بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)
سورة الملك
*************
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى مُزْدَلَفًا أَيْ قَرِيبًا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. الْحَسَنُ عِيَانًا. وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى: فَلَمَّا رَأَوْهُ يَعْنِي الْعَذَابَ، وَهُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي عَذَابَ بَدْرٍ. وَقِيلَ: أَيْ رَأَوْا مَا وُعِدُوا مِنَ الْحَشْرِ قَرِيبًا مِنْهُمْ. وَدَلَّ عَلَيْهِ تُحْشَرُونَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا رَأَوْا عَمَلَهُمُ السَّيِّئَ قَرِيبًا. (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أَيْ فُعِلَ بِهَا السُّوءُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: تَبَيَّنَ فِيهَا السُّوءُ أَيْ سَاءَهُمْ ذَلِكَ الْعَذَابُ وَظَهَرَ عَلَى وُجُوهِهِمْ سِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران: 106]. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ" سُئَتْ" بِإِشْمَامِ الضَّمِّ. وَكَسَرَ الْبَاقُونَ بِغَيْرِ إِشْمَامٍ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ. وَمَنْ ضَمَّ لَاحَظَ الْأَصْلَ. (وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) قَالَ الْفَرَّاءُ: تَدَّعُونَ تَفْتَعِلُونَ مِنَ الدُّعَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ العلماء أي تتمنون وتسألون.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَكْذِبُونَ، وَتَأْوِيلُهُ: هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ مِنْ أَجْلِهِ تَدَّعُونَ الْأَبَاطِيلَ وَالْأَحَادِيثَ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ تَدَّعُونَ بِالتَّشْدِيدِ، وَتَأْوِيلُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَرَأَ قَتَادَةُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَالضَّحَّاكُ وَيَعْقُوبُ" تَدْعُونَ" مُخَفَّفَةً. قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ قَوْلُهُمْ رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا «1» [ص: 16]. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ قَوْلُهُمْ اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ «2» [الأنفال: 32] الْآيَةَ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: تَدَّعُونَ تَسْتَعْجِلُونَ، يُقَالُ: دَعَوْتُ بِكَذَا إِذَا طَلَبْتُهُ، وَادَّعَيْتُ افْتَعَلْتُ مِنْهُ. النَّحَّاسُ: تَدَّعُونَ وَتَدْعُونَ" بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كَمَا يُقَالُ: قدر واقتدر، وعدي واعتدى، إلا أن في" أفتعل" معنى شي بعد شي، و" فعل" يقع على القليل والكثير.
-----------
(1). راجع ج 15 ص (157)
(2). راجع ج 7 ص (398)
تفسير القرطبي (18-220)
بترقيم الشاملة الحديثة