منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التعويض في القانون الدولي الانساني
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-12-28, 10:58   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الأول

الفصل الأول : العناصر القانونية للتعويض
من خلال هذا الفصل الأول سنقوم بدراسة موضوع التعويض، وهذا من خلال تبيان جوانبه القانونية، حيث سنحاول في المبحث الأول تعريف التعويض وكذا تبيان طبيعته القانونية، وبالتالي معرفة مدى وجوبه عند خرق إحدى قواعد القانون الدولي الإنساني، وكذا معرفة صفته فهل هي إرضائية أم جزائية. بعد ذلك سنحاول تسليط الضوء على الأشكال المختلفة للتعويض، وهذا من خلال دراسة التعويض العيني وكذا التعويض المالي (بمقابل)، وأخيرا التعويض الإرضائي.
ثم بعد ذلك ومن خلال مبحث ثان سنقوم بدراسة أشخاص التعويض، محاولين معرفة مدى إمكانية قيام الفرد والمنظمة بالمطالبة، وهذا بالنظر إلى أن الدولة هي الشخص الأصيل للقانون الدولي. بعدها نعرج إلى مسألة الوسائل المتاحة للمطالبة بالتعويض، فنتطرق للوسائل السياسية منها والقانونية.

المبحث الأول : مفهوم التعويض
من خلال هذا المبحث الأول سنقوم بدراسة موضوع التعويض من عدة جوانب، حيث نتطرق في المطلب الأول لتعريف التعويض لغة واصطلاحا ، وكذا لطبيعته القانونية، ثم نتطرق في مطلب ثان إلى الأشكال المختلفة للتعويض.
المطلب الأول : مضمون التعويض
الفرع الأول : تعريف التعويض لغة واصطلاحا
إن لفظ التعويض مأخوذ من الفعل عوَّض، حيث يقال عوَّض الشيء عن فلان معناه أعطاه عوضا أي بدلا أو خلفا، ويقال أيضا تعوَّض منه أي أخذ العِوَض، واعتاض فلانا أي سأله العِوَض، واعتاض منه أي أخذ العوض . وعوض عليه أي أعطاه بدل الضرر، وجمع عوض هو أعواض . والتعويض هو البدل والخلف في الاستقبال.
أما في الاصطلاح فيعرف التعويض على أنه المال الذي يحكم به على من أوقع ضررا على غيره في نفس أو مال أو شرف . كما يقصد به جبر الضرر الذي لحق المصاب، وهو في ذلك يختلف عن العقوبة التي يقصد بها مجازاة
الجاني على تصرفاته وردع غيره. ولهذه التفرقة أهميتها، حيث يترتب عنها أن التعويض يقدر بقدر الضرر، بينما العقوبة تقدر بخطأ الجاني ودرجة خطورته .
ويقصد به كذلك مضمون التزام يلقى على عاتق دولة في أعقاب حرب بتقديم تعويضات كافية عن الأضرار التي أصابت دولة أخرى أو رعاياها بسبب الحرب، وقد استخدم اللفظ بهذا المعنى في معاهدة فرساي لعام 1919.
كما يقصد بتعويضات الحرب، المبالغ المالية التي يراد بها بالضرورة تعويض الخسائر الناجمة عن الحرب، أو التي حدثت أثناءها والتي يفرضها المنتصر على المهزوم كشرط للعودة إلى حالة السلم.
أما التعويض المرتبط بحق العودة فهو لا يعني ثمن البيت أو المصنع أو الحقل، فالأوطان لا تباع ولا تقدر بثمن، ولا تملَّك بالتقادم مهما طال الزمن، بل هو ما لحق الشعب من خسارة عدم استغلال الموارد ومصادر الحياة طيلة سنوات الشتات، كما أن هذا التعويض لا يضيع بالموت، بل يبقى حقا لنسله من بعده .

الفرع الثاني : الطبيعة القانونية للتعويض في القانون الدولي الإنساني
تنشأ المسؤولية الدولية عند الإخلال بأحد الالتزامات المتواجدة في اتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 أوت 1949، أو في أحد بروتوكولاتها، وهو ما يرتب التزاما بالتعويض أو الإصلاح أو الجبر، وهذا ما أكدت عليه محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية Chorzow factory case سنة 1927، وقد جاء حكمها كالآتي: "إنه من مبادئ القانون الدولي أن انتهاك الدولة لأحد تعهداتها يتضمن التزاما بإصلاح الضرر بطريقة كافية، وأن الالتزام بإصلاح الضرر هو المكمل الضروري للإخلال بتطبيق اتفاقية ما، وذلك دون حاجة للنص عليه في نفس الاتفاقية".وفي قرارها الصادر بتاريخ 13 أيلول 1928 قالت :"إن المحكمة تؤكد وفقا لمبادئ القانون الدولي، لا بل للمفهوم العام للقانون، أن أي خرق للتعهدات يستوجب التعويض". وقد أكد على هذا الالتزام القرار التحكيمي الذي أصدره السيد ماكس هوبر (M.Max Huber)بتاريخ الأول من أيار 1925 في قضية المطالب البريطانية بصدد الأضرار التي حصلت في المنطقة الإسبانية من مراكش، وقد جاء القرار كالآتي: "إن النتيجة التي تؤدي إليها المسؤولية هي الالتزام بمنح تعويض، إذا لم يكن هذا الموجب قد نفذ" .
وفي نفس الإطار، فقد أجمع الفقه الدولي على أن عدم وفاء الدولة بالتزاماتها الدولية يلقي على عاتقها التزاما جديدا يتمثل في إصلاح الضرر الذي حدث .
كما تضمنت جميع المشروعات التأكيد على التزام الدولة بإصلاح الضرر عند إخلالها بالتزاماتها الدولية، ففي هذا الصدد نصت المادة الثالثة من مشروع المسؤولية الدولية الذي قدمته اللجنة الثالثة إلى مؤتمر لاهاي للتقنين سنة 1930 على ما يلي: "المسؤولية الدولية لدولة ما تفرض عليها التزاما بإصلاح الضرر الناتج عن عدم وفائها بالتزامها الدولي"
وقد نصت اتفاقيات جنيف الأربع على المسؤولية الدولية عند مخالفة أحكامها ، وهو نفس الأمر بالنسبة للمادة الأولى من مواد مسؤولية الدول عن الأعمال غير الشرعية دوليا، والتي اعتمدتها لجنة القانون الدولي سنة2001 .
نفس الشيء نجده في المبدأ الثالث و العشرون (23) من مشروع عام 2000، والمتعلق بالمبادئ الأساسية والخطوط المرشدة حول الحق في الانتصاف، وجبر الأضرار لضحايا انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني،حيث تم

النص على وجوب منح تعويض عند حدوث أي ضرر يمكن تقديره اقتصاديا .
إلى جانب تلك النصوص والأحكام، فإن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في 17 جويلية 1998 ، وضع هو الآخر مبادئ فيما يتعلق بتعويض ضحايا انتهاكات القانون الدولي الإنساني، ففي هذا الصدد تنص المادة 75 من هذا النظام على الآتي:"...للمحكمة أن تصدر أمرا مباشرا ضد شخص مدان تحدد فيه أشكالا ملائمة من أشكال جبر أضرار المجني عليهم، أو فيما يخصهم، بما في ذلك رد الحقوق والتعويض ورد الاعتبار، وللمحكمة أن تأمر حيثما كان مناسبا بتنفيذ قرار الجبر عن طريق الصندوق الإستئماني المنصوص عليه في المادة 79..."
إذن ومن جميع النصوص و الأحكام المشار إليها سالفا يمكن القول بأن التعويض عن الضرر الناتج عن انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني هو واجب تلتزم به الدولة المنتهكة، وهو نفس الأمر بالنسبة للفرد الذي يأتي فعلا يعد خرقا لإحدى قواعد هذا القانون.
إلى جانب الطبيعة الملزمة للتعويض عن الضرر، تجب الملاحظة أن ثمة خلافا عنيفا قد ثار في الفقه الدولي حول مدى الصفة الجزائية أو العقابية لهذا التعويض، فذهب بعض الشراح للقول أن التعويض يعد جزاء تأسيسا على أن فكرة الجزاء لا تقف فقط عند حدود الردع أو القسر أو الألم، وإنما أيضا لها جانب إصلاحي، وذهب فريق آخر للقول بعدم الصفة العقابية لإصلاح الضرر" التعويض"، تأسيسا على أن التعويض هو ذو طابع إصلاحي، وهو الأمر الذي يبعده عن جوهر العقاب وهو الألم . وفي نفس الإطار، فإن القضاء الدولي قد أجمع على أن للتعويض صفة إرضائية(تعويضية)،وليست عقابية ، ومن ذلك قرار محكمة التحكيم الدائمة الصادر بتاريخ 6 أيار 1913 في قضية قرطاجة،وقرار لجنة المطالب الألمانية- الأمريكية المختلطة الصادر في أول تشرين الثاني 1923 حول قضية لوزيتانيا (Lusitania) .
المطلب الثاني: الأشكال المختلفة للتعويض
إن التعويض الذي يكون هدفه جبر الضرر الذي ينشأ نتيجة خرق قواعد القانون الدولي الإنساني ليس واحدا، بل هو متعدد، فيمكن أن يأخذ شكل التعويض العيني، أي إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل ارتكاب العمل غير المشروع ، و هي الصورة الأصلية لإصلاح الضرر ، و عند استحالة الأخذ بهذه الصورة يتم اللجوء للتعويض بمقابل أو التعويض المالي ، أما الصورة الأخيرة للتعويض فهي تتمثل في التعويض الإرضائي ( الترضية المناسبة ) .
إنّ الصورة المختلفة للتعويض يمكن استخلاصها من الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية CHorzow factory سنة 1927 ، حيث قضت بأن التعويض يجب أن يتم بشكل عادل ، و أنّ إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الفعل غير المشروع يمكن أن تمثل التعويض العادل في هذه الحالة ، و إن كان ذلك غير ممكن فيمكن اللجوء إلى طريقة بديلة تتمثل في دفع بدل نقدي كتعويض عن الخسائر و الأضرار التي حدثت ، يكون معادلا و مساويا أو أن يتم اللجوء إلى الترضية .
الفرع الأول : التعويض العيني
يقصد بالتعويض العيني إصلاح الضرر برد الدولة المسؤولة الحقوق لأصحابها بموجب التزاماتها الدولية وفقا لقواعد
القانون الدولي ، بحيث يجب أن يمحو بقدر الإمكان كافة الآثار المترتبة عن العمل غير المشروع كما لو لم يرتكب.
وفي هذا الصدد تجب الإشارة إلى وجود اتجاهين دوليين، الاتجاه الأول يتبنى المعنى الفني الدقيق لمصطلح التعويض العيني، حيث يعتبر أن رد الحق عينا يتمثل في إعادة الوضع القائم من قبل، أو الحالة التي كانت موجودة قبل وقوع الفعل غير المشروع،وذلك كي يتسنى إعادة علاقة الطرفين إلى حالتها الأصلية.أما الاتجاه الثاني فيتبنى معنى أكثر اتساعا، حيث يعتبر أنه عبارة عن إقرار أو إعادة إقرار الحالة الموجودة أو التي كانت ستوجد إذا لم يرتكب الفعل غير المشروع.
إذن فالمقصود بالتعويض العيني هو أن تعيد الدولة المسببة للأضرار الأشياء أو الأموال أو المراكز القانونية و الواقعية إلى ما كانت عليه قبل حدوث الضرر والناتج عن انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني.
إن إعادة الحال على ما كان عليه إما أن يكون ماديا أو قانونيا، حيث يقصد برد الحق المادي التزام الدولة المخالفة برد شيء مادي ملموس له وجود حقيقي وكيان ظاهر، ومن صور هذا الرد استرداد أشياء، الإفراج عن أشخاص اعتقلوا بصورة غير قانونية، الانسحاب من أراضي احتلت بطريقة غير مشروعة . أما رد الحق القانوني فيكون عن طريق إلغاء الدولة لجميع القرارات الإدارية والأحكام القضائية التي تشكل مخالفة لأحكام القانون الدولي، وكذلك إلغاء أي نص في اتفاقية يتعارض تنفيذه مع أية معاهدة دولية أبرمتها الدولة، ومثال هذه الصورة إلغاء قرارات ضم الأقاليم التي استولت عليها الدولة خلال فترة الحرب . فقد قام العراق مثلا بإرسال رسالتين إلى كل من رئيس مجلس الأمن الدولي وكذا الأمين العام للأمم المتحدة، تضمنتا قرار مجلس قيادة الثورة رقم 55 المؤرخ في 5 مارس 1991، والذي جاء فيه:"...1- اعتبار كل قرارات مجلس قيادة الثورة الصادرة منذ 2 أوت 1990 التي لها صلة بالكويت لاغية.
2- تلغى جميع القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات والتوجيهات والإجراءات الصادرة بموجب قرارات المجلس المشار إليها في الفقرة الأولى أعلاه، وتلغى الآثار المترتبة عليها كافة.
3- لا يعمل بأي نص يتعارض مع أحكام هذا القرار......"
وفي هذا الإطار، يعتقد الدكتور الدراجي إبراهيم بأن الرد القانوني هو أقرب ما يكون إلى الترضية الأدبية والمعنوية منه إلى الرد العيني . وذلك لأن إلغاء القوانين والقرارات المخالفة لقواعد القانون الدولي لا ترتب أي أثر، وبالتالي فإن إلغاءها إنما هو ذو أثر أدبي ومعنوي أكثر منه أثر مادي ملموس.
إن الرد العيني هو الأصل، لكن قد يتعذر أحيانا تطبيق هذه الصورة لوجود نوع من الاستحالة، والتي قد تكون مادية أو قانونية، فالاستحالة المادية تنشأ من طبيعة الحدث أو محله و تجعل من رد الحق مستحيلا و تتوافر هذه الحالة إما لكون الشيء المراد رده قد تلف أو لكون الأمور ذات الصلة قد حدث فيها تغيير واقعي يجعل الرد المادي لها مستحيلا ، و مثال ذلك تدمير الطائرات المدنية و كذا منازل السكان المدنيين و قتل السكان العزل . أما الاستحالة القانونية فتتحقق عندما يترتب على إعادة الحال إلى ما هو عليه صعوبات قانونية داخلية بالنسبة للدولة المسؤولة ، ففي هذه الحالة يتم إصلاح الضرر بوسيلة أخرى من وسائل إصلاح الضرر . لكن لا يجوز للدولة أن تحتج بتشريعها الوطني لانتهاك أحكام القانون الدولي ، فهذا لا يعتبر من قبيل الاستحالة القانونية .
وفي هذا الإطار نجد أن لجنة القانون الدولي قد تطرقت للرد العيني بموجب المادة 43 ، و وضعت له شروطا تتمثل فيما يلي :
1. أن لا يكون مستحيلا ماديا .
2. أن لا ينطوي على إخلال بالتزام ناشئ عن قاعدة قطعية من قواعد القانون الدولي العام .
3. أن لا يشكل عبئا لا يتناسب البتة مع الفائدة التي ستعود على الدولة المضرورة من اقتضاء الرد عينا بدلا من التعويض المالي.
4. أن لا يهدد بشكل خطير الاستقرار السياسي أو الاستقرار الاقتصادي للدولة التي أتت الفعل غير المشروع دوليا ، على أن لا تتعرض الدولة المضرورة لأخطار مماثلة إذا لم تستوف الرد عينا .
لكن المادة 52 من مشروع قانون مسؤولية الدول أتت باستثناء على الفقرتين 3 و 4 ، فعندما يشكل الفعل غير المشروع دوليا جناية دولية فإن حق الدولة المضرورة في الحصول على الرد العيني لا يخضع للقيود المبينة في الفقرتين الفرعيتين 3 و 4 .
الفرع الثاني: التعويض المالي
و يقصد به قيام الدولة المسؤولة بدفع مبلغ من المال كتعويض عن الأضرار التي نجمت عن أفعالها غير المشروعة و التي ألحقت أضرار بالغير .
إلى جانب هذه الصورة الشائعة و المتمثلة في تقديم التعويض نقدا مقابل الأضرار الحاصلة ، توجد صورة أخرى تتمثل في التعويض غير النقدي ، و مثالها تقديم بضائع أو خدمات.....
إن التعويض النقدي أو المالي قد يكون الصورة الوحيدة للتعويض، وقد يكون تعويضا إضافيا أو مكملا للتعويض العيني الذي تلتزم به الدولة المخالفة لأحكام القانون الدولي الإنساني، وهذا في حالة عدم كفاية الصورة الأخيرة من أجل إصلاح الضرر القائم.
بهذا المفهوم فإن التعويض بمقابل يحقق نفس غرض التعويض العيني ألا وهو جبر الضرر، لكن الاختلاف يكمن في أن التعويض العيني يقتصر أثره فقط على إعادة الحال إلى ما كانت عليه، أما التعويض بمقابل فيهدف إلى إزالة كافة الآثار الناتجة عن الفعل الضار بما في ذلك ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب.
إن التعويض المالي يجب أن يكون كاملا، بمعنى أن المبلغ الذي تدفعه الدولة المسؤولة يجب أن يكون مساويا في القيمة للإعادة العينية، سواء كان التعويض المالي بديلا عن الإعادة العينية أو مكملا لها.
بالنسبة لتقدير قيمة التعويض المالي، فقد أشار الأستاذ Eagleton إلى أن القانون الدولي لا يتضمن قواعد دقيقة لتحديد مقدار التعويض المالي. غير أن القاعدة الواجب إتباعها في هذا الصدد هي إعادة الشيء الذي أصابه ضرر إلى ما كان عليه قبل وقوع هذا الضرر أو دفع قيمته، وفي كلتا الحالتين فإن قيمة التعويض ومقداره يتوقف على الحقائق، وهذا بالنسبة لكل حالة على حدا، مع ضرورة أن يكون التعويض مساويا لقيمة الضرر، حيث لا يحكم بأقل من التعويض المطلوب حتى لا يترتب على ذلك إفقار المضرور، ولا يحكم بأزيد منه حتى لا يترتب على ذلك إثراء المضرور دون سبب مشروع. أما بالنسبة للقواعد القانونية التي تحكم تحديد التعويض فهي قواعد القانون الدولي وليست قواعد القانون الذي يحكم العلاقة بين الدولة التي أحدثت الضرر وبين الفرد الذي أصابه الضرر، وهو ما أوضحته محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية Chorzow factory case. .
ويؤخذ في الاعتبار عند تحديد مقدار التعويض الذي تستحقه الدولة، قيمة الممتلكات والحقوق والمصالح التي يمتلكها مواطنوها والتي أصابها الضرر، وذلك على اعتبار أن الأضرار التي أصابت الرعايا تعتبر كأنها أصابت الدولة التي يحملون جنسيتها.
كما يدخل في التقدير كذلك ما قد يكون قد أصاب الدولة وأمنها من أضرار، وكذلك ما قد تكبدته من نفقات في سبيل الدفاع عن مصالح رعاياها المضارين أو ما ضاع منها من ربح كانت ستحصل عليه.
أما فيما يخص الأضرار التي يغطيها التعويض المالي فهي تشمل الأضرار المادية والمعنوية، سواء كانت هذه الأضرار مباشرة أو غير مباشرة متى كانت قريبة ونتيجة طبيعية للفعل غير المشروع.
ويشمل التعويض المالي الفوائد والكسب الفائت عند الاقتضاء ، ويراد بالكسب الفائت الربح الذي كان سيجنيه المضرور في المستقبل لولا وقوع الفعل الضار، وليس المقصود هنا الخسارة الفعلية التي حدثت بالفعل و لكن الخسارة التي ستحدث مستقبلا نتيجة العمل غير المشروع ، وفي هذا الإطار أكدت المحكمة الدائمة للعدل الدولي في قضية Chorzow factoryعلى إمكانية التعويض عن الكسب الفائت.
كما ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار كذلك الفائدة والتي يراعى في تحديدها الوضع المالي العام الساري و السائد في العالم ، و هو ما أكدته المحكمة الدائمة للعدل الدولي في قضية و يمبلدون .
و تجب الإشارة إلى أنه قد يحدد مقدار التعويض عن طريق الاتفاق بين أطراف النزاع أو بمقتضى معاهدة أو بواسطة التحكيم ومثال ذلك إلزام فرنسا بمقتضى معاهدة فرانكفورت سنة 1871بدفع مبلغ قدره خمسة آلاف مليون فرنك فرنسي لبروسيا في أعقاب الحرب البروسية- الفرنسية.
الفرع الثالث: الترضية (التعويض الإرضائي)
يقصد بها قيام الدولة المسؤولة بعدم إقرار التصرفات الصادرة من موظفيها وسلطاتها، ومن صورها تقديم اعتذار دبلوماسي أو فصل الموظف المسؤول أو تقديمه للمحاكمة......
إن اللجوء للترضية يتم سواء نجم عن الفعل المخالف أضرار مادية أم لا ، حيث لا يجب الربط بين الترضية وعدم تحقق أضرار مادية، لأن الترضية لا تقل أهمية عن الصور الأخرى للتعويض، إن لم تكن تفوقها في بعض الأحيان، فإعلان العراق مثلا عدم مشروعية قرار الضم وإلغائه، و الاعتراف مجددا بوجود وسيادة دولة الكويت يوازي إن لم يكن يفوق في الأهمية سائر التعويضات الأخرى العينية والمالية.
ولابد من الإشارة إلى أن إصلاح الضرر عن طريق الترضية قد يتضمن عدة إجراءات مجتمعة، كأن يتم إلزام الدولة المخالفة بتقديم الاعتذار ومعاقبة مرتكب الفعل الضار، إضافة لتقديم ترضية مالية، ومثال ذلك ما قررته محكمة العدل الدولية الدائمة في قضيةBorchrave بين بلجيكا واسبانيا، حيث رأت أن الطلبات التي تقدمت بها بلجيكا تتماشى مع مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالمسؤولية الدولية .
وقد نص مشروع قانون مسؤولية الدول على الترضية في المادة 45 منه، وقد جاءت كالآتي:
1- يحق للدولة المتضررة أن تحصل من الدولة التي أتت فعلا غير مشروع دوليا على ترضية عن الضرر، لا سيما الضرر الناجم عن ذلك الفعل، إذا كان ذلك ضروريا لتوفير الجبر الكامل، وبقدر هذه الضرورة.
2- يجوز أن تتخذ الترضية واحدة أو أكثر من الصور التالية:
أ- الاعتذار.
ب- التعويض الرمزي.
ج- في حالات الإنتهاك الجسيم لحقوق الدولة المضرورة التعويض المعبر عن جسامة الإنتهاك.
د- في الحالات التي ينجم فيها الفعل غير المشروع دوليا عن انحراف خطير في سلوك موظفين أو عن سلوك إجرامي من قبل موظفين أو أطراف خاصة، مجازاة المسؤولين عن ذلك تأديبيا أو معاقبتهم.
3- لا يبرر حق الدولة المضرورة في الحصول على ترضية التقدم بأي طلبات تنال من كرامة الدولة التي أتت الفعل غير المشروع دوليا.
لكن تجب الإشارة إلى أنه في الجرائم الدولية عموما، وفي جريمة الحرب على التحديد قد تتجنب الدولة المخالفة وترفض تقديم الترضية المناسبة بحجة أن هذا قد يمس بهيبتها وكرامتها، وتعتبر أن الخضوع للجزاءات الدولية هو أهون من تقديم الترضية والمتمثلة في الاعتذار عما فعلت و الإقرار بعدم مشروعيته وتقديم المتسببين به للمحاكمة و المسائلة القانونية .
إذن ومع توقع تمسك الدول بنص الفقرة الثالثة من المادة 45 من مشروع قانون مسؤولية الدولة، جاءت المادة 52 من المشروع وأغلقت هذا الباب، حيث نصت على ما يلي:
عندما يشكل الفعل غير المشروع دوليا الصادر من إحدى الدول جناية دولية... لا يخضع حق الدولة المضرورة في الحصول على الترضية للقيد الوارد في الفقرة الثالثة من المادة 45 .
ومن تطبيقات صورة التعويض الإرضائي، نذكر اعتذار الولايات المتحدة الأمريكية لإيران سنة 1934، وهذا نتيجة لتصرف الشرطة الأمريكية اتجاه أحد موظفي السلك الدبلوماسي الإيراني، أما قضائيا فنذكر قضية كورفو، حيث أصدرت المحكمة حكما لصالح ألبانيا ضد بريطانيا، اعتبرت فيه الدولة الأولى ذلك الحكم ترضية كافية لها، وتنازلت عن التعويض المادي .
وفي الأخير تجب الإشارة أن الالتزام بالتعويض علي شكل من الأشكال السابقة أو بشكلين اثنين أو بجميعها، يكون حسب حالات النزاع وجسامة الأضرار الحاصلة و أنواعها، فقد يكون التعويض عينيا و ماليا، أو عينيا وماليا وإرضائيا... .
المبحث الثاني: أشخاص التعويض ووسائل المطالبة به
من خلال هذا المبحث والذي قسمناه إلى مطلبين، سنقوم بدراسة مسألة الأشخاص التي يمكنها المطالبة بالتعويض، فنتساءل هل يقتصر الأمر على الدولة أم أن للأفراد و المنظمات دور كذلك، ثم ندرس موضوع وسائل المطالبة بالتعويض، و هذا من خلال التطرق للوسائل السياسية و كذا القانونية.
المطلب الأول: أشخاص التعويض
إن الالتزام بجبر الأضرار الناتجة عن انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني، قد ترسخ بموجب الاتفاقيات الدولية الإنسانية، لكن السؤال يبقى مطروحا حول الشخص المؤهل للمطالبة بالتعويض، فهل يقتصر الأمر على الدول فقط أم يمتد هذا الحق ليشمل كيانات أخره؟
إن طرح مثل هاذ السؤال جاء نتيجة الموقف التقليدي للقانون الدولي،والذي كان يرى بأن للدول فقط الشخصية القانونية الدولية لهذا سنرى من خلال هذا المطلب إذا كان لا يزال لهذا الموقف التقليدي تأثير كبير، أم أن الأمر قد تغير، وبالتالي أصبح بإمكان الفرد و المنظمات المطالبة بالتعويض بمفردها.
الفرع الأول: الدول
بالنسبة للأضرار التي تصيب الدول فلا توجد أية مشكلة بالنسبة للمطالبة بالتعويض عنها ذلك أن الدولة هي الشخص الأصيل للقانون الدولي و تستطيع إثارة دعوى المسؤولية أو سلوك أي طريق آخر سواء كان دبلوماسيا، قانونيا أو سياسيا للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بها، سواء كانت هذه الأضرار مادية أو معنوية.
أما بالنسبة للأشخاص الطبيعية أو المعنوية فإن القانون الدولي يقر للدول التي يحمل الشخص جنسيتها الحق في تبني مطالب رعاياها دوليا، و يطلق على هذا التصرف مصطلح الحماية الدبلوماسية و التي يقصد بها قيام الشخص الدولي بحماية رعاياه اتجاه شخص دولي آخر و ذلك لإصلاح ما تعرضوا له من أضرار و بالوسيلة التي يراها مناسبة وفق قواعد القانون الدولي العام.
و في هذا المجال فإن المدعي و المدعى عليه في دعوى المسؤولية الدولية هما الدولة التي يحمل المتضرر جنسيتها باعتبارها مدعية، و الدولة التي ارتكبت الفعل الضار باعتبارها مدعى عليها، أما الفرد فهو موضوع هذه الدعوة، و هذا ما استقر عليه الفقهاء .
و الحماية الدبلوماسية تتناول مختلف الإجراءات التي يقوم بها الشخص الدولي لحماية حقوق رعاياه والحفاظ على مصالحهم، وتنظيم المطالبة بالتعويض إذا ما أصابت هذه الحقوق أية أضرار بسبب تصرف منسوب إلى شخص دولي آخر.
وعادة ما تقوم الدول بإنشاء هيئات أو لجان خاصة تتولى صلاحية حصر الأضرار المختلفة التي أصابت الدولة ورعاياها، وتقوم من ثمة بتبني وتنظيم المطالبة الدولية للتعويض عن هذه الأضرار، ومثال ذلك المرسوم رقم 6 لسنة 1991 الصادر عن أمير دولة الكويت والذي أنشأ الهيئة العامة لتقدير التعويضات.
و السؤال الذي يطرح نفسه في مجال الحماية الدبلوماسية، هو مدى التزام الدولة بتبني مطالبات مواطنيها للتعويض عن الأضرار التي أصابتهم نتيجة خرق قواعد القانون الدولي الإنساني؟.
يذهب الرأي السائد للقول بأن الدولة عندما تمارس الحماية الدبلوماسية فإنها تمارس حقا خاصا بها وخالصا لها، وهو الحق الذي كفله القانون الدولي وأكدته العديد من المحاكم الدولية.
ففي قضية Mavrommatisسنة 1924 بين بريطانيا و اليونان بخصوص عقود الامتياز الممنوحة لـ Mavrommatis في فلسطين قالت محكمة العدل الدولية الدائمة بأنه من المبادئ الرئيسية في القانون الدولي أن كل دولة لها الحق في حماية رعاياها عندما يصابون بأضرار نتيجة لما ترتكبه الدول الأخرى من أعمال تخالف القانون الدولي... و الدولة عندما تتبنى قضية أحد رعاياها، فإنما هي تؤكد في الواقع حقها في أن تضمن في شخص رعاياها الاحترام اللازم لقاعدة القانون الدولي... و إذا حدث أن تقدمت إحدى الدول نيابة عن أحد رعاياها لقضية ما إلى محكمة دولية فإن هذه الدولة تعتبر في نظر المحكمة هي المدعي الوحيد والجهة الوحيدة المطالبة بالتعويض....، وهو ما أكدته أيضا محكمة العدل الدولية في قضية Nottebon سنة 1955، وقضية Barcalona traction سنة 1970.
ونتيجة لما سبق فإن الدولة عندما تتبنى مطالبات رعاياها للتعويض عما أصابهم من ضرر فإنها تمارس حقا لها، وبالتالي تتمتع بسلطة مطلقة في تقدير متى ومدى إمكانية ممارسة هذا الحق، أو حتى عدم ممارسته على الإطلاق وهذا إذا قدرت أن مصلحتها العامة تقتضي ذلك مرجحة إياها على المصلحة الخاصة للأفراد المتضررين .
و السؤال الذي يمكن أن يطرح في مثل هذا المقام هو ما هو الحل إذا رفضت الدولة للاعتبارات السابقة تبني مطالبات رعاياها للتعويض عن الأضرار الواقعة؟
لقد ذهب رأي من الفقه إلى المطالبة بتجاوز النظرة التقليدية في الحماية الدبلوماسية و الدعوة لإلزام الدولة بممارسة الحماية لصالح رعاياها المضرورين ، وهو ما يعرف بنظرية الحماية الواجبة، لأنه لم يعد من المنطقي منح الدولة سلطة تقديرية مطلقة مع ما يترتب على ذلك من احتمال حرمان الأفراد من حقوقهم لا سيما وأن الضرر الذي يصيب الدولة من خلال الضرر الذي أصاب رعاياها يظل ضررا ثانويا مقارنة بما أصاب الأفراد.
وبين هذين الرأيين يوجد رأي ثالث يؤيد منح الدولة سلطة تقديرية في ممارسة حق الحماية بالنسبة لرعاياها المتضررين، حيث أن الحفاظ على مصالح الدولة التي تمثل عموم المواطنين هو أمر يسمو ويفضل على حماية مصلحة الأقلية من المواطنين الذين تضرروا، لكن في الوقت ذاته ولكي لا نهدر مصالح من تضرروا لا بد أن نأخذ بأحد الحلين:
الحل الأول: وجود إمكانية لأن يمارس الإفراد مطالبتهم على الصعيد الدولي بصورة فردية وبمعزل عن تدخل دولتهم وحمايتها، ففي مثل هذه الحالة لن نكون بصدد حالة إنكار للعدالة، وعلى الأفراد مباشرة مطالباتهم بصورة طبيعية.
الحل الثاني: في حال عدم وجود إمكانية لأن يمارس الأفراد مطالباتهم على الصعيد الدولي بصورة فردية فإنه يتعين على دولتهم أن تلزم بتعويضهم عما أصابهم من ضرر بسبب خرق أحكام قواعد القانون الدولي الإنساني، وذلك استنادا إلى قاعدة الغنم بالغرم، حيث أنها قدرت بأن الغنم الذي ستحصل عليه في حالة عدم تبنيها لمطالبات رعاياها هو أكبر من الغرم الذي سيتحقق وسيصيب هؤلاء الرعايا .










رد مع اقتباس