منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الإمام ابن باديس ومواقفه من الاندماج (فترة مُهمة في الصِراع مع المحتل)
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-10-21, 13:41   رقم المشاركة : 81
معلومات العضو
طاهر القلب
مراقب مُنتديـات الأدَب والتّاريـخ
 
الصورة الرمزية طاهر القلب
 

 

 
الأوسمة
وسام أفضل خاطرة المرتبة  الأولى عضو متميّز 
إحصائية العضو










B11 هل تعرفون الوطن و الوطنية؟؟؟

الوطن والوطنية : "الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء"
بقلم : الشيخ عبد الحميد بن باديس - رحمه الله -

بهاتين الجملتين منذ نيف وعشر سنين توجنا جريدة (المنتقد) الشهيدة، وجعلناهما شعارا لها تحمله في رأس كل عدد منها . هذا أيام كانت كلمة الوطن والوطنية كلمة إجرامية لا يستطيع أحد أن ينطق بها، وقليل جدا من يشعر بمعناها . وإن كان ذلك المعنى دفينا في كوامن النفوس ككل غريزة من غرائزها، لاسيما في أمة تنسب إلى العروبة وتدين بالإسلام مثل الأمة الجزائرية ذات التاريخ المجيد . أما اليوم وقد صارت كلمة الوطن والوطنية سهلة على كل لسان وقد يقولها قوم ولا يفقهون معناها، وقد يقولها آخرون بألسنتهم ولا يستطيعون أن ينتسبوا لها في المكتوب من رسمياتهم، ويفزع منها من يتخيلون فيها ما يعرفون في وطنياتهم، وينكرها آخرون زعما منهم أنها ضد إنسانيتهم وعمومياتهم - فكان حقا لقراء (الشهاب) علينا أن نقول لهم كلمة مختصرة نبين بها حقيقة هذه الكلمة وأقسامها وأقسام الناس إزاءها، ومن أي قسم نحن من تلك الأقسام .
من نواميس الخلقة حب الذات للمحافظة على البقاء وفي البقاء عمارة الكون، فكل ما تشعر النفس بالحاجة إليه في بقائها فهو حبيب إليها، فالإنسان من طفولته يحب بيته وأهل بيته لما يرى من حاجته إليهم واستمداد بقائه منهم وما البيت إلا الوطن الصغير . فإذا تقدم شيئا في سنه اتسع أفق حبه وأخذت تتسع بقدر ذلك دائرة وطنه، فإذا دخل ميدان الحياة وعرف الذين يماثلونه في ماضيه وحاضره وما ينظر إليه من مستقبله، ووجد فيهم صورته بلسانه ووجدانه وأخلاقه ونوازعه ومنازعه - شعر نحوهم من الحب بمثل ما كان يشعر به لأهل بيته في طفولته ولما فيه - كما تقدم - من غريزة حب الذات وطلب البقاء، وهؤلاء هم أهل وطنه الكبير، ومحبته لهم في العرف العام هي الوطنية .
فإذا غذي بالعلم الصحيح، شعر بالحب لكل من يجد فيهم صورته الإنسانية وكانت الأرض كلها وطنا له وهذا هو وطنه الأكبر. هذا ترتيب طبيعي لا طفرة فيه ولا معدل عنه، فلا يعرف ولا يحب الوطن الأكبر إلا من عرف واجب الوطن الكبير، ولا يعرف ولا يحب الوطن الكبير إلا من عرف وأحب الوطن الصغير. والناس إزاء هذه الحقيقة أربعة أقسام :
1- قسم لا يعرفون إلا أوطانهم الصغيرة، وهؤلاء هم الأنانيون الذين يعيشون على أممهم كما تعيش الطفيليات على دم غيرها من الحيوان، وهم في الغالب لا يكون منهم خير حتى لأقاربهم وأهل بيتهم .
2- وقسم يعرفون وطنهم الكبير فيعملون في سبيله كل ما يرون فيه خيره ونفعه ولو بإدخال الضرر والشر على الأوطان الأخرى بل يعملون دائما على امتصاص دماء الأمم والتوسع في الملك لا تردهم إلا القوة . وهؤلاء شر وبلاء على غير أممهم بل وعلى أممهم فهم مصيبة البشرية جمعاء .
3- وقسم زعموا أنهم لا يعرفون إلا الوطن الأكبر وأنكروا وطنيات الأمم - كما أنكروا أديانها - وعدوها مفرقة بين البشر . وهؤلاء عاكسوا الطبيعة جملة وما عرفته البشرية منذ آلاف السنين ودلائل الفشل على تجربتهم حيث أجروا تجربتهم لا تكاد تخفى .
4- وقسم اعترف بهذه الوطنيات كلها ونزلها منازلها غير عادية ولا معدو عليها، ورتبها ترتيبها الطبيعي في تدرجها، كل واحدة منها مبنية على ما قبلها ودعامة لا بعدها . وآمن - هذا القسم - بأن الإنسان يجد صورته وخيره وسعادته في بيته ووطنه الصغير وكذلك يجدها في أمته ووطنه الكبير ويجدها في الإنسانية كلها وطنه الأكبر . وهذا الرابع هو الوطنية الإسلامية العادلة . إذ هي التي تحافظ على الأسرة بجميع مكنوناتها وعلى الأمة بجميع مقوماتها وتحترم الإنسانية في جميع أجناسها وأديانها .
فهي تخاطب البشرية كلها في جميع أجناسها بقوله تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } . وتخاطبها في جميع أديانها بقوله تعالى : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } . وتخاطب جميع الأمم والأوطان بقوله تعالى : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } . وبقوله تعالى : { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } . وهذه هي وطنيتنا معشر المسلمين الجزائريين الأفارقة ووطنية كل مسلم صادق في إسلامه ووطنيته . وقد أعلناها يوم قلنا على رأس جريدة (المنتقد) : ( الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء ) وسرنا على مقتضاها إلى اليوم في كل ما قلنا وكتبنا وسنبقى عليها - ككل مسلم جزائري - حتى نلقى الله إن شاء الله .
أشعب الجزائر روحي الفدا … لما فيك من عزة عربية
بنيت على الدين أركانها … فكانت سلاما على البشرية

عبد الحميد بن باديس
الشهاب : ج 7، م 13، ص 304 - 307
غرة رجب 1356هـ- سبتمبر 1937م.









آخر تعديل طاهر القلب 2018-10-21 في 13:42.
رد مع اقتباس