منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - رسالة الضبّ
الموضوع: رسالة الضبّ
عرض مشاركة واحدة
قديم 2020-12-12, 21:55   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
اسماعيل 03
مشرف منتديات الدين الإسلامي الحنيف
 
الصورة الرمزية اسماعيل 03
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

((فصل))
ولما ذكرناه من علاقة العرب بالضبّ سمّوا به على عاداتهم في التسمية بالأشجار والنبات والأحجار والحيوان، ولهذه الأسماء العربية المنقولة من أسماء الجماد والنبات والحيوان فلسفة خاصة كنت أمليت فيها دروسًا عديدة على تلامذة دار الحديث بتلمسان في 1357هـ، وكتبها عنّي التلاميذ وجعلتُها مقدّمة لدرس أنساب العرب، وقد سئل بعض العرب، ما لكم تسمّون أبناءكم بأسماء قبيحة جافية، وتسمّون عبيدكم بأسماء حسنة كسرور ورباح؟ فأجاب العربي: إننا نسمّي عبيدنا لأنفسنا، أما أبناؤنا فهم لعدوّنا. يعني أن العبيد للخدمة والمهن المنزلية أو للقيام على الماشية، وكلها سلم واطمئنان، فكان المناسب هذه الأسماء المفرحة التي تجري مجرى الفأل.
وأما الأبناء فمرمى العرب من كثرة النسل الاعتزاز بهم والاعتماد عليهم في الغارات والانتصاف من الأعداء، وأليق الأسماء بهذه المواقف: "جندل" و "نهشل" و "صخر" و "ليث" و "فهد" و "عوسجة" و "حرب" لأنها تثير في نفوس الأعداء خيالات من معانيها، ومن الغريب أن العرب لم تُسَمِّ ضبًّا بلفظ المذكّر إلا قليلًا، وأغلب ما سمّت به ضبة بلفظ المؤنث وهو علم على عدة قبائل يطلقون عليها الضباب.
ومن أشهر من تسمّى بهذا الاسم ضبة بن أذ بن طابخة وهي قبيلة مشهورة يعدّها النسّابون الجمرة الثالثة من جمرات العرب، وجمرات العرب هي قبائل استقلّت ولم تحالف غيرها لعزّها ومنعتها، ولفظها مأخوذ من التجمّر، وهو التجمّع، وهذه الجمرات هي نمير بن عامر وضبة بن أدّ والحارث بن كعب، ويقول علماء النسب إن الجمرتين الأخيرتين انطفأتا بالمحالفة لأن ضبة بن أد حالفت الرباب والحارث بن كعب حالفت مذحج، وبقيت نمير بن عامر جمرة متّقدة لم تحالف أحدًا إلى أن جاء الإسلام، وكما تسمّى هذه القبائل جمرات تسمّى جمارًا.
يقول الفرزدق: خطرت ورائي دارمي وجماري. ونسيت الشطر الأول. ومما يطربني من كلام الشعراء في ذكر الجمرة والجمار قول مهيار الديلمي تلميذ الشريف الرضي في إحدى قصائده:
يا ابنة (الجمرة) من (ذي يزن) … في الصميم العِدِّ والبيت الرحيب
وبا بني: إن مما آسف عليه أسفًا لا ينقضي، ضياع هذا العلم من بيننا، علم أنساب العرب وأيام العرب وأمثال العرب، وإنها لكنوز من المعارف وأجزاء كاملة من التاريخ والأدب ومحال أن يزدهر الأدب العربي ويؤثر آثاره المرغوبة في ناشئتنا إلا إذا استكمل الأدباء هذه الأجزاء المفقودة.
وعلى ذكر اختيار العرب في التسمية ضبّة دون ضب، أذكركم بكلام كنت قرأته لبعض علماء اللغة المتبحّرين في فهم أسرارها، وهو أن العرب يلحقون تاء التأنيث بصفات المذكّر كثيرًا كـ"علامة" و"فهامة" و"تكلامة " و"تلقامة" و"رحلة " و"هزأة"، وهي كثيرة في كلامهم، قال: وهم يرون فيما هو منها مدح إلى معنى الداهية، وفيما هو منها ذم إلى معنى البهيمة العجماء، وهو كلام فقيه في العربية محيط بأسرارها ومقاصد واضعيها وخلجات نفوسهم، وأظن أن صاحب هذه النظرية هو ابن الأعرابي أحد فقهاء اللغة المبرزين، ولا أقطع بذلك.
-15-
يتبع .....









رد مع اقتباس