منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ما هي صورة تركيا والأتراك في المخيّلة العربية؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 2021-03-25, 09:07   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الحاج بوكليبات
محظور
 
إحصائية العضو










B10 ما هي صورة تركيا والأتراك في المخيّلة العربية؟




عندما يكون الخبر متعلقاً بتركيا، فإنّه عادةً ما يحظى بقدر أكبر من التفاعل والتعليق والمشاركة، وكثيراً ما يكون سبباً لبدء خلافات واستقطابات حادة، هذا ما يلاحظه متصفح صفحات التواصل الاجتماعي العربيّة، فلماذا انقسمت آراء وتصوّرات العرب حول تركيا؟ وكيف أصبح الموقف منها أساساً للفرز والتصنيف؟

القومية والوطنية.. صورة تاريخيّة سلبية

يتجه المثقفون والكتاب العرب من المنتمين للتيارات القوميّة والوطنيّة إلى التأكيد على رسم وتصوير صورة سلبيّة لتاريخ وحال البلاد العربية في عهود الحكم العثماني، التي امتدت منذ توسّع الدولة العثمانية في عهد السلطان سليم الأول وضمّها الأقطار العربية، مطلع القرن السادس عشر الميلادي، وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى وما تلاها من انهيار وتفكك للدولة العثمانية.

في هذا الخطاب يتم التركيز على نظام الإقطاع الذي ظلّ سائداً حتى فترة متأخرة من تاريخ الدولة العثمانية، وكثرة الضرائب، وشدّة الفقر، مع ذكر لحوادث المجاعات والأوبئة، والتأكيد على ترديّ ظروف المعيشة وحالة الصحة والتعليم في تلك العهود. ويتم تحميل الدولة العثمانية مسؤولية تأخّر العرب عن ركب الحضارة؛ فهم منعوا وأخّروا دخول المطبعة، ولم يعتنوا بالتعليم. كما يتكرر وصف الحكم العثماني بـ "الاستعمار" و"الاحتلال" مع ذكر وتفاخر بحوادث الثورات والتمرد على الحكم العثماني خلال قرونه الأربعة وإعطائها أبعاداً وطنيّة وطابع الحركات الاستقلاليّة والتي تُوجّت أخيراً بـ "الثورة العربية الكبرى" في الحرب العالمية الأولى.

وكان لهذه الصورة حظها من التأكيد والتكريس عبر مختلف وسائل التنشئة والتوعية الثقافية، من الحكايات والروايات والمسرحيات إلى المسلسلات التلفزيونية، حيث أنتجت مسلسلات تاريخية تؤكد على تردي الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في العهد العثماني. كما كان في مسلسلات سوريّة مثل "أخوة التراب"، و"الخوالي"، التي أنتجت في نهاية عقد التسعينيات من القرن العشرين، وركزّت على تناول السنوات الأخيرة من الحكم العثماني في سوريا والثورة عليه، وكثيراً ما ارتبط ظهور مثل هذه الأعمال الدراميّة بحالة من التوتر السياسي مع الجمهورية التركيّة.

وبالعموم، لا يتطرق هذا الخطاب عادةً للتركي العاديّ، وإنما تكون الصورة المقدمة فيه متمحورة حول صورة الحاكم العثماني والدولة العثمانية ككيان سياسي، في حين تبقى صورة التركي العادي والثقافة التركية العامة غير واضحة المعالم في هذا الخطاب، وعادةً ما يكون هناك عدم معرفة بالثقافة التركيّة العامة، وقلة اطلاع على الآداب والفنون التركية، أو حتى على مستوى التقاليد أو المطبخ، في حين تتردد مقولات أحياناً ضمن هذا الاتجاه تنحو باتجاه التقليل من شأن الثقافة التركيّة، واعتبار أنّ الأتراك بالأصل هم "قوم من البدو الرُحّل، لا ثقافة لديهم".

رؤية مضادة.. صورة دينية - تاريخية إيجابية

وعلى النقيض من الاتجاه السابق، ظهر اتجاه وتيار مقابل، سعى للتأكيد على صورة إيجابية للدولة والحكم العثماني، وجاء غالباً ممتزجاً بالبعد الديني، باعتبار أنّ الدولة العثمانيّة كانت دولة خلافة وحكماً إسلامياً. وترجع جذور هذا الاتجاه إلى نهايات العهد العثماني مع ظهور تيار إصلاحي عربي تمسّك بالخلافة وواجه دعاوى الانفصال والاستقلال، قبل أن يتصاعد في أعقاب انهيار الدولة، وبالتحديد بعد إلغاء "أتاتورك" منصب الخلافة عام 1924.

ومع تراجع المد القومي العربي، وصعود "الصحوة الإسلامية" بالعالم العربي في الثلث الأخير من القرن العشرين، وزيادة تأثير التيار الإسلامي وحضوره في الفضاء العام. بدأت تنتشر الكتابات والأدبيات التاريخية الإسلامية، وظهر ما عُرف بـ "المؤرخين الإسلاميين"، واتجهت هذه الأدبيات إلى التأكيد على أنّ الحكم العثماني هو من حمى الديار الإسلامية من هجمات الغرب، مع إبداء تقدير كبير للتوسع العثماني في أوروبا باعتباره فتوحات إسلامية في قلب العالم الغربي. فكتب مثلاً المؤرخ المصري، عبد العزيز الشناوي، كتاب "الدولة العثمانية: دولة إسلامية مفترى عليها"، الذي ظهر أول مرة عام 1986 ثم طبع مرات عديدة لاحقاً. وظهرت كتب عدّة تتناول سيرة السلطان عبد الحميد الثاني (1848-1918) تحديداً، مثل كتاب المؤرخ المصري، محمد حرب، "السلطان عبد الحميد الثاني؛ آخر السلاطين العثمانيين الكبار". واستمر هذا الاتجاه في العقدين الأخيرين مع ظهور كُتاب آخرين ضمنه، مثل الليبي، علي الصلابي، الذي كرّس كتابه عن الدولة العثمانية لردّ "الشبهات" عنها. ومؤخراً برز دور مهم للمسلسلات التاريخية لدعم هذه الاتجاه وتقديمه في صورة مرئيّة، وهو ما جاء تحديداً مع عرض مسلسل "قيامة أرطغرل" عام 2014، الذي تناول بداية وتأسيس الدولة العثمانية، مع إسباغ الطابع الطهرانيّ والتمجيديّ.

تركيا الحديثة المتغرّبة.. لحظة إجماع

لم تكن الجمهوريّة التركيّة التي قامت بشكل أساسي في الأناضول وأعلن عن استقلالها عام 1923، لم تكن هي الدولة العثمانية التاريخيّة، ولكنها كانت الدولة الوريث لها؛ بحكم وراثتها المنطقة الأكبر منها، وكذلك وراثة العِرق واللغة الحاكمة فيها، والمناطق والمدن المركزيّة فيها.

اتجهت الدولة التركية الحديثة منذ تأسيسها عام 1923 وتحت قيادة مصطفى كمال أتاتورك، إلى تبني القومية التركية المقترنة بالعلمانيّة الصارمة، واقترنت العلمانية بالضرورة بالابتعاد عن الموروث الإسلامي وبالتالي إحداث نوع من القطيعة مع التراث والتاريخ المشترك مع العرب. وتجلّى ذلك في الإقدام على خطوات مثل استبدال الأبجديّة العربية التي كانت تكتب بها اللغة التركية طيلة قرون والاستعاضة عنها بالأبجدية اللاتينية.

التقط العرب هذا التحوّل الجذري عند جارتهم، باعتباره إمعاناً في الابتعاد عنهم والاتجاه نحو أحضان الغرب، وبالتالي ساهم في تكريس صورة سلبية عن تركيا، وتشاركت الاتجاهات العربية المختلفة، من علمانية وإسلامية هذا الإدراك والتصوّر.

وتعززت هذه الصورة السلبيّة بسبب المواقف السياسية التي اتجهت الدولة التركيّة إلى اتخاذها وخصوصاً خلال عقود الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، حيث كانت في تناقض تامّ مع القضايا والمصالح العربية؛ فكانت أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بـ "إسرائيل"، عام 1949، ثم جاءت عضويتها في حلف "الناتو" عام 1952، وصولاً إلى إدانتها قرار تأميم السويس عام 1956، ومن ثم معارضتها للوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، وتصويتها ضد استقلال الجزائر عام 1962.

تحوّلات استراتيجية تركية.. انعكاسات مباشرة على مستوى الصورة

ترافق وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا عام 2002 مع حدوث تحوّلات جذريّة على مستوى الاستراتيجية التركيّة، تميّزت في التحوّل عن حصر علاقات التحالف ضمن المحور الغربي، والاتجاه نحو بناء علاقات متعددة، ولعب أدوار جديدة على المستوى الإقليمي تحديداً. عنى ذلك عودة تركيا للعب دور على مستوى المنطقة العربية، وهو ما رأى فيه قطاع واسع من النخب والشعوب العربية عودة تركيّة عن مسار التغريب باتجاه إحياء وتعزيز هويّتها التاريخية الإسلاميّة، وتجديد علاقاتها وصلاتها مع محيطها العربي والإسلامي، كّل ذلك ساهم في الدفع باتجاه بناء صورة أكثر ايجابية عن تركيا عند قطاعات واسعة.

وشهد العهد الجديد خطوات تركية لقيت ترحيباً عربياً، بداية من رفض البرلمان التركي المشاركة في الحرب على العراق عام 2003. ومن ثم ظهور التوترات المتكررة مع "إسرائيل"، كما حدث على إثر حادثة سفينة "مرمرة" (أسطول الحرية) عام 2010، وما تلاها من تجميد للعلاقات الدبلوماسية مدة استمرت 6 أعوام حتى عام 2016، إضافة إلى مخطابة أردوغان "إسرائيل" في مناسبات عدّة بلهجة منددة، وخصوصاً إثر الحروب الثلاث على غزة أعوام (2008، و2012، و2014).

وترافقت هذا التحوّلات، مع تمكّن تركيا من تحقيق نسب نمو اقتصادي مرتفعة، منذ تجاوزها أزمة العام 2001، وتمكّنها من الوصول إلى مجموعة العشرين دولة ذات الاقتصادات الأكبر على مستوى العالم، وسدادها في عام 2013 كامل ديونها لصندوق النقد الدولي. كل ذلك ساهم في تحسين صورتها لدى الفرد العربي، وجعلها تبدو في موقع النموذج للدولة المسلمة التي تتمكن من تحقيق النهوض وتبدد صورة التلازم ما بين الدول والشعوب المسلمة وما بين حالة التأخر.

كما برزت تركيا كوجهة سياحية أولى بالنسبة للسائح العربي، وفي عام 2018 قُدّرت أعداد السياح العرب الذين اختاروا تركيا وجهة لهم بأكثر من (1.5) مليون سائح، معظمهم من المملكة العربية السعودية والعراق، بحسب إحصاءات وزارة السياحة التركية. وهي وجهة غنيّة بعناصر التاريخ والطبيعة، إضافة إلى كونها دولة مسلمة مناسبة للسائح العربي أكثر من الوجهات الغربية. ولعبت الدراما التلفزيونية التركيّة دوراً مهماً في تحويل تركيا إلى وجهة سياحية مفضّلة، وخاصّة بعد تجربة دبلجة المسلسلات الدرامية التركية إلى اللهجات العربية، وذلك عبر ما تعرضه من مناظر طبيعية، وأماكن سياحية، ومعالم تاريخية. ويترافق النشاط السياحي مع تحوّل إيجابي على مستوى التصوّر عن البلد عموماً.

التغيّرات.. تولّد صورة مناقضة أيضاً

ولكن هذه التحوّلات على مستوى التوجّهات والاستراتيجيات التركية استدعت أيضاً توليد رد فعل مضاد عند تيار آخر، نظراً للسياسة التركية الجديدة بريبة ورأى فيها شكلاً جديداً لـ "الاستعمار" والهيمنة والتركيّة، وعودة للزمن التركي (العثماني) السالف. وفي الغالب ما يتمحور هذا الخطاب المناوئ حول ربط هذا التوجّه التركي مع الخلفيّة الأيديولوجية الاسلاميّة لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، والتأكيد على صلاته بالأحزاب الإسلاميّة في الدول العربية، التي هي حسب هذا المنظور أدوات ووكلاء للمشروع التوسعيّ التركي. وعادةً ما يتجه التيار المناوئ للسياسة التركيّة الجديدة إلى التذكير باستمرار عضويّة تركيا في حلف الناتو، واستمرار علاقاتها مع "إسرائيل"؛ للتأكيد على أنّ تركيا ما تزال تدور في الفلك الغربي، ولغرض مواجهة الشعارات والمواقف التي تصدر عن القيادة التركية المنددة بالممارسات والانتهاكات الإسرائيلية أو مواقف التوتر مع الغرب، والتي تكون سببباً لزيادة شعبيّة تركيا عند التيار الآخر المعجب بتركيا وسياساتها وتوجهاتها الجديدة، فيتم التذكير بهذه الحقائق كمواجهة لهذا الإعجاب ورد عليه.

وهكذا، فإنّ صورة تركيا عربياً ليست مجرد صورة عن دولة، يتم تقييمها بمعطيات السياسة والاقتصاد وحسب، وإنما تتجاوز ذلك، لتصبح مداراً وأساساً للاختلاف والصراع والاستقطاب بين أصحاب الاتجاهات المختلفة.

عن حفريات








 


رد مع اقتباس