(28)
أحلامي شابتْ ، ظلتْ دهراً فوق طاولتي ، ترقصُ دون هوادة ، كفتاةٍ غجرية . كلَّتْ ، ملَّتْ ، تعبتْ ، هرمتْ ، حتى أضحتْ كعجوزٍ خرِفتْ ، وانسلتْ الى مخدعها ، وحيدة ، كئيبة ، حزينة ، تعصرها حسرةُ أيامٍ ذهبتْ واندثرتْ .
آهِ يا أحلامي العجوز ، لو جازَ لي أو يجوز ، لقلتُ انتحرَتْ ، تركَت على طاولتي ، نظارتها السميكة ، أقلامها القديمة ، ورقاً أصفراً قاتم اللون ، وعصاها الخشبية ، وانتحرَتْ . آهٍ لها ، من يأبهُ الآن بها ، أو تغريه لحظتها الرمادية ، ووقتها الشاحب المتجعد ؟ .
هكذا أضحتْ أحلامي ، بعد أن تقوَّسَ عودُها ، وتدنَّى جبينها ، وتهالكتْ أيامها ، هكذا أضحت ، بنظرتها المتكسرة ، تحدقُ في الثرى ، فوق الثرى ، تحت الثرى ، تخطُّ بعصاها الرمل ، تحاول رسم ظِلالها ، بما تبقَّى في ذاكرتها المثقوبة .
...........
الآن وحيدة ، خلف نافذتها الوحيدة ، وبابها الوحيد المغلق ، وبنظرةٍ تبدو بعيدة ، ترقبُ المدى المحترقْ .
يتبع...