منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الاقتداء بالسَّلف بتحقيق مقاصدهم وليس في محاكاة وسائلهم الظرفية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-05-11, 15:08   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أبومحمد17
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي الاقتداء بالسَّلف بتحقيق مقاصدهم وليس في محاكاة وسائلهم الظرفية

الاقتداء بالسَّلف بتحقيق مقاصدهم وليس في محاكاة وسائلهم الظرفية
الشِّدَّة نموذجاً
بسم الله الرحمن الرحيم
من المعلوم أن الأمة الإسلامية أمة فَتيَّة، هي آخر الأمم؛ معدنها الأوَّل العرب لم يعرفوا ـ قبل الإسلام ـ البحث الفلسفي و النقاش الفكري، ولا تعدُّد التيارات الفكرية.
وجاءهم الإسلام بدين يخاطب العقل و الوجدان، متكامل من جميع النواحي، سدَّ كل حاجات البشر، فلم يقرع من قبل بال البشرية مثله، لغته بسيطة مباشرة ، يفهمها ـ آنذاك ـ الجاهل و المتعلِّم على حدٍّ سواء، أحدث تغيّيِرا جذريا في حياة العرب الفكرية و الاجتماعية و الاقتصادية، جعل الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يدركون أنهم أمام شيء عظيم غير مسبوق، فنشأ لديهم اهتمام لا نظير له بضرورة نقله و تبلغيه إلى الناس بكل السبل الممكنة، لأنه رحمة لا يجب أن تحرم منها البشرية، مع ضرورة الحفاظ على نقائه و صفائه.
أخذ التابعون عنهم هذا الشعور و الاعتقاد، و بسبب البراءة من الخلفية الفلسفية، و عدم الإرث الثقافي الفكري المعتاد على النقاش و الاختلاف ،وربما لأنهم لم يقفوا عند السنن الكونية و الحقيقة القدرية التي أخبرت بها النصوص من ظهور الفرق و إتباع سنن السابقين، و التي بدت بوادرها في الواقع كاحتكاك العرب بالأمم السابقة، و احتياجهم إلى معارفهم المادية ، و انتقال الإسلام من وحي منزل لغته عامة إلى وحي مؤول لغته اصطلاحية خاصة بالعلماء بسبب ظهور العلوم الاصطلاحية و العجمة ، فنشأ عن ذلك الاختلاف حول معنى النص و تحديد المراد.
وهناكانت الصدمة لكل أولئك الذين كانوا مهمومين بالحفاظ على نقائه ، ذاهلين عن هذه السنن الكونية و المتغيرات فواجهوها بالشدَّة لأنها الأسهل وهم في موقع قوة و لأن الردع أوَّل طرق الرد، طمعاً في وقف زحف الأفكار البدعية الجديدة، فنهوا أوَّلا عن كتابة أي شيء غير الحديث النبوي، ثم نهوا عن مناظرة المخالف من الفرق و الرد عليه و الكتابة في ذلك، و أمروا بالهجران المحض في المجالسة، و أخذ العلم، و الصلاة خلفهم، و تشييع جنائزهم، ومناكحتهم...الخ.
لكنهم تحت ضغط الواقع و توسُّع نطاق المخالفين، و تسرُّب أفكارهم إلى صفوفهم حتى دخل فضلاءٌ من أهل العلم و الإيمان في القدر و الإرجاء و الاعتزال و التشيُّع السياسي مما اضطرهم إلى فتح مجال الرد و المناظرة، و التفريق بين أنواع البدع و أسبابها، و ما يترتب عليها في حق المبتدع، ففرقوا بين الداعية إلى بدعته وبين غيره، و بين المخاصم عليها و غير المخاصم إلى أن جاء ابن تيمية فأغلق الموضوع علميا حينما فصل بحدود واضحة بين ضرورة الاستمرار في الحفاظ على نقاء الإسلام كما نزل و تلقاه السَّلف ، و بين إدانة المؤمنين المخالفين، و الموازنة بين صلاحهم و إيمانهم و الأسباب الموضوعية لقبولهم تلك المقالات أو بعضها أو لقواعدها البدعية وعذرهم و بين حقيقة مخالفتها للوحي المنزل و كيف تلقاه السَّلف.
يعني: لم يعد كافيا التحذير بعبارات السَّلف التي وردت في الجهمية و غيرهم،فقد تسرَّبت الأفكار إلى المؤمنين الصالحين من أهل الديانة و العلم .
هذه أسباب شدَّة السَّلف فهمها بعضهم حتى في زمانهم كعطاء، قال طَلْحَةُ بْنُ عُمَرَ: ( قُلْتُ لِعَطَاءٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ يَجْتَمِعُ عِنْدَكَ نَاسٌ ذَوُو أَهْوَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَنَا رَجُلٌ فِيَّ حِدَّةٌ فَأَقُولُ لَهُمْ بَعْضَ الْقَوْلِ الْغَلِيظِ؟
فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ! يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:" وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً". فَدَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَكَيْفَ بِالْحَنِيفِيِّ !)" تفسير القرطبي؛2/16.
و كذلك ابن أبي ذئب الذي كان يأوي إليه القدرية المطاردون من السلطان فتركوها آنذاك ،و لم يجاروا أنصار الشدَّة.
وعليه، فلا حجَّة لنا في التمسُّك بها و قد عرفنا مبرِّرتها ، كما أننا لا نحتاج لتركها إلى تخطئتهم، فلم يكونوا كما قد يظنه بعضهم،بل تصرَّفوا بحسب الحاجة و المصلحة، ولن نكون خارج منهجهم إذا تركناها لأن منهجهم في المضامين و القصد وهو الحفاظ على نقاء الإسلام أو أصالته، فما انتهجوا الشدَّة إلا لهذا السَّبب، وليس في وسائلهم في الردع غير المفيدة في الغالب، التي لم تمنع من انتشار هذه الأفكار و توسُّع هذه الفرق، و بالتالي لا حاجة إلى الشدَّة، و قد تعقَّدت المسائل و امتزجت ببعضها ،و تداخلت مسالكها ، و انطلت البدع الدقيقة التي يصعب كشفها على كثير من أهل العلم و الإيمان.
بهذا وحده نحافظ على قصدهم و هو نقاوة الإسلام و أصالته، أو الوحي المنزل، ونعوذ إلى التعاليم النبوية من النُّصح في إطار الإخوة الإسلامية، وحفظ جماعة المسلمين من العداوة المدمِّرة لهم.
فإذا سألنا: ما الفرق بين السلفيين المتأخرين و أقصد من كان منهم على دراية بعلم الكلام و الفلسفة و الفكر كابن تيمية و كذلك الرازي وغيرهما وبين المتقدمين،بحيث وجدنا الشدة، و الوقوف عند الهجر المطلق، وعدم معالجة القضايا علميا تفصيليا قد اختلف عند المتأخرين و أصبحوا أكثر مرونة و تعاطيا مع النقاش الفكري ؟
الجواب:هو الإرث الفكري الذي وجده المتأخر،فاضطر أن ينظر في التراث برمته ،و يفحص أقوال المختلفين و أنواعهم ومراتبهم في العلوم الشرعية و أحوالهم الإيمانية فشكَّل لديه هذا الإرث نوعا من التفهم و الوعي لطَّف من مواقفه ،وكلما تقدَّمنا في الزمن نقصت العصبية و الحدة و التكفير المتبادل من دون انتهاء النقاش في تلك القضايا إلا عند بعض من نقل عن المتقدمين كل شيء، المسائل العلمية و ما تلبست به من شدة و أمور خارجة عنها، وهذا لا نقصده.
و المقصود أن السعي للحفاظ على نقاء الإسلام ،على أصالة عقيدته يكون بالعلم و الحوار، أما غير ذلك فهي وسائل ردعية يعمل بها بعضهم عندما يكونون في حال قوة، و يتركونها عندما يكونون في حال ضعف،وتلك أخلاق العسكر كما قال ابن عقيل الحنبلي ـ رحمه الله.
في السلف الصالح من جمع بين العلم وقول الحق و الورع و المهابة مع الوداعة و الكرم و اللين و السماحة مثل ابن أبي ذئب ـ رحمه الله فلمَ لا يعرفه جمهور السلفيين؟
لأن شيوخ الشدة لا يستشهدون بمواقفه في كتبهم، مع أنها الأوفق مع الكتاب و السنة؟