منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التعويض في القانون الدولي الانساني
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-12-28, 10:59   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع للفصل الاول

الفرع الثاني: الأفراد
هناك اتجاه يذهب إلى إنكار إمكانية تمتع الفرد بالشخصية الدولية بأي حال من الأحوال، وفي أي ظرف من الظروف، ويطلق على هذا الاتجاه المدرسة الوضعية، والذي تزعمه عند نشأته كل من الفقيه النمساوي تربيل (Tripel)، والفقيه الإيطالي أنزيلوتي (Anzilotti).
كما يوجد اتجاه ثان يرى أن الفرد هو المخاطب الحقيقي الوحيد بكل قواعد القانون داخليا كان أو دوليا، وإلى أنه في الواقع الشخص القانوني الوحيد المتصور وجوده في أي نظام قانوني. ويطلق على هذا الاتجاه المدرسة الواقعية، ويرجع الفضل الأول في إبرازه والدفاع عنه إلى كل من الفقيهين الفرنسيين ليون دوجي (Léon Duguit) وجورج سل (georges Scelle)، والفقيه اليوناني بوليتيس (Politis) .
وفي هذا الإطار يوجد اتجاه ثالث يرى أن الفرد هو موضوع من موضوعات القانون الدولي، وهذا لأن للأخير عدة موضوعات ينظمها .
نتيجة لهذه الاختلافات الفقهية، فإن موقف الأفراد ضحايا إنتهاكات القانون الدولي الإنساني يكون أكثر تعقيدا، فبينما يوجد اتفاق عام على عدم وجود سبب للحد من الحق في التعويض الذي تشير إليه اتفاقية لاهاي الرابعة (المادة 03)، والبروتوكول الإضافي الأول (المادة 91)، فإن عدة مشكلات قد نشأت عندما حاول هؤلاء الأشخاص إنفاذ الحق في جبر الأضرار أمام المحاكم الوطنية مباشرة.
لقد نظرت محاكم عديد من الدول في دعاوى الأفراد ضحايا انتهاكات قواعد القانون الدولي الإنساني، وقد كانت نتائج تلك القضايا غير متماثلة إلى حد بعيد، حيث نجح القليل منها، مع فشل أغلبها نتيجة لسبب أو أكثر من الأسباب التالية:إعاقة دعاوى الأفراد نتيجة إبرام تسوية سليمة، أو بدعوى الحصانة السيادية، أو الطبيعة غير الذاتية لتنفيذ الحق في جبر الضرر بموجب القانون الدولي.
فعلى سبيل المثال كانت الدعاوى المرفوعة من جانب الأفراد للحصول على تعويض من اليابان نتيجة لانتهاكها قواعد القانون الدولي الإنساني مرفوضة من محاكم اليابان على أساس أن المبلغ الإجمالي المدفوع بموجب معاهدة السلام لعام 1951 قد أحلت اليابان من أية مسؤولية إضافية.
وبالمثل رفضت اليابان والولايات المتحدة الأمريكية هذه الدعاوى، إما على أساس أن الحصانة السيادية تحمي الدولة المدعى عليها من فحص المحاكم الوطنية، أو على أساس أن الأحكام ذات الصلة بمواثيق القانون الدولي الإنساني لا تمنح الأفراد المكانة الضرورية لرفع الدعاوى أمام المحاكم الوطنية مباشرة، فهي ليست ذاتية التنفيذ .
وفي هذا الصدد نشير إلى القرار الصادر عام 1963 من محكمة طوكيو المحلية في قضية شيمودا وآخرين ضد الدولة، حيث قالت بأنه على الرغم من وجود انتهاك للقانون الدولي الإنساني، فإن الأفراد لا يعتبرون موضوعا للحقوق بموجب القانون الدولي إلاّ بقدر الاعتراف بهم على هذا النحو في حالات بعينها – قضايا محاكم التحكيم المختلطة -، وعلى ضوء ذلك قالت المحكمة أنه لم يكن يوجد طريق مفتوح أمام أي فرد عانى من الأذى نتيجة عمل عدائي مضاد للقانون الدولي، وذلك من أجل إدعاء الأضرار على مستوى القانون الدولي. وقد رأت المحكمة أيضا أن اعتبارات الحصانة السيادية منعت المدعين من السعي إلى التعويض أمام المحاكم البلدية في الولايات المتحدة أو اليابان.
لكن وفي نفس الإطار تجب الإشارة إلى أن جميع المحاكم لم تنكر الحق الأساسي للأفراد في التعويض، رغم رفضها لدعاويهم لأسباب مختلفة.
إن هذا القيد نحو التنفيذ المباشر لحق التعويض أمام المحاكم الوطنية، يقابله ما اعتمدته محكمة الاستئناف في ألمانيا سنة 1952، ومحاكم اليونان في قضية ضد ألمانيا سنة 2000، حيث تم تأييد الولاية القضائية، وتم النظر في دعاوى الأفراد.
إذن فرغم هذا القبول لحق الأفراد في طلب التعويض ، فهناك صعوبات أخرى قد يصادفها ضحايا الانتهاكات، وهو الأمر بالنسبة للقضية المرفوعة ضد ألمانيا سنة 2000، فرغم أن المحكمة العليا في اليونان أصدرت حكما غيابيا ضد ألمانيا وقضت بوقوع الأضرار، ولأن القانون اليوناني يوجب وجود إقرار من الحكومة لتنفيذ مثل هذا الحكم عن طريق مصادرة أرصدة دولة أجنبية، فإن الحكومة اليونانية رفضت إعطاء الإقرار الضروري.
بعد ذلك وحينما حاول المدعون تنفيذ هذا الحكم أمام المحاكم الألمانية على أساس وجود اتفاق ثنائي لتنفيذ الأحكام وإقرارها، رفضت المحكمة العليا في ألمانيا الاعتراف بالحكم الصادر في اليونان على أساس أن المحاكم اليونانية ليست ذات اختصاص، وهذا لأن الفعل المرتكب – الاقتصاص من المدنيين أثناء الاحتلال النازي لليونان – كان من الأفعال السيادية، وبالتالي كانت تغطيه الحصانة السيادية.
لقد نظرت المحكمة العليا الألمانية في اتفاق تم إبرامه بين اليونان وألمانيا سنة 1990، والذي يشكل تسوية نهائية لدعاوى جبر الأضرار الناشئة عن الحرب العالمية الثانية، وقد أصدرت حكما لا يمنع الدعاوى القانونية من جانب المواطنين الأفراد، لكنها قررت بأن النظر في هذه الدعاوى يكون طبقا للقانون الدولي كما كان عام 1944، وقد خلصت بأنه ليس للمدعين سبب للدعوى بشأن الأضرار الناتجة عن انتهاك قوانين الحرب من طرف ألمانيا، وهذا لأن القانون الدولي لعام 1944 لم يكن يمد الأفراد بأسباب للدعوى وإنما كان يمنحها للدول على وجه الحصر، وهذا من خلال الحق في الحماية الدبلوماسية .
إلى جانب هذه المحاولات لإنفاذ الحق في التعويض على المستوى الداخلي، لا بد من القول بأن الأفراد قد حققوا نجاحا كبيرا في تأكيد حقوقهم وتنفيذها في مواجهة الدول أمام المنابر الدولية وهذا بالنسبة لانتهاكات القانون الدولي، ولقد كانت هذه المنابر تتخذ عموما شكل لجان مختلطة للدعاوى، وهي عبارة عن محاكم تحكيم خاصة تأسست عن طريق معاهدة، يتاح من خلالها للأفراد والمؤسسات فرصة لإقامة دعوى، وتعتبر محكمة إيران –الولايات المتحدة الأمريكية للدعاوى إحدى الأمثلة على لجان الدعاوى المختلطة، وقد كانت ذات اختصاص في دعاوى رعايا الولايات المتحدة ضد إيران، ودعاوى الرعايا الإيرانيين ضد الولايات المتحدة، كما كانت ذات اختصاص في دعاوى الحكومتين ضد بعضهما البعض.
إن لجان الدعاوى المختلطة لم تشر صراحة إلى انتهاكات القانون الدولي الإنساني، لكنها كانت ذات صلة بتعويض الأفراد ضحايا تلك الانتهاكات، ومثال ذلك الدعاوى المتعلقة بالأذى الشخصي والأضرار المترتبة عليه، كالموت عير الشرعي والحرمان من الحرية بما ينتهك القانون الدولي الإنساني، وكذا الدعاوى من أجل الخسائر في الممتلكات، والناجمة عن السلب والنهب أو التدمير غير القانوني للأعيان المدنية.
إن الشيء الجديد هو منح الأفراد وفي بعض الحالات المؤسسات حقوقا إجرائية واسعة أمام هذه الهيئات، حيث يمكن أن يرفع الأفراد الدعاوى مباشرة، وكذا المشاركة بدرجات مختلفة في عملية النظر فيها، فضلا عن الحصول على التعويض مباشرة.
ويختلف الأساس المعتمد عليه من طرف هذه الهيئات في منح التعويض، فعلى لجنة إريتيريا – أثيوبيا أن تتوصل إلى نتيجة بشأن انتهاك القانون الدولي الإنساني، في حين تعتمد بعض الهيئات اختيارا أكثر مرونة، ومثالها لجنة الأمم المتحدة لتعويضات حرب الخليج الثانية ، والتي قامت بمنح تعويضات عن الخسائر الناتجة مباشرة عن الغزو العراقي للكويت، وهذا دون النظر في خرق أحكام القانون الدولي الإنساني.
لقد تم إنشاء لجنة الأمم المتحدة للتعويضات سنة 1991 من طرف مجلس الأمن، وهي هيئة شبه قضائية مكلفة بأن تفصل قضائيا في الدعاوى المرفوعة ضد العراق، وهذا بسبب أية خسارة أو ضرر مباشرين، بما في ذلك الضرر البيئي واستنفاذ الموارد الطبيعية.
أما بالنسبة للمطالبات، فبالإضافة إلى الحكومات والمنظمات الدولية، يحق للأفراد والمؤسسات إقامة دعاوى مباشرة والحصول على تعويض دون إتباع طريق الحماية الدبلوماسية من جانب دولة الجنسية. لكن إذا تحدثنا بشكل أكثر دقة فإن الأفراد لا يتقدمون بدعاويهم مباشرة إلى لجنة الأمم المتحدة للتعويضات، بل يقدمون مطالباتهم إلى دولهم، والتي تقدمها عندئذ إلى اللجنة. ومع ذلك وعلى خلاف ما يحدث في قضايا الحماية الدبلوماسية، فإن الدول لا تناصر دعاوى رعاياها، ولكن تضطلع بدور إداري محض .
على الرغم من أن لجنة التعويضات لا تنظر إذا كانت الخسارة ناتجة عن انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني، فإن كثيرا من الدعاوى التي أسفرت عن منح تعويضات كانت ترتكز بالفعل على انتهاك أحكام هذا القانون، حيث تم التعويض عن الوفاة، التعذيب، الأذى الشخصي، الإضرار بالممتلكات المدنية،...، وهي كلها موضوعات محمية من طرف قواعد القانون الدولي الإنساني.
أما بالنسبة للجنة إريتيريا – إثيوبيا للتظلمات، والتي تأسست بموجب معاهدة السلام لسنة 2000، فقد كانت مختصة بمنح تعويضات عن تظلمات الأفراد والمؤسسات والحكومات في كل من الدولتين والمؤسسة على وقوع ضرر بين الحكومتين، وكذا بين الكيانات الخاصة المرتبطة بالنزاع، والناتجة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني أو غيرها من انتهاكات القانوني الدولي.
إذن ومما سبق يمكن القول أن الأفراد قد نجحوا في تأكيد حقوقهم وتنفيذها أمام المنابر الدولية، وهذا بشأن انتهاكات القانون الدولي الإنساني، رغم الصعوبات التي كانت تظهر في كل حالة من حالات المطالبة.
إذن وبعدما تبين أن حق الأفراد في المطالبة بالتعويض أصبح معترفا به رغم وجود عدة صعوبات، فيمكننا أن نتساءل الآن حول إمكانية تعويض الضحايا من طرف منتهكي قواعد القانون الدولي الإنساني شخصيا.
لقد ترسخ منذ زمن طويل مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني، لكن الدول وحدها كانت من الناحية التقليدية المكلفة بجبر الأضرار، ومع ذلك فقد شهدت السنوات الأخيرة حالات قام فيها الجناة بجبر الأضرار أيضا.
في هذا الإطار يمكن القول بعدم وجود أية وثيقة من مواثيق القانون الدولي الإنساني تتحدث عن مسؤولية الأفراد لتعويض ضحاياهم،لكن يمكن الاستدلال عن هذا الالتزام من الأحكام المتعلقة بمسؤولية الدولة عن انتهاكات القانون الدولي بشكل عام. كما لا يوجد في إطار المحاكمات الوطنية أي شيء يمنع تطبيق حقوق الإنسان، وإجراءات القانون الوطني العادية، مثل مفهوم الطرف المدين.
إن واجب الأفراد في مجال جبر الأضرار قد تناوله النظام الأساسي لثلاث محاكم دولية،وهذا على الرغم من أن أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة لا يشير إلا لرد الحقوق، في نص المادة 24 :"...بالإضافة إلى عقوبة السجن يجوز لدوائر المحاكمة أن تصدر أمرا بإعادة أية ممتلكات أو أموال يكون قد جرى الاستيلاء عليها بواسطة سلوك جنائي بما في ذلك وسائل الإكراه إلى مالكيها الحقيقيين." وأن قواعد الإجراءات تتناول مسألة جبر الأضرار بصورة أكثر عمومية.
إن المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة لا توصي بتقديم تعويض، ووجود مثل هذا الانتصاف لا يزال يعتمد بشكل كامل على أحكام القوانين الوطنية ذات الصلة.
أما بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية لروندا فإن نظامها الأساسي، وكذا لائحة الإجراءات والأدلة تعكس نفس الأحكام في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، كما نجد نفس الشيء بالنسبة للمحكمة الخاصة لسيبراليون،حيث يجوز أن تأمر المحكمة بمصادرة أية ممتلكات أو أموال أو أصول يكون قد جرى اكتسابها بصورة غير قانونية وأن تصدر أمرا بإعادتها إلى مالكها الحقيقي أو إلى دولة سيراليون.
وبالرجوع إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية نجده اعتمد نهجا مغايرا من حيث الأساس، إذ يمنح المحكمة نفسها سلطة إصدار حكم بالتعويض .
وتتناول قواعد الإجراءات والأدلة في المحكمة الجنائية الدولية موضوع جبر الأضرار بالتفصيل، فإلى جانب أشياء أخرى تنص القواعد على أن المجني عليهم من جراء الانتهاكات يمكن أن يتقدموا بطلبات التعويض إلى المحكمة مباشرة، كما تمنح المحكمة سلطة مباشرة إجراءاتها فيما يتعلق بالتعويض بمبادرة منها، وللمحكمة أن تقدر جبر الأضرار فرديا أو جماعيا، آخذة في الحسبان نطاق ومدى أي ضرر أو خسارة أو إصابة .
أما على الصعيد الوطني فتوجد طريقتين يمكن من خلالهما أن يحصل الضحية على تعويض، حيث تتمثل الطريقة الأولى في تأسس الضحية كطرف مدني، وفي هذه الحالة يتوقف منح التعويض على إدانة منتهك قواعد القانون الدولي الإنساني. وتتمثل الطريقة الثانية في تبني تشريعات ملائمة، حيث يمكن أن يرفع الضحايا دعوى مدنية للتعويض ارتكازا على انتهاكات الأعراف ذات الصلة بالقانون الدولي، ومثال ذلك"مرسوم دعاوى الإضرار بالأجانب" لعام 1789، وكذا" مرسوم حماية ضحايا التعذيب" الصادر عام 1991.
إن مرسوم دعاوى الإضرار بالأجانب لعام 1789 يمنح محاكم الولايات المتحدة الأمريكية اختصاصا بالدعاوى المدنية المقامة من جانب رعايا غير رعايا الولايات المتحدة، وهذا بالنسبة للأضرار المرتكبة بما ينتهك القانون الدولي أو المعاهدات المنظمة إليها الولايات المتحدة، كما تمنحهم حق الحكم بالتعويض عن الخسائر التي عانوا منها. أما مرسوم عام 1991 والمتعلق بحماية ضحايا التعذيب فهو يعد أكثر تحديدا ويقتصر على دعاوى التعذيب أو القتل خارج الاختصاص القضائي. ولقد كان هذين المرسومين أساس العديد من القضايا المرتبطة بالنزاعات المسلحة.
لقد تم استحضار المرسومين في الدعوى القضائية المقامة من جانب مجموعة من الرعايا البوسنيين ضد رادوفان كارادزيك من أجل التعويض، وهذا لارتكاب عدة انتهاكات أثناء النزاع في يوغسلافيا السابقة (قتل المدنيين العزل، اغتصاب النساء، تدمير الأعيان المدنية،...). وفي قرار صادر عام 1995 عن محكمة الاستئناف بالولايات المتحدة – كانت تحكم فقط في مسألة الاختصاص القضائي – خلصت إلى أن مرسوم 1789 بشأن دعاوى الإضرار بالأجانب قد منح محاكم الولايات المتحدة اختصاصا قضائيا بالنسبة للدعاوى المرتكزة على الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، وفي شهر أوت من عام 2001 أمرت المحكمة كارادزيك بأن يدفع مبلغ 745 مليون دولار إلى ضحايا الفظائع التي ارتكبها بوصفها أضرار تستحق التعويض والعقاب.
الفرع الثالث: المنظمات الدولية
لقد ثارت مسألة المطالبة بالتعويض بمناسبة مقتل الكونت برنادوت، وسيط الأمم المتحدة أثناء تأديته لوظيفته في فلسطين، وهذا فيما إذا كانت الهيئة تستطيع أن تطالب بالتعويض حكومة إسرائيل إذا ما ثبتت مسؤولية الأخيرة عن ارتكاب الحادث. وفي هذا الصدد فقد أصدرت محكمة العدل الدولي فتواها في هذه المسألة بتاريخ 11 أفريل 1949، وقد جاء فيها:"رغم أن هيئة الأمم المتحدة ليست دولة أو دولة فوق الدول إلاّ أنها شخص دولي، ولها بهذا الوصف الأهلية اللازمة لحفظ حقوقها برفع الدعاوى الدولية على الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الهيئة، وذلك للحصول على تعويض عن الأضرار التي تلحق بها أو تلحق بموظفيها، وأن هيئة الأمم المتحدة حين ترفع هذه الدعاوى لا تستطيع القيام بذلك إلاّ إذا كان أساس دعواها المساس بحق ثابت لها" .
إن هذا الرأي يقرر مبدأ صلاحية المنظمة الدولية لأن تكون طرفا في علاقة المسؤولية الدولية سواء بصفتها مدعية أو مدعى عليها.
إذن ومن خلال هذه السابقة، فإنه يمكننا القول بأن للمنظمة الدولية حق المطالبة بالتعويض في حال وقوع ضرر عليها أو على أحد موظفيها نتيجة خرق إحدى قواعد القانون الدولي الإنساني.
المطلب الثاني: وسائل المطالبة بالتعويض
إن الدول وفي سبيل المطالبة بالتعويض عن الضرر، قد تلجأ إلى الوسائل التي نص عليها القانون الدولي لتسوية المنازعات بالطرق السلمية. وفي هذا الإطار فإن القانون الدولي قد حرم استخدام القوة من أجل تسوية المنازعات.
إذن وبما أن حل المنازعات الدولية يستوجب اللجوء للطرق السلمية لا غير، فإن المطالبة يجب أن تكون بإحدى هذه الطرق أيضا. ونحن نرى هنا وجود وسيلتين للمطالبة بالتعويض؛ الأولى سياسية والثانية قانونية، وللدولة أن تختار الوسيلة التي تراها أجدى من أجل الحصول على التعويض، ما دامت لا تخالف قواعد القانون الدولي. وفي هذا الصدد قد تلجأ الدولة في بادئ الأمر للوسيلة السياسية، ثم تعقبها بالوسيلة القانونية إذا لم تنجح في تحصيل التعويض سياسيا، لكن لها المرور مباشرة للوسيلة القانونية، كما يمكنها استخدام أكثر من وسيلة في وقت واحد.

الفرع الأول: الوسائل السياسية
وهي التي تتم خارج القضاء الدولي، حيث تتسم هذه الوسيلة بالسرعة في حسم النزاع، مع مراعاة مصالح الأطراف. إلى جانب ذلك فإن الحلول المتوصل إليها نابعة من إرادة الأطراف، مما يساعد على تنفيذ القرارات الصادرة عنها.
أولا: المفاوضات
وهو أسلوب قديم يستعمله الطرفان المتنازعان لتسوية خلافاتهما بأنفسهما دون إتاحة الفرصة لتدخل طرف ثالث بينهما، وهي تتسم بالمرونة مع ارتكازها على إرادات الدول، ومثالها المفاوضات بين ألمانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى، والتي انتهت بتوقيع اتفاقية 1922، والمتعلقة بدفع حصة فرنسا من التعويضات في شكل عيني.
ثانيا: الاحتجاج الدبلوماسي
وهو تقدم الدولة المتضررة بطلب رسمي عن طريق مبعوثها الدبلوماسي إلى الدولة المسؤولة، حيث تحتج فيه على تصرفها المخالف لقواعد القانون الدولي.
ثالثا: المساعي الحميدة
في حال فشل المفاوضات أو الاحتجاج الدبلوماسي في تسوية النزاع بين الأطراف، يتم اللجوء إلى هذه الوسيلة، ومثالها اللجوء إلى لجنة تقصي الحقائق، والتي تكمن مهامها في العمل على إعادة احترام أحكام الاتفاقيات والبروتوكول، حيث تعمل على التقريب بين الأطراف المتنازعة حتى يمكن تسوية النزاع بطريقة ودية.
رابعا: الوساطة
وهي الجهود التي يبذلها طرف ثالث بقصد تسوية الخلاف بين الدولتين المتنازعتين، وقد يكون هذا الطرف الثالث إما دولة أو منظمة دولية، حيث بلعب دورا كبيرا من خلال اشتراكه الفعلي في التسوية، وهذا باقتراحه الحلول الملائمة لحل النزاع. ومع ذلك فالدولة المتنازعة تبقى حرة في قبول الوساطة أو رفضها.
ومثال هذه الوسيلة، اتفاقية الإطار العام للسلام في البوسنة والهرسك (اتفاقية دايتون للسلام)، والتي أبرمت بين كرواتيا والبوسنة والهرسك وجمهورية يوغسلافيا الاتحادية في دايتون في نوفمبر 1995، والتي كان هولبورك هو الوسيط الرئيسي فيها. وقد تناولت هذه الاتفاقية صراحة مأزق المدنيين الذين عانوا نتيجة الأعمال العدائية وتشريعات فترة الحرب، من خسائر واسعة النطاق في حقوق الملكية، وفي هذا الإطار تنص المادة 1 من الملحق السابع للاتفاقية على مايلي: "يحق لجميع اللاجئين والأشخاص النازحين العودة بحرية إلى أوطانهم الأصلية، كما يحق لهم استعادة الممتلكات التي حرموا منها في مجرى العمليات العدائية منذ عام 1991، وتعويضهم عن أي ممتلكات يكون من المستحيل استعادتها"
لقد أنشأ الاتفاق آلية مبتكرة لإعادة الممتلكات العينية، وتتسم هذه الآلية باتساع مداها، وتركز على الخسائر بدلا من التركيز فقط على الممتلكات المأخوذة بما ينتهك القانون الدولي الإنساني.
خامسا: التوفيق
وهو وسيلة من الوسائل السلمية لحل الخلافات، يمارس من قبل لجنة مؤلفة من 3 إلى 5 أعضاء معنيين من قبل الأطراف في النزاع كما هو الحال في لجان التحقيق. وتجب الإشارة إلى أن تقارير اللجنة ليست ملزمة، وقد تتضمن اقتراح حل معين للنزاع، وهنا تبرز الصفة السياسية للجان المصالحة، وعادة ما تنص المعاهدات الدولية على ضرورة اللجوء إلى التوفيق لتصفية المنازعات بطريقة ودية.
والتوفيق وسيلة تمهد الطريق لإجراء قانوني آخر وهو التحكيم. وفي هذا الإطار نذكر أن الأمم المتحدة أرسلت لجان توفيق إلى فلسطين و الكونغو.
سادسا: التحقيق
إن سبب الخلاف القائم بين الدول قد يكون نتيجة عدم وضوح الحقائق، فإذا انكشفت أمكن بسهولة التوصل إلى تسوية النزاع.
وتمارس التحقيق لجنة محايدة بهدف تقصي حقائق النزاع، والتي تعرض فيما بعد على الطرفين المتنازعين أو التحكيم الدولي أو محكمة دولية، مع إمكانية تقديم اقتراحات.
والتحقيق أسلوب اختياري بداية ونهاية، اللّهم إلاّ في حالة النص على وجوب اللجوء إليه في معاهدة دولية. وقد جرى العرف الدولي أن تتكون لجنة التحقيق من خمسة أعضاء، اثنان من كل دولة متنازعة،وعضو واحد من دولة محايدة.
لقد لجأت الأمم المتحدة عدة مرات إلى تكوين لجان محايدة لجمع معلومات حول نزاعات دولية معينة، وهو ما تم مثلا في قضية فلسطين سنة 1947، وكذلك قضية الصحراء الغربية سنة 1975 حين تم تشكيل لجنة تحقيق من ثلاث دول هي: إيران، كوبا، ساحل العاج، حيث كلفت بدراسة الوضعية العامة في إقليم الصحراء الغربية وجمع المعلومات اللازمة.
سابعا: التسوية عن طريق المنظمات الدولية
في القانون الدولي الإنساني وعلى سبيل المثال، تنص المادة 4 من الأحكام الداخلية للمنظمة الدولية للصليب الأحمر،على تلقي هذه الأخيرة الشكاوى المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، ولها أن تلجأ إلى تحريك التحقيق بطلب من أطراف النزاع، كما يمكنها أن تلاحظ بعض الانتهاكات عن طريق المندوبين، ولها أيضا أن ترسل وفدا من اللجنة الدولية للصليب الأحمر بشرط أن يتلقى ضمانات على عدم استغلال مهامه استغلالا سياسيا.
الفرع الثاني: الوسائل القانونية
تتجسد التسوية هنا في رفع المطالبة إلى محكمة مؤقتة أو دائمة، وهذا لكي تصدر حكما ملزما، والأمر يشمل في القانون الدولي التحكيم والقضاء.
أولا: التحكيم
وهو طريق لفض المنازعات عن طريق هيئة ثالثة من اختيار الدول، وهو أسلوب قديم جدا، فالدول المسيحية كانت تلجأ في فض منازعاتها إلى البابا، وفي عام 1907 كرست هذه الوسيلة في اتفاقية لاهاي.
ومن الأمثلة على اللجوء للتحكيم قضية طابا بين إسرائيل (فلسطين المحتلة ) ومصر، والتي انتصرت فيها الأخيرة بعدما استمر التحكيم لمدة 14 عاما.
ومن أمثلة محاكم التحكيم نذكر"اللجان المختلطة للدعاوى "، والتي تتأسس عن طريق المعاهدات، التي عادة ما تكون ثنائية، حيث يتاح من خلالها للأفراد والمؤسسات فرصة استثنائية لإقامة دعاوى ضد الحكومات.
ولقد تأسست منذ نهاية القرن التاسع عشر،عديد من لجان الدعاوى المختلطة، وعادة ما كانت ننشأ بعد الثورات وحالات الاضطراب في النظام العام، التي تتسم بالتدمير وسلب الملكية الخاصة، بما في ذلك نزع الملكية. وقد كانت لتلك اللجان أسس مختلفة للولاية القضائية والتعويض. ورغم عدم إشارة أي منها صراحة إلى انتهاكات القانون الدولي الإنساني، فإنها كانت ذات صلة بمسألة تعويض الأفراد ضحايا تلك الانتهاكات. وفي هذا الإطار وصلت بعض الحالات التي نظرت فيها إلى النزاعات المسلحة غير الدولية، والتي حدث فيها انتهاك القانون الدولي الإنساني.
وفي هذا السياق تعتبر محكمة إيران – الولايات المتحدة للدعاوى إحدى الأمثلة الأخيرة بشأن لجان الدعاوى المختلطة، وقد تأسست بموجب سلسلة من المعاهدات تحت ما يسمى اتفاقيات الجزائر، والتي أبرمت بين إيران والولايات المتحدة سنة 1981. ولقد كانت مختصة بدعاوى رعايا الدولتين، والتي تتعلق بنزع الملكية أو غيرها من التدابير التي تؤثر في حقوق الملكية.
ثانيا: القضاء
نظرا لأن جميع الدول متساوية في السيادة، فإن المحاكم الداخلية للدول لا يمكنها أن تحكم على أفعال دول أخرى. ولقد كانت المحاكم الوطنية كارهة تقليديا للانحراف عن هذا المبدأ، حتى في الحالات المرتبطة بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني.
إن هذا النهج التقييدي نحو التنفيذ المباشر لحق التعويض أمام المحاكم الوطنية يجب أن يقابل مع ذلك النهج الذي اعتمدته محكمة الاستئناف في ألمانيا سنة 1952، ومحاكم اليونان سنة 2000، حيث تأيدت الولاية القضائية، وتم النظر في دعاوى الأفراد.
أما بالنسبة للقضاء الدولي،فإن الأمر قد تطور بشكل ملحوظ ابتداء من إنشاء المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة و انتهاء بإنشاء المحكمة الجنائي الدولية الدائمة، وفي هذا الصدد فإن المادة 75 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة تنص على ما يلي:
1- تضع المحكمة مبادئ فيما يتعلق بجبر الأضرار التي تلحق بالمجني عليهم أو فيما يخصهم،بما في ذلك رد الحقوق والتعويض ورد الاعتبار. وعلى هذا الأساس يجوز للمحكمة أن تحدد في حكمها، عند الطلب أو بمبادرة منها في الظروف الاستثنائية، نطاق ومدى أي ضرر أو خسارة أو أذى يلحق بالمجني عليهم أو فيما يخصهم، وأن تبين المبادئ التي تصرفت على أساسها.
2- للمحكمة أن تصدر أمرا مباشرا ضد شخص مدان تحدد فيه أشكالا ملائمة من أشكال جبر أضرار المجني عليهم، أو فيما يخصهم، بما في ذلك رد الحقوق والتعويض ورد الاعتبار. وللمحكمة أن تأمر حيثما كان مناسبا، بتنفيذ قرار الجبر عن طريق الصندوق الإستئماني المنصوص عليه في المادة 79...."
من هذه المادة يمكن القول بأن نظام روما الأساسي قد تضمن أسس تعويض المجني عليهم من الناحية المالية و القانونية والمعنوية.
والمجني عليهم هم الأشخاص الطبيعيون الذين أصابهم ضرر نتيجة لارتكاب الجريمة، والمنظمات أو المؤسسات المخصّصة للتعليم أو الدين أو الفن أو العلم أو الأعمال الخيرية التي يصيب الضرر ممتلكاتها بما فيها من آثار تاريخية، ومستشفيات، وغيرها من الأماكن والأشياء ذات الأغراض الإنسانية.
لكن لا يمكن تصور تطبيق هذه المادة من طرف المحكمة دون وجود مطالبة، سواءً من الدولة التي تضرر رعاياها تطبيقا لمبدأ الحماية الدبلوماسية ، أو من الأفراد المتضررين أنفسهم ، حيث عن طريق المطالبة يمكن تنوير المحكمة بالنسبة لقيمة التعويض التي بإمكانها جبر الضرر ، وكذا الأشياء التي تم سلبها و نهبها و المطالب بردها . وفي هذا الصدد تنص قواعد الإجراءات والأدلة في المحكمة الجنائية الدولية على إمكانية تقدم المجني عليهم بطلبات التعويض إلى المحكمة مباشرة.
إذن ومما سبق ذكره يمكننا القول بان نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، قد أسس لإمكانية المطالبة
بالتعويض عن طريق القضاء الدولي.
وفي هذا الصدد، فإن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة قد أشار إلى إمكانية المطالبة بالتعويض قضائيا،وهذا ما يمكن أن نستشفه من نص المادة 24(3) من هذا النظام، والتي تعطي للمحكمة إصدار أمر بإعادة أية ممتلكات أو أموال يكون جرى الاستيلاء عليها بواسطة سلوك جنائي، بما في ذلك وسائل الإكراه إلى مالكيها الحقيقيين.
إن وضع هذه المادة موضع التنفيذ يتطلب تحديد الممتلكات و الأموال التي تم الاستيلاء عليها، وهذا لا يمكن تحقيقه دون وجود مطالبة قضائية.
إن نفس النتيجة يمكن التوصل إليها بالنسبة للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لروندا، وهذا لتشابه هذا النظام مع نظام يوغسلافيا.
في نهاية هذا الفصل الأول يمكننا أن نتوصل إلى نتيجة مفادها أن للتعويض صفة إلزامية وليس اختيارية، وكذا إرضائية وليس عقابية. وأن هذا الالتزام بالتعويض يمكن أن يأخذ شكلا واحدا من الأشكال المختلفة للتعويض أو يأخذ شكلين اثنين أو الأشكال جميعها، وهذا حسب حالات النزاع وكذا جسامة الأضرار الحاصلة وأنواعها.
أما بالنسبة لأشخاص التعويض، فإننا توصلنا إلى أن للدولة كل الحق في المطالبة باعتبارها الشخص الأصيل للقانون الدولي، أما الفرد فإننا لم نجد سببا للحد من حقه في طلب التعويض والذي تشير إليه اتفاقية لاهاي الرابعة ( المادة 3 )، وكذا البروتوكول الإضافي الأول (المادة 91 ). وهو نفس الأمر بالنسبة للمنظمات الدولية، حيث توصلنا إلى أن لها الحق في المطالبة بالتعويض في حال وقوع ضرر عليها أو على أحد موظفيها.
وأخيرا وبالنسبة لوسائل المطالبة بالتعويض فإننا توصلنا للقول بوجود وسيلتين اثنتين هما الوسيلة السياسية والوسيلة القانونية.










رد مع اقتباس