منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - تحذير العلماء من شرك القبور ليس بدعة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2023-12-01, 07:26   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي تحذير العلماء من شرك القبور ليس بدعة

دعوى: أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يسبقه أحدٌ نبَّه على شرك القبور ..عرض ونقاش


تمهيد:
إنَّ من أعظم ما يُثيره المناوئون تجاهَ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنَّ الشيخَ لم يسبقه أحد من العلماء المُتأخرين قد حذَّر من شرك القبور أو أسماه شركًا، خلا شيخ الإسلام ابن تيمية، وأن العصور المُتأخرة قد تصالحت مع فكرة تعظيم القباب والأضرحة ودعاء غير الله منذ دهور طويلة، ثم يوردون سؤالًا: هل كان المسلمون في ضلال حتى ظهرت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟!
وما سبق أقربُ للمغالطات المنطقية منه إلى البحث العلمي، ففضلًا عن مغالطة تقليد العصور المتأخِّرة دون نظر أو افتراض صحَّة الوضع القديم، ودون تأمل في الظروف والمُسببات واعتبارية قدرة العلماء على التغيير، ففيه أيضًا الوقوع في مغالطة الاستقراء الناقص، فصاحب هذه الشبهة قد سارع في افتراض أن جميع المتأخرين قد تصالحوا مع هذه الأوضاع الشركية، وهذا الفرض ينقصه الاستقراء التام.
بل نحن نقول: إن هذه الفرضية القائلة بأن المتأخرين قد تصالحوا مع شرك القبور هي فرضية لا أساسَ لها من الصحَّة، فلا تزال طائفة من الأمّة بالحقّ ظاهرين، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وهم في كل عصرٍ ومصر لا يخلو منهم زمان، حتى وإن استفحل الباطل في زمن المتأخرين؛ فلا ريب في وجود طائفة كبيرة من العلماء ينكرون ذلك -على تفاوت فيما بينهم-، ويُبيِّنون التوحيد الخالصَ، وينهون الناس عن الممارسات الشركية.
وهذا يشمل أيضًا الحقبة التي سبقت دعوة الشيخ؛ إذ لا يخلو زمان من قائمٍ لله بحجة، والشيخ محمد بن عبد الوهاب كان يعتدّ بمتأخري المذاهب ويحتج بهم على مخالفيه.
ففي رسالته إلى عبد الرحمن السويدي قال: “قلت لهم: أنا أخاصم الحنفيَّ بكلام المتأخِّرين من الحنفيّة والمالكيَّ والشافعيَّ والحنبليَّ كلّ أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم الذين يعتمدون عليهم، فلما أبوا ذلك نقلتُ لهم كلام العلماء من كل مذهب، وذكرتُ ما قالوا بعدما حدثت الدعوة عند القبور والنذر لها، فصرفوا ذلك وتحقَّقوه ولم يزدهم إلا نفورا”([1]).
ويُفهم من ذلك أنَّ الشيخ محمدَ بن عبد الوهاب لا يعتبر التوحيدَ مذهبَ ابن تيمية وحده، بل يتترس بمتأخِّري علماء المذاهب، حتى وإن وُجد عندهم نوع من البدع، فلا يُهدرهم -كما يظن البعض- فضلًا عن أن يُكفِّرهم.
وقبل أن نشرعَ في ذكر السابقين للدعوة نبدأ بالعلماء الثقات الذين عاصروا الشيخ تاريخًا ولم يلتقوا به، ولم يتأثَّروا بالدعوة الوهابية، بل كانوا على منوال السابقين.
أولا: بعض أقوال من عاصروا الدعوة في إنكار شرك القبور:
1- الشاه ولي الله الدهلوي أحمد بن عبد الرحيم الحنفي (1114-1176هـ):
يقول: “كل من ذهب إلى بلدة أجمير، أو إلى قبر سالار مسعود([2]) أو ما ضاهاها لأجل حاجة يطلبها، فإنه آثمٌ إثمًا أكبر من القتل والزنى، ليس مَثَلُه إلا مثل من كان يعبد المصنوعات، أو مثل من كان يدعو اللات والعزى”([3]).
2- محمد بن أحمد السفَّاريني الحنبلي (1114-1188هـ):
يقول رحمه الله: “أما من كان قصده بالزيارة أن يطلبَ حوائجه من الميت، فهذا لا يشك عاقل في قُبحه وتحريمه، إذ الحوائج منوطة لخالقها، فليس إلا الله يقضي حاجة، ومن شكَّ في هذا طغى وتمرد، وأما إذا كان قصده الدعاء عند قبر الميت والتوسل به فليس بمُحرَّم، نعم إنِ اعتقد أن الدعاءَ عند القبور أفضلُ منه في نحو المساجد أو أنه لا يُجاب إلا ثَمَّ كان هذا قبيحًا”([4]).
ثم نقل السفاريني عن ابن تيمية وابن القيم ما يُفيد شركيةَ هذه الممارسات مُحتجًّا بهما؛ ما يدلّ على أنه يوافقهما على ذلك([5]).

3- الشاه إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي (1193-1246هـ) حفيد ولي الله:
يقول: “وقال اللَّه تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف: ٥]، وقد دلت هذه الآية على أن المشركين قد أمعنوا في السفاهة، فقد عدلوا عن اللَّه القادر العليم إلى أناس لا يسمعون دعاءهم، وإن سمعوا ما استجابوا لهم، وهم لا يقدرون على شيء، فظهر من ذلك أن الذين يستغيثون ويظنون أنهم ما أشركوا، فإنهم ما طلبوا منهم قضاء الحاجة، وإنما طلبوا منهم الدعاء، وإن لم يشركوا عن طريق طلب قضاء الحاجة، فإنهم أشركوا عن طريق النداء، فقد ظنوا أنهم يسمعون نداءهم عن بعد، كما يسمعون نداءهم عن قرب”([6]).
4- عبد الله باسودان الكِندي الدوعني الشافعي (1178-1266هـ) شيخ الصوفية:
قال تحت فصل (اعتقادات العامة في الأولياء): “فلما اعتقدوا نفعهم وضرَّهم حلفوا بهم من دون الله، ونذروا لهم من دون الله، واستسقوا بهم من دون الله… ويقع من هؤلاء في زيارة قبور الأولياء كثير من الجهالات، ولا شك أن أهل الجرأة من هؤلاء ممن لا يُبالون بجريمة الكفر يخرجون بذلك من الإسلام، وأما العامة الذين لم يبلغوا هذه الدرجة فهم آثمون، لكنهم لا يخرجون من الإسلام”([7]).
وقال تحت فصل (آداب الزيارة): “… وبمراعاة آداب الزيارة من ترك التمسح بالقبور وعدم الصلاة عند القبر للتبرك، وإن كان عليه مسجد للنهي عن ذلك”([8]).
5– شهاب الدين محمود بن عبد الله الآلوسي الحنفي المفسِّر (1217-1270هـ):
قال عند قوله تعالى: {ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ}: “وفي الآية ما يدل على أنّ صنيع أكثر العوام اليوم من الجؤار إلى غيره تعالى ممن لا يملك لهم -بل ولا لنفسه نفعا ولا ضرا- عند إصابة الضر لهم، وإعراضهم عن دعائه تعالى عند ذلك بالكلية سفهٌ عظيم وضلال جديد، لكنه أشد من الضلال القديم. ومما تقشعر منه الجلود وتصعر له الخدود الكفرة أصحاب الأخدود، فضلًا عن المؤمنين باليوم الموعود أن بعض المتشيِّخين قال لي وأنا صغير: إياك ثم إياك أن تستغيث بالله تعالى إذا خطْبٌ دهاك، فإنّ الله تعالى لا يعجل في إغاثتك ولا يهمّه سوء حالتك، وعليك بالاستغاثة بالأولياء السالفين، فإنهم يعجِّلون في تفريج كربك ويهمّهم سوء ما حلّ بك، فمجّ ذلك سمعي، وهمى دمعي، وسألتُ الله أن يعصمني والمسلمين من أمثال هذا الضلالِ المبين، ولكثير من المتشيِّخين اليوم كلمات مثل ذلك”([9]).
ثانيا: بعض أقوال من سبقوا الدعوة في إنكار شرك القبور:
1- أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي (513هـ):
قال رحمه الله: “لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، وهم عندي كفارٌ بهذه الأوضاع مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى عنه الشرع من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليقها وخطاب الموتى بالألواح وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل لي كذا وكذا، وأخذ التراب تبركا وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال إليها”([10]).
وقال أيضًا: “قد سمعنا منهم أن الدعاء عند حدو الحادي وعند حضور المخدّة مجاب، وذلك أنهم يعتقدون أنه قربة يتقرب بها إلى الله تعالى، قال: وهذا كفر؛ لأن من اعتقد الحرام أو المكروه قربة كان بهذا الاعتقاد كافرًا، قال: والناس بين تحريمه وكراهيته”([11]).
وقال: “لا يخلّق القبور بالخلوق والتزويق والتقبيل لها والطواف بها والتوسل بهم إلى الله، قال: ولا يكفيهم ذلك حتى يقولوا بالسر الذي بينك وبين الله. وأي شيء من الله يسمى سرا بينه وبين خلقه. قال: ويكره استعمال النيران والتبخير بالعود والأبنية الشاهقة الباب، سموا ذلك مشهدا، واستشفوا بالتربة من الأسقام وكتبوا إلى التربة الرقاع ودسوها في الأثقاب، فهذا يقول: جِمالي قد جَرِبت، وهذا يقول: أرضي قد أجدبت، كأنهم يخاطبون حيًّا ويدعون إلها”([12]).
2- إسماعيل بن محمد التيمي الأصبهاني الشافعي قوام السنة (535هــ):
قال رحمه الله مُحرمًا الاستغاثة بغير الله تعالى: “ومن أسمائه الوهاب: يهب العافية، ولا يقدر المخلوق أن يهبها، ويهب القوة ولا يقدر المخلوق أن يهبها، تقول: يا رب هب لي العافية، ولا تسأل مخلوقا ذلك، وإن سألته لم يقدر عليه، وتقول عند ضعفك: يا رب هب لي قوة، والمخلوق لا يقدر على ذلك”([13]).
3- عبد القادر الجيلاني (561هـ):
من وصاياه رحمه الله ما قاله لولده حين استوصاه وهو في مرض الموت: “عليك بتقوى الله وطاعته، ولا تَخَفْ أحدًا ولا ترجه، وَكِلِ الحوائج كلها إلى الله عز وجل، واطلبها منه، ولا تثق بأحد سوى الله عز وجل، ولا تعتمد إلا عليه سبحانه، التوحيد، التوحيد، التوحيد، وجماع الكل التوحيد… كل من يرى الضر والنفع من غير الله تعالى فليس بعبدٍ له، من رأى ذلك منه فهو إلى نار المقت والحجاب، وغدًا في نار جهنم إلا المتقون الموحدون المخلصون”.
وقال أيضًا: “يا من يشكو إلى الخلق مصائبه، إيش ينفعك شكواك إلى الخلق؟! لا ينفعونك ولا يضرونك، وإذا اعتمدت عليهم وأشركت في باب الحق عز وجل يبعدونك، وفي سخطه يوقعونك، وعنه يحجبونك”([14]).
4- السيد أحمد الرفاعي الصوفي (578هـ):
قال رحمه الله في وصاياه: “إذا استعنتم بعباد الله وأوليائه، فلا تشهدوا المعونة والإغاثة منهم، فإن ذلك شرك، ولكن اطلبوا من الله الحوائج بمحبته لهم”([15]).
5- فخر الدين الرازي إمام المتكلمين (606هــ):
يقول رحمه الله تفسير قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ} [يونس: 18]: “ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر، على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله”([16]).
وقال في تفسير: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا} [البقرة: 22]: “ورابعها: أنه متى مات منهم رجل كبير يعتقدون فيه أنه مجاب الدعوة ومقبول الشفاعة عند الله، اتخذوا صنما على صورته يعبدونه، على اعتقاد أن ذلك الإنسان يكون شفيعا لهم يوم القيامة عند الله تعالى، على ما أخبر الله تعالى عنهم بهذه المقالة في قوله: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ}”([17]).
6- أبو شامة المقدسي مجتهد الشافعية (665هـ):
قال رحمه الله: “وبهذه الطرق وأمثالها كان مبادئ ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها، ومن هذا القسم أيضًا ما قد عمّ الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد وسرح مواضع مخصوصة في كل بلد يحكي لهم حاكٍ أنه رأى في منامه بها أحدا ممن اشتهر بالصلاح والولاية، فيفعلون ذلك ويحافظون عليه مع تضييعهم فرائض الله تعالى وسننه ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لهم”([18]).
7- أبو الفداء إسماعيل بن كثير الشافعي المفسِّر (774هـ):
قال رحمه الله معرض كلامه عن قبر السيدة نفيسة: “وإلى الآن قد بالغ العامة في اعتقادهم فيها وفي غيرها كثيرًا جدّا، ولا سيما عوامّ مصر، فإنهم يُطلقون فيها عبارات بشيعة مجازفة تؤدّي إلى الكفر والشرك، وألفاظًا كثيرة ينبغي أن يعرفوا أنه لا تجوز”([19]).
8- شهاب الدين الأذرعي الشافعي (783هــ):
قال رحمه الله: “وأما النذر للمشاهد الذي بُنيت على قبر ولي أو نحوه، فإن قصد به الإيقاد على القبر ولو مع قصد التنوير فلا، وإن قصد به -وهو الغالب من العامة- تعظيم البقعة أو القبر أو التقرب إلى من دُفن فيها أو نُسبت إليه فهذا نذر باطل غير منعقد؛ فإنهم يعتقدون أن لهذه الأماكن خصوصيات لا تُفهم! ويرون أنّ النذر لها مما يدفع البلاء. قال: وحكم الوقف كالنذر فيما ذكرناه”. ووافقه ابن حجر الهيتمي، وقال: “لأن القُرب إنما هي لله تعالى”([20]).
ويُستفاد من كلام الأذرعي وتعليل الهيتمي السابق أن العِلة في التحريم أن هذا الصنيع من القُرب، أي: من العبادة التي لا تصح إلا لله.
9- السعد التفتازاني (792هــ):
قال رحمه الله: “أما عبادة الكواكب فيمكن أنهم اعتقدوا بأنها مؤثرة في عالم العناصر مدبرة لأمور قديمة وشفعاء العباد عند الله، وأما الأصنام فلا خفاء في أن العاقل لا يعتقد فيها شيئا من ذلك، قال الإمام: لهم فيها تأويلات باطلة”.
ثم ذكر وجوها لهذه التأويلات، ثم قال في الوجه الخامس:
“الخامس: أنه لما مات منهم من هو كامل المرتبة عند الله تعالى اتخذوا تمثالًا على صورته وعظّموه تشفعًا إلى الله تعالى وتوسلًا”([21]).
10- أبو زرعة العراقي (826هـ):
قال رحمه الله: “سُئلتُ عمن يزور الصالحين من الموتى فيقول عند قبر الواحد منهم: يا سيدي فلان، أنا أستجير بك أو متوسل بك أن يحصل لي كذا وكذا…”.
فأجاب العراقي بعد أن بيَّن أن زيارة القبور مندوبة: “ولا امتناع في التوسل بالصالحين، فإنه ورد التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبصلحاء أمته وأما قوله: (أنا أطلب منك أن يحصل لي كذا وكذا) فأمرٌ مُنكر، فالطلب إنما هو من الله تعالى، والتوسل إليه بالأعمال الصالحة أو بأصحابها أحياءً وأمواتا”([22]).
فقد فرَّق العراقي بين الاستغاثة أو الطلب من الأولياء وبين التوسل، لما جاءه السؤال مُبهمًا، ولو أنه يعلم أن فيها خلافًا معتبرًا لما نبَّه السائل ولما وصفها بالأمر المُنكر؛ وذلك أن من قواعد الفقهاء المقررة: أن المسألة التي يكون الخلاف فيها قويَّا لا يجوز الإنكار على من فعلها، فضلًا عن وصفها بالمُنكرات.

11- تقيُّ الدين المقريزي الشافعي (845هـ):
قال رحمه الله: “والناس في هذا الباب -أعني: زيارة القبور- على ثلاثة أقسام: قوم يزورون الموتى فيدعون لهم، وهذه هي الزّيارة الشرعيّة. وقوم يزورونهم يدعون بهم، فهؤلاء هم المشركون في الألوهيّة والمحبّة. وقوم يزورونهم فيدعونهم أنفسهم، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد»، وهؤلاء هم المشركون في الربوبيّة. وقد حمى النبيّ صلى الله عليه وسلم جانب التّوحيد أعظم حماية؛ تحقيقًا لقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}”([23]).
وقال أيضًا: “وبالله إنّ الفتنة بهذا المكان([24]) والمكان الآخر من حارة برجوان الذي يعرف بجعفر الصادق لعظيمة، فإنهما صارا كالأنصاب التي كانت تتخذها مشركو العرب، يلجأ إليهما سفهاء العامّة والنساء في أوقات الشدائد، ويُنزلون بهذين الموضعين كربهم وشدائدهم التي لا يُنزلها العبد إلا بالله ربه، ويسألون في هذين الموضعين ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى وحده، من وفاء الدين من غير جهة معينة، وطلب الولد ونحو ذلك، ويحملون النذور من الزيت وغيره إليهما، ظنا أن ذلك ينجيهم من المكاره، ويجلب إليهم المنافع، ولعمري إن هي إلّا كرّة خاسرة، ولله الحمد على السلامة”([25]).
12- ابن حجر العسقلاني (852هـ):
سُئل عن السيدة نفيسة وعن مكان قبرها، فأجاب: “وأما كونها قُبِرَت إلى آخره فهو المشهورُ، لكن ذكَرَ بعضُ أهلِ المعرفة أن خُصوصَ هذا القبر الذي يُزارُ ليس هو قبرها، لكنها دُفِنَتْ في تلك البقعة بالاتفاق، وما زال قبرُها مقصودًا بالزيارة والتبرك به، حتى اشتهر عَنْ نقل بعض العلماء أن المصريين كانوا يُسَمونَ الدعاء عندها الترياقَ المجرَّبَ وقد غلا في ذلك بعضُ العوامِّ، بل كلهم، حتى إن بعضهم يقع في الكفر وهو لا يشعُرُ، واللَّه المستعان”([26]).
ويُستفاد من كلام ابن حجر ما يلي:
– أن الوصف بالغلو في القبور ليس وصفًا مُستهجنًا كما يدَّعي بعض المعاصرين، فإن ابن حجر وصف جميع العوام بالغلو بقوله: (بل كلهم).
– قول ابن حجر: (يقع في الكفر وهو لا يشعر)، ولم يقل: مهما فعلوا لن يقعوا في الكفر، ولم يستصحب “أصل الإسلام” ويجعله مانعًا، نعم قد لا يُكفَّر الجاهل حتى يُعلَّم، ولكن هذا باب آخر غير الحكم على الفِعل نفسه.
13- بدر الدين الأهدل الصوفي الأشعري (855هـ) فقيه الشافعية في اليمن:
قال مُنكرًا على الصوفية المتأخرين: “والاستغاثة بالمشايخ الأموات والأحياء مما أطبق عليه المتأخرون من المتصوّفة، ولم يُنقل عن السلف المتقدمين؛ لمعرفتهم بأنّ الاستغاثة بغير الله تعالى لا تجوز ولا تنفع، قال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا}، وغير ذلك من الآيات. ولم يُنقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أذِن لأحد من الصحابة رضي الله عنهم في الاستغاثة به في شدّةٍ قطّ، وكان حاضرًا يوم أُحد فلم يملك من الأمر شيئًا كما قال الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}، وإنما يُستشفع به إلى الله تعالى في تفريج الكرب وتسهيل الشدائد، وكذا بالصالحين من عباد الله، فاعلم ذلك ولا تتبع جهالات المتأخرين”([27]).









 


رد مع اقتباس