منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - رؤوس أقلام من تاريخ دولة الأندلس
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-03-22, 17:46   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

هل خطبة طارق بن زياد

لما عبر مضيق جبل طارق ثابتة؟

أولاً: يزعم بعض المؤرخين أن طارقًا عندما علم باقتراب الحرب، وقف في جنوده، وخطب فيهم خطبته المشهورة التي تعد من أروع الخطب الحماسية وأعظمها في إلهاب المشاعر، والحث على الجهاد، بما تتضمنه من معان سامية، وتعبيرات أدبية رفيعة، وهذا نص بعض الخطبة.


"أيها الناس: إلى أين المفر؟ البحر وراءكم والعدو أمامكم، فليس والله إلا الصدق والصبر فإنهما لا يغلبان، وهما جندان منصوران، لا تضر معهما قلة، ولا ينفع مع الخور والكسل والاختلاف والفشل والعجب كثرة.


أيها الناس: ما فعلت من شيء فافعلوا مثله؛ إن حملت فاحملوا وإن وقفت فقفوا وكونوا كهيئة رجل واحد في القتال، وإني صامد إلى طاغيتهم لا أتهيبه حتى أخالطه أو أقتل دونه، فلا تهنوا، ولا تنازعوا إن قتلت، فتفشلوا وتذهب ريحكم، وتولوا الأدبار لعدوكم، فتبيدوا بين قتيل ومأسور، وإياكم إياكم أن ترضوا بالدنية، ولا تعطوا بأيديكم ما قد عجل الله لكم من الكرامة والراحة من المهانة والذلة، وما قد أحل لكم من ثواب الشهادة، فإنكم إن تفعلوا، والله معيذكم، تبوءوا بالخسران المبين، وسوء الحديث غدًا بين من عرفكم من المسلمين.. إلى أن قال.. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم، وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمرًا ذهبت ريحكم، وتعوضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت، وإني لم أحذركم أمرًا أنا عنه بنجوة، ولا حملتكم على خطة أرخص متاع فيها النفوس إلا وأنا أبدأ بنفسي، واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلا استمتعتم بالأرفه الألذ طويلا، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفى من حظي، وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان، من بنات اليونان، الرافلات في الدر والمرجان، والحلل المنسوجة بالعقيان، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان..؟! إلى آخر الخطبة ([1]).


ثانيًا: الكلام على الخطبة:


قد فصل الدكتور السيد عبد العزيز سالم في كتابه تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس (78-79) فقال بعد كلام عن خطبة طارق بن زياد رحمه الله ما نصه .. مما يجعلنا نميل إلى عدم نسبتها؛ فالخطبة في اعتقادنا ليست من إنشائه، وإنما نسبها إليه المؤرخون المحدثون، فقد كان طارق كما رجحنا بربريا، ولا يعقل أن يكون هو صاحب هذه القطعة الأدبية الفريدة.


ولو أنهم نسبوها إلى موسى بن نصير؛ لكان الأمر أقرب إلى مجال التصديق، وإنما كان هذا أيضًا ليس من الممكن الإغضاء عنه؛ إذ أن أسلوب الخطبة من الأساليب الشائعة منذ القرن العاشر الميلادي يعني: الرابع الهجري تقريبًا، وقد يكون طارق بن زياد حسن الكلام، ينظم ما يجوز كتبه، كما يقول ابن بشكوال، ولكنه لا يصل بأي حال من الأحوال إلى ارتجال خطبة أدبية رائعة أسلوبها من النوع المتأخر في الزمن إلى عصره، ولنفترض جدلاً أنها من إنشائه، فكيف يخطب بالعربية لجيش كله من البربر، وهم كما نعرف حديثو عهد بالإسلام وباللغة العربية، بل إن اللغة العربية كانت أبطأ في الانتشار بكثير من الإسلام؟!


والواقع أن مؤرخي العرب كانوا يميلون دائمًا إلى تتويج بطل الفتح بهالة من البطولة الخارقة والشجاعة النادرة، فقد نسب مؤرخو العرب إلى عقبة بن نافع كثيرًا من الأعمال الخارقة للبشر، كما تنبئوا لطارق بالانتصار على القوط وفتح الأندلس.


فذكروا أنه أصاب بالجزيرة الخضراء عجوزًا أخبرته بأن من يفتح الأندلس رجل ضخم الهامة، وفي كتفه الأيسر شامة عليها شعر، وكانت هذه الصفات تتوافر فيه؛ فكأنهم ينسبون الفتح إليه عن طريق النبوءة، وهو أمر كان شائعًا عند مؤرخي العرب.


كذلك زعموا أنه لما ركب البحر إلى الأندلس رأى وهو نائم النبي صلى الله عليه وسلم وحوله المهاجرون والأنصار قد تقلدوا السيوف وتنكبوا القسي وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول له: «يا طارق: تقدم لشأنك» ونظر إليه وإلى أصحابه قد دخلوا الأندلس قدامه، لذلك كله نستبعد نسبة الخطبة المذكورة إلى طارق بن زياد انتهى.


وقد أنكرها الدكتور طارق السويدان فقال في كتابه [الأندلس التاريخ المصورص37] : (والخطبة من بلاغتها تكاد تكون لقس بن ساعدة أو امرئ القيس).


وانظر كتاب [قصص لا تثبت] للشيخ أبي عبيدة مشهور حسن آل سلمان، فقد ذكر الخطبة، وأطال في إبطالها [الجزء الثالث صفحة111 ] وذكر أن أقدم نص فيه إشارة إلى هذه الخطبة هو ما أورده مؤرخ الأندلس عبد الملك بن حبيب المتوفى سنة 238 هـ مع نتف منها على أنها جميع ما خطب به في جنده. انتهى.


وليس معنى هذا أن طارق لم يلق خطبة على جنده، لا، الأمر ليس كذلك، بل إنه ألقى فيهم خطبة، وإنما المقصود ليست هي الخطبة المذكورة عنه المشهورة في الكتب.


وقال العبادي في تاريخ المغرب والأندلس (64) وإن كنا نعتقد في هذه الحالة أن الخطبة لم تكن باللغة العربية، إنما كانت باللسان البربري أو الغربي، كما يسميه المؤرخون القدامى، ثم جاء كُتَّاب العرب بعد ذلك فنقلوها إلى العربية في شيء كثير من الخيال، والإضافة والتغيير.


([1]) وانظرها في كتاب وفيات الأعيان (3/161) لابن خلكان.









رد مع اقتباس