منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - قروض اونساح حلال ام حرام
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-08-07, 15:08   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أم محمد علي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم محمد علي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

في الاستفادة من البنوك بواسطة ديوان تشغيل الشباب

السؤال:
تجري الآن في بلادنا (الجزائر) معاملاتٌ تسمَّى «تشغيل الشباب»: حيث تعطي الحكومة للشباب آلاتٍ للعمل عن طريق البنك، وهؤلاء الشباب يسدِّدون ثمن تلك الآلات بالتقسيط وبزيادةٍ عن سعرها يوم أن قبضوها من البنك الذي دفع ثمنها لبائعي الآلات، لقد وضح لي أنه ربا، لكن نسمع بعض المفتين الفضلاء يفتي بالجواز بناءً على أنه مرابحةٌ!! فهل هذا صحيحٌ؟ مع اعتبار الحاجة (التي يسمِّيها بعضُهم ضرورةً، ولكنَّها في الحقيقة ليست ضرورةً شرعيَّةً)، والمتمثِّلة في عدم توفُّر مناصب العمل لكثيرٍ من الناس، بسبب فوضى التوزيع وعدم التنظيم. فهل هذه الأشياء تبيح هذا الشيء (تشغيل الشباب) كما أباحت الحاجة التأمين على السيَّارات؟ والمعروف أنَّ التأمين يدخل فيه الربا والقمار والغرر والجهالة. أفيدونا أفادكم الله.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنَّ ما يُجريه ديوان تشغيل الشباب من معاملاتٍ لفائدة الشباب عن طريق البنك حيث يحصلون على آلات العمل ويسدِّدونها بالتقسيط بواسطة بيع المرابحة الذي يقوم مقامَ الإقراض الربويِّ الجاري في البنوك الربوية، حيث يَعِدُ البنكُ بأن يشترِيَ البضاعةَ على أن يبيعَها بربحٍ معلومٍ للمشتري الذي يلتزم بشرائها منه بمجرَّد الوعد بالبيع ويسدِّدها له بالتقسيط ضمن آجالٍ محدَّدةٍ، هذا التعامل الذي يرى فيه بعض المفتين الفضلاء إلزاميةَ الوفاء بالوعد بالبيع ويجعلونه في مقام العقد بناءً على ظواهر بعض الآيات القرآنية والسنَّة النبوية، منها: قولُه تعالى: ﴿إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ﴾ [يونس: ٥٥]، وقولُه تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا﴾ [مريم: ٥٤]، وقولُه تعالى: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: ٧٧]، وقولُه تعالى: ﴿وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ [الأحقاف: ١٦]، ومن السنَّة قولُه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»(١)، ولا يخفى أنه ليس في هذه النصوص الشرعيَّة ما يدلُّ على تحريم إخلاف الوعد ولزوم الوفاء به، ذلك لأنَّ الوعد في سورة التوبة إنما المقصود به العهد الذي هو الميثاق والالتزام والنذر على نحو ما بيَّنتْه الآية التي قبلها، وهو خارجٌ عن محلِّ النزاع، كما أنَّ الوعد للمستقبل فلا ينطبق عليه الصدق والكذب كما بيَّنه صاحب الفروق في «الفرق: ٢١٤»: «بين قاعدة الكذب وقاعدة الوعد وما يجب الوفاء به منه وما لا يجب» حيث يقول: «إنَّ المستقبل زمانٌ يقبل الوجود والعدم، ولم يقع فيه بعدُ وجودٌ ولا عدمٌ، فلا يوصف الخبر عند الإطلاق بعدم المطابقة ولا بالمطابقة لأنه لم يقعْ بعدُ ما يقتضي أحدهما، وحيث قلنا: الصدق القول المطابق والكذب القول الذي ليس بمطابقٍ، ظاهرٌ في وقوع وصف المطابقة أو عدمها بالفعل، وذلك مختصٌّ بالحال والماضي، وأمَّا المستقبل فليس فيه إلاَّ قبول المطابقة وعدمها»(٢)، وأمَّا الإخلاف في صفة المنافق في الحديث، فليس فيه دليلٌ على لزوم الوفاء بالوعد، لأنَّ غاية ما يدلُّ عليه هو أنه يُذَمُّ به فيما إذا كان الإخلاف بالوعد على وفق مقتضى حاله، وكان سجيَّةً له وطبعًا، وما كان كذلك فلا يغيب عن بالٍ أنه يحسن الذمُّ بها. فالحاصل أنَّ العلماء أجمعوا على أنَّ من وعد إنسانًا شيئًا ليس بمنهيٍّ عنه فينبغي أن يَفِيَ بوعده، وأنَّ ذلك معدودٌ من مكارم الأخلاق(٣)، لكنَّ الوفاء به -على مذهب الجمهور- غير لازمٍ، وإنما يُستحبُّ له ذلك، فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروهَ كراهةً شديدةً ولكنَّه لا يأثم، وبهذا قال أبو حنيفة ومالكٌ في روايةٍ والشافعيُّ وأحمد وابن حزمٍ وغيرهم(٤).
وإذا تقرَّر عدمُ لزوم الوفاء بالوعد ظهر الفرق بينه وبين العقد، فالعقد هو تطابُقُ إرادتين وارتباطهما على وجه التحقُّق والإنجاز، بينما الوعد هو إبداء الرغبة في تحقيق أمرٍ ما للغير على وجه الإحسان والمعروف، فمن وعد بالوفاء به وهو عاقد العزم على تحقيقه له، لكن حالت الظروف دون ذلك فأخلف فلا حرج عليه، وإنما الحرج والضيق على من عَزْمُه على الإخلاف بالوعد معقودٌ فهو واقعٌ في المكروه ولا يلحقه إثمٌ، ولا يلزمه الوفاء بوعده.
ومن هنا يظهر أنَّ بيع المرابحة الذي يجري في البنوك القائمة على الإلزام بالمواعدة إنما هي طريقةٌ قائمةٌ مقامَ الإقراض الربوي، وخاصَّةً وأنَّ البنك -في كلِّ الأحوال- يضمن الربح، ويشترط على المتعامل معه التأمين على كلِّ الأخطار على حساب المتعامل، وبغضِّ النظر عن ممنوعيَّة التأمين، فإنَّ البنك يجعل لنفسه مأمنًا تعويضيًّا عن أيِّ خسارةٍ قد تنجرُّ عن هذه المعاملة المالية.
وعليه، فإنَّ ديوان تشغيل الشباب إن كان يطمح إلى توفير اليد المهنيَّة وامتصاص البطالة وتقوية الاقتصاد؛ فالواجب عليه أن يسعى إلى توفير مناصب شغلٍ بقروضٍ حسنةٍ خاليةٍ من أيِّ عوائدَ مادِّيَّةٍ، وذلك بإبعاد التدخُّل المفتعل للبنوك التي مدارُ تعامُلها على أكل أموال الناس بالباطل، ولا يهمُّها تشغيل الشباب من تضييعه، وهي لا تزيد الشبابَ العاطل إلاَّ محقًا وفقرًا وتهوينًا. والله المستعان.
ولا يُفَكُّ عن الشباب العاطل ما أُغلق عليه من آفاق العمل بإسعافه بقروضٍ ربويةٍ تتكفَّل الدولة بتسديد فوائدها، إذ المعلوم أنَّ القرض لا يفقد صفة رِبويَّته إذا قام غيرُ المقترض بتسديده، سواءٌ كان المتكفِّلُ بالتسديد شخصًا طبيعيًّا كأحد أقاربه أو شخصًا معنويًّا اعتباريًّا كإحدى الهيئات الإدارية أو المؤسَّسات الحكومية، لأنَّ الزيادة الربوية اشتُرِطَتْ عند عقد القرض، فهي تندرج ضمن قاعدة «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا» بغضِّ النظر عن مسدِّده.
هذا، وعلى المسلم أن يحذر الربا في معاملاته ويتجنَّبَ اختلاطَه بأمواله ويعملَ على دفعِه أو رفعِه متى عَلِمَ به في حدود الطاقة والإمكان، ذلك لأنَّ أَكْل الربا والتعاملَ به وتعاطيَه من الموبِقات العظام، يضعُ صاحبَه في موقفِ محاربة الله ورسوله، الأمرُ الذي يوجِب من الله عقوبتَه في الدنيا بإتلاف المال ومحقِ البركة وعقوبةً في الآخرة هي أشدُّ وأبقى، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٨-٢٧٩]، فما ظهر الزنا والربا في قومٍ إلاَّ استفحلت فيهم الأمراض المستعصية وظهر فيهم الفقر وظلمُ السلطان، والله المستعان.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٥ جمادى الأولى١٤٢٧ﻫ
الموافـق ﻟ: ٢١ جوان ٢٠٠٦م
(١) أخرجه البخاري في «الإيمان» (٣٣)، ومسلم في «الإيمان» (٥٩)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٢) «الفروق» للقرافي (٤/ ٢٣).

(٣) «الأذكار» للنووي (٢٧٠).

(٤) «المحلَّى» لابن حزم (٨/ ٢٨)، «الفروق» للقرافي (٤/ ٢٤).

https://www.ferkous.com/home/?q=fatwa-467









رد مع اقتباس