منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الناقض الثامن مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين
عرض مشاركة واحدة
قديم 2024-02-29, 07:33   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

مظاهَرةُ المُشرِكين على المُسلِمين
المقصودُ بمظاهرةِ المُشرِكين على المُسلِمين: أن يكونَ قَومٌ من المنتَسِبين للإسلامِ أنصارًا وظُهورًا وأعوانًا للكُفَّارِ ضِدَّ مُسلِمين آخَرينَ، فهذا كُفرٌ يناقِضُ الإيمانَ .
والتوَلِّي يكونُ بمعنى الموالاةِ؛ فإنَّ التوَلِّيَ والموالاةَ من مادَّةٍ واحدةٍ، وهي: وَلِيَ بمعنى قَرُب، والوَلِيُّ: النَّاصِرُ، ضِدُّ العَدُوِّ .
وابن جريرٍ في عِدَّةِ مواضِعَ من تفسيرِه، يفسِّرُ معنى اتخاذِ الكُفَّارِ أولياءَ، بمعنى: جَعْلِهم أنصارًا ، وهو بمعنى توَلِّيهم.
وإذا كان التولِّي بمعنى الموالاةِ، فكما أنَّ مُوالاةَ الكُفَّارِ ذاتُ شُعَبٍ مَتفاوتةٍ، منها ما يُخرِجُ من المِلَّةِ، كالموالاةِ المُطلَقةِ لهم، ومنها ما دون ذلك؛ فإنَّ تولِّيَ الكُفَّارِ مِثلُ مُوالاتهم، فهناك التولِّي المطلَقُ التَّامُّ الذي يناقِضُ الإيمانَ بالكُلِّيَّةِ، وهناك مراتبُ دونَ ذلك .
قال السَّعديُّ: (إنَّ التولِّيَ التَّامَّ يوجِبُ الانتقالَ إلى دينِهم، والتوَلِّيَ القليلَ يدعو إلى الكثيرِ، ثم يتدرَّجُ شيئًا فشيئًا حتى يكونَ العبدُ منهم) .
وقال أيضًا: (وذلك الظُّلمُ يكونُ بحَسَبِ التوَلِّي؛ فـإن كان توليًا تامًّا صار ذلك كُفـرًا مُخرِجًا عن دائرة الإسلامِ، وتحت ذلك من المراتبِ ما هو غليظٌ، وما هو دونَ ذلك) .
وقد بَيَّن اللهُ أن توَلِّيَ الكُفَّارِ موجِبٌ لسَخَطِ اللهِ تعالى، والخلودِ في عذابِه، وأن متوَلِّيَهم لو كان مؤمنًا ما فعل ذلك؛ لأنَّ مُظاهرةَ الكُفَّارِ ضِدَّ المُسلِمين خيانةٌ لله تعالى، ولرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وللمؤمِنين.
قال اللهُ تعالى: تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:80، 81].
قال ابنُ تيميَّةَ: (فذكر جُملَةً شَرطيَّةً تقتضي أنَّه إذا وُجِد الشَّرطُ، وُجِدَ المشروطُ بحرف «لو» التي تقتضي مع الشَّرطِ انتفاءَ المشروطِ؛ فقال: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء؛ فدلَّ على أنَّ الإيمانَ المذكورَ ينفي اتخاذَهم أولياءَ ويضادُّه، ولا يجتمِعُ الإيمانُ واتخاذُهم أولياءَ في القَلْبِ، ودَلَّ ذلك على أنَّ من اتخذهم أولياءَ ما فعل الإيمانَ الواجِبَ؛ من الإيمانِ باللهِ والنَّبيِّ وما أُنزِلَ إليه) .
وقال اللهُ سُبحانَه: لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران: 28] .
قال ابنُ جريرٍ: (معنى ذلك: لا تتَّخِذوا -أيُّها المؤمنون- الكُفَّارَ ظُهورًا وأنصارًا، توالونَهم على دينِهم، وتُظاهِرونَهم على المُسلِمين من دونِ المؤمِنين، وتَدُلُّونَهم على عَوراتِهم؛ فإنَّه من يفعَلْ ذلك فليس من اللهِ في شيءٍ، يعني بذلك: فقد بَرِئَ من اللهِ، وبرئ اللهُ منه بارتدادِه عن دينِه، ودُخولِه في الكُفرِ) .
وقال سليمانُ بن عبد الله آل الشَّيخِ: (قَولُه تعالى: أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الحشر: 11] ... فإذا كان وعدُ المشركين في السِّرِّ -بالدُّخولِ معهم ونُصرتِهم والخروجِ معهم إن أُجْلُوا- نفاقًا وكفرًا وإن كان كذبًا، فكيف بمن أظهر لهم ذلك صادقًا، وقَدِمَ عليهم، ودَخَل في طاعتهم، ودعا إليها، ونصَرَهم وانقاد لهم، وصار من جملتِهم، وأعانهم بالمالِ والرأي؟! هذا مع أنَّ المُنافِقين لم يفعَلوا ذلك إلَّا خوفًا من الدَّوائِرِ، كما قال تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة: 52] وهكذا حالُ كثيرٍ من المُرتَدِّين في هذه الفتنةِ؛ فإنَّ عُذرَ كثيرٍ منهم هو هذا العُذرُ الذي ذكره اللهُ عن الذين في قُلوبِهم مَرَضٌ، ولم يَعذِرْهم به) .
وقال عبد اللَّطيفِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ آل الشيخ: (أمَّا قَولُه: وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 51] ، وقَولُه: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة: 22] ، وقَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [المائدة: 57] ؛ فقد فسَّرَتْه السُّنَّةُ وقيَّدَته وخصَّتْه بالموالاةِ المُطلَقةِ العامَّةِ) .
وقد يَخلِطُ البعضُ بين مسألةِ توَلِّي الكُفَّارِ ومُظاهَرتِهم، وبين مسألةِ الاستعانةِ بهم في قِتالِ الكُفَّارِ؛ فالمسألةُ الأُولى خروجٌ عن المِلَّةِ، ومحاربةٌ للهِ تعالى ورسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومفارَقةٌ لسَبيلِ المُؤمِنين.
قال عبدُ اللَّطيفِ بن عبد الرَّحمن آل الشَّيخ: (أكبَرُ ذَنبٍ وأضَلُّه وأعظَمُه منافاةً لأصلِ الإسلامِ: نُصرةُ أعداءِ اللهِ ومُعاونَتُهم، والسَّعيُ فيما يُظهِرُ به دينَهم وما هم عليه من التعطيلِ والشِّركِ والموبِقاتِ العِظامِ) .
وأمَّا مسألةُ الاستعانةِ بهم في قتالِ كُفَّارٍ آخَرينَ، فهي مسألةٌ خِلافيَّةٌ بين أهلِ العِلمِ؛ فهناك من منعها، وهناك من أجازها بشُروطٍ، كأن يحتاجَ إليهم، وتؤمَنَ خيانتُهم، وأن لا يكونوا أصحابَ صَولةٍ وشَوكةٍ... إلخ ، وأمَّا الاستعانةُ بالكُفَّارِ على بُغاةِ المُسلِمين فهذه ممنوعةٌ عند جماهيرِ عُلَماءِ الإسلامِ .
قال ابنُ حزمٍ: (قد عَلِمْنا أنَّ من خرج عن دارِ الإسلامِ إلى دارِ الحَربِ فقد أَبَق عن الله تعالى، وعن إمامِ المُسلِمين وجماعتِهم،... قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [التوبة: 71] ، فصَحَّ بهذا أنَّ من لَحِقَ بدارِ الكُفرِ والحَربِ مختارًا محاربًا لمن يليه من المُسلِمين، فهو بهذا الفِعلِ مُرتَدٌّ، له أحكامُ المُرتَدِّ كُلُّها؛ من وجوبِ القتلِ عليه متى قُدِرَ عليه، ومن إباحةِ مالِه، وانفِساخِ نِكاحِه، وغيرِ ذلك؛ لأنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَبرَأْ من مُسلِمٍ، وأمَّا من فرَّ إلى أرضِ الحَربِ لظُلمٍ خافه، ولم يحارِبِ المُسلِمين، ولا أعانهم عليهم، ولم يجِدْ في المُسلِمين من يجيرُه، فهذا لا شيءَ عليه؛ لأنَّه مضطَرٌّ مُكرَهٌ... وأمَّا مَن حمَلَتْه الحَمِيَّةُ من أهلِ الثَّغرِ من المُسلِمين، فاستعان بالمُشرِكين الحربيِّين، وأطلق أيديَهم على قَتْلِ من خالفَه من المُسلِمين، أو على أخْذِ أموالِهم أو سَبْيِهم، فإن كانت يدُه هي الغالبةَ، وكان الكُفَّارُ له كأتباعٍ، فهو هالِكٌ في غايةِ الفُسوقِ، ولا يكونُ بذلك كافرًا؛ لأنَّه لم يأتِ شيئًا أوجَبَ به عليه كُفرًا: قُرآنٌ أو إجماعٌ، وإن كان حُكمُ الكُفَّارِ جاريًا عليه، فهو بذلك كافِرٌ على ما ذكَرْنا، فإن كانا متساويَينِ لا يجري حُكمُ أحَدِهما على الآخَرِ فما نراه بذلك كافِرًا. واللهُ أعلَمُ) .
ومُظاهَرةُ الكُفَّارِ على المُسلِمين ناقِضٌ من نواقِضِ الإيمانِ؛ لعِدَّةِ أسبابٍ؛ منها:
1- قَولُ الله تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51] .
فبَيَّن اللهُ تعالى أنَّ من فَعَل ذلك فهو منهم، أي: من أهلِ دينِهم ومِلَّتِهم، فله حُكمُهم.
قال ابنُ جريرٍ: (من تولَّاهم ونصَرَهم على المؤمنين فهو من أهلِ دينِهم ومِلَّتِهم؛ فإنَّه لا يتولَّى متولٍّ أحدًا إلَّا وهو به وبدينِه وما هو عليه راضٍ، وإذا رَضِيَه ورَضِيَ دينَه فقد عادى ما خالفه وسَخِطَه، وصار حُكمُه حُكمَه) .
وقال ابنُ حزم: (صحَّ أنَّ قَولَ اللهِ تعالى وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 51] إنَّما هو على ظاهِرِه بأنَّه كافِرٌ من جملةِ الكُفَّارِ فقط، وهذا حقٌّ لا يختَلِفُ فيه اثنانِ من المُسلِمين) .
وقال القُرطبي: (قَولُه تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ أي: يُعَضِّدُهم على المُسلِمين فَإِنَّهُ مِنْهُمْ بيَّن تعالى أنَّ حُكمَه كحُكمِهم، وهو يمنَعُ إثباتَ الميراثِ للمُسلِمِ من المُرتَدِّ، وكان الذي تولَّاهم ابنُ أُبيٍّ، ثمَّ هذا الحُكْمُ باقٍ إلى يومِ القيامةِ في قَطْعِ الموالاةِ) .
وقال القاسمي: (فَإِنَّهُ مِنْهُمْ: أي: من جُملتِهم، وحُكمُه حُكمُهم، وإن زعم أنَّه مخالِفٌ لهم في الدِّينِ، فهو بدَلالةِ الحالِ منهم؛ لدَلالتِها على كَمالِ الموافَقةِ... إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يعني: الذين ظَلَموا أنفُسَهم بموالاةِ الكَفَرةِ. روى ابنُ أبي حاتمٍ عن ابنِ سيرينَ قال: قال عبدُ اللهِ بنُ عُتبةَ: لِيَتَّقِ أحَدُكم أن يكونَ يَهوديًّا أو نصرانيًّا وهو لا يَشعُرُ، قال: فظَنَنَّاه يريدُ هذه الآيةَ) .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [التوبة: 23] .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ: ومن يتَّخِذْهم منكم بِطانةً من دونِ المؤمنينَ، ويؤثِرِ المقامَ معهم على الهِجرةِ إلى رَسولِ اللهِ ودارِ الإسلامِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يقولُ: فالذين يَفعَلون ذلك منكم هم الذين خالفوا أمرَ اللهِ، فوَضَعوا الوَلايةَ في غيرِ مَوضِعِها، وعَصَوا اللهَ في أمْرِه. وقيل: إنَّ ذلك نزل نهيًا من اللهِ المؤمنينَ عن موالاةِ أقرِبائِهم الذين لم يُهاجِروا من أرضِ الشِّركِ إلى دارِ الإسلامِ) .
وقال السَّعديُّ: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ؛ لأنَّهم تجَرَّؤوا على معاصي اللهِ، واتَّخَذوا أعداءَ اللهِ أولياءَ، وأصلُ الولايةِ: المحبَّةُ والنُّصرةُ، وذلك أنَّ اتخاذَهم أولياءَ موجِبٌ لتقديمِ طاعتِهم على طاعةِ اللهِ، ومحَبَّتَهم على محبَّةِ اللهِ ورَسولِه) .
والظُّلمُ إذا أُطلِقَ يرادُ به الشِّركُ الأكبرُ ، فدلَّ هذا على أنَّ مُظاهرةَ الكُفَّارِ على المُسلِمين خروجٌ عن المِلَّةِ.
وقال اللهُ سُبحانَه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الممتحنة: 13] .
قال ابنُ كثيرٍ: (ينهى تبارك وتعالى عن موالاةِ الكافرين في آخِرِ هذه السُّورةِ، كما نهى عنها في أوَّلِها، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا..... فكيف تُوالونَهم وتتَّخِذونَهم أصدِقاءَ وأخِلَّاءَ؟) .
2- أنَّ مُظاهرةَ الكُفَّارِ على المُسلِمين موالاةٌ تتضَمَّنُ بُغضًا لدينِ اللهِ تعالى، وحربًا لعبادِ اللهِ الصَّالحين، ونُصرةً للكُفَّارِ، ولا شَكَّ أنَّ الإيمانَ لا يمكِنُ أن يجتَمِعَ مع هذه الموالاةِ.
قال اللهُ تعالى: تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة: 80-81] .
فبيَّن سُبحانَه وتعالى أنَّ الإيمانَ باللهِ والنَّبيِّ وما أُنزِلَ إليه مستلزِمٌ لعدمِ ولايتِهم، فثبوتُ ولايتِهم يوجِبُ عَدَمَ الإيمانِ؛ لأنَّ عَدَمَ اللازمِ يقتضي عدَمَ الملزومِ، كما سَجَّل على من تولَّى الكافرين بالمذَمَّةِ وحُلولِ السَّخَطِ عليهم والخُلودِ في العذابِ .
قال ابنُ تيميَّةَ: (قَولُه تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة: 22] ، فأخبر أنَّك لا تجِدُ مُؤمِنًا يُوادُّ المحادِّين لله ورَسولِه؛ فإنَّ نَفْسَ الإيمانِ ينافي مُوادَّتَه، كما ينفي أحدُ الضِّدِّين الآخَرَ، فإذا وُجِد الإيمانُ انتفى ضِدُّه، وهو موالاةُ أعداءِ اللهِ، فإذا كان الرَّجُلُ يوالي أعداءَ اللهِ بقَلْبِه، كان ذلك دليلًا على أنَّ قَلْبَه ليس فيه الإيمانُ الواجِبُ.
ومِثلُه قَولُه تعالى في الآيةِ الأُخرى: تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة: 80، 81]، فذَكَر جُملةً شَرطيَّةً تقتضي أنَّه إذا وُجِد الشَّرطُ وُجِد المشروطُ بحرفِ «لو» التي تقتضي مع الشَّرطِ انتفاءَ المشروطِ، فقال: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء؛ فدَلَّ على أنَّ الإيمانَ المذكورَ ينفي اتخاذَهم أولياءَ ويُضادُّه، ولا يجتَمِعُ الإيمانُ واتخاذَهم أولياءَ في القَلْبِ، ودلَّ ذلك على أنَّ من اتخَذَهم أولياءَ ما فَعَل الإيمانَ الواجِبَ من الإيمانِ باللهِ وما أُنزِلَ إليه.
ومِثلُه قَولُه تعالى: لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 51] ، فإنَّه أخبر في تلك الآياتِ أنَّ مُتوَلِّيَهم لا يكونُ مؤمنًا، وأخبر هنا أنَّ مُتوَلِّيَهم هم منهم، والقُرآنُ يُصَدِّقُ بعضُه بعضًا) .
وقال سليمانُ بنُ عبد اللهِ آل الشيخ: (قَولُه تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة: 22] فأخبر تعالى أنَّك لا تجِدُ من يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ يوادُّون من حادَّ اللهَ ورسولَه، ولو كان أقرَبَ قريبٍ، وأنَّ هذا منافٍ للإيمانِ مُضادٌّ له، لا يجتَمِعُ هو والإيمانُ إلَّا كما يجتَمِعُ الماءُ والنَّارُ) .
وقال أيضًا: (قَولُه تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة: 81] فذكر تعالى أنَّ مُوالاةَ الكُفَّارِ مُنافيةٌ للإيمانِ باللهِ والنَّبيِّ وما أُنزِلَ إليه، ثم أخبر أنَّ سببَ ذلك كونُ كثيرٍ منهم فاسقون، ولم يفَرِّقْ بين من خاف الدائرةَ وبين من لم يخَفْ، وهكذا حالُ كثيرٍ من هؤلاء المُرتَدِّين قبل رِدَّتِهم، كثيرٌ منهم فاسقون، فجَرَّهم ذلك إلى موالاةِ الكُفَّارِ، والرِّدَّةِ عن الإسلامِ. نعوذُ باللهِ من ذلك) .










رد مع اقتباس