منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - هل قاوم بنو ميزاب فرنسا ؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 2007-08-31, 19:24   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
المزابي
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

السيد لكحلي معذرة على التأخر لأني لم أقم بزيارة الموقع اعتقادا مني بأن أي جديد في الموضوع سيصلني عبر البريد الاكتروني، وإذا بالأمر يسير بغير ما كنت أعتقده في منتديات أخرى

المهم، هذا أمر تاريخي، ربما التأخر والتريث من أبرز ما يجب أن يكون عليه الأمر

أمعن جيدا فيما سيأتي، وسأعطيك مهلة كافية للرد، فقط على أن تناقشني بالأدلة، ولا عليك بالخزعبلات التي يمكن أن نتهم بها كل الناس من غير دليل ولا بينة، هل أعتبر أن هذا واضحا

لنقسم الأمر على محورين، الأول يتعلق بردود على بعض المعلومات التي قدمتها، والثاني حول إسهام المزابيين في الثورة وبعد انتهائها مباشرة:

تقول بأن هنالك بيوتا من غير المزابيين كانت في القرارة، فأتحداك أن تثبت لي حيا غير مزابي في القرارة طيلة فترة الاستعمار، فكل ما كان هنالك كان عبارة عن شبه بيوت أو قل خيام لبدو ورحل جاؤوا إلى المنطقة نظرا لأغارض يمكن لأصحابها أن يوضحها لك مباشرة، فلا تعد علينا التهويل بأن هنالك بيوتا قد أبيدت، أو تنقل إلينا على أن هنالك حضارة قد أتلفت من قبل الفرننسيين، فكل ما هنالك خيام ليس إلا.. ولم تعرف المنطقة حضارة غير المزابية يا أخي، وبكل موضوعية ولا تعتقد بأني أحدثك بعنصرية أبدا..

ولدي نقطة ربما سأعود إليها تتعلق بمفدي زكريا شاعر الثورة وشمال أفريقيا

فكيف تتصور بالحكم الفرنسي الذي كان يحكم الجنوب عموما بحكم عسكري غاشم على عكس الشمال الذي يتمتع بنظام مدني، من تعليم وانتخابات وتشكيل نقابات، والتمتع بالعديد من الحقوق التي تكاد تكون خيالا في حياة الجزائريين في الجنوب.

وعليه فإن المزابيين وبحكم تواجدهم في الشمال والجنوب وحتى خارج الوطن، ونظرا لأقليتهم، وتمسكهم بالدين الإسلامي فقد أجبروا من دون تخيير إما التنازل عن دينهم ولغتهم وأعرافهم، وبالتالي السقوط في الحكم الفرنسي المباشر، وإما التمتع بنوع من الحماية العسكرية مثل التي حكمت بها تونس والمغرب وسوريا، أم أنك أيضا ستمسح هؤلاء بالتشكيك في وطنيتهم وفي مبادئهم..

وعليك أن تفهم شيئا في عملية كتابة التاريخ، وهي محاولة استعياب الظروف وكل العوامل المحيطة بالموضوع، وتحيين كل التقييمات والأحكام وفق ما كان سائدا، ولا تحاول أن تخلط المراحل.

أو بتعبير آخر، لما أراد المزابيون أن يبرموا معاهدة حماية مع الفرنسيين كانوا أقلية لا يمكن أن تحسب بحساب الأقلية والأغلبية مقابل قوة وجبروت الجيش الفرنسي، وكأنه الجيش الأمريكي في هذا العصر، وعليه لا يمكن أن تحكم التاريخ من خلال النهايات، ولكن من دراسة الأوضاع والأسباب، ثم تنتقل إلى التنائج، أرجو أن أكون موفقا في إبراز هذه النقطة

زد على ذلك فإن المزابيين ومن خلال تواجدهم في الشمال قد صدوا غارات الفرنسيين على العاصمة من أول يوم في سيدي فرج، ومن بع ذلك مع مقاومات سيدي السعدي وابن الزعمون في ضواحي العاصمة وجبال الشريعة، ولهم مقبرة شاهدة على ذلك إلى الآن، كما شاركوا في صد الهجوم الفرنسي على قسنطينة، وكان لهم دور بارز هنالك يشهد به المساحة الأرضية التي وهبتها عائلات قسنطينة شاهدة إلى اليوم عن إسهام المزابيين في صد غارة الفنرسيين عليها.

ولما كان المزابيون بهذا الحراك جعلهم هدفا في مخطط فرنسا، فأدرك المزابيون عند وصول الفرنسيين إلى ألأغواط مدى الخطر الذي يحوم حولهم إن واجهوا فرنسا في منطقة معزولة وغير مساعدة لأي عمل عسكري، إضافة إلى أنهم إذا تعنتوا في المقاومة فإن إمكانية الإمداد والمساعدة تبدو شبه معدومة في المنطقة، فإن المزابيين على وشك عملية إبادة شبه أكيدة كما حدث مع قبائل الشناوة في منطقة تيبازة الآن، أو في أعالي جبال القبائل بتيزي وزو وغيرها، فكان الحل إظهار المهادنة.. وإذا لم تستوعب ما قدمته فمستعد لأن أشرحه لك مجددا وعلى مهل وروية..

فلم يتقوقع المزابيون بعد الحماية، فشاركوا مشاركة معتبرة وهامة وبشبه سري جدا مع مقاومة الأمير عبد القادر الذي مونوه ومولوه بالمال والرجال والعدة، فكن طبيبه وأمين سره مزابيا، ومصنع أسلحته وباروده ينطلق من ميزاب، وكذلك الأمر مع مقاومة أحمد باي، ومقاومات أولاد سيدي الشيخ المختلفة ومقاومة الزعاطشة أيضا، وهذا ما جعل الفرنسيين يتذمرون من نقض المزابيين عهدهم بعدم التعاون مع الحواضر والقبائل التي تحيض بها، فكان المزابيون على موعد مع التاريخ، ولم يقفوا في صف العملاء الذين تمتلئ صفحات الأرشيف الفرنسي بهم..

كما يجب أن تدرك أمرا وهو شديد الأهمية، وهو أن الدولة الجزائرية لم تقم لها قائمة بالمصطلح السياسي الحديث، ولذلك كان أسلوب المناورة مع الفرنسيين لا يشكل تناقضا للمواطنة أو ما شابه، فلم تكن هنالك دولة، وعليه كانت كل منطقة تتصرف بالتصرف الذي كان يناسبها، وهذا أمر يجب أن لا تتجاوزه في دراستك لتاريخ المنطقة وأهلها، وإلا كانت نتائجك متناقضة ومتداخلة..

وبنص معاهدة الحماية مع الفرنسيين كان مزاب يتمتع بنوع من الاستقلال في أموره الدينية والقضائية والتعليمية والتجارية، فلم يربى أبناء ميزاب على تحية العلم الفرنسي، ولا أداء النشيد الوطني الفرنسي أو على الأقل التعاون مع بعض الجنرلات في عرضات وزردات كانت تقام عند بعض أشباه الأئمة وأصحاب الزوايا وبعض شيوخ القبائل والقواد، حتى كان من هؤلاء من تزوج بفرنسيات في عز المقاومة والثورة، وإذا شئت لسميت لك من مناطق الأغواط وآفلو والجلفة والبيض والمسيلة وغيرها ما تستحي من أن تعده جزائريا اليوم..

كما أن المزابيين بذلك حموا نساءهم من غطرسة الفرنسيين التي كانت في الصحراء، ومن الاعتداءات الكثيرة التي أوجدت أجناسا من أصحاب اللون الأبيض الأوروبي في بيئات صحراوية بعيدة عن أوروبا ومناخها.. فهل لك أن تتساءل عن الشرف في تلك الفترة خارج ميزاب كيف كان؟؟

وأما الشباب المزابي فلم يشارك في التجنيد الإجباري الذي شمل الجزائريين عموما، فلم يشارك شباب ميزاب في جيش فرنسا من أجل أن يحصل على فرنكات رخيصة، مقابل أن يحرس ملكا لإقطاعي فرنسي، أو يشي بوطني غيور.. كما لم يحمل الشباب المزابي أيضا السلاح في وجه إخوانه المسلمين في سوريا وتونس والمغرب من أجل قضية لا ناقة له ولا جمل، إلا أن يخدم مصالح الفرنسيين، أو أن يدافع عن العلم الفرنسي في الحرب العالمية الأولى أو الثانية، فسلم المسلمون من شر المزابيين، ولم يسجل التاريخ ميزابيا واحدا عمل في الجيش الفرنسي ولو بوابا، وأتحداك أن تأتي بالدليل اليوم وغدا، عكس البعض الذي كان يتفاخر ويتباهى بالرتب والمعارك التي شارك فيها، خادما ذليلا خاسئا لسادته الفرنسيين، ضد إخوانه المسلمين.. فأين المصيب والمخطئ في هذه المسألة يا ترى؟؟ أم ترى المزابيين متهورين فيما أقدموا عليه؟؟

وطبعا تميز ميزاب بنوع من تسيير شؤونه عكس بعض المناطق التي كان يترأسها غالبا قائد، يكون مواليا لفرنسا وخادما لها، كأداة زجر وكلب حراسة على رقاب الجزائريين؟؟ فهل هذه هي الوطنية برأيك أن يتفاخر البعض بالبرنوس الأحمر، ويمتلك الأراضي الشاسعة، ويستولي على النساء والأحصنة والغلال كما يريد وتحت مرأى ومسمع الفرنسيين؟؟ أم أن المزابيين بحكمتهم استطاعوا أن يفوتوا على الفرنسيين فرصة التحكم فيهم؟؟ فلا تنسى أنهم أمازيغ أحرار، لا يقبلون بالسيطرة ولا يصبرون عليها ولو لشهر واحد..

أضف إلى أن الحماية تلك مكنتهم من تعليم أبنائهم التعليم الديني العربي الأصيل، الذي استطاع أن يخدم الصحافة العربية في الجزائر، من خلال رائدها الشيخ أبي اليقظان المزابي، وأن يؤسس معاهد جمعت النخبة التي حملت راية الإدارة والتعليم والصحة والمالية والجيش.. بدرجاته المختلفة في الجزائر غداة استقلالها، واستطاع ميزاب أن يرسل في سنوات الحرب والفقر خيرة شبابه إلى التزود من العلوم من تونس ومصر والعراق وسوريا وإيطاليا ويوغسلافيا وبلجيكا وكندا وأمريكا.. فلو لم يكن تعليمهم أصيلا لما وصلوا من خلال التعليم الفرنسي الذي يكاد يكون ضحكا على الذقون، وتسلية لأبناء الجزائريين المغلوبين على أمرهم، وواجهة تقابل بها فرنسا في الساحة الدولية وقتها.. فهل المزابيون استفادوا كما ينبغي من خلال الحماية في مجال التعليم والصحافة؟؟

سأزيدك أن الفرنسيين لو لم يدركوا أن استمرار المزابيين في الاستفادة من الحماية لما أبقوا عليها، ولم يدخلوها بعمليات تمشيطية من أجل متابعة جنود فارين لها، أو تتبع عمليات جمع التبرعات والتموين التي كانت تغطى بها لا مصاريف الثورة وحسب، بل حتى نفقات الحزب الدستوري الحر في تونس، الذي يعترف إلى اليوم بمجهود المزابيين في تمويل حملاتهم من أجل التعريف بقضيتهم في المحافل الدولية، ونفقات حركة المقاومة في الريف المغربي تحت راية عبد الكريم الخطابي..

وأما في سني الثورة فكان المزابيون أينما وجدوا، في ميزاب وخارجه جندا من الدرجة الأولى للثورة، فكانت محلاتهم للاجتماعات الهامة التي كانت تضم عبان رمضان وبن يوسف بن خدة وغيرهم من اللجنة الوطنية للتنسيق والتنفيذ، وأهم القيادات التي كانت مطلوبة ليس وطنا أو محليا بل دوليا، كما كانت المحلات الأخرى إما ملاجئ للهروب من متابعة الفرنسيين، أو مراكز لإيداع الوثائق السرية، أو صناديق لجمع الأموال وتحصيل الاشتراكات، أو مصارف للتموين بالعتاد والألبسة والأسلحة والأدوية..

فلو لم يكن المزابيون في تلك الدرجة من التفاني في أداء واجبهم الوطني، فلم تكن القيادة تضع فيهم كل هذه الثقة، وتطلعهم على أسرارهم، وتطمئن للجوء إلى محلاتهم ومنازلهم، فهل تأدية هذه المهمات في الأحياء الأوروبية وفي وضح النهار أسهل؟ أم الهروب إلى الجبال ثم التقاتل بين الإخوان، في عمليات خيانة كان يتزعمها بلونيس ومن والاه من المصاليين المضللين؟؟

طبعا كان للمزابيين دور أيضا في الجبال على غرار كل الجزائريين وبدون فخر زائد، فيمكنك أن تسأل أو بالأحرى أن تراجع ما قاله السيد عبد الحميد مهري، والسيد لخضر بن طوبال، والرئيس ابن يوسف بن خدة، والشهيد محمد بوضياف، وحتى السعيد اعبادو الذي كان يتولى قيادة مجموعة ثوار من المنطقة، هذا عن الشهادات الكبيرة إن صح التعبير، أما عن الأرشيف الفرنسي وما كان يسجله باليوم والساعة فسيحين وقته، وسنشفي به ظمأك يوم أن يتم مرور الفترة القانونية له، حينها سنكشف لك بالأسماء والتواريخ والأماكن من كان مع الثورة ومن كان ضدها، وحتى بعد الثورة إن أردت، وإذا ما أطال الله في أعمار الأجيال القادمة فسيخبرونك أيضا بمن تلطخت أيديهم بالدماء في السنوات العشر السوداء، أو المأساة الوطنية.

سأعود إلى قضية فصل الصحراء عن الشمال ودور المزابيين الحاسم فيها، وقضية مفدي زكريا الشهيد بعد الاستقلال.. والنكسة التي تبعت الاستقلال.. ودور المزابيين في حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، بل حتى الحزب الشيوعي يومها.. ودورهم في الحركة الكشفية.. والبعثات الطلابية التي كانت ترفع علم الجزائر خافقا في المحافل الدولية.. إن أمد الله في أعمارنا أياما..

أعترف مسبقا أني أكتب بعجالة، فالكتابة يجب أن تكون بأكثر من مسودة، ولكن اعتبرها اليوم مرورا، ويمكنني أن أزيدك في المرات القادمة إن أخللت بشيء هذه المرة.. وأعترف مسبقا أني قد أخللت بما يجب، لكن أردت أن أربح الوقت ليس إلا، حتى لا أعتبر هاربا أو عاجزا عن الرد..

والمعذرة إن أطلت، المهم أن تكون قد استعوبت ما كنت أقصد أن أبلغه من تدخلي.

أخوك في خدمتك وخدمة التاريخ بلاده النزيه من التزوير والتلاعب، والسلام