منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ
عرض مشاركة واحدة
قديم 2021-02-09, 05:44   رقم المشاركة : 177
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2

اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

لقد وردت مفردة "البر" في السياق القرآني

حسب المعاني التالية:

1- بمعنى المنهج الديني، والعقيدة الربانية، والقوانين التشريعيَّة

وذلك مثل: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ

وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]

ففي هذه الآية - مثلاً - قال ابن عباس - رضي الله عنه -:

"نزلت هذه الآية في يهود أهل المدينة

كان الرجل منهم يقول لصهره، ولذوي قرابته

ولمن بينه وبينهم رضاع من المسلمين:

اثبُتْ على الدِّين الذي أنت عليه وما يأمرك به هذا الرجل

- يعنون به محمدًا، صلَّى الله عليه وسلَّم -

فإن أمره حقٌّ، وكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه


انظر السيوطي: "الدر المنثور بالتفسير بالمأثور".

2- بمعنى الصفة الفاضلة التي يتحلَّى بها الكائن المطيع لربِّه

المبادر للاستجابة لأوامره وزواجره، وذلك مثل:

﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ [مريم: 14]

﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ

مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8]

﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ

فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا

وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193]

﴿ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [عبس: 16].

3- بمعنى صفة كريمة من صفات الله - جلَّ جلاله -

واسم من أسمائه – سبحانه - وقد وردت مرة واحدة:

﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور: 28].

يمكننا - بعد كلِّ هذا -


أن نستخرج ثلاثةَ معاني من دلالة مفردة "البر" كما وردت في القرآن:

1- العطاء: فالإنسان البارُّ هو الذي يُعطي ولا يأخذ

﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور: 28].

2- المبادرة: فالإنسان البار هو المبادر إلى الطاعة والمسارع

إلى الاستجابة للمنهج الرباني؛ ﴿ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [عبس: 16].

3- الاستعلاء: فالإنسان البار هو المعتزُّ بمنهجه الربانيِّ في الحياة

ومن ثَم يستعلي على مناهج الجاهلية أتتْ من حيث أتت

﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ

فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا

وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193].


وإلى هنا نحصل على النتيجة التالية:

العطاء، المبادرة، الاستعلاء: هي أسس مفهوم البر

في القاموس الاصطلاحي القرآني.

إذن؛ خلاصة المعاني التي يضمرها "مفهوم البر"

سواء في بِنْيَته اللغويَّة، أو في اصطلاحه القرآني

عشرة معاني يؤدي بعضها إلى بعض

وينتج بعضها بعضًا: القوَّة، الإخلاص، الإتقان، الجمال

الاستقامة، الثبات، الارتقاء، العطاء

المبادرة، الاستعلاء، والله أعلم.

ومعنى قولي: إنَّ بعضها ينتج بعضًا

فلأنَّك لا تكون مخلصًا حتى تكون قويًّا،

ولا تكون متقنًا حتى تكون مخلصًا

ولا تكون جميلاً حتى تكون متقنًا

ولا تكون مستقيمًا حتى تكون جميلاً

ولا تكون ثابتًا حتى تكون مستقيمًا

ولا تكون مرتقيًا حتى تكون ثابتًا

ولا تكون مِعطاءً حتى تكون مرتقيًا

ولا تكون مبادرًا حتى تكون معطاءً

ولا تكون مستعليًا حتى تكون مبادرًا.

حقيقة ونتائج مفهوم "البر":

وإذا أردنا تفعيل هذه المعاني التي تُشير إليها دلالات مفردة "البر"

- سواءٌ من حيث اللغة أم من حيث رمزيتها القرآنيَّة -

في محاولة فهم دلالاتها وإشاراتها

وكذا معانيها ومضامينها، سنجدها ترسم لنا

صورةً مكتملةَ الأجزاء، واضحةَ المعالم حول حقيقة

هذا الدِّين الذي أنزله الله - تعالى -

على محمَّد بن عبدالله القُرَشيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -

ورسالته الكبيرة في الحياة.

إنَّ أوَّل حقيقة يجب أن تُرسَّخ معانيها في ضمير المتلقي:

هي أنَّ هذا الدين لا يؤخذ أجزاءً وتفاريقًا

ولا يمكن أن يمارس في واقع النفس أو واقع التاريخ

بفاعليَّات شكليَّة ومظاهر سطحيَّة

لا تنطوي على إحساس عميق بجماليَّة هذا الدين

وإنما تنبني على رؤية كليَّة لمنهج هذا الدين ومهمَّته في الحياة

تلك حقيقة تبدو لي واضحة بيِّنة

لكلِّ مَن تأمل في منظومة هذا الدين

وعلاقته بحياة الإنسان في هذا الوجود.

إنَّ هذا الدين لا يمكن للإنسان أن يُفعِّل مضامينه في الواقع

- سواء الواقع النفسي والواقع التاريخي -

إلاَّ إذا أخذه بكلِّ قوَّة، وإخلاص، وإتقان، وجمال

واستقامة، وثبات، وارتقاء

ومن ثَمَّ تكون النتيجة الضرورية هي:

"العطاء، والمبادرة، والاستعلاء"


ومعنى هذا الكلام أنَّ الإنسان المسلم مطالب أن يكون:

1- قويًّا في ممارسة تعاليم هذا الدين

سواء في واقعه النفسي أو واقعه التاريخي

ولا يخشى شيئًا وهو يمارس تلك التعاليم

قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:

((المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف))


أخرجه مسلم (2664) مطولاً.

2- مخلصًا في تفعيل حقائق هذا الدين

سواءٌ في واقعه النفسي أو واقعه التاريخي

وألاَّ يشوبَ تفعيلَ تلك الحقائق بشيء من مفسدات العمل

بحسب ما تقتضيه قوانين الشريعة

قوله تعالى في الحديث القدسي:

((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً

أشرك فيه معي غيري تركته وشركه))


رواه مسلم (2985).

3- مُتقِنًا لفاعليَّته في ممارسة تعاليم الشريعة

بحيث تكون ممارسته لتلك التعاليم، ممارسة محكمة

وليس فيها أيُّ ثغرة لشدَّة حذقه في تلك الممارسة

قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:

- إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ


صحيح الجامع 1880

4- مستقيمًا على منهج الحق، وقوانين الشريعة

لا تأخذه في ذلك لومةُ لائم - وما أكثرهم في هذا الزمان -

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

* وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ

وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 112- 113].

5- ثابتًا على تعاليم المنهج الرَّباني

لا تُزعزعه الجواذب، ولا تُغريه الهواتف.

6- مرتقيًا نحو القمة السامقة التي يُتيحها له المنهج الإلهي.

7- مِعطاءً لا يخشى من ذي العرش إقلالاً

ولا تغرُّه مخابل زخرف الحياة الدنيا؛ فهو لذلك سمح كريم

لا يضنُّ بالعطاء عن أخيه المسلم

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ

سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ

وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ

وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 261-262].

8- مبادرًا إلى تفعيل تعاليم الشريعة، وممارسة حقائق الحكمة

ابتغاءَ مرضاة الله تعالى ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].

9- مستعليًا على جواذب الأرض، ودوافع الهوى، ومغريات الفتنة

﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ

وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ

عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26].


وعندما يصل الإنسان المسلم إلى هذا المستوى

في ممارسة التعاليم العمليَّة لهذا الدين

فإنَّه بذلك يصل إلى مستوى الممارسة الحقة

أي: الممارسة لتعاليم الشريعة في أفق الجمال

أي: ممارسةالفعل بصورة جميلة بكلِّ خصائصها ومقوِّماتها

وبتعبير الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم -

"الإحسان" الوارد في حديث جبريل - عليه السلام -:

((قال: وما الإحسان؟ قال:((أن تعبد الله كأنك تراه

فإن لم تكن تراه فإنه يراك))


رواه البخاري (50)، ومسلم (9).

وهكذا يكون قد ارتقى في ممارسة الفعل إلى مستوى

الكمال المقدور للإنسان، وتلك هي أقصى درجة مطلوبة

لمنهج الإسلام كما نبَّه على ذلك الرسول الكريم

صلَّى الله عليه وسلَّم - في حديث جبريل - عليه السلام -

المحدد لمعاني الإسلام والإيمان والإحسان.


وهكذا نجد أنَّ الإنسان الجادَّ الذي يريد أن يرتقي

إلى مستوى "البر" ويريد أن يكون من "الأبرار"

وهو يمارس حياته وَفق تعاليم المنهج الرَّباني

إنَّ هذا الإنسان لا يمكنه بلوغ هذا الهدف وإدراك تلك المنزلة


- وهو هدف نبيل، ومنزلة جليلة، ولا شك -

إلاَّ إذا فهم فهمًا عميقًا أنَّ هذا الدين هو منهجٌ للحياة كافةً

ومن ثَم فهو يقتضي ممارسة تعاليمه

في إطارها الكلِّي الشامل المتكامل وليس أجزاءً وتفاريقًا

أي: إنَّه يجب عليه أن يمارس تعاليم هذا المنهج في مستوى "البر"

حتى يكون مسلمًا حقًّا

وحتى يرتقي إلى مستوى "البر" في تفاعله مع هذا الدين.



اخوة الاسلام

و لنا عودة ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

من اجل استكمال الموضوع