بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)
سورة طه
********
استرّت وجوه الخلق، و استسلمت للحيّ القيوم الذي لا يموت، القيوم على خلقه بتدبيره إياهم، وتصريفهم لما شاءوا، وأصل العنو الذلّ، يقال منه: عنا وجهه لربه يعنو عنوا، يعني خضع له وذلّ، وكذلك قيل للأسير: عان لذلة الأسر، فأما قولهم: أخذت الشيء عنوة، فإنه يكون وإن كان معناه يئول إلى هذا أن يكون أخذه غلبة، ويكون أخذه عن تسليم وطاعة، كما قال الشاعر:
هَلْ أنْتَ مُطِيعي أيُّها القلب عنوة ... ولم تلح نفس لم تلم في اختيالها (1)
وقال آخر:
هَلْ أخَذُوها عَنْوَةً عَنْ مَوَدَّةٍ ... وَلَكِنْ بِحَدِّ المَشْرَفِي اسْتَقالَهَا (2)
-----------
(1) لم أقف على قائل البيت. وعنوة: قال في اللسان (عنو) في حديث الفتح أنه دخل مكة عنوة: أي قهرا وغلبة. قال ابن الأثير: هو من عنا يعنو: إذا ذل وخضع. والعنوة: المرة منه، كأن المأخوذ بها يخضع ويذل. وأخذت البلاد عنوة: بالقهر والإذلال. ابن الأعرابي: عنا يعنو: إذا أخذ الشيء قهرا. وعنا يعنو عنوة: إذا أخذ الشيء صلحا، بإكرام ورفق. والعنوة أيضا المودة قال الأزهري: أخذت الشيء عنوة: يعني غلبة، ويكون عن تسليم وطاعة مما يؤخذ منه الشيء. وأنشد الفراء لكثير: فَمَا أخَذُوها عَنْوَةً عَنْ مَوَدَّةٍ ... وَلَكِنَّ ضَرْبَ المَشْرَفِيّ اسْتَقَالَهَا
فهذا على معنى التسليم والطاعة بلا قتال. وقال الأخفش في قوله تعالى: " وعنت الوجوه ": استأسرت. قال: والعاني: الأسير. وقال أبو الهيثم: العاني الخاضع.
(2) البيت لكثير عزة، كما في (اللسان: عنا) وقد تقدم القول في معناه في الشاهد السابق عليه. المشرفي: السيف منسوب إلى قرية يقال لها مشارف بالشام أو اليمن. واستقلالها: أخذها وانتزاعها.
تفسير الطبري (18-377)
بترقيم الشاملة الحديثة.