منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - رؤوس أقلام من تاريخ دولة الأندلس
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-04-04, 12:23   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الحاجب المنصور

هو أبو عامر محمد بن عبد الله بن أبي عامر بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري، أصله من اليمن، وجده عبد الملك كان مع جيش طارق حين فتح الأندلس.


ولد في الجزيرة الخضراء وهي منطقة قريبة من قرطبة سنة 326هـ وكان له همة عالية في جميع الأمور.


اتجه إلى قرطبة وهو في شبابه لطلب العلم، فطلب العلم والأدب، فنبغ فيهما على كافة أقرانه، وعمل في مهن وحرف كثيرة.


اشتغل أجيرًا عند بعض أصحاب الدكاكين، إلى أن انتهى به الأمر إلى الجلوس في دكان له عند باب قصر الخلافة يكتب الرقاع والمعاريض.


وصل خبره إلى (صبح) وهي أم ولد الخليفة الحكم المستنصر فاتخذته كاتبًا لها، ثم تمكن في القصر شيئًا فشيئًا.


لما توفي الحكم خلفه ابنه هشام الملقب بـ (المؤيد) وكان لا يتجاوز عمره تسع سنوات، فكان أبو عامر هو القيم المباشر على الخليفة الصغير.


وتطور به الأمر إلى أن قاد بعض الجيوش وانتصر فيها، وكان ذلك بطلب منه وتكليف من الحاجب ([1]) المصحفي.


وصار قائد الشرطة في قرطبة، حتى زادت شعبيته فيها، وأثبت وجوده وصار يأمر وينهى في القصر، بل وفي قرطبة.


استطاع أن يقضي على كثير من الصقالبة (وهم خدم القصر) ويبلغ عددهم (800) تقريبًا ورؤساؤهم اثنان هما (جؤذر وفائق) لأن لهم تأثيرًا كبيرًا في إدارة شئون الدولة.


ثم حجب الخليفة هشامًا الملقب بـ (المؤيد) عن أنظار الناس، واستصدر أمرًا بإبعاد الحاجب المصحفي ([2]) وطرده ،وأهانه وسجنه ومحا أثره من الدولة ،وجرده من أمواله هو وأولاده إلى أن توفي ، وقيل إن المنصور هو الذي قتله. والله أعلم(وذلك في قصة طويلة، والمؤرخون يشبهون نكبته هذه بنكبة هارون الرشيد للبرامكة).


جعل المنصور من نفسه حاجبًا للخليفة وقضي على خصومه.


قال بعض المؤرخين يبين سياسة المنصور بن أبي عامر: كان المنصور آية من آيات الله في الدهاء والمكر والسياسة، عدا بالمصاحفة أي (أعوان الحاجب المصحفي) على الصقالبة حتى قتلهم، ثم عدا بغالب على المصاحفة حتى قتلهم ، ثم عدا بجعفر بن الأندلسي على غالب ([3]) حتى استراح منه، ثم عدا بنفسه على جعفر حتى أهلكه ، ثم انفرد بنفسه ينادي صروف الدهر: هل من مبارز؟ فلما لم يجده، حمل الدهر على حكمه، فانقاد له وساعده؟ !! واستقام له أمره منفردًا بسابقة لا يشاركه فيها أحد".


أدار الدولة لمدة خمس وعشرين سنة إدارة لم يسمع بمثلها في تاريخ الأندلس، بالحزم والقوم ومباغته الخصوم وخاصة النصارى وعدم التواني في ذلك، وأمر ألا ينادي إلا بالملك.


بني مدينة (الزاهرة) التي يضاهي فيها (الزهراء) وكان أقوى ملوك الأندلس على الإطلاق.


قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: "كان بطلاً شجاعًا حازمًا سائسًا غزَّاء عالمًا، جم المحاسن، كثير الفتوحات عالي الهمة، عديم النظير، دانت لهيبته الرجال ودانت له الجزيرة أي (الأندلس) وأمنت به.


وقد غزا في مدته نيفًا وخمسين غزوة لم يهزم في واحدة منها قط.


وكان إذا فرغ من قتال العدو نفض ما كان عليه من غبار ثم يجمعه ويحتفظ به، فلما احتضر أمر بما اجتمع له من ذلك بأن يذر على كفنه، و توفي مبطونًا شهيدًا إن شاء الله، وهو بأقصى الثغر في مدينة سالم سنة (393) هـ.


ومن شجاعته أنه أحيط به -يعني حوصر لوحده، والذي حاصره هو غالب الناصري، في مدينة (فتة)- فرمي بنفسه من أعلى جبلها وصار في عسكره، فبقي مفدع القدمين لا يركب- يعني أعوجت قدماه ومالت عن مفاصلها- وإنما يصنع له محمل على بغل يقاد به في سبع غزوات وهو بضعة لحم، فانظر إلى هذه الهمة العليَّة، والشجاعة الزائدة، وكان موته آخر الصلاح وأول الفساد. انتهى من كتاب سير أعلام النبلاء، بتصرف.


روى شجاع مولى المستعين بن هود القصة التالية عندما ذهب لمقابلة الفونسو (الأذوفنش) وهو أي (الأذفونش) الذي استرد الأندلس أو بدأ باستردادها قال:" لما توجهت إلى أذفونش وجدته في مدينة سالم وهي المدينة التي توفي فيها المنصور، وقد نصب على قبر المنصور بن أبي عامر سريره، وامرأته متكئة إلى جانبه، فقال لي: يا شجاع أما تراني قد ملكت بلاد المسلمين (يقصد الأندلس) وجلست على قبر مليكهم؟ قال: فحملتني الغيرة أن قلت له: لو تنفس صاحب هذا القبر وأنت عليه، لسمع منك ما يكره سماعه، ولا استقر بك قرار.


فهم بي فحالت امرأته بيني وبينه، وقالت له: صدقك فيما قال، أيفخر رجل مثلك بمثل هذا؟


وله أخبار وقصص في غزواته ضد النصارى، وفك الأسرى كأنها من نسج الخيال، مع ما عليه من ملاحظات فرحمه الله رحمة واسعة.


([1])معنى الحاجب: يعني أنه أصبح بمثابة وزير الدولة، أو رئيس الديوان الملكي، وهو الوزير الخاص للخليفة الذي لا ينفذ أمر للخليفة إلا بعلمه وموافقته و لا يدخل أحد على الخليفة إلا بإذنه.

([2])هو جعفر بن عثمان أبو الحسن الوزير الحاجب المعروف بابن المصحفي كان من أهل العلم والأدب البارع، وكان هو الناظر في أمور الدولة قبل المنصور وقد توفي، وقيل بل قتله المنصور سنة (372)هـ لأشياء كثيرة نقمها وأخذها عليه، وله شعر كثير يدل على طبعه وسعة أدبه، من شعره وهو يرثي حاله بعد نكبته:
لا تأمننّ من الزمان تقلبًا
ولقد أراني والليوث تخافني
حسب الكريم مذلة ومهانة
وإذا أتت أعجـوبة فاصـبر لهـا

إن الزمان بأهله يتقلب
فأخافني من بعد ذاك الثعلب
أن لا يزال إلى لئيم يطلب
فالدهـر يأتي بالذي هو أعجب
وكتب لأبي عامر المنصور وهو في السجن يستعطفه بقوله:
هبني أسأت فأين العفو والكرم
يا خير من مدت الأيدي إليه أما
بالغت في السخط فاصفح صفح مقتدر

إذ قادني نحوك الإذعان والندم
إن الملوك إذا ما استرحموا رحموا
ترثي لشيخ رمـاه عنـدك القلم
فرد عليه أبو عامر المنصور بقوله:
الآن يا جاهلا زلت بك القدم
ندمت إذ لم تفز منا بطائلة
أغريت بي ملكًا لولا تثبته
فايأس من العيش إذ قد صرت في طبق
نفسي إذا جمحت ليست براجعة

تبغي التكرم لما فاتك الكرم
وقلما ينفع الإذعان والندم
ما جاز لي عنده نطق ولا كلم
إن الملوك إذا ما استنقموا نقموا
ولو تشفـع فيك العرب والعجم


([3])هو غالب بن عبد الرحمن الناصري صاحب مدينة سالم (أي حاكمها) وشيخ الموالي، وفارس الأندلس وكان أموي النزعة مخلصًا للشرعية، وقد عرف السؤدد والمجد من خلال الثقة التي منحها إياه الحكم المستنصر فترة تعيينه أميرًا على مدينة سالم، توفي عام (371) هـ في معركة حدثت بينه وبين زوج ابنته المنصور.
قيل: إنه توفي في المعركة وفاة طبيعية، وقيل إنه قتل. والله أعلم.
تزوج المنصور ابن أبي عامر ابنته، لمصالح سياسية وذلك بسبب:
(1) أن المصحفي خطب ابنة غالب لابنه حتى يصلح ما فسد بينهما من العداوة العظيمة المستحكمة فأراد ابن أبي عامر ألا تتم هذه المصالحة؛ لأنه ليست في صالحه.
(2) أن ابن أبي عامر من صالحه في هذه الفترة أن يتقرب إلى غالب؛ ولذلك خطب ابنته المذكورة وتزوجها.









رد مع اقتباس