منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ
عرض مشاركة واحدة
قديم 2020-10-10, 04:36   رقم المشاركة : 65
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










B11

اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

ليعلم أن معرفة أسباب النجاة من ذلك البلاء

وفك قفل القلوب

وفتحها لأسباب الهدى :

ليعلم أن ذلك هو أهم


ما ينبغي للعبد أن يصرف همته إليه

فإن ذلك هو نجاته في الدنيا والآخرة .

وقد مر معنا في حديث أبي هريرة

: (فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ )

فهذا أول ما يعمل العبد إذا أراد لنفسه النجاة

: أن يعلم الذنب الذي أتي من قبله

والباب الذي دخل عليه البلاء منه

ثم يطهر نفسه من رجس ذلك الذنب

ويغلق عن نفسه باب ذلك البلاء .

وفي الحديث الآخر

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال

: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا

فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا : نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ

وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ

حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ :

عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ

وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا

لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ )


رواه مسلم (144) .

فقد بين أن صمود القلب أمام ما يطرقه

من فتن الشبهات والشهوات

وثباته في مواقف الفتن :

هو من أعظم أسباب هدايته ، وحفظ صحته

وأن تعرضه للفتن ، واستجابته لها

هو من أعظم أسباب ضلاله وفساد حاله .

وفوق ذلك كله ، وقبل ذلك كله ، وأيضا : بعد ذلك كله :

أن يلازم الافتقار إلى من بيده مقاليد كل شيء

: أن يزيل عنه ما أصابه

وأن يفتح قلبه للهدى والنور .

قال ابن القيم رحمه الله :

" ومما ينبغي أن يعلم :

أنه لا يمتنع مع الطبع والختم والقفل حصول الإيمان

بأن يفَك الذي ختم على القلب وطبع عليه وضرب عليه القفلَ

ذلك الختمَ والطابع والقفل

ويهديه بعد ضلاله ، ويعلمه بعد جهله ، ويرشده بعد غيه

ويفتح قفل قلبه بمفاتيح توفيقه التي هي بيده

حتى لو كتب على جبينه الشقاوة والكفر :

لم يمتنع أن يمحوها ويكتب عليه السعادة والإيمان

. وقرا قارئ عند عمر بن الخطاب :

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )

وعنده شاب فقال : ( اللهم عليها أقفالها

ومفاتيحها بيدك لا يفتحها سواك )

فعرفها له عمر وزادته عنده خيرا .

وكان عمر يقول في دعائه :

( اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا

فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ) ...

والمقصود : أنه مع الطبع والختم والقفل

لو تعرض العبد أمكنه فك ذلك الختم والطابع وفتح ذلك القفل

يفتحه من بيده مفاتيح كل شيء .

وأسباب الفتح مقدورة للعبد غير ممتنعة عليه

وإن كان فك الختم وفتح القفل غير مقدور له

كما أن شرب الدواء مقدور له

وزوال العلة وحصول العافية غير مقدور

فإذا استحكم به المرض وصار صفة لازمة له

لم يكن له عذر في تعاطي ما إليه من أسباب الشفاء

وإن كان غير مقدور له

ولكن لما ألف العلة وساكنها

ولم يحب زوالها ولا آثر ضدها عليها

مع معرفته بما بينها وبين ضدها من التفاوت :

فقد سد على نفسه باب الشفاء بالكلية ...

فإذا عرف الهدى فلم يحبه ولم يرض به

وآثر عليه الضلال مع تكرار تعريفه منفعة هذا وخيره

ومضرة هذا وشره :

فقد سد على نفسه باب الهدى بالكلية .

فلو أنه في هذه الحال تعرض وافتقر إلى من بيده هداه

وعلم أنه ليس إليه هدى نفسه

وأنه إن لم يهده الله فهو ضال

وسأل الله أن يُقبِل بقلبه ، وأن يقيه شر نفسه

: وفَّقَه وهداه

بل لو علم الله منه كراهيةً لما هو عليه من الضلال

وأنه مرض قاتل ، إن لم يشفه منه أهلكه

: لكانت كراهته وبغضه إياه ، مع كونه مبتلي به

من أسباب الشفاء والهداية

ولكن من أعظم أسباب الشقاء والضلال

: محبته له ورضاه به ، وكراهته الهدى والحق .

فلو أن المطبوع على قلبه

المختوم عليه ، كره ذلك ورغب إلى الله في فك ذلك عنه

وفعل مقدوره : لكان هداه أقرب شيء إليه

ولكن إذا استحكم الطبع

والختم حال بينه وبين كراهة ذلك

وسؤال الرب فكه وفتح قلبه " . انتهى .


" شفاء العليل" ، لابن القيم (192-193) .

والله أعلم

و لنا عودة للاستفادة من موضوع اخر