منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نظرية النقد العربي رؤية قرآنية معاصرة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-11-13, 02:21   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
lakhdarali66
عضو متألق
 
الصورة الرمزية lakhdarali66
 

 

 
الأوسمة
مميزي الأقسام أحسن عضو لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الثالث
« دلالة الالفاظ »



ـ أنواع الدلالة
1 ـ الدلالة الصوتية
2 ـ الدلالة الاجتماعية
3 ـ الدلالة الإيحائية
4 ـ الدلالة الهامشية

________________________________________
( 42 )

________________________________________
( 43 )


أنواع الدلالة
الالفاظ مقترنة بمعانيها ، قد نستوحي منها دلالات معينة لها قيمتها الجمالية تارة ، ومفهومها البنائي تارة أخرى ، ووقعها الموسيقي والصوتي ثالثاً ، تتعرف من خلال هذا المنظور على ما يوحيه كل لفظ من صورة ذهنية تختلف عن سواها شدة وضعفاً ، وتتباين وضوحاً وإبهاماً ، وتدرك به العلة بين استعمال هذا اللفظ دون ذاك إزاء المعنى المحدد له بدقة متناهية ، وهذا السر الدلالي في الألفاظ لا يكون واضحاً ـ في جزء منه ـ بحد ذاته مالم يستعن عليه بدلالة الجملة أو العبارة ، إذ لا يمكن أن يتم التعبير عادة عن الغرض الفني بكلمة مفردة ، ومع هذا الغرض ، فالكلمة الواحدة أو اللفظة المفردة كانت لها دلالتها في أبعاد مختلفة ، أحاول أن أجملها بما يلي : ـ
1 ـ الدلالة الصوتية :
وهي التي تستمد من طبيعة الأصوات نغمها وجرسها (1) فتوحي بوقع موسيقي خاص ، يستنبط من ضم الحروف بعضها إلى البعض الآخر .
2 ـ الدلالة الإجماعية :
وهي الدلالة التي تستقل بها الكلمة عما سواها من فهم معين خاص بها (2) .
فهي دلالة لغوية في حدود العرف العام بما يكون متبادراً إلى الذهن منها عند الإطلاق ، على نحو ما تعارف عليه المجتمع في بيئته الكلامية
____________
(1) إبراهيم أنيس : دلالة الألفاظ : 46 .
(2) المصدر نفسه : 48 .
________________________________________
( 44 )

( التخاطبية أو التفاهمية ) والألسنية ، فهي نتاج فهم مشترك عند الأفراد ، وبذلك تتكون اللغة ، فهي إذن دلالة لغوية .
وقد يطلق عليها اسم الدلالة المركزية التي يسجلها اللغوي في معجمه .
3 ـ الدلالة الإيحائية :
وهي الدلالة التي يوحي بها اللفظ بالأصداء والمؤثرات في النفس فيكون له وقع خاص يسيطر على النفس ، لا يوحيه لفظ يوازيه لغة ، فهو مجال الانفعالات النفسية والتأثر الداخلي للإنسان . وقد أدرك النقاد القدامى حقيقة اللفظ الإيحائي « وإن لم يحددوا للإفصاح عنه عبارة كالتي نستخدمها في عصرنا الحاضر » (1) .
4 ـ الدلالة الهامشية :
وهي الدلالة التي تصاحب اللفظ عند إطلاقه فيكسب دلالة معينة يفيدها كل سامع بحسب تجاربه (2) .
وهذه الدلالة تختلف رصداً بحسب اختلاف الثقافة عند المتلقي ، ويتفاوت فهمها نوعية عند كل مستفيد ، فهي تجري مجرى الفهم الخاص عند كل مفسر للنص الأدبي ، وقد توحي بهذا بما لا يدل عليه ظاهر اللفظ في بقية دلالاته ، وإنما يكشف مدلولها إخضاعاً لطبيعة المؤول في التخصص . فهي ذات علاقة وثيقة بفهم من يستخرجها ، ولكنها لا تخلو من وجه من وجوه الصحة في التفسير .
نلمس كل هذه اللقطات في المباحث التالية .
1 ـ الدلالة الصوتية :
لا شك أن استقلال أية كلمة بحروف معينة بكسبها ذائقة سمعية قد تختلف عن سواها من الكلمات التي تؤدي نفس المعنى بما يجعل كلمة
____________
(1) أحمد أحمد بدوي ، أسس النقد الأدبي عند العرب : 424 .
(2) إبراهيم أنيس ، دلالة الألفاظ : 107 .
________________________________________
( 45 )

دون كلمة ـ وإن اتحدا معنى ـ مؤثرة في النفس ، أما بتكثيف المعنى ، وإما بإقبال العاطفة ، وإما بزيادة التوقع .
فهي حيناً تصك السمع ، وحيناً تهيئ النفس وحيناً آخر تضفي صيغة التاثر : فزعاً من شيء أو توجهاً لشيء ، أو رغبة في شيء ... هذا المناخ الحافل تضفيه الدلالة الصوتية ، ونماذجها في المقل القرآني تتجلى مختارة منه ، وحروف صاحبت بعض الكلمات ، فعاد لهما الوقع الخاص من النفس ، بما لا تعطيه كلمة أخرى ، مقاربة للمعنى ، أو لا تفرغه صيغة مماثلة من التركيب .
وهذا باب متسع بحدود في دلالة ألفاظ المثل الصوتية ، وأثرها في السمع وجلجلتها في الحس ، هدوءاً وإثارة ، وقد يستوعب جملة من ألفاظه في الجرس والنغمة والصدى والإيقاع ، بيد أنني سأحاول عرض أظهرها دلالة من خلال بعض الأمثلة :
أولاً : الكلمة « متشاكسون » في قوله تعالى :
( ضرب الله مثلاً رجلا فيه شركاء متشاكسون ... ) (1) .
تعتبر لغة عن المخاصمة والعناد والجدل في أخذ ورد لا يستقران ، وقد تعطي بعض معناها الكلمة « متخاصمون » ولكن المثل لم يستعملها حفاظاً على الدلالة الصوتية التي جمعت في الكلمة حروف الأسنان والشفة في التاء والشين والسين تعاقبان ، تتخللها الكاف ، فأعطت هذه الحروف مجتمعة نغماً موسيقياً خاصاً حملها أكثر من معنى الخصوصية والجدل والنقاش بما أكسبها من أزيز في الأذن يبلغ السامع إلى أن الخصام قد بلغ درجة الفورة والعنف من جهة ، كما أحاطه بجرس مهموس خاص يؤثر في الحس والوجدان من جهة أخرى .
ثانياً : الكلمة « أوهن » من قوله تعالى :
( وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ... ) (2)
____________
(1) الزمر : 29 .
(2) العنكبوت : 41 .
________________________________________
( 46 )

تعطي معنى الضعف ، وقد تحقق هذا المعنى كلمة « أوهى » ولكن المثل استعملها دون سواها لما يعطيه ضم حروف الحلق وأقصى الحلق على النون من التصاق وانطباق وغنة لا تتأتى بضم الألف المقصورة إليها ، حينئذ تصل الكلمة إلى السمع وهي تحمل لوناً باهتاً مؤكداً بضم هذه النون إلى تلك الحروف لتحدث وقعاً يشعر بالضعف المتناهي لا مجرد الضعف وحده .
ثالثاً : الكلمة ( كل ) من قوله تعالى :
( وهو كلّ على مولاه ... ) (1)
فإنها توحي عادة بمعنى العالة ، ولكن المثل استعملها دون سواها لإضاءة المعنى بما فيها من غلظة وشدة وثقل ، لهذا الصدى الخاص المتولد بأطباق اللسان على اللهاة في ضم الكاف إلى الكلام المشددة . وما ينجم عن ذلك من رنة في النفس ، ووقع على السمع ، من وراء ذلك بأن هذا العبد شؤم لا خير معه وبهيمة لا أمل بإصلاحه ، فهو عالة عادة بل هو « كل » وكفى .
رابعاً : الكلمة « صر » في قوله تعالى :
( كمثل ريح فيها صر ... ) (2)
إنها كلمة لا يسد غيرها مسدها في المعجم بهذه الدلالة الصوتية الخاصة لما تحمله من وقع تصطك به الأسنان ، ويشتد معه اللسان ، فالصاد الصارخة مع الراء المضعفة قد ولدتا جرسا يضفي صيغة الفزع ، وصورة الرهبة ، فلا الدفء يستنزل ، ولا الوقاية تتجمع ، بما يزلزل وقعه كيان الإنسان .
خامساً : « تمسه » في قوله تعالى :
( ولو لم تمسسه نار ... ) (3)
____________
(1) النحل : 76 .
(2) آل عمران : 117 .
(3) النور : 35 .
________________________________________
( 47 )

لها أزيزها الحالم ، وصوتها المهموس ، ونغمها الرقيق ، نتيجة لالتقاء حرفي السين متجاورين بما لا نحققه كلمة أخرى تؤدي نفس المعنى ، ولكنها لا تؤدي هذه الدلالة الصوتية التي وفرتها هذه الكلمة برقة وبساطة .
وكما دلت الالفاظ دلالة صوتية معينة في الاستعمال المثلي في القرآن فكذلك لمسنا لبعض الحروف دلالة صوتية معينة يتعاقبها في سلك بعض الألفاظ حتى عادت ذات وقع خاص على السمع ، وطبيعة مواتية في الحس من خلال ترادفها وتناظرها واحتشادها ، وسنختار منها « الفاء » العاطفة ، نظراً لاختيار المثل لها دون سواها في دلالته الصوتية كما يلي :
أولاً : الفاء في كل من « اختلط » و « أصبح » في قوله تعالى :
( فاختلط به نبات الأرض فاصبح هشيما ... ) (1)
فيها ترتيب وتعقيب يصك السمع في دلالة وقع الأمر دون حائل وبلا فاصل تعبيراً عن الخسران النهائي ، والحرمان المتواصل دفعة واحدة ، وهنا تلتقي الدلالة الصوتية بالدلالة الاجتماعية بما يستفاد من معنى لغوي .
ثانياً : ويتمثل هذا التوالي عطفاً بالفاء دالاً على سرعة الإيقاع ، وعدم الإمهال ، بما يوحيه للسمع وللذهن كلاً غير منفصل بقوله تعالى :
( فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت ... ) (2)
فلا حائل ولا زمن بين الإصابة والاحتراق ، إذ تختفي الحدود الزمنية فما هي إلا لحظات حتى تعود الجنة رميماً بمفاجأة الإصابة وشدة الاحتراق ونفاذ الأمر .
ثالثاً : وما يقال آنفاً يجري تطبيقه على كل من قوله تعالى :
( فاصابه وابل فتركـه صلدا ... ) (3)
وقوله تعالى :
____________
(1) الكهف : 45 .
(2) البقرة : 266 .
(3) البقرة : 264 .
________________________________________
( 48 )

( فان لم يصبها وابل فطل ... (265) ) (1)
فوجود الفاء مكرورة على هذا النمط سواء أكان الحرف عاطفاً أم رابطاً فإن له دخلاً كبيراً في الوقع الموسيقي على الأذن .
رابعاً : ويبلغ هذا الترتيب في التعاقب دورته بقوله تعالى :
( فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه ) (2)
فالتوالي هنا زيادة على جرسه السمعي ليوحي إلى النفس نقطة الانتهاء من حقيقة الأمر حتى عاد واقعاً دون شك مقترناً بالدلالة الإيحائية في كشف تماسك هذه الجماعة وترابطها ، وكذا الزرع في شدة أسره ، وقوة تشابكه .
2 ـ الدلالة الاجتماعية :
تتوافر دلالة الألفاظ الاجتماعية في استعمالها اللغوي في عدة مجالات من المثل القرآني ، ومرجع هذه الدلالة هو التبادر العام في العرف العربي بما يعطي للكلمة من دلالة خاصة بها ، ومراعات هذا العرف ذو أثر مهم في الدلالة المعينة للكلمة ولهذا اعتبر الخطابي ( ت 383 ـ 388 هـ ) إن الكلام إنما يقوم بأشياء ثلاثة « لفظ حاصل ، ومعنى به قائم ، ورباط لهما ناظم . وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة ، حتى لا ترى شيئاً من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه » (3) .
وقد جرى المثل القرآني وهو جزء من القرآن على هذا المجرى فأعطاه أهميته في تخير ألفاظه للدلالة على المعنى المراد ، وسنختار بعض المفردات منه منفردة بنفسها ، أو مضمومة لغيرها ، من أجل تحقيق الفكرة بأصولها .
أولاً : الكلمة « صفوان » من قوله تعالى :
____________
(1) البقرة : 265 .
(2) الفتح : 29 .
(3) الخطابي ، بيان إعجاز القرآن ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن : 24 .










رد مع اقتباس