الثورات كالقطارات، أو كالأتوبيسات في شوارع العالم الثالث، يركض وراءها ويتشبث بها من لم يدفع ثمن التذكرة.
الثورة التونسية الوحيدة التي تستحق اسم "ثورة" من بين ما يعرفه الشارع العربي، والتي احتفلت أمس بشمعتها الأولى، ينطبق عليها هذا القول، فالشعارات التي حملت أمس، والأعلام السوداء التي كانت حاضرة بقوة في شارع بورقيبة، التصقت بقطار الثورة، وركبته دون أن تدفع ثمن التذكرة، ودون أن تدفع نصيبها من دم الشهداء، فالتوانسة الذين هبوا السنة الماضية وحملوا شعار "تونس حرة وبن علي برا" لم ينادوا "بالخلافة الإسلامية القوة القادمة"، بل لم يكن يتبادر إلى أذهانهم أن قطار الثورة قد يحرّف عن سكته وتسرق ثورتهم من قبل أناس لم يشاركوا فيها.
عندما سقط البوعزيزي، لم يكن يتصور أن هناك "إنسانا" على بعد آلاف الكيلومترات سيؤمم دمه، لم يكن يتصور أن أمير قطر سيكون أول راكب لم يدفع ثمن التذكرة، أمير قطر الذي أشعل من دم البوعزيزي شعلة حلم جبان، وهو أن يصبح الرجل أمير العالم العربي، ويمتد حلمه ويصبح كالغول، ليبتلع الجميع، ليكبر هو ويكبر ملكه، ويكبر معه الذل العربي.
لكن أحرار تونس، أولئك الذين لم يخفهم طغيان بن علي وغدر الطرابلسية، أولئك الذين قالوا لبن علي "لا"، لم يخرجوا أمس لاستقبال "أمير الكون"، الذي يريد أن يقطف ثمار ثورة شعب عظيم، بل خرجوا ليقولوا له "لا أهلا ولا سهلا" مثلما قال فؤاد نجم ذات مرة للرئيس الأمريكي الأسبق، نيكسون.
لا أهلا ولا سهلا لأمير قطر، بتونس الشقيقة، فما حققه الشعب التونسي، بإيجابياته وسلبياته، ليس للقرضاوي وأميره يد فيه، وإنما حققه التوانسة بنضالهم ووعيهم بمصير بلادهم.
من حق التوانسة وحدهم الاحتفال بانتصارهم على الظلم، ومن حقهم وحدهم أن يسعدوا بإنجازاتهم وبالدرس العظيم في الحرية والديمقراطية الذي أعطوه للعالم، وأمير قطر لا يعرف لا معنى للحرية، ولا معنى للديمقراطية، وهو الذي وضع ملكه وبلاده رهن إشارة أمريكا، وسخر أموال شعبه لتحقيق المشروع الأمريكي في العالم العربي.
ومثلما طردت موريتانيا "أمير الكون" وقالوا لها نحن "فقراء ولسنا حقراء"، قال التوانسة الأحرار لحمد بن خليفة "بره وتونس حرة"، ولا يهم إن استقبله المرزوقي ورئيس حكومته، لأن لا المرزوقي ولا غيره من صنعوا تونس الجديدة، وإنما صنعتها حرائر تونس ورجالها، أولئك الذين لم يركبوا قطار الثورة في آخر محطة..
هنيئا للشعب التونسي الحر في هذه الذكرى.