بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
للْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)
سورة البقرة
*********
(الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَالْمَعْنَى حُبِسُوا وَمُنِعُوا. قَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: مَعْنَى" أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ" حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي مَعَايِشِهِمْ خَوْفَ الْعَدُوِّ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) لِكَوْنِ الْبِلَادِ كُلِّهَا كفرا مطبقا.
(لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ مُلْحِفِينَ، يُقَالُ: أَلْحَفَ وَأَحْفَى وَأَلَحَّ فِي الْمَسْأَلَةِ سواء، ويقال:
وَلَيْسَ لِلْمُلْحِفِ مِثْلُ الرَّدِّ «2»
وَاشْتِقَاقُ الْإِلْحَافِ مِنَ اللِّحَافِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى وُجُوهِ الطَّلَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ كَاشْتِمَالِ اللِّحَافِ مِنَ التَّغْطِيَةِ، أَيْ هَذَا السَّائِلُ يَعُمُّ النَّاسَ بِسُؤَالِهِ فَيُلْحِفُهُمْ ذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ أَحْمَرَ:
فَظَلَّ يَحُفُّهُنَّ بِقَفْقَفَيْهِ «3» ... وَيَلْحَفُهُنَّ هَفْهَافًا ثَخِينَا
يَصِفُ ذَكَرَ النَّعَامِ يَحْضُنُ بِيضًا بِجَنَاحَيْهِ وَيَجْعَلُ جَنَاحَهُ لَهَا كَاللِّحَافِ وَهُوَ رَقِيقٌ مَعَ ثَخْنِهِ
---------
(2). هذا عجز بيت لبشار بن برد وصدره كما في ديوانه واللسان: الحر يلحى والعصا للعبد
(3). قفقفا الطائر: جناحاه.
تفسير القرطبي(3-342)
بترقيم الشاملة الحديثة
قال ابن كثير:
{لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ} يَعْنِي سَفَرًا لِلتَّسَبُّبِ فِي طَلَبِ الْمَعَاشِ. وَالضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ: هُوَ السَّفَرُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة}، وقال تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله} الآية.
مختصر تفسير ابن كثير (1-243)
بترقيم الشاملة الحديثة