منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - 🕊🕊 انتقيت لكم... اقتباسات .🕊🕊
عرض مشاركة واحدة
قديم 2020-12-08, 13:08   رقم المشاركة : 504
معلومات العضو
غصن البآن
مشرفة منتديات الأسرة والمجتمع
 
الصورة الرمزية غصن البآن
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز ضيافتكم عندي 
إحصائية العضو










افتراضي

ذكر الطنطاوي رحمه الله فقال :
وقد وقع لي مرة أن دعانا كبير أسرتنا، الدكتور طاهر الطنطاوي الذي توفي من زمن بعيد رحمه الله عليه،

إلى جمع في بيته يضم أفراد الأسرة جميعاً، وأعد لهم مائدة وضع لهم فيها كل ما يلذ و يطيب و هيأ لهم كل ما يسرهم و يرضيهم.

و ذهبت إلى الاجتماع و كنت منشرح الصدر، فما لبثت فيه إلى نصف ساعة حتى ضاق صدري و أحسست كأن دافعاً يدفعني إلى الخروج و أنني إن بقيت اختنقت.

و استأذنت بالانصراف فعجبوا مني، وكنت أنا أعجب من نفسي ولا أعرف سبباً لهذا الذي حل بي.

وفسد الاجتماع وضاع ما كانوا يتوقعونه من المسرّة و الانبساط و ألقوا اللوم عليّ، و أن أعذرهم ولا أدري لما فعلت سبباً.

وكانت داره في سفح جبل قاسيون في منطقة اسمها حي العفيف، وخرجت ومر بي الترام و كان فارغاً، وهممت بأن أصعد إليه، ثم أحسست كأن يداً قوية تصدني عنه و تمنعني من ركوبه، فمشيت على رجلي و لا أعرف إلى أين أنا ذاهب.

وثقوا أني أصف لكم ما وقع كأنه وقع بالأمس، وقد مرّ عليه الآن أكثر من ثلاثين سنة .

ما مشيت إلا قليلاً، وكان الطريق مقفراً والليل ساكناً، فوجدت امرأة تحمل ولداً و تسحب بيدها ولداً، وهي تنشج وتبكي وتدعو دعاء خافتاً لم أتبينه.

فاقتربت منها و سألتها : ما لك يا أختي؟ فنفرت مني وحسبتني أبتغي السوء بها. ونظرت إلي، فلما رأت أنني كهل و أنه لا يبدو عليّ ما تخشاه نفضَت لي صدرها و شرحت لي أمرها، و إذا قصتها أنها من حلب و أن زوجها يعمل موظفاً في دمشق، وأنه طردها من بيته و هي لا تعرف أين تذهب، وما لها إلا خال لا تستطيع الوصول إلى مكانه.

فقلت لها : أنا أوصلك إلى بيت خالك، واذهبي من الغد إلى المحكمة فارفعي شكواك إلى القاضي. فازداد بكاؤها وقالت : وكيف لي بالوصول إلى القاضي وأنا امرأة مسكينة، والقاضي لا يستقبل مثلي و لا يسمع إليه؟

وكنت أنا يومئذ قاضي دمشق، فقلت لها استجاب الله دعاءك يا امرأه لأنك مظلومة، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وأنا القاضي، وقد استخرجني الله من بين أهلي و جاء بي إليك لأقضي إن شاء الله حاجتك، وهذه بطاقتي تذهبين بها غداً إلى المحكمة فتلقينني.

علي الطنطاوي رحمه الله – من كتابه الرائع ( نور وهداية )









رد مع اقتباس