منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - اشْكَالاتُ الدَّلالَةِ النَّقْدِيَّةِ لِمصطلح القصيدة الطويلة في شعر التفعيلة المعاصر
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-11-05, 15:39   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الصقر الأسود ...
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقر الأسود ...
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي




و مع ذلك فقد ظل الأمر في كثير من المواضع مبهما، والصورة غير واضحة ،فنحن حين نقف على كتاب مثل (شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات) لابن الأنباري، أو جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي، ومن قبلهما المفضليات والأصمعيات، ونحاول البحث في مسوغات الاختيار الشعري، يتبين لنا أن الطول بدلالته الشكلية كان معيارا بارزا في اختيار كثير من القصائد ، ولعل المضمون كان معيارا لاحقا لدى بعضهم، فنحن نجد من النقاد من قدّم الشاعر أو أخره لطول قصائده أو عددها دون الاحتكام للمضمون ،ومن ذلك ما يرد عند صاحب الطبقات وصاحب الشعر والشعراء وغيرهما،فقد قال ابن سلام في حديثه عن الأسود بن يعفر: " وكان الأسود شاعرا فحلا ،وكان يكثر التنقل في العرب، ويجاورهم، فيذمّ ويحمد، وله في ذلك أشعار، وله واحدة رائعة طويلة لاحقة بأجود الشعر، لو كان شفعها بمثلها قدمناه على مرتبته"(1).وهذا ابن قتيبة في الشعر والشعراء حين يذكر طرفة بن العبد يقول:" وهو أجودهم طويلة" (2)، إلى أن يصل إلى ذكر الأعشى، فيقول: "قال أبو عبيدة: الأعشى هو رابع الشعراء المتقدمين، وهو يقدم على طرفة ، لأنه أكثر عدد طوالٍ جيادٍ" (3).ولمّا سئل أبو عبيدة عن جرير و الفرزدق والأخطل أيهم أشعر؟ اختار الأخطل ،وحين سئل بأي شيء فضُل عليهم، قال : "بأنه كان أكثرهم عدد قصائد طوالٍ جيادٍ ليس فيها فحش ولا سقط" (4) .


و مع أنه من الجلي تفضيل كثير من النقاد للقصيدة الطويلة إلا أننا لا نقف على حدود واضحة يمكن عندها إسباغ صفة الطول على القصيدة ،وقد يبدو الأمر مسوغا لهم على وجه من الوجوه ،إذ ليس من السهل أن نحدد عدد أبيات يمكن عندها بيان الحدود الفاصلة بين القصيدة الطويلة وغير الطويلة ،ومع ذلك لم يعدم الأمر من محاولة ميز القصيدة الطويلة عن سواها من خلال المضمون كذكر الأغراض والمواضع التي تستحب الإطالة فيها دون تفصيل المسألة أو بيانها.


و من جهة أخرى نجد بعض النقاد و الأدباء يرفض الإطالة و يستقبحها ، ويميل للإيجاز والقصد في الإبانة ، فقد جاء في العمدة : " قال بعض العلماء :يحتاج الشاعر إلى القطع حاجته إلى الطول ،بل هو عند المحاضرات ،و المنازعات ،و التمثل ،و الملح أحوج إليها منه إلى الطوال ، وقال أحد المجودين، وهو محمد بن حازم الباهلي:


أبى لي أن أطيل المدح قصدي إلى المعنى وعلمي بالصوابِ


وإيجازي بمختصرٍ قصيرٍ حذفت به الطويل من الجوابِ


وقيل لابن الزبعري: إنك تقصر أشعارك، فقال: لأن القصار أولج في المسامع، وأجول في المحافل، وقال مرة أخرى: يكفيك من الشعر غرة لائحة، وسبة فاضحة ، وقيل لبعضهم: لم لا تطيل الشّعر؟ فقال: حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق. وقيل ذلك لآخر، فقال: لستُ أبيعه مذارعة. وقيل للفرزدق: ما صيّرك إلى القصائد القصار بعد الطوال؟ فقال: لأني رأيتها في الصدور أوقع، وفي المحافل أجول. وقالت بنت الحطيئة لأبيها: ما بال قصارك أكثر من طوالك؟ فقال: لأنها في الآذان أولج، وبالأفواه أعلق. وقال أبو سفيان لابن الزبعري: قصرت في شعرك؟ فقال: حسبك من الشّعر غرّة لائحة، وسمةٌ واضحة. وقيل للنابغة الذبياني: ألا تطيل القصائد كما أطال صاحبك ابن حجر؟ فقال: من انتحل انتقر. "(5).



(1)الجمحي،ابن سلام(ت231ﻫ)،طبقات فحول الشعراء،ج1،شرحه:محمود محمد شاكر،مطبعة المدني،1974،ص147.


(2)الدينوري ، ابن قتيبة (ت276ﻫ).الشعر و الشعراء ،ط1، تحقيق: عمر الطباع ، بيروت ،شركة الأرقم بن أبي

الأرقم 1997 ، ص 118 .


(3)المصدر نفسه ، ص 173.


(4)الحموي، ياقوت (ت626ﻫ )، معجم الأدباء ، تحقيق : إحسان عباس ،ط1، ج6، بيروت ، دار الغرب الإسلامي ،

1993،ص2851.


(5)ابن رشيق.المصدر السابق ، ج1،ص 163.









رد مع اقتباس