منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - العاشقةُ الخرساء
عرض مشاركة واحدة
قديم 2019-10-17, 10:01   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
علي قسورة الإبراهيمي
مشرف الخيمة والمنتديات الأدبيّة
 
الصورة الرمزية علي قسورة الإبراهيمي
 

 

 
إحصائية العضو









افتراضي



.../ ...

وكأنّ بكل واحدٍ من أفراد العائلة يعود بذاكرته إلى الوراء، ليسترجعَ قصة فاطمة الخرساء.
ولا يمحو تلك الذكرى تعاقب الأيام، وكرّ الأعوام، بل ووتتابع الحدثان، واختلاف الملَوان
بل أصبحت تلك القصة محفورة ومنقوشةً في ذاكرة العائلة نقشًا وكيانًا لا يُنسى.
تجد فاطمة ذات الخمسة عشرة سنةً نفسها قد رمت بها الأقدارُ في بلدٍ غير البلد الذي فيه درجت، ومنه خرجت، مقطع سُرّتها، ومجمع أُسرتها.
بلدٌ أنشأتها تربته، وغذاها هواؤه ورباها نسيمه، وحلّت عنها التمائم فيه.
بعد أن حاق بها ظلم وحيف الزمان، إذ أخذ منها كل أفراد عائلتها، شاهدتهم بأم عينيها يدّعون إلى الموت دعًّا
فلم يبق من العائلة إلاّ حسين ابن عمّها الذي يكبرُها بعشرة أعوامٍ، فتجدُ فيه النصير المنقذ.
حيث أصبحت لا سند لها، ولامعين من بعد الله، إلا هو.
فإذا هي في بلدٍ غريبٍ مع ابن عمها.
بلدٌ لا ترى فيه إلا زمهريرَ شتاءٍ، مع سيلٍ عرمٍ يُمزن ويُمطر في كل الفصول. يتخلّل جوّهُ وطقسه هول رعدٍ وبرقٍ، وصيِّبٍ من السماء ينهمر ويدمِّر،
ثم تتحوَّل الطبيعة في لمحٍ مِنَ البصر إلى بردٍ قارسٍ في شكلٍ تركيبةٍ عجيبةٍ من الصقيع.
فإذا فاطمة تبحث مع حسينٍ عن مكانٍ مأوى لهما.
وبعد عناءٍ وجهدٍ جهيدٍ، وتعبٌ شديدٍ يجدان منزلاً مهجورًا يكاد أن ينقضّ، فيتخذاه سكنًا لهما.
وهكذا هي الأيامٌ تكرّ، والليالٍ تمرُّ، ومع ذلك فلا شمسٌ تشرق، ولا قمر يضيء.
وفاطمة مع تقلباتٍ عجاب، رحيلٌ ونزول،فلا إشراقٌ يلوح في الأفق ولكنه أفول.
وترى فاطمة الدنيا ما هي سوى نارٌ واحتراق، وقربٌ وافتراق، ودمعٌ رقراق، ونبضٌ مشتاق، وقلبٌ خفاق.
وحول الموقد تتطلع إلى وجهِ حسين، وما حاق به من ظلم ِالزمان إذ أخذ القدر عائلته هو الآخر، حيث ماتت زوجته وولديه أمام ناظريه نتيجة ذلك الوباء اللعين.
حسين هو الآخر
كأنه تعرّض لغدرٍ أو خديعةٍ، فما ذنبه؟!
مسكينٌ هو.
فهي تدركُ ما يعانه في دواخله.. ولكنها لا تستطيع أن تخفّفَ عنه تبرّمه ولا أحزانه، ولا هي تقدر أن تتحدث إليهِ وذلك لعاهتها. ولكنها ترى فيه تجهمًا فلا هو يؤنس ما حوله، مع أنّه لا يريد أن يريها أو يظهر لها أحزانه، ومع ذلك يعلوه الصمت الكئيب، والسكوت الرهيب.
وتعيد الكرّةَ بالنظرِ إليه، فينقلب النظر إليها خاسئًا، فيتراءَى لها من بعيد هياكل الأموات التي عاشتها في بلدها الأصلي.
وهكذا يسير الزمن بطيئاً كدقات ساعة خشبية رتيبة ومملة.
يقوم حسين في الصباح الباكر بعد أن وجد عملاً ليعودَ في المساء.
وهكذا داوليك.. ومع ذلك فقد مرت ثلاثة أعوام
فإذا بفاطمة الطفلة الخرساء صارت فتاةً ذات ثمان عشر ربيعًا.
تفيضُ أنوثةً وجمالا.
لتبدأَ رحلةً أخرى من العذاب الشقاء.

... يتبع










رد مع اقتباس