منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - أسماء الله الحسنى وصفاته
عرض مشاركة واحدة
قديم 2020-03-25, 15:24   رقم المشاركة : 161
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










B18




ثالثاً:

الذي دعا الأشاعرة للقول بهذا القول المبتدع والذي يخالف الشرع والفطرة والعقل : أمران ، إثبات المعجزات ، وإثبات قدرة الله الشاملة .

قال الشيخ عبد الرحمن المحمود – حفظه الله –

عند الكلام على اعتقاد أبي حامد الغزالي - :

"تأكيده لإنكار السببيَّة ، وهي مسألة مشهورة في المذهب الأشعري

وقد قال بها الأشاعرة وأكدوها لأمرين
:
الأول : إثبات المعجزات ، التي هي في الحقيقة خوارق للعادات المعهودة

فحتى تربط هذه المعجزات بالله وقدرته ، بحيث يقلب العصا حيّة ويشق القمر وغيرها من الأمور الخارقة

لا بدَّ من ربط هذا بإنكار التلازم الذي يدعيه الفلاسفة وغيرهم بين السبب والمسبب .

والثاني : إثبات قدرة الله الشاملة ، وإبطال التولد الذي قال به المعتزلة

فالفاعل والخالق لكل شيء هو الله تعالى ، وهذا بناء على مذهبهم في القدر الذي يميل إلى الجبر"

انتهى من" موقف ابن تيمية من الأشاعرة " ( 2 / 627 ) .

ثالثاً:

قال الإمام ابن القيم – رحمه الله - :

"ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنَّة لزاد على عشرة آلاف موضع

ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة ، ويكفي شهادة الحس والعقل والفِطَر

ولهذا قال مَن قال مِن أهل العلم : تكلم قوم في إنكار الأسباب فأضحكوا ذوي العقول على عقولهم

وظنوا أنهم بذلك ينصرون التوحيد فشابهوا المعطلة الذين أنكروا صفات الرب ونعوت كماله وعلوه على خلقه واستواءه على عرشه وتكلمه بكتبه وتكليمه لملائكته وعباده

وظنوا أنهم بذلك ينصرون التوحيد ، فما أفادهم إلا تكذيب الله ورسله وتنزيهه عن كل كمال ووصفه بصفات المعدوم والمستحيل ، .
.. .
ثم مِن أعظم الجناية على الشرائع والنبوات والتوحيد : إيهام الناس أن التوحيد لا يتم إلا بإنكار الأسباب

فإذا رأى العقلاء أنه لا يمكن إثبات توحيد الرب سبحانه إلا بإبطال الأسباب ، ساءت ظنونهم بالتوحيد وبمن جاء به ، وأنت لا تجد كتاباً من الكتب أعظم إثباتاً للأسباب من القرآن .

ويا لله العجب ؛ إذا كان الله خالق السبب والمسبَّب ، وهو الذي جعل هذا سبباً لهذا

والأسباب والمسبَّبات طوع مشيئته ، وقدرته منقادة لحكمه إن شاء أن يبطل سببية الشيء أبطلها كما أبطل إحراق النار على خليله إبراهيم ، وإغراق الماء على كليمه وقومه

وإن شاء أقام لتلك الأسباب موانع تمنع تأثيرها مع بقاء قواها ، وإن شاء خلَّى بينها وبين اقتضائها لآثارها

فهو سبحانه يفعل هذا وهذا وهذا ، فأي قدح يوجب ذلك في التوحيد ؟!

وأي شرك يترتب على ذلك بوجه من الوجوه ؟!

ولكن ضعفاء العقول إذا سمعوا أن النار لا تحرق ، والماء لا يُغرق ، والخبز لا يُشبع

والسيف لا يَقطع ، ولا تأثير لشيء من ذلك البتة ، ولا هو سبب لهذا الأثر ، وليس فيه قوة

وإنما الخالق المختار يشاء حصول كل أثر من هذه الآثار عند ملاقاة كذا لكذا :

قالت هذا هو التوحيد وإفراد الرب بالخلق والتأثير ! ولم يدر هذا القائل أن هذا إساءة ظن بالتوحيد

وتسليط لأعداء الرسل على ما جاؤوا به كما تراه عِيانا في كتبهم ينفِّرون به الناس عن الإيمان"

انتهى من" شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل " ( ص 189 ) .

وبما ذكرنا يتبين لك – أخي السائل – ضعف هذا القول ، وبطلان ما بنوه عليه ؛ فعسى أن يكون ذلك المدرس قد قرأه في بعض الكتب ، ولم يدر حقيقته ولوازمه .

وما ذكره من إلقاء إبراهيم عليه السلام يرد عليه ؛ حيث إن الأصل أن النار فيها الإحراق ولذا أعدَّها قومه له عليه السلام ولم يعدوا له ماء ليحرقوه به ! وقد بيَّن الله تعالى أنه عطَّل تلك الصفة

في تلك النار فخاطبها بأن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم ، وهذا ليس لكل نار بل لتلك المخاطَبة ، ولا يملك أحد أن ينزع تلك الصفة منها إلا الله تعالى .

ومثله يقال في صفة الإغراق لماء البحر لمن شاء الله تعالى أن يعطلها في حقه

فهو تعالى مالك الأسباب ومسبباتها ، وتلك الحوادث تدل على وجود حاصية الإحراق في النار والإغراق في الماء ، لكن الله تعالى هو الذي نزعها منهما في الحالتين

وهذا يدل على وجود تلك الصفات في تلك الأشياء .

فأهل السنَّة هم أسعد الناس بالأدلة وهم أوفر الناس عقولاً وأقومهم فطرة ، لذا لم ينكروا نصوص الشرع ، ولم يأتوا بما يَضحك منه العقلاء

ولم يقولوا بما يخالف الفطرة ، بل وقفوا مع الأسباب الموقف الشرعي الموافق لكل ذلك ، ولذا فمن أراد أن يزيد في الإحراق أجَّج ناره وزاد من لهيبها ، ومن أراد دقة القطع رقَّق حد السكين

ومن أراد قوة القطع صلَّب الحديد في السيف ، وكل ذلك أخذاً بما جعله الله تعالى من خاصيات

في تلك الأشياء التي خلقها على كيفية معينة ، ومن يقول بأن الزجاج الرقيق انكسر مع رمي الحجر العظيم لا بسببه : فقد خالف الشرع وناقض العقل والفطرة .

وإليك ملخصاً نافعاً في موقف الفرق من الأسباب والقوى والطبائع في الأشياء :

قال ابن القيم – رحمه الله - :

"والناس في الأسباب والقوى والطبائع ثلاثة أقسام :

1. منهم مَن بالغ في نفيها وإنكارها ، فأضحك العقلاء على عقله ، وزعم أنه بذلك ينصر الشرع فجنى على العقل والشرع وسلط خصمه عليه .

2. ومنهم مَن ربط العالم العلوي والسفلي بها ، بدون ارتباطها بمشيئة فاعل مختار ومدبر لها يصرفها

كيف أراد فيسلب قوة هذا ويقيم لقوة هذا قوة تعارضه ويكف قوة هذا عن التأثير مع بقائها ويتصرف فيها كما يشاء ويختار .

وهذان طرفان جائران عن الصواب .

3. ومنهم مَن أثبتها خلقاً وأمراً قدراً وشرعاً ، وأنزلها بالمحل الذي أنزلها الله به من كونها تحت تدبيره ومشيئته وهي طوع المشيئة والإرادة ومحل جريان حكمه عليها فيقوي سبحانه بعضها ببعض

ويبطل إن شاء بعضها ببعض ، ويسلب بعضها قوته وسببيته ويعريها منها ويمنعه من موجبها ،

مع بقائها عليه ؛ ليعلم خلقُه أنه الفعَّال لما يريد ، وأنه لا مستقل بالفعل والتأثير غير مشيئته ، وأن التعلق بالسبب دونه كالتعلق ببيت العنكبوت مع كونه سبباً .

وهذا باب عظيم نافع في التوحيد وإثبات الحكم ، يوجب للعبد إذا تبصر فيه الصعود من الأسباب إلى مسبِّبها

والتعلق به دونها ، وأنها لا تضر ولا تنفع إلا بإذنه ، وأنه إذا شاء جعل نافعها ضارّاً ، وضارَّها نافعاً ، ودواءها داءً ، وداءها دواء ، فالإلتفات إليها بالكلية : شرك مناف للتوحيد

وإنكار أن تكون أسباباً بالكلية : قدح في الشرع والحكمة

والإعراض عنها مع العلم بكونها أسباباً : نقصان في العقل ، وتنزيلها منازلها ومدافعة بعضها ببعض وتسليط بعضها على بعض وشهود الجمع في تفرقها والقيام بها :

هو محض العبودية والمعرفة وإثبات التوحيد والشرع والقدر والحكمة ، والله أعلم"

انتهى من" مدارج السالكين " ( 1 / 243 ، 244 ) .

والله أعلم