حيّا الله إخوتي الأفاضل
أرجو أن تكونوا جميعا بصحة و عافية
أُجدد شكري لكم على كرم الضيافة و الاستقبال
و أعذروني على التأخر في الرد أحيانًا لضعف النت لدي ...
نبدأ على بركة الله بتساؤل الأخ كيان :
تدرون ، في الكثير من الأوقات كانت تخلجني تلك المشاعر المصحوبة بمرارة المذاق ، بالأخص أوقات الوهن .. أوقات
العسر .. أوقات الضياع ...
أهرع إلى كياني ، أحدثهُ بصمتٍ مثقلِ بالكلام .. ، مثقل بمشاعر دامية .. تنزف من روحي دموع ...
لماذَا وُجِدَ شيء اسمه يتألف من ثلاثة حروف فقط [ألف الأسى ،لام لطمة ، ميم المرض ] ، يحمل في جوفه معاني قاسية ، مبكية ، موجعة ... ، لماذا الناس تعاني ؟ لماذا كل هذه الأخطار و الكوارث ؟ أبها تستقيم الحياة ؟ ماذا يحدث لو لم تُجَد ؟
لما الله أوجدها ؟ [...]
جَلَسُتُ بجانبي مُفكِرة ، محللة ، أسترجع الذكريات ، أسترجع المشاعر ، أغوص في أعماقي .. إلى تلك الأبواب الموصدة بإحكام ... إلى تلك الآثار المريعة التي خلفها تلك الآلام يومًا ...
فوجدتُ بأن كل ما عانيتُ لم يكن بذلك السوء ، ـ غريبٌ الأمر ، صحيح ؟ ـ حَاولتُ أن أترك السلبية ، أن أكون طبيبي
و محللي ... ، حينها تبادر إلى ذهني سؤالٌ آخر : لو لم أشعر بهذا الألم الفظيع ، لو لم أعاني و أتجرع كأس العلقم ،
أيَا ترى كيف ستصبح نفسي ؟ هل سأكون مثل الآن ؟ تركتُ استفساري هذا جانبًا كوني وجدتُ أن التفكير بهذه الطريقة
لن يفيدني ...
لجأتُ إلى البحث و النبش بالموضوع ، وَجَدّتُ بأن الألم لابد منه ، لابد التجرع من كأسه ، إما قُطرةً بقطرة أم دُفعةً واحدة
فيأتيك كأسًا آخر . يُضعِفُنا تارةً ، و يقوينا تارةٌ آخر ...
نَسيّتُ بأن الله هو المُوجد ... نسيتُ بأنهُ الخبير ... نسيتُ بأنه العليم و الحكيم ...
خلق كل الأشياء و الألم واحدٌ منها ، لابد أن يحمل هذا الشعور في طيّاته [ حِكم ، منافع ..] نجهلها ، أَخذتُ نفسًا
عميقًا ، هدَّأتَ نفسي ، فكرتُ بعمقٍ أكثر ... كنتُ أراهُ عذابًا ... كنتُ أراهُ ظلمًا ... كنتُ أكرهه ... ، مَحيّتُ الصورة ..
أخذتُ نفسًا مرةً أخرى ، و أعدتُ ترتيبَ أفكاري ، وَ أكدّتُ لها بأننا وَجُب علينا دراسته ، و البحث عن أسبابه و ثمار الحكمة
و الفوائد منه ...
أبصرتُ في جسدي ، و لاحظتُ أن الألم جهاز أودعه الله فينا ، نحتمي به من كل خطر أو مشكلة قد تُهدد حياتنا ...
لاحظُتُ بأني حين أتألم أصبح أكثر شفافية ... أكثر صراحة ... أكثر صدقًا ... ، و قد يكون ظاهرهُ نقمة لكن في جوهره
يحمل الكثير من النعم ، ـ أَعترف ـ ...
كمِن محنة و معاناة ، حملت ثناياها الكثير من المنح لم أحلم بها حتى ... و كم من عطايا أُعطت من ذاق رحيق الرزايا ،
كم من أحداثٍ مؤلمة ، مثقلة بالخيبات غيرت قناعاتنا ، سقتنا : نضجًا \ حكمة \ خبرة ...
أعترف بسببهِ صُقِلت أرواحنا ، أنارت بصائرنا ، أيقضنا من غفلتنا ، أقشع الوهام عنا ، أظهر المعادن ، و كشف العدو من الصديق ..
وَجدتُ أيضا :
ـ لولا الألم و المعاناة لما انفجرت الإبداعات في أبهى و أجمل صورها : الأدب والشعر و الفن بكل أنواعه ..
ـ لولا الألم لما وجد الطب و العدالة [..]
ـ لولا الألم لما أدركنا قيمة الأمور : الحرية ، الصحة ، السعادة ، الأمل ، الشبع ، الدفء ، الحب ، الوطن [...]
ـ لولا الألم لما تعلمنا الصبر ، لما تعلمنا الشكر ، لما تعلمنا الامتنان ، لما تعلمنا فوائد الأمور [..]
ـ لولا الألم لما تأسست المشاعر فيما بيننا : الرحمة ، التعاطف ، الرغبة في المساعدة ، الدفاع عن الأبرياء [...]
ـ لولا الألم لما هُذِّبت النفوس ، لما أدركنا خفايا النفوس [..]
ـ لولا الألم لما أدركنا حلاوة الراحة
ـ لاحظت انه لولا شعور بالألم لما كانت الشعوب قوية ، صلبة صَانعةً مستقبلها بأياديها ..
ـ لولا آلالام الحروب لما سعينا إلى السلام و الوئام ...
و في الأخير ، استنتجتُ بأن ما الآلام ، امتحان نستطيع النجاح فيه إذا أدركنا الإجابة ، كما يمكننا استغلال معاناتنا وتحويلها إلى إنجاز إيجابي ، فالأهم هو السعيّ بجد لتنمية أنفسنا و إفادة أمتنا [..]
أرجو أني أجدتُ و لو قليلاً
مع أطيب تحية