بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) }
سورة الأنعام
************
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما واراه الليل وغيّبه. (1)
يقال منه:"جنَّ عليه الليل"، و"جنَّه الليل"، و"أجنه"، و"أجنّ عليه". وإذا ألقيت"على"، كان الكلام بالألف أفصح منه بغير"الألف"،"أجنه الليل"، أفصح من"أجن عليه" و"جنّ عليه الليل"، أفصح من" جنَّه"، وكل ذلك مقبول مسموع من العرب. (2) "جنّه الليل"، في أسد ="وأجنه
وجنه" في تميم. (3) والمصدر من:"جن عليه"،"جنًّا وجُنُونًا وجَنَانًا"، = ومن"أجنّ""إجنانًا". ويقال:"أتى فلان في جِنّ الليل". (4) و"الجن" من ذلك لأنهم استجنُّوا عن أعين بني آدم فلا يرون. وكل ما توارى عن أبصار الناس، فإن العرب تقول فيه:"قد جَنّ"، ومنه قول الهذلي: (5)
وَمَاءٍ وَرَدْتُ قُبَيْلَ الكَرَى ... وَقَدْ جَنَّهُ السَّدَفُ الأَدْهَمْ (6)
وقال عبيد:
وَخَرْقٍ تَصِيحُ البُومُ فِيهِ مَعَ الصَّدَى ... مَخُوفٍ إذَا مَا جَنَّهُ اللَّيْلُ مَرْهُوبِ (7)
ومنه:" أجننت الميت"، إذا واريته في اللحد، و"جننته"، وهو نظير
-----------------------------
(1) في المطبوعة: "داراه الليل وجنه"، والصواب من المخطوطة.
(2) هذا بيان لا تصيبه في كتب اللغة، فقيده هناك، وانظر معاني القرآن للفراء 1: 341.
(3) يعني أن الأولى أشهر في لغة بني أسد، وأن الثانية أشهر في لغة بني تميم.
(4) "جن الليل" (بكسر الجيم) : اختلاط ظلمته.
(5) هو البريق الهذلي، واسمه: "عياض بن خويلد الخناعي"، وروى الأصمعي أن قائل الشعر هو"عامر بن سدوس الخناعي".
(6) ديوان الهذليين 3: 56، وما بقي من أشعار الهذليين رقم: 31، واللسان (سدف) (جنن) ، من أبيات يمجد فيها نفسه، وبعد البيت: مَعِي صَاحِبٌ مِثْلُ نَصْل السِّنانِ ... عَنِيفٌ عَلَى قِرْنِهِ مِغْشَمُ
ويروى: "وما وردت علي خيفة"، ويروى"قبيل الصباح"، وكله حسن. و"السدف": الظلمة من أول الليل أو آخره، عند اختلاط الضوء. و"الأدهم": الضارب إلى السواد.
(7) ديوانه: 33، ذكر نفسه في هذا البيت ثم قال بعده: قَطَعْتُ بِصَهْبَاءِ السَّرَاةِ شِمِلَّةٍ ... تَزِلُّ الوَلايَا عَنْ جَوَانِبِ مَكْرُوبِ
وختمها بالبيت الحكيم: تَرَى المَرْءَ يَصْبُو لِلحَيَاةِ وَطُولِهَا ... وَفِي طُولِ عَيْش المَرْءِ أَبْرَحُ تَعْذِيبِ
وصدق غاية الصدق! وكان في المطبوعة: "الليل مرهب"، والصواب من المخطوطة. و"الخرق" (بفتح فسكون) : الفلاة الواسعة، ورواية الديوان: "تصيح الهام"، و"الهام" ذكر البوم، ورواية أبي جعفر أجود، لأن"الصدى" هو أيضًا ذكر البوم.
تفسير الطبري (11-477)
بترقيم الشاملة الحديثة