مدرستنا تربينا على ملء عقولنا بالمعارف، فتخرج أطرا ينقلون معارف إلى عقول الآخرين. لم تتحول المعرفة عندنا إلى عمل. والسؤال في الوقت الحاضر: ماذا تعرف أن تعمل؟ وليس ما هي الشواهد التي تمتلك؟. كل رجال التعليم، بعد مسار طويل في الدراسة، وبعد مسار قصير في التكوين، يكتشفون أن الميدان عالم آخر، يحتاج إلى تكوين آخر، يجتهد فيه الأستاذ بممارسته ليجيب عن أسئلة مدمرة: كيف أفكك خلية “مشرملين” داخل القسم بأسلوب تربوي؟. هذا السؤال، لن تجيب عنه إلا أنت، فهنا، لا تنفع الشواهد العلمية والمعارف والمعدلات المرتفعة، هذا المجال أشبه بعالم السياسة، تدخل معركة لتخرج بأقل الخسائر.
أتذكر يوما، وقد رسمني تلميذ مراهق في الطاولة بقرن طويل حاد. كنت أشرح درسا، وهو يتأملني، ليرسمني. بصراحة محظوظ أن تكون “كمارتي” موضوع إبداع. اكتشفت الرسمة على الطاولة، وصورتها بهاتفي، واحتفظت بها، وظللت أبحث عن التلميذ الذي اقترف جريمة الإبداع، ربما يكون فنانا كاريكاتوريا مندسا، فرضت عليه الظروف أن يسمع دروسنا الروتينية. كنت عند انتهاء درس مع قسم من الأقسام، أفتح هذا الموضوع، للبحث عن التلميذ.
من عادتي عند بداية كل سنة دراسية، حين التعارف، ألقي كلمة مختصرة حول “كنى” أبناء شمال إفريقيا مع دخول الحالة المدنية تحت الرعاية الفرنسية. أحول موضوع الكنى من قضية للتنمر إلى موضوع علمي ومعرفي. وأسهم في حل مشاكل الكثير من التلاميذ.
بذلت مجهودا لأتعرف على التلميذ صاحب موهبة فن الكاريكتور. وقلت مع نفسي، إن وجدته، ساطلب منه رسمي في ورقة وأن يخرج لي القرن. وسأشجعه لكي يواصل المسار، لعله يكون فنانا في هذا الميدان.
للإمانة العلمية مصدر المقال