منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - علماء وادباء و مفكرين و روائيين وفنانين و شخصيات هامة من منطقة الشاوية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-08-01, 16:54   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
**عابر سبيل **
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية **عابر سبيل **
 

 

 
إحصائية العضو










B9

علماء وا دباء ومفكرين وفنانين وشخصيات هامة من منطقة الشاوية :

***العلماء و المفكرين***





الطيب العقبي


تعريف


الطيب العقبي هو الطيب بن محمد بن إبراهيم، ولد في بمدينة سيدي عقبة بولاية بسكرة في الجزائر عام (
1307 هـ، 1898م)، ينتهي نسبه إلى قبيلة أولاد عبد الرحمن الأوراسية[1].
هاجر مع عائلته إلى المدينة المنورة وهو ابن خمس أو ست سنوات، تلقى العلم في الحرم النبوي الشريف، عمل مع شريف مكة في جريدة القبلة، عاد إلى الجزائر عام (1337هـ ، 1920م). وكان من الأعضاء المؤسسين ل جمعية العلماء المسلمين، كان له نشاط كبير في الدعوة إلى الله حيث كان يتردد على الأماكن العامة كالمقاهي والنوادي الليلية للدعوة إلى الله، وقد هدى الله على يديه خلق كثير. عرف الشيخ بالجرأة على قول الحق ولا يخاف في ذلك لومة لائم، بالإضافة إلى نشاطه في مجال الصحافة كان قلمه سيالا بكثرة مقالاته في جريدة الشهاب والبصائر التابعتين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
ترجمة ذاتية




الطيب العقبي مع عبد الحميد بن باديس.


هذه الترجمة كان قد كتبها بنفسه ونشرت في الجزء الأول من كتاب "شعراء الجزائر في العصر الحاضر" لمؤلفه الأديب الجزائري الكبير الأستاذ محمد الهادي السنوسي الزاهري. يقول الطيب العقبي:
ولدت ببلدة سيدي عقبة الجزائر ليلة النصف من شهر شوال سنة 1307هـ، حسب ما استفدته من مجموع القرائن الدالة على تعيين هذا العام، ويحتمل أن تكون ولادتي بعد ذلك التاريخ بنحو العام لأني لم أجد قيدا صحيحا لسنة ولادتي. والدي هو "محمد بن إبراهيم بن الحاج صالح" وإلى هذا ينسب اليوم كل فرد منا وبه تعرف عائلتنا، فيقال لكل منا "ابن الحاج صالح"، وعائلتنا من أوسط سكان البلدة، فلا هي أعلاها ولا هي أدناها. أصل أول من سكن بلدة سيدي عقبة من جدودنا من أولاد عبد الرحمن بجبل "أحمر خدو" بالجهة التي تسمى منه باسم "كباش". يتصل نسبنا على التحقيق بالرجل الشهير عند أهل تلك الجهة المعروف لديهم بالولاية والصلاح حتى أنهم يحجون قبره وقبته المقامة عليه، ويقال عنه أنه شريف النسب أيضا، والذي يلفظون اسمه هكذا (سيدي مَحمد بن عِبد الله) بفتح ميم محمد وكسر عين عبد الله، فنحن إذا عبدريون ـ بالراء ـ وعبدليون ـ باللام ـ نسبة إلى عبد الرحمن وعبد الله. جدنا الأول المنتقل من تلك الجهة إلى سيدي عقبة يوم تأسيس البلدة أو بعده عقبي بسكناه بها، ثم نحن من بعده إلى هذا اليوم عقبيون. أما والدتي فمن بلدة ليانة بالزاب الشرقي من عائلة "آل خليفة" الشهيرة بلقب "ابن خليفة". ودعنا من تعداد الآباء والأجداد والمفاخرة بالألقاب والأنساب، لأن ذلك ليس بمذهب لي، فإني في جملة البشر أحسب، وإلى جدنا الأكبر وأبينا آدم أنسب، وإني في هذا المذهب أوافق صديقي معروف الرصافي حيث يقول: قالوا ابن من أنت يا هذا؟ فقلت لهم
إني امرؤ جده الأعلى أبو البشر قالوا فهل نال مجدا؟ قلت: واعجبي
أتسألوني بمجد ليس في ثمري

ولله در الحريري السابق في هذا الميدان بقوله: وما الفخر بالعظيم الرميم وإنما
فخار الذي يبغي الفخار بنفسه وخير من هذا كله قول الله عز وجل : "يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وأرى من تمام الترجمة أن أقول لكم" : إن مذهبي في الوطن هو مذهب القائل: من كان مثلي فالدنيا له وطن
وكل قوم غدا فيهم عشائره [2] انتقالنا للحجاز انتقلت عائلتنا مهاجرة من بلدة سيدي عقبة إلى الحجاز بقضها وقضيضها أنثاها وذكرها، صغيرها وكبيرها، سنة 1313هـ قاصدة مكة المكرمة لحج الكعبة المشرفة في تلك السنة، فكنت في أفرادها الصغار لم ابلغ من التمييز الصحيح، ولولا رجوعي إلى هذه البلاد مؤخرا ما كنت لأعرف شيئا فيها. إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.

استقرار عائلتنا بالمدينة سكنت عتائلتنا أول سنة 1314 ـ بعد الحج ـ المدينة المنورة حيث كان استقرارها بها وبها قبر أبوي وعمي وعم والدي وأختي، وجل من هاجر من أفراد عائلتنا كلهم دفنوا هنالك ببقيع الغرقد رحمة الله عليهم.أما والدي فكانت وفاته ليلة الخامس من شهر شعبان 1320هـ وانا عند رأسه أجس نبض آخر عرق كان يتحرك فوق صدغه، وكان قبل موته بنحو السنة والنصف مات شقيقه الوحيد ـ عمي ـ أثناء وجود والدي بهذه الديار التي رجع إليها إذ ذاك متفقدا حال أملاكهم التي تركوها هنا، وقد أتاح الله للأخوين الشقيقين ـ أبي وعمي ـ أن يدفنا في قبر واحد ويضمهما معا ذلك الجدث كما خرجا من بطن أم واحدة، وكان مأواهما في الثرى عند قبر الإمام مالك ـ ـ وبإزاء قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم. كفالتي وتربيتي إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.


صورته التي تصدرت مجلة الشهاب في جزئها 2 المجلد 11


بعد وفاة والدي بقيت مع شقيقي وشقيقتي واختي للأب تحت كفالة والدتي وقد "أدبني ربي فأحسن تاديبي"، وتربيت في حجر أمي يتيما غريبا لا يحوطني ولا يكفلني غير امرأة ليست بعالمة ولا صاحبة إدراك ورأي سديد، بل هي كنساء أهل هذه البلاد ولولا فضل الله علي وعنايته بي صغيرا يتيما لما كنت هديت سواء السبيل ﴿فالحمد لله الذسي هدانا لهذا وما كنا لنهتي لولا أن هدانا الله﴾. تعلمي وقراءتي القرآن قرأت القرآن على أساتذة مصريين برواية حفص ثم شرعت على عهد والدتي بقراءة العلم بالحرم النبوي لا يشغلني عنه شاغل ولا يصدني عنه شيء، حيث كان أخي الأصغر مني سنا هو الذي تكلفه والدتي بقضاء ما يلزم من الضروريات المنزلية وقد ادركت سر الانقطاع لطلب العم وفهمت جيدا قول الإمام الشافعي: "لو كلفت بصلة، ما تعلمت مسألة". بعد أن أصبحت أنا القائم بشؤوني والمتولي أمر عائلتي ونفسي، أخذت إذ ذاك من العلم بقسط شعرت معه بواجباتي الدينية والدنيوية، وما كدت أدرك معنى الحياة وأتناول الكتابة في الصحف السيارة وأنظم الشعر واتمكن من فهم فن الأدب ـ الذي هو سمير طبعي، وضمير جمعي ـ حتى فاجأتنا حوادث الدهر، ونوائب الحدثان، وجلها كان على إثر الحرب العالمية التي شتتت الشمل وفرقت الجمع، فسحقا لها سحقا، وبعدا لما أبقته من آثارها السيئة بعدا. "كيف أبعدت عن المدينة"؟: تناولت الكتابة في الصحف الشرقية قبل الحرب العمومية أمدا غير طويل فعدني بعض رجال تركيا الفتاة من جملة السياسيين، وأخرجوني في جملة أنصار النهضة العربية مبعدا من المدينة المنورة على إثر قيام " الشريف حسين بن علي" في وجوههم بعد الحرب إلى المنفى في أرضهم " الروم ايلي" أولا فالأناضول ثانيا، وهناك بقيت أكثر من سنتين مبعدا في جملة الرفاق عن أرض الحجاز وكل بلاد العرب، ثم انتهت الحرب الكبرى بعد الهدنة يوم 11 نوفمبر 1918م، ونحن إذ ذاك مع عائلتنا التي التحقت بنا بعد خراب المدينة في بلدة " ازمير" ومنها كان رجوعنا معشر أهالي المدينة المنورة إلى الحجاز، وما وصلت أنا إلى مكة المكرمة حتى لقينا من لدن جلالة " الملك حسين" كل ما هو أهله من الإكرام والإجلال، وهناك عينت مديرا لجريدة " القبلة" و" المطبعة الأميرية" يجري علي من سيل انعامه وإكرامه ما لا أستطيع مجازاته عنه بطويل الشكر وعريضه. رجوعي إلى بلاد الجزائر ولما وقع من الاعتداء على أملاكنا التي لا تزال على ذمتنا ببلدة سيدي عقبة ولما كنت أتوقعه من عدم استتباب الأمن واستقرار الأمر في الحجاز للشريف حسين، غادرت تلك البلاد المقدسة إلى هذه البلاد الجزائرية بنية قضاء مآربي هنا وعمل ما يجب عمله في قضية أملاكنا مع المعتدي عليها، ثم الرجوع إلى الحجاز إذا رجعت المياه إلى مجاريها. وها أنا ذا الآن أسكن منذ ست سنوات بلدة بسكرة من يوم قدومي إلى هذه البلاد وهو يوم 4 مارس 1920م ـ إلى هذا اليوم، من حيث قدومي إلى هذه الديار لم أشتغل بعمل عمومي ذي بال كما أني لم أتعاط الكتابة والنشر في الصحف لأني أعتبر نفسي منذ رجوعي من الحجاز وبعدما وقع من الحوادث المقلقة السالبة لكل أسباب الراحة - بل المفقدة للحياة - وبعدما مر على رأسي من الليالي المزعجات ـ قد خرجت من الحياة السياسية بالكلية وبعدت عن العلم وأسبابه بعد ما بين المشرق والمغرب.ولكني منذ أشهر أبديت بواسطة صحافتنا الجديدة بعض آراء وأفكار في مسائل تخص العلم والدين فلم يرق ذلك لبعض الجامدين، وثارت ثائرة من لا يزالون يحبون الاصطياد في الماء العكر، وقام دعاتهم في وجهي يصدون الناس عن سبيل الله يبغونها عوجا، وإني لمواجه لكل صدماتهم، ومجابهتهم وجها لوجه كيفما كانوا ما دمت أعتقد أني على الحق بالرغم عن تجردي من كل عدة يعدها الخصمان. وما أنا في محاربتهم ـ والحالة هذه ـ "إلا كساع إلى الهيجا بغير سلاح" وما أجادلهم إلا بالتي هي أحسن ما دموا عن الحق غير معرضين. أما المنافقون منهم والمارقون الذين يرتدون عن دينهم في كل يوم مرة أو مرتين فأولئك هم الذين أغلظ عليهم أحيانا وأعاملهم بما يستحقون. وما سلاحي الذي أبارزهم به إلا صبابة مما كان علق بالذهن وبقية في الوطاب من آثار التربية الإسلامية والعلم الصحيح، وهم في كل محاولاتهم "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" و"سيحكم الله بيني وبينهم وهو خير الحاكمين". إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.

************************************************** **************************************














عمر الدردور


من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين رحمه الله
ملاحظة :منقول من جريدة البصائر مع التصرف

ودعت الجزائر عامة، ومنطقة الأوراس خاصة، واحدا من أبنائها البررة ورموزها البارزة وعلمائها الأفذاذ ورجالها الكبار الذين أبلوا البلاء الحسن وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ونفعوا الناس وتركوا بصماتهم في الحياة طيلة عقود من السنين، هذا الرجل الفذ هو الإمام الشيخ عمر دردور -رحمه الله- وأسكنه فسيح جناته، الذي فاضت روحه إلى بارئها صبيحة يوم الخميس 22 ربيع الثاني 1430 هـ، الموافق لـ 19 مارس 2009م.

- توفي الشيخ عمر عن عُمُر مديد ناهز السادسة والتسعين عاما، أفناه في خدمة الإسلام، ونفع الناس وإرشادهم إلى الخير وإعانتهم عليه، منذ أن تفتح وعيه وأدرك واجبه تجاه ما كان يعانيه الشعب الجزائري في ظل الاستدمار الفرنسي من تجهيل وتفقير وحرمان من أبسط حقوق الحياة.

مولده وأسرته

- ولد الشيخ عمر دردور في قرية حيدوس بدائرة ثنية العابد، يوم 13 أكتوبر سنة 1913، في أسرة معروفة في منطقة الأوراس، بالعلم وخدمة الدين. فهو رحمه الله غصن من دوحه الدردورية، "آل الدردور"، من نسل الشيخ "علي الدردور الكبير" صاحب زاوية "حمدوس" بوادي عبدي ثم "مدرونة" القرية الرابضة في أحضان جبال أوراس ومن أسرته "الهاشمي دردور"، العالم المجاهد، الذي ناصر ثورة ابن جار الله (1879) وهبّ أتباعه للجهاد استجابة لندائه، فنفي مع ستة رجال من أتباعه، إلى كورسيكا (1880)، فذاق مر العذاب.

تعليمه ودراسته

- ولما بلغ سن التعليم وجهه أهله إلى كتاب قريته لتعلم القرآن الكريم وحفظه، وهو ما تحقق له في سن الحادية عشرة، ليتفرغ بعد ذلك لحفظ المتون المعروفة في العلوم الشرعية كالتجويد والنحو والصرف والفقه والعقائد.

ولم يكتف بهذا الذي حصله في قريته المتواضعة، وإنما تطلعت نفسه إلى الاستزادة من العلم، ولذلك شد الرحال إلى مدينة طولقة، أين انخرط ضمن تلاميذ زاوية الشيخ "علي بن عمر"، والتي تلقى فيها العلم على عدد من المشايخ، ودرس الكتب المعتمدة في فنون العلم المختلفة من نحو وفقه وفرائض وفلك.

- بعد قضاء سنتين من الدراسة في طولقة، وفي سنة 1932 تحديدا، أتيح للشيخ عمر أن يزور قسنطينة برفقة الشيخ عبد الحفيظ الهاشمي، وهناك قدمه هذا الأخير إلى الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس، وأخبره برغبته في الالتحاق بمعهده في قسنطينة، فأبدى الشيخ ابن باديس موافقته المبدئية، واشترط إجراء امتحان لهذا الطالب الجديد، وقد نجح الشيخ عمر في الامتحان، ليصبح بذلك أحد تلاميذ الجامع الأخضر.

نشاطه وتدريسه

- وسرعان ما اكتشف فيه شيخه ابن باديس قوة الفهم وحدة الذكاء وسرعة التحصيل، فأسند إليه تدريس بعض المتون في أوقات فراغه. كما أسند إليه بعد ذلك أيضا إلقاء الدروس على الطلبة في مسجد سيدي قموش ومسجد سيدي بومعزة.

- في هذه المرحلة، ونتيجة تأثير الإمام ابن باديس وما كان يبثه في دروسه من توعية وتوجيه، تفتح الوعي الإصلاحي والوطني في نفس الشيخ عمر، وهو ما جعله حين يزور بلدته في أيام العطل، يلتقي بالناس ويجتمع بهم، ويحرص على توعيتهم وإثارة حب العلم في نفوسهم، ويستحثهم لإنشاء المدارس لتعليم النشء وتربيته.

في سنة 1936، أسس مع جماعة من زملائه الطلبة الأوراسيين، الشعبة الأوراسية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وقد قاموا انطلاقا من هذه الشعبة بنشاط هام في ميادين التربية وبث الوعي الديني والوطني في النفوس. وفي سنة 1937، عاد إلى مسقط رأسه أين تفرغ كلية للجهاد والنضال ونشر الدعوة الإصلاحية ومقاومة الانحرافات والخرافات، فأسس (مدرسة التربية والتعليم) وشرع في العمل لتكوين وتوعية الصغار والشباب والكهول، وأخذ ينفخ فيهم الروح الوثابة والفهم السليم والعلم الصحيح.

- لكن نشاط الشيخ دردور سرعان ما أثار انتباه سلطات الاحتلال التي أدركت خطره، ولذلك سارعت إلى تلفيق تهمة له بررت بها القبض عليه والزج به في سجن مدينة باتنة، الذي قضى فيه أربعة أشهر.

- بعد خروجه من السجن، واصل الشيخ نضاله العلمي في إطار الشعبة الأوراسية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، حيث أصدرت السلطات الاستعمارية قرارا بتوقيف نشاط جميع الحركات السياسية وحركة جمعية العلماء المسلمين، مما أجبر الشيخ على التخفيف من نشاطه، الذي أصبح مقتصرا على التعليم المسجدي لا غير.

نشاطه أثناء الثورة

- ظل الشيخ على دأبه ونشاطه النضالي والعلمي إلى حين اندلاع ثورة أول نوفمبر، حيث أصبح إلى جانب نشاطه التعليمي يناصر الثورة بأفكاره ونضاله العملي. مما جعل سلطات الاحتلال تتحين الفرص للقبض عليه، ولذلك نصحه قادة الثورة في منطقة الأوراس بالسفر إلى الجزائر العاصمة، وهناك أصدر له الدكتور هدام شهادة طبية تثبت حاجته إلى العلاج في الخارج.

- سافر الشيخ إلى فرنسا، حيث استقر في مدينة "فيشي"، وهناك استأنف نشاطه في إطار جبهة التحرير الوطني، عاملا على التعريف بالثورة الجزائرية وأهدافها ومنجزاتها، متنقلا بين عدة مدن في الشمال الفرنسي مثل ليون وباريس. وقد امتد نشاطه هذا من جويلية 1955 إلى يناير 1956.

- انتقل بعد ذلك إلى القاهرة، أين التقى الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وأعضاء قيادة الثورة في الخارج ابن بلة وآيت أحمد وخيضر. وهناك أسندت له مهمة التنقل بين البلدان العربية للتعريف بالثورة الجزائرية وجمع المساعدات لها، وهي المهمة التي أداها بكل نشاط وحيوية وحظي فيها بالتوفيق الرباني الذي مكنه من تحقيق النجاح.

- ظل الشيخ يؤدي عمله في القاهرة إلى غاية سنة 1960، حيث تم تحويله إلى تونس، أين كلف بمهمة تعليم وتوعية الجنود في الحدود الجزائرية. وقد استمر في هذه المهمة إلى غاية الاستقلال.

تأسيسه لمعهد التعليم الأصلي بعد الاستقلال

- بمجرد عودة الشيخ إلى منطقة الأوراس، فكر فيما يمكن عمله لخدمة الجزائر والجزائريين، فهداه الله -عز وجل- إلى العمل على إنشاء معهد للتعليم الأصلي في مدينة باتنة، وقد تم البدء في المشروع في شهر نوفمبر 1962، وسرعان ما تم إنجازه ليقع تدشينه من قبل وزير الأوقاف حينذاك الأستاذ أحمد توفيق المدني -رحمه الله- يوم 1 ماي سنة 1963، وقد أطلق على المعهد اسم صلاح الدين الأيوبي. وما لبث هذا المعهد أن تشعبت منه فروع عديدة في كل من أريس ومنعة وبريكة ونقاوس ومروانة والمعذر والشمرة وإشمول وخنشلة. وقد بلغ مجموع طلبة المعهد في مدة وجيزة 7500 طالب وطالبة نظاميين، بالإضافة إلى الأحرار الذين انتظموا فيما سمي حينئذ بالجامعة الشعبية التي كانت تضمن الدروس الليلية.

ولم يتوقف الأمر عند منطقة الأوراس، وإنما امتد الإشعاع إلى كافة مناطق الوطن، حيث فتح في مدة وجيزة ستة وثلاثون معهدا للتعليم الأصلي عبر التراب الوطني. وبفضل هذه المعاهد وإشعاعها، وبفعل جهود الشيخ عمر وإخوانه قرر الرئيس الراحل هواري بومدين -رحمه الله- ترسيم التعليم الأصلي في الجزائر، وذلك لما شاهد بنفسه ما أنجزه المعهد وأساتذته عندما زار مدينة باتنة سنة 1969.

تأسيسه للمعهد الأسلامي لتكوين الأئمة

- وبعد إلغاء معاهد التعليم الأصلي سنة 1978، اجتهد الشيخ وعمل على تأسيس المعهد الإسلامي لتكوين الأئمة في "سيدي عقبة" بمدينة بسكرة، سنة 1981، وقد تحقق له ذلك، وعين أول مدير له.

- وبعد وفاة الشيخ محمد الأمير صالحي خلفه في مهمة مفتش الشؤون الدينية لولاية باتنة، ومحتفظا بمنصبه كمدير للمعهد الإسلامي بسيدي عقبة. وفي سنة 1986 عين مفتشا جهويا للشؤون الدينية في كل من باتنة وخنشلة وأم البواقي.

وقد ظل الشيخ يمارس مهامه في إطار الشؤون الدينية، ويساهم في أعمال الخير المختلفة في المجتمع المحلي بمنطقة الأوراس، إلى أن اضطر إلى لزوم بيته بسبب تقدم سنه وتراجع صحته.

رحم الله الشيخ عمر دردور وأسكنه فسيح جناته، ورحم الله علماءنا جميعا، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبوئهم عنده أسمى المقامات وأرفع المنازل، كفاء ما بذلوا من جهود وما أنجزوا من أعمال وما قدموا من تضحيات


**************************************************

ترجمة العلامة سيدي الشيخ أبو القاسم عمر دردور




الشيخ عمر دردور نبراس جبال الأوراس وباديسها يعتبر أحد أنجب تلامذة الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس

مولده ونشأته:

ولد الشيخ أبو القاسم عمر دردور بن محمد بن منصور بن محمد بن سيدي علي دردور الأكبر الذي كرس حياته لخدمة المجتمع وبناء وطنه بقرية حيدوس "بلدية ثنية العابد" حوز أريس دائرة باتنة عمالة قسنطينة في 13/ 10/ 1913 ، دخل الكتاب لحفظ كتاب الله سنة 1918 وقد ابتدأ التهجي على يدي والده الشيخ سيدي محمد بن منصور ثم على يدي جده سيدي منصور بقرية حيدوس فختمه في عامين الختمة الأولى، وفي 1925 ختم القرآن الكريم الختمة الثالثة وعمره لا يتجاوز ال12 سنة ، دخل زاوية سيدي عبد الرحمن الزموري بحيدوس في 1926 ليتعلم مبادئ علوم اللغة العربية وعلوم الشريعة لمدة سنتين على يدي هذا الشيخ الجليل مفتي القرية و عالمها ومعلم أبنائها الذي زاره الشيخ عبد الحميد بن باديس في إحدى جولاته للاوراس .

تنقلاته لطلب العلم:


زاوية سيدي علي بن عمر (طولقة)

وفي سنة 1930 انتقل الشيخ دردور إلى زاوية سيدي علي بن عمر بطولقة صاحب الطريقة الرحمانية وتلميذ سيدي محمد بن عزوز البرجي قدس الله سرهم جميعا ومكث بها سنتين الى نهاية سنة 1931 ، وفي 1932 توجه إلى جامع الأخضر بقسنطينة الذي يدرس فيه الشيخ الجليل عبد الحميد بن باديس، وبعد اختباره ألحقه بالسنة الثالثة إعدادي لتمكنه من مبادئ العلوم اللغوية والشرعية ومكث فيه سبع سنوات بين الدراسة والتدريس إلى سنة 1938م.

اعتماده عريفا ورئيسا للشعبة الأوراسية:



وفي 1934 عينه الشيخ ابن باديس عريفا على تلامذة منطقة الاوراس ضمن مجموعة من خيرة تضم 11 عضوا من بينهم الشيخ الفضيل الورتيلاني- حيث اشرف على تلامذة منطقة الاوراس ضمن مجموعة من خيرة طلبته للإشراف على طلبة المنطقة وبناء المساجد الحرة وتأسيس النوادي التعليمية الإصلاحية والجمعيات الدينية وكل ما يتعلق بنشاطات شعب جمعية العلماء المسلمين في ذلك الوقت.

وفي 1936 أسس الشيخ عمر دردور الشعبة الاوراسية مع مجموعة من الطلبة وعلماء المنطقة بقرية حيدوس ، ثم تفرعت الشعبة على عدد من المناطق والقرى كبوزينة وشير واريس وقاموا بنشاط جبار في ميدان تأسيس الجمعيات الدينية ومدارس ونوادي إصلاحية مع التعليم المسجدي لغرس روح الدين والأخوة وحب الوطن في المجتمع.



كما كلفه العلامة ابن باديس في 1937 بالتدريس لطلبة مسجدي سيدي قموش وسيدي بومعزة بقسنطينة.

في 19 أكتوبر 1937 زجت به السلطات الفرنسية في سجن باتنة بتهمة تحريض الجماهير على العصيان المدني ، وفي 06 جانفي 1938 برأته المحكمة تحت ضغط الجماهير الغاضبة المتظاهرة حول محكمة وسجن باتنة ، وقد حضر الجلسة الشيخ عبد الحميد بن باديس بنفسه والشيخ خير الدين والشيخ الطاهر مسعوداني وغيرهم من أعضاء جمعية العلماء الممثلين لمدينة باتنة وأعضاء الشعبة الاوراسية وغيرهم وكان يوما مشهودا للأشاوس الابطال بالتجمهر والهتاف والزغاريد ، وقد انبرى للمحاماة عنه كل من محمد الشريف سيسبان وابراهيم غريب وفوتير مانوف الذي قدم خصيصا من الجزائر العاصمة للدفاع عنه في هذه القضية، لكن ميسكوتلي حاكم حوز اريس الذي حرك القضية كان له بالمرصاد حيث استأنف القضية من جديد ، وقد قال الشيخ سي محمد الصالح بن سيدي عبد الرحمن الزموري قصيدة شعرية بهذه المناسبة لازالت بعض أبياتها تردد إلى اليوم منها قوله :

ولبيبا دخلت السجن وبقينا...لو كنا نصدق لما بليت بلينا

المتخلف يكذب لا صديق لمسجون...لو صح ذاك إذ سجنت سجنا

في شهر أوت 1939 أعيد الشيخ عمر دردور إلى السجن وحكم عليه بأربعة أشهر سجنا نافذا مع 8000 فرنك فرنسي غرامة مالية ، فقضى 26 يوما المتبقية من العقوبة الأولى في السجن لإتمام 4 أشهر مدة حكم الاستئناف ، وخرج منه في سبتمبر 1939 مع اندلاع الحرب العالمية الثانية.

وفاة الأب الروحي للحركة الإصلاحية ومواصلة الشيخ المسيرة:


منظر العلماء المؤسسين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
في الجلسة التأسيسية في 05/05/1931

يوم 16 افريل 1940 توفي الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله تعالى وتوقف نشاط الجمعية لظروف الحرب العالمية ، ومن سنة 1940 إلى 1947 أي سبع سنوات قضاها الشيخ دردور في التعليم المسجدي وإصلاح ذات البين والنشاط الفلاحي بوادي عبدي ووادي الطاقة ، حيث انشأ في هذا الأخير مطحنة بخنقة برباقة نافس بها مطحنة المعمر باتيست الايطالي القريبة جدا من مطحنته وهناك كان يلتقي بمصطفى بن بولعيد الذي يأتيه بصفة تاجر معاطف يحملها على حماره وينزلان قرب الوادي وسط أشجار الزان ويتبادلان أطراف الحديث في شتى المجالات منها مجالهم الثوري بمختلف ميادينه حسب رواية احد سكان الخنقة من أولاد زعطوط.

1947 -1954 قام بنشاط مكثف في التوعية والتوجيه الإصلاحي والسياسي مع محاربة الدجل والشعوذة وزيارة الأضرحة والتفسخ والانحلال والتطبيل والزرنة في الأعراس والبذخ والإسراف فيها وتهيئة النفوس سياسيا وكانت بحق فترة مخاض الثورة.


اندلاع الثورة وعمله في خضمها:

ومع اندلاع الثورة في 1954عمل بمنطقة تازولت مع الطاهر النويشي ومحمد الشريف بن عائشة في إعداد مراكز التموين والمخابئ والمستشفيات، وكان المناضلون ينقلون ليلا من الزقاق وفوذ اقيلال وعش النسر بلارباع وتيفيراسين خشب البقنون ( الأرز) والصنوبر إلى مناط بوعريف و ما جاورها لتسقيف المخابئ، وفي جويلية 1955 غادر الوطن باتجاه فرنسا بعد اكتشاف أمره بسبب وشاية ومر بقسنطينة بنية حضور جلسة محاكمة ابن بولعيد غير أن المحامي العمراني نبهه إلى خطورة الوضع وان الشرطة تبحث عنه ، فغادرها إلى العاصمة ونزل في دار جمعية العلماء ليقوم الدكتور احمد فرنسيس وبن بوعلي بإعداد الملف الطبي له ليتمكن من السفر إلى فرنسا التي استقربها بعض الوقت عند المغترب بده محمد من وادي الطاقة وعمل على تطبيق برنامج جبهة التحرير الوطني في إنشاء جمعيات فدرالية لعمال المهجر في كل من (مرسيليا،بوردو ، ليون، وتوركوان وباريس ) ، ثم توسعت العملية بفضل الأخوين عبد المجيد بن غزال ، واحمد دوم إلى أن أصبح تراب فرنسا كولاية سابعة في تنظيم جبهة التحرير الوطني .

وفي جانفي 1956 انتقل إلى مصر واتصل بالشيخ الإبراهيمي ثم بالوفد الخارجي للجبهة (احمد بن بلة ، وخيضر، وبوضياف وايت احمد) وغيرهم ، ليكلف بعدة مهام في كل من (مصر ، سوريا ، لبنان ، السعودية ، العراق وليبيا ثم تونس). وفي 1960 نزل بتونس للعلاج ، ثم كلف بتعليم أفواج المجاهدين الذين يفدون على مراكز (سيدي اسماعيل) قرب باجه ، ومكث بهذا المركز إلى الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية في 1962.

نشاطه بعد الاستقلال والعمل على تأطير جيل ما بعد الثورة:

وفي نوفمبر 1962 بعد عودته إلى ارض الوطن شرع في بناء المعهد الإسلامي بباتنة " ثانوية صلاح الدين الأيوبي حاليا " بمساعدة كل من وزارة الأوقاف والدفاع الوطني وبلدية باتنة وتم الانجاز في ظرف قياسي(6 أشهر)، وقد افتتح المعهد في 1964 ب250 طالبا كما كانت الدفعة الأولى للأساتذة الأزهريين تتكون من حوالي 20 أستاذا ثم تضاعف عددهم بتضاعف إقبال الطلبة على المعهد إلى أن بلغ 3000 طالب ، واستقبل المعهد في 1975 طلابا أجانب كالسنغاليين والاريتريين.. الخ.

الشيخ عمر دردور شمس لا تحجب ونضال لا ينضب:

من سنة 1981 إلى 1989 كلف الشيخ عمر دردور بإدارة معهد تكوين الإطارات الدينية بسيدي عقبة مع قيامه بمهمة التفتيش على مستوى الولاية خصوصا عام 1985 ، ورغم تقدمه في السن انه واصل نشاطه في الإرشاد وإصلاح ذات البين وكان يقول " إذا جاءتني الموت تجدني واقفا" وذلك أثناء تنقلاته في القرى والبوادي التي لم ينفك ينفخ فيها روح الإسلام السمح والأعراف العريقة بمفرده تارة وبمعية علماء الإصلاح مرارا وتكرارا أمثال الشيخ الغزالي بن دعاس والشيخ سي المسعود بنور والشيخ الأمير صالحي وغيرهم، كما التزم تطوعا حضور جلسات المجلس العلمي للإفتاء لسنوات عديدة،وللشيخ باللهجة المحلية الشاوية باع طويل في الحكم البليغة و المواعظ المؤثرة في مختلف المناسبات والمواضيع وفي الدروس المسجدية مابين 1988و2000 شارك الشيخ في عدة ندوات ومؤتمرات حزبية وغيرها وطنية ومحلية ثم التزم الصمت لتقدمه في السن من جهة وأصابته بفالج المأساة الوطنية التي كادت تودي بحياته.

حسن الخاتمة:

وفي الفترة الممتدة بين 2000 و2009 قرر الشيخ عمر دردور بناء مسجد بمئذنته وزاوية بقرية الحمزة ببلدية وادي الطاقة من ماله الخاص وحبسه جزءا من أرضه على المسجد وأخرى على مقبرة الحمزة صدقة جارية كما فعل من قبل في أراضيه بقرية بوزيزة التي بنيت عليها مدرسة ومسجد وسكنات للمعلمين والمواطنين، كما سلم أراضي أخرى لبلدية ثنية العابد لبناء مدرسة قرزة وغيرها.

وفاته رحمه الله:



في يوم الخميس 19 مارس 2009 توفي الشيخ عمر دردور "نبراس جبال الاوراس الأشم وباديسها" عن عمر يناهز 95 عاما ونصف العام وشيع جثمانه إلى مثواه الأخير بالمقبرة العامة بتازولت يوم الجمعة 20 مارس في موكب مهيب، شهادة الشيخ محمد بن النجاري المعلم نائب الشيخ عمر دردور ومدرس سابق بالمعهد الإسلامي بباتنة الشيخ دردور بنى أول معهد إسلامي وكان يستضيف علماء الأزهر في بيته "تعود علاقتي بالشيخ عمر دردور إلى نوفمبر من سنة 1963 حيث تعرفت عليه عندما عينت كأستاذ بالمعهد الإسلامي بباتنة، ويعد الشيخ المرحوم عمر دردور احد رجالات العلم والإخلاص والدين ، حيث كان مخلصا إلى أقصى الحدود حتى أن من كان يسئ إليه لا يلتفت إليه الشيخ ويسامحه ، وقد اخذ المرحوم عمر دردور على عاتقه بناء أول معهد إسلامي والذي شيد في باتنة ، ومن هذا المعهد اقتدت بقية الولايات التي شيدت بدورها معاهد إسلامية وبذلك يعد معهده اللبنة الأساسية والنواة الأولى لبناء المعاهد الإسلامية، كما لعب الشيخ دردور دوارا مهما في توسيع المعهد الإسلامي وفتح فروع له في كل من بريكة واريس وبقية مناطق الاوراس، حيث كان عدد الطلاب الذكور في نهاية 1965 حوالي 3 آلاف طالب وهو نفس العدد من الطالبات.

وكان الشيخ دردور يسعى مع الجمعيات والبلديات من اجل جمع المعونات و مساعدة الطلبة بالإضافة إلى تشجيعه لعلماء الأزهر الذين يزورون الجزائر وقتذاك للتدريس حيث كان يقوم بضيافتهم في بيته ويتكفل بهم"



*********************************************













رجل الإصلاح الشهيد الشيخ بن فليس التهامي المدعو سي بلقاسم




قرابة نصف قرن من أجل الجزائر …!
ذاكرة الوطن حافلة بالبصمات الخالدة ،و الدماء التي كتبت دفتر الثورة ، ما تزال تحترف الحضور ،و تشحن الأنفاس و الخطوات بالنبض و الاعتزاز.*

قد تندثر البصمات، وتفيض الدماء على أرصفة التاريخ ،و لكن الذاكرة مرغمة على البوح و إفشاء أسماء أولئك الذين نسجوا حلم المستقبل و أعطوا للجزائر موعدا جديدا للفرح.
من هذه الأسماء، وهي كثيرة عبر الرقعة الواسعة لجزائرنا العزيزة عبر تاريخ الجزائر العظيم و الطويل ، رجل اقترن ذكره بإنجازات وطنية وعلمية تحققت على أرض الجزائر، منذ مطلع هذا القرن حتى التحق بقوافل الشهداء، فكان رمزا من رموز التضحية و الشموخ.
ذلك هو رجل الإصلاح التهامي بن فليس المدعو سي بلقاسم، والمولود في 14 جوان 1900بأولاد شليح وادي الشعبة إحدى قلاع الثورة التحريرية بالأوراس الأشم.
كانت البداية بالقرآن الكريم حيث قضى عدة سنوات بكتاتيب القرية لحفظ القرآن واستطاع ان يحفظه مما أهله بعد ذلك إلى الالتحاق بمدينة سيدي عقبة استكمالا للعلوم و المعارف الإسلامية المختلفة .
وقد مكث بها مدة من عمره، كانت بالنسبة إليه فرصة للإطلاع و نيل العلوم و المعرفة و الثقافة، والتزويد بخلفية معرفية تشحذه للمراحل القادمة.
بعد الحرب العالمية الأولى وبسبب إجبارية الخدمة الوطنية المفروضة على الجزائريين تم تجنيده مع من ينتمون لدفعته و هكذا أرسل عدد كبير منهم لسوريا سنة 1920م-1921م لأداء الخدمة العسكرية علما أن سوريا وضعتها عصبة الأمم بتاريخ 24/04/1920 تحت إدارة فرنسا بعد أن تم فصلها عن الحكم العثماني و ذلك إلى غاية استقلالها في سبتمبر 1941م.
إن أداءه للخدمة العسكرية بسوريا سمح له بالتعرف على هذا البلد و زيارة عدد من مدنه كحلب و اللاذقية و دمشق العاصمة و التردد على مسجد الأمويين بدمشق و الاستفادة من بعض الدروس فيه على حد ما كان يرويه لأهله و أحبابه، ومن بين من كانوا معه في هذا التجنيد من سكان باتنة المرحوم الساسي مغربي و المرحوم معاوي محمد، كما كان معه كذلك الشيخ عوفي سي أحمد بن عثمان من قرية تامزريت بأولاد سلطان.
كما التحق سنة 1922م بقسنطينة لفترة لتتبع الدروس التي كان يلقيها العلامة الغمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله.
و بعد المدة التي قضاها بقسنطينة شد الرحال إلى جامع الزيتونة بتونس سنة 1924م بحثا عن المزيد من التحصيل على أيدي علماء أجلاء و أدباء نبغاء من بينهم الشيخ الطاهر بن عاشور و الشيخ محمد النخلي .و جدير بالذكر أن من بين زملائه في الدراسة بجامع الزيتونة الشيخ سي عيسى مرزوقي الذي مارس الغمامة بنقاوس ول عمره و هو من عرش أولاد سلطان و كذلك الشيخ العوفي سي أحمد بن عثمان المذكور آنفا الذي مارس هو الآخر الإمامة بمدينة عين التوتة إلى أن وافته المنية و هو كذلك من عرش أولاد سلطان ، و أيضا أن من بين زملائه في الدراسة الشيخ روابح سي الطاهر بن سي عبد الرحمن من عرش أولاد شليح و الذي مارس الإمامة بشتمة “بسكرة” ثم بباتنة وأيضا الحاج سي إبراهيم بن عبيد والد الحاج بن عبيد سي مسعود المسؤول الولائي لمنظمة المجاهدين بالأوراس.
و قد فتحت له السنوات التي قضاها بتونس رفقة مشايخ العلم ، الأبواب التي أغنت تجربته بمختلف العلوم و الآداب و مكنته من الاقتراب و معاشرة الحركة الوطنية المتأججة آنذاك في أوساط الأدباء الشباب ، و بذلك تكونت لديه صورة واضحة عن الاستعمار الغاشم و الظالم ،و أصبح يشعر أكثر من ذي قبل بوطأة الاحتلال وآثاره المدمرة على أبناء الجزائر.
العودة إلى الوطن كانت فاتحة للعديد من المشاريع و الإسهامات العلمية حيث أصبح التهامي بن فليس عضوا في الجمعية الدينية للمسجد العتيق، و هو إحدى منارات العلم بباتنة آنذاك ،و شارك مع إخوانه من خلال هذه المنارة في تغذية العقول و إيقاظ الوعي في الضمائر و القلوب.
و لم يبرح أن انظم إلى صفوف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في أواخر الثلاثينيات مع مجموعة من الغيورين على الوطن و الدين بناحية باتنة و على رأسهم الشيخ سي الطاهر مسعودان الحركاتي رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين آنذاك والشيo الحاج سي الطيب معاشي و الشيخ روابح سي الطاهر و السيد العوبي سي الحنفي و السيد سي المدني خريبت و السيد فاضلي سي الصالح و السيد شرفة سي بلقاسم و الدكتور سي السعيد بن خليل و المحامي غريب سي إبراهيم و آخرين من أفاضل الرجال .
و كان عضوا ناشطا في الجمعية التابعة للمدرسة التي أسستها جمعية العلماء المسلمين بباتنة سنة 1937م تحت إشراف الشيخ فضلاء محمد الحسن بن الشيخ السعيد آبهلول و هو من تلاميذة الشيخ عبد الحميد بن باديس ،و قد كانت هذه المدرسة توجد آنذاك بشارع فيداب حاليا شارع محمد الصالح بن عباس علما أنها كانت آنذاك ملحقة لمدرسة الجمعية بقسنطينة ،إضافة إلى إشراف بن فليس التهامي شخصيا كذلك على مدرسة قرآنية أنشأها بمنزله بماله الخاص ،كانت ملاذا للفقراء و المحتاجين من أبناء الشعب لحفظ القرآن الكريم ، علما بان هذا الكتَّاب القرآني كان يوجد بجوار بيته بممرات «هربيون» التي تسمى حاليا بممرات بن فليس ،و جدير بالذكر ان علماء أجلاء من الجمعية تعاقبوا على التدريس بملحقة مدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بباتنة أمثال الشيخ يكّن محمد الغسيري و الشيخ العربي بن عيسى الملقب بالقمقوم من عرش آيث داود ولاية تيزي وزو و الشاعر الشيخ محمد شبوكي من الشريعة و الشيخ بوتقشيرت السعيد المدعو السعيد البيباني.

تلبية للنداء الصادر عن العلامة القائد الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء ، حضر المرحوم التهامي بن فليس مع الشيخ خير الدين و الشيخ الطاهر مسعودان و الشيخ العوفي سي أحمد بن عثمان و جمع غفير من أعيان و سكان الأوراس المتوافدين من كل أرجاء الناحية للمحاكمة الجائرة التي أقيمت بباتنة للشيخ سي عمر بن دردور الشخصية المحترمة بتاريخ جانفي 1938م بتهمة تحريض الجماهير على العصيان المدني علما أن الشيخ بن باديس تنقل تضامنا خصيصا بهذه المناسبة لباتنة لتتبع المحاكمة بقصر العدالة و المعروف حول هذه القضية أنه قد تم النطق بالبراءة تحت ضغط الجماهير بعد أن قضى المرحوم الشيخ دردور عدة شهور في سجن السلطات الاستعمارية بباتنة.
وبهذا ،كانت الأفكار و المبادئ التي ناضل من أجلها التهامي بن فليس مع النشطاء من أحبته و إخوانه لأبناء الأوراس ، نبراسا مشيعا ،أضاء أمامهم الطريق للجهر بالحرية و الكرامة في الثامن من شمر مايو 1945م ،مما أدى بالسلطات الاستعمارية إلى اعتقاله بسجن باتنة لعدة شهور مع مجموعة من الغيورين على الوطن منهم المرحوم زاوية سي الأخضر التاجر المعروف بباتنة.
ولم تؤثر محنة السجن في عزيمة التهامي بن فليس بل زادته إيمانا بضرورة مواصلة درب الدفع بالتعليم و تشجيعه بإحياء الوطنية في نفوس الجزائريين ، تمهيدًا لمواجهة الاحتلال و استرداد السيادة.
من الناحية الحزبية و السياسية ،انتسب المرحوم بن فليس التهامي المدعو سي بلقاسم بعد الحرب العالمية الثانية إلى حزب البيان الذي كان يرأسه الرئيس الراحل فرحات عباس كما كان عضوا في المجلس البلدي لبلدية باتنة مع عدد من إخوانه و أصدقائه بعنوان تمثيل المسلمين أمثال الدكتور بن خليل سي السعيد و الأستاذ غريب سي إبراهيم المحامي و السيد فاضلي سي الصالح التاجر.
و من المشاريع الأولى التي ساهم فيها بعد السجن الذي تبع حوادث الثامن من ماي 1945م الإسهام مع عدد من المواطنين و رجال الإصلاح في تأسيس مدرسة «النشء الجديد» بباتنة نهج قرين بلقاسم «نهج فيداب سابقا» خلفا للمدرسة القديمة المذكورة سابقًا و التي فتحت أبوابها عام 1945م في حفل بهيج تحديا لتعنت الفرنسيين و قد كانت الفرصة سامحة له و لإخوانه في باتنة من أنصار جمعية العلماء لإطعام و إيواء العديد من العلماء الضيوف و المدعوين الوافدين من كل فج لمدينة باتنة بهذه المناسبة ، و تجدر الإشارة إلى أن هذه المدرسة الجديدة مستقلة مستقلَّة في تسييرها عن مدرسة قسنطينة و تعتبر إنجازا عظيما تم بفضل الله و عونه و مساعدة العديد من المتبرعين و المتطوعين و المحسنين .
و في هذه الفترة من تاريخ الرجل ، توثقت علاقاته بأعلام الحركة الوطنية من العلماء الذين كان يكن لهم احتراما و تقديرا كبيرين و في المقدمة هؤلاء العلامة الشيخ البشير الإبراهيمي و العلامة الشيخ العربي التبسي و الشاعران الشيخ محمد العيد آل خليفة و الشيخ محمد الشبوكي رحمهم الله جميعا .
هؤلاء كانوا من أحبته و أكثرهم ترددا على بيته في باتنة ، و قد حملوا له المودة و الحب و الاحترام لما لمسوه فيه من استعداد و لما شاهدوه فيه من روح وطنية و حبه للعلم و العلماء.
و قد احترف التهامي بن فليس لكسب قوته و قوت عياله التجارة عند عودته إلى مدينة باتنة تمثلت في البداية في فتح محل لبيع المواد الغذائية بمتجر كان على مقربة من المسجد العتيق ثم انتقل إلى فتح طاحونة ابتداءً من سنة 1942م بالشارع الذي كان يحمل اسم هربيون بجوار مقر سكناه ثم مقهى ،و المعروفة آنذاك بمقهى بن فليس بالشارع الذي يسمى حاليا شارع الاستقلال و بعد ذلك اشترى ضيعة بالمقاطعة التي تسمى فزديس بضواحي باتنة و قام فيها بممارسة الفلاحة و تربية الماشية و كان ناجحا بفضل الله في كل هذه الأعمال.
و عند اندلاع الثورة المباركة كان التهامي بن فليس من الذين زودوا المجاهدين و الثوّار بالسلاح و المال و الغذاء و الإيواء إذ كانت ضيعته ملجئا للثوار فكان سندصا لجيش التحرير الوني في أصعب الأيام و أشدها ضراوة و قسوة.
هذه التحركات الجديدة للتهامي بن فليس أقلقت المستعمرين و أذنابهم من الخونة فراحوا يضايقونه حتى ألقوا القبض عليه في أوائل سنوات الثورة ،و خيروه بين أمرين : إما أن يوقف نشاطه الوطني و إما أن يلحق به ما لا تحمد عقباه …و لكن إيمان الرجل بحتمية زوال الاستعمار كان أقوى من التهديد فواصل طريقه في النضال و اكتسب محبة إخوانه و ثقة و احترام قادة الثورة في ناحية باتنة.
و في بداية الأسبوع الأول من شهر مارس 1957م انقضت قوات الاحتلال على منزله ليلا بهدف اختطافه و التنكيل بأسرته ، و لكنه واجههم بشجاعة و قوة و إيمان كبير هو و أسرته ،مما اضر جماعة اليد الحمراء هذه إلى إطلاق النار عليه في هذه الليلة المشؤومة ثم الهروب من بعد دون أن يدركوا بأنه لم يصب بطلقاتهم النارية بفضل الله.
هذه الحادثة التي شاعت في ذلك الغد بمدينة باتنة و ضواحيها لما كان لها من وقع لدى المواطنين أزعجت الإدارة الفرنسية كثيرا كما زادت في تشويه صورتها أكثر عند الرأي العام و زادت في سمعة و اعتبار التهامي بن فليس عند إخوته ، فقررت السلطة الاستعمارية الانتقام منه و من أبنائه فأرسلت في التاسع من مارس 1957م فرقة من قوات جيش الاحتلال للقبض عليه مع ابنه الأكبر عمار المدعو الطاهر و اقتيدا إلى مكان مجهول بباتنة في البداية لتدبير كيفية التخلص منهما و تم اغتيال الاثنين على يد الجيش الفرنسي بالمكان المشؤوم المدعو : دار بن يعقوب بمدينة بسكرة الأمر الذي لم تتعرف عليه أسرته إلا بعد الاستقلال على إثر شهادة أحد المعتقلين الذي كان معهم في مكان الاعتقال و الذي نجا من الاغتيال بأعجوبة بقدرة الله و لم يعثر إطلاقا على جثتيهما .
تمت قسمة تركة الشهيد بن فليس من عقارات و منقولات رضائيا بين ورثته « زوجة ، أبناء و بنات و أحفاد « أمام الموثق مصطفى بن عزيز سنة 1983 م بباتنة ،و اتفق الورثة بعد بضع سنوات على بناء مسجد مكان الدار التي كان يسكنها المرحوم و التي كانت تضم كذلك كتّابا قرآنيا بعنوان 26 ممرات بن فليس باتنة ،و ذلك تنفيذا لرغبة كان يحملها المرحوم طول حياته متمثلة في إقامة بيت من بيوت الله.

لقد أنجز هذا المسجد بفضل الله و أطلق عليه اسم «مسجد الحق» سنة 2007/2008 م و قد تم فتحه لإقامة الشعائر الدينية سنة 2009م.
و هكذا انطفأت شمعة من الشموع التي ناضلت عشرات السنين من أجل الوطن و أضافت إلى ذاكرة الون بصمة خالدة ، و زادت صفحة ناصعة إلى دفتر الثورة الجزائرية المباركة.
رحم الله أرواح شهداء الثورة الجزائرية و أسكنهم فسيح جنانه.




———
* العدد 453 من جريدة البصائر.


******************************************























رد مع اقتباس