعَ سِعَته بِحَيْثُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ دَوَابّ تُسْرَج إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَب وَيَتَوَلَّى خِدْمَتهَا غَيْره , وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ يَتَوَرَّع وَلَا يَأْكُل إِلَّا مِمَّا يَعْمَل بِيَدِهِ.
قَوْله : ( رَوَاهُ مُوسَى بْن عَقَبَة عَنْ صَفْوَان بْن سُلَيْمٍ إِلَخْ ) وَصَلَهُ الْمُصَنِّف فِي كِتَاب خَلْق أَفْعَال الْعِبَاد عَنْ أَحْمَد بْن أَبِي عَمْرو عَنْ أَبِيهِ - وَهُوَ حَفْص بْن عَبْد اللَّه - عَنْ إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - الحافظأحمد بن علي بن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى