منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - رؤوس أقلام من تاريخ دولة الأندلس
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-03-22, 17:35   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

هل قصة إحراق

طارق بن زيد للسفن صحيحة؟

أولا: القصة باختصار يقال: إن طارق بن زياد قد أحرق السفن التي أقلته عبر المضيق؛ كي يقطع على الجيش كل أمل في العودة إلى أفريقيا، وليدفعهم إلى الاستبسال في القتال وليستميتهم في الاندفاع إلى الأمام.


ثانيًا: صحة القصة من عدمها:


قال الشيخ محمود شاكر رحمه الله في رسالته الموسومة بـ [المنطلق الأساسي في التاريخ الإسلامي]: فإنه أي طارق لم يقم بإحراقها أي السفن، أبدًا لا يمكن ذلك ولو فعل لسئل وحوسب وعوقب، فإن عملها يكلف الكثير من المال ويستغرق الكثير من الوقت، ولم يعرف عن المسلمين الأوائل إهدار المال وإضاعة ما قد أنشؤوه ، وهذا الأساس بالموضوع والعملية، ومع ذلك، فلنناقش الموضوع منطقيًا.


أولاً: لم يقل طارق: إني أحرقت السفن أو أمرت بذلك، وإنما فهم بعض المتأخرين ذلك من خطبته على افتراض صحتها كما سوف يأتي بعد قليل إن شاء الله.


ثانيًا: لم يقل أحد من جنده أو معاصريه عن هذا شيئًا وإنما قيلت بعده قرون.


ثالثًا: السفن ليست ملكًا له ليتصرف بها كيف يشاء، فهي إما لـ (يوليان) حاكم سبتة الذي قدم للمسلمين عددًا منها لنقلهم إلى العدوة الأندلسية لفتحها انتقامًا لنفسه من ملك القوط، وإما للمسلمين فيحاسب على تصرفه بإحراقها.


رابعًا: لم يحاسب طارقًا أحد من قادته، سواء أكان القائد العام موسى بن نصير، أم الخليفة الوليد بن عبد الملك.


خامسًا: ألا يمكنه أن يأمر بالسفن فتعود إلى العدوة المغربية فيصل إلى النتيجة نفسها.


سادسًا: لا يمكن لقائد واسع النظر أمثال طارق أن لا ينظر إلى المستقبل فيترك جيشه الصغير في بلاد الأندلس الواسعة والتي من ورائها أوربا تدعمها، وبين مخالب دولة القوط الحاقدة المتربصة بالمسلمين التي تنتظر الفرصة لتعمل مخالبها فيهم.


سابعًا: ألا يتوقع طارق مددًا؟ وهذا ما حدث، فعلى أي شيء ينقل المدد؟ لقد انتقل على السفن نفسها ([1]).


ثامنًا: من أين جاء موسى بن نصير بالسفن التي انتقل عليها إلى الأندلس مع بقية الجيش عندما خاف على المسلمين الذين توغلوا بعيدًا داخل الأندلس؟ لقد انتقل على السفن نفسها.


تاسعًا: لم تكن عملية إحراق السفن بالطريقة التي تلقي الحماسة في نفوس المسلمين، لقد عرف الموضوع عندهم بالتذكير بإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة فلا شيء يدفعهم مثل ذلك، فهم من أجل هذا خرجوا.


عاشرًا: إحراق السفن لا يفيد عندما يقع الهلع في النفوس، وقد كان العرب في الجاهلية وربما بعض الأمم الأخرى إذا خرجوا للقتال أخذوا معهم النساء والذراري من أن تقع في السبي، ولكن إذا حمي الوطيس، واحمرت الحدق، ووقع الرعب في القلوب؛ فروا لا يلوون على شيء، وما غزوة حنين بخافية على أحد، إذ وقعت نساء وذراري هوازن في السبي حتى أخلى سبيلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن جاء أهلوهم أذلاء راجين العفو.


والخلاصة: لم يحرق طارق السفن، وبقيت لدى المسلمين، وانتقل المدد إلى الأندلس عليها، وانتقل قائدهم مع بقية الجيش إلى الأندلس عليها، وقضية إحراق السفن فرية وضعها بعضهم لإبراز فكرة التضحية والإقدام عند طارق، وروجها أو أسهم في وضعها الذين لهم أهداف بعيدة في تشجيع المسلمين على مخالفة الإسلام، والقيام بمثل هذه الأعمال الانتحارية، وحرمان المسلمين من بعض وسائل الحرب لديهم بالتفريط فيها وإضاعتها اهـ.


ومع ذلك: فإن المصادر الأندلسية المتقدمة لا تشير إلى هذه القصة البتة، وتكاد المصادر الأخرى تخلو من آية معلومات عنها فيما عدا الشريف الإدريسي الذي كتب جغرافيته سنة (549)هـ فقد قال.. لما جاز أي طارق بمن معه من البحر، وتحصنوا بهذا الجبل وأحس في نفسه أن العرب لا تثق به، فأراد أن يزيح ذلك عنه، فأمر بإحراق المراكب التي جاز فيها، فتبرأ بذلك عم اتهم به..


ولاحظ أن فتح الأندلس سنة (92)هـ والإدريسي ذكرها سنة (549) هـ أي بعد أكثر من ثلاثة قرون ([2]).


([1])ويؤكد صحة ذلك ما جاء عند ابن عذاري في (البيان المغرب) أن (يوليان) كان يحمل أصحاب طارق في مراكب التجار التي تختلف إلى الأندلس ولا يشعر أهل الأندلس بذلك، ويظنون أن المراكب تختلف بالتجارة، فحمل الناس فوجًا بعد فوج إلى الأندلس، وهذا النص يقطع ببطلان حرق طارق للسفن. فتأمل.

([2])نقلا عن كتاب (قصص لا تثبت) للشيخ أبي عبيدة مشهور حسن آل سلمان، فقد ذكر قصة إحراق طارق بن زياد للسفن، الجزء الثالث، صفحة 95.
وانظر كذلك (الأندلس، التاريخ المصور) للدكتور طارق السويدان (37) وانظر كذلك كتاب (تاريخ المغرب والأندلس) (60).









رد مع اقتباس