منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نشـأة النقـد العربـي القديــم بين الممارسة والتأريخ.
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-09-30, 22:42   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
lakhdarali66
عضو متألق
 
الصورة الرمزية lakhdarali66
 

 

 
الأوسمة
مميزي الأقسام أحسن عضو لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي


ثالثا: قضية نشأة النقد العربي القديم بين يدي د. محمد غنيمي هلال.
" يقوم جوهر النقد الأدبي أولا على الكشف عن جوانب – النضج الفني في النتاج الأدبي وتمييزها مما سواها عن طريق الشرح والتعليل. ثم يأتي بعد ذلك الحكم العام عليها".(34) بهذا التعريف يستهل د. محمد غنيمي هلال الحديث عن النقد. وهو لا يخرج في مجمله عن ما عهدناه من التعاريف التي تعد النقد الأدبي وليد الأدب وثمرة من ثماره، والذي يدرس تاريخه في أي لغة حية يجد أنه قد واكب أدبها في جميع عصوره، يؤثر فيه ويتأثر به، ويستمد مقوماته منه، وتتباين فيه مذاهب النقاد ومناهجهم... فالأدب هو موضوع النقد وميدانه يعمل فيه، وإذا كان الأدب بطبيعته ينزع إلى الحرية المطلقة والتجديد، واكتشاف آفاق جديدة يخلق فيها، ويعبر عنها. فإن النقد على العكس من ذلك، إنه محافظ مفيد، يقف عند حدود دراسة الأعمال الأدبية بقصد الكشف عما فيها من مواطن القوة والضعف، والحسن والقبح، وإصدار الأحكام عليها.
ولهذا فالنقد قلما أوحى إلى الأديب بتجارب جديدة أو اكتشف به أرضا وآفاقا جديدة، وإنما العبقرية الخالقة المبدعة هي التي تقدم كشفا وريادة والنقد يتبعها.
وحين تناول د. محمد غنيمي هلال قضية نشأة النقد العربي، كان يؤكدها دوما من التلازم التاريخي القائم بين الفلسفة والنقد عبر العصور.إذ في نظره أن النقد " قد ارتبط –منذ أقدم عصوره عند اليونان – بالفلسفة حتى صار فرعا من فروعها، وقد ازداد هذا الارتباط وضوحا في عصور النقد الحديثة، وبخاصة في عصرنا، إذ أصبح النقد مرتبطا كل الارتباط بعلوم الجمال التي هي من فروع الفلسفة".(35) وهذا التلازم والترابط جعل كل تقدم في النقد – في نظر د. محمد غنيمي هلال – لا ينجم إلا عن تقدم في العلوم الإنسانية، ومنها الفلسفة، فالنقد يتطور بإفادته منها ومحاكاته لمناهجها إذ أن " نهضتنا الأدبية الحديثة ترجع في أصولها إلى الأدب الغربي بحيث لا يستطيع الناقد أن يخطو فيه خطوة ذات قيمة ما لم يكن على صلة وثيقة بالآداب الغربي، وتيارات النقد فيها، وتاريخ الآداب العالمية يثبت أن عصور الانحطاط فيها هي العصور التي انطوت فيها الآداب القومية على نفسها".(36)
هكذا نجده منذ البدء يصرح بعدم اهتمامه بما نصطلح على نعته بالبداية المفترضة للنقد، وهو تلك الأحكام التي كانت تصدر عن شعراء وأدباء بأسواق الجاهلية والعصر الإسلامي. وفي ذلك يقول:" طبقا لما اتخذنا لأنفسنا من منهج، ولما عرفنا به النقد الحديث. لن نعبأ في نشأة النقد العربي بالأحكام العامة التي كان يصدرها الشعراء في القديم، بعضهم على بعض مع عدم التعليل لها: مما يروى بعضه في أسواق الجاهلية إذا افترضنا صحته وكثير منه واضح الانتحال ويلتحق بذلك ما كان يدور في نظير هذه الأسواق الجاهلية في العصر الإسلامي كسوق المربد بالبصرة."(37).
وينص د.محمد غنيمي هلال على أن هذه الأسواق قريبة الشبه بما كان من التحكيم المسرحي في العصور اليونانية، الذي كان يتم في الأعياد الدينية بمدينة آثينا."(38)
وينتقل بعد ذلك إلى العهد اليوناني في إطار عمليته التاريخية للنقد العربي القديم فيقول: "و في العصر الأموي ظهر اتجاه نقدي جديد- و إن يكن بدائيا-و لكنه كان فيه ضرب من التعليل الموضوعي، أساسه تقاليد العرب في أشعارهم و عادتهم وحياتهم العاطفية، وهو تابع للعرف اللغوي الذي أثر بخاصة في الموازنات بعد".(39) و يستمر د. محمد غنيمي هلال في ترصده للنقد العربي القديم فيصل إلى أن في العصر العباسي استجاب الأدب العربي لمطالب المجتمع الجديد بسبب اتساع الحضارة الإسلامية، و اتصال العرب بالثقافات الأخرى. و تعرفهم على حضارات الأمم الأخرى القديمة منها اليونان و الفرس على أن أهم الاتجاهات التي ظهرت في النقد في هذا العصر قد ظهر فيها أثر النقد اليوناني قليلا أو كثيرا، في حدود ما استطاع نقاد العرب فهمه، و نموذجه في ذلك قدامة بن جعفر، فهو يعتبره البداية الفعلية لظهور النقد عند العرب باعتباره أول من ظهرت لديه القواعد اليونانية مطبقة بشكل جلي في مؤلفه "نقد الشعر ". فهو بداية حقيقية لظهور النقد العربي لأنه شكل ذلك الامتزاج بين الثقافتين و في ذلك يقول:"...فمن ذلك اتجاه قدامة إلى دراسة الأجناس الأدبية تبعا لنظرة أرسطو في النظر إلى العمل الأدبي، بوصفه كلا ذا وحدة في حدود ما فهم قدامة و من سايروه".(40)
هكذا نخلص إلى أن النقد بالمعنى الدقيق لن يظهر إلا إذا قـام على أساس نظري وعلمي معـا. فهو مرتبط بالعلوم الإنسانية، وعلى رأسها الفلسفة، بل لقد تطور حتى صار فرعا من فروعها. وفي غياب الفلسفة يغيب النقد. وفي ذلك يقول:" فعلى ما يوجد من فارق هام بين الفلسفة –التي أخص خصائصها التجريد- وبين الأدب الذي جوهره التصوير الجمالي في المعنى الأشمل الأعم له، ثم النقد الذي موضوعه الأدب فيما له من خصائص، تظل الصلة مع ذلك وثيقة بين الأدب ونقده وبين الفلسفة".(41)
فرغم ما يمكن أن نلاحظه من اختلاف بينهما، فهو اختلاف ظاهري، أما في العمق فهما مترابطان. فالفلسفة هي الأساس النظري الذي يجب أن يقوم عليه كل نقد. بل لا يستقيم عود هذا الأخير إلا إذا استقر على نظرية فلسفية معينة، ويمثل د.محمد غنيمي هلال لذلك بالنقد الحديث، إذ كان من نتيجة الفلسفة المثالية أن يوجد في النقد " المذهب التأثري "، ونزعة الأسلوبين " العامة التي تمثلها مدرسة النقد الحديث الأمريكية، إذن، فهذا الثالوث: فلسفة، نقد أدب، يرتبط بعضه بالبعض في حقل العلوم الإنسانية.
واستنادا على هذا فلا نقد بدون فلسفة. وغياب الفلسفة ينجم عنه حتما غياب النقد. يقول د. محمد غنيمي هلال: " ومما يؤسف له أن هذه الحقيقة – على وضوحها – لا زالت مثار جدال لدى بعض الأدعياء في هذا المجال، ممن يريدون أن يرجعوا بالنقد الأدبي إلى الوراء قرونا ضاربة في القدم، سابقة على عهد أفلاطون وأرسطو، حين لم يكن للنقد المنهجي وجود".(42) وما دام د. محمد غنيمي هلال يحدد نشأة النقد على هذا المنوال، فبديهي أن يعارض وجود نقد في العصر الجاهلي والإسلامي، وحتى في العصر الأموي نظرا لغياب فلسفة تؤطر هذا النقد وتمنهجه.
أما ما كان في العصر الجاهلي والإسلامي من أحكام نقدية لبعض الشعراء، وشعرهم فهي لا تسمو إلى مرتبة النقد لأنها غير معللة، وغير معتمدة على أساس نظري أو فلسفي سابق.
وهنا نقف قليلا لنقول إن لم نستطع أن نحدد على وجه الدقة الصورة التي ظهر عليها النقد الجاهلي، فذلك راجع إلى ما قيل من شعر ومن نقد في العهد الجاهلي الأول لم يصل إلينا منه إلا القليل النادر، خاصة إذا علمنا أن عمر بن الخطاب قال: " كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه...فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب، وتشاغلوا بالجهاد وغزو فارس و الروم، ولهت عن الشعر وروايته، فلما كثر الإسلام، وجاءت الفتوح واطمأنت العرب بالأمصار، راجعوا رواية الشعر، فلم يؤولوا إلى ديوان مدون، ولا كتاب مكتوب، وألفوا في ذلك، وقد هلك من العرب من هلك بالموت و القتل، فحفظوا أقل ذلك، وذهب عليهم منه كثير".(43) وقال أبو عمرو بن العلاء:" ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير "(44) قال ابن سلام:" ومما يدل على ذهاب الشعر وسقوطه، قلة ما بقي بأيدي الرواة المصححين لطرفة وعبيد اللذين صح لهما قصائد بقدر عشر، وإن لم يكن لهما غيرهن، فليس موضعهما حيث وضعا من الشهرة والتقدمة، وإن كان يروى من الغثاء لهما، فليس يستحقان مكانهما على أفواه الرواة... فلما قل كلامهما حمل عليهما حمل كثير."(45)
لا يفوتنا بهذا الصدد أن نشير إلى أن د.محمد غنيمي هلال يؤكد على ضرورة الاستفادة من آداب الأمم وتجاربها. وفي هذا يقف مع د.محمد مندور، بل يتجاوزه حين يجعل من الثقافة الغربية المركز و القلب النابض لكل تقدم.
وتحت سقف هذه القاعة الاستشراقية الهدامة ينص د. محمد غنيمي هلال أن التفتح على الآداب العالمية يعدل من نظرتنا إلى الأدب القومي، ويدفع به إلى الأمام، ويعدل من نظرتنا إلى القديم، وبذلك يبقى للتيارات العالمية المختلفة فضل في تطور أدب ونقد الأمم، وشاهده في ذلك الأدب الأوربي. فقد تقدم برجوعه إلى الأدب اليوناني القديم والروماني، وإلى مبادئ النقد التي كانت سائدة فيهما. وكذلك الأمر بالنسبة للنقد على العهد العباسي. لقد تطور نتيجة اتصاله بالأدب الفارسي والفلسفة اليونانية، بل د. محمد غنيمي هلال لا يقف عند هذا الحد، وإنما ينص على أن شرط النهضة الحديثة الأساس هو الاحتذاء بالغرب وبالرجوع على تراثه المتمثل في التراث اليوناني، والذي سيقدمه الغرب للعرب في إناء ذهبي، وهذا ما عبر عنه النص الذي جاء به د.محمد غنيمي هلال حين قال بلهجة حادة:" إن نهضتنا الأدبية الحديثة ترجع في أصولها إلى الأدب الغربي بحيث لا يستطيع الناقد أن يخطو فيه خطوة ذات قيمة ما لم يكن على صلة وثيقة بالآداب الغربية، وتيارات النقد فيها، وتاريخ الآداب العالمية يثبت أن عصور الانحطاط فيها، هي العصور التي انطوت فيها الآداب القومية على نفسها"(46).
ومما يؤكد به د. محمد غنيمي هلال طرحه أن النهضة القديمة جاءت نتيجة على الثقافات العالمية. فنهضة الفرس جاءت على إثر التفتح على الثقافات الأخرى وأهمها الإرث اليوناني، ونهضة أوربا خضعت لنفس الشيء، وبذلك فنهضة العرب حاليا لن تتم إلا بانفتاحها على الثقافة اليونانية التي سيقدمها الغرب. وبذلك تكون العودة إلى الثقافة اليونانية ضرورية وحتمية نظرا لاعتبارها المرجع لكل النهضات التي سبقت: الفارسية و الأوربية.
هكذا لا يمكننا أن نتحدث عن نقد أدبي دون أن يكون مرتبطا بفلسفة ما، استنادا على هذا الحديث لا يمكن الحديث عن نقد في المرحلة الممتدة من العصر الجاهلي إلى القرن الثالث الهجري، إذ أنها لم تكن تعرف فلسفة. وبذلك فالعرب لم يعرفوا النقد إلا في القرن الرابع الهجري بعد أن تمت ترجمة الفلسفة اليونانية: فلسفة أفلاطون وأرسطو بالذات. وبالتالي لا يمكن أن نتحدث عن نقد أدبي إلا مع قدامة والأمدي وعبد العزيز الجرجاني الذين يظهر معهم مدى تأثير العرب بالنقد اليوناني لكنهم مع ذلك لم يرقوا إلى مستوى إنتاج نظريات نقدية على غرار ماكان في النقد الأوربي، كنظرية المحاكاة ونظرية الانعكاس.
إلى أي حد، يكون طرح د. محمد غنيمي هلال صائبا؟ ماهو الهاجس الذي حكم د.محمد غنيمي هلال وهو بصدد تحديد زمن ولادة النقد العربي القديم؟ لماذا ربط د.محمد غنيمي هلال نشأة النقد بنشأة الفلسفة؟ ماهي الخلفية التي ينطوي عليها طرح د.محمد غنيمي هلال ؟ ...نكتفي بالقول في هذا الصدد: إن د.محمد غنيمي هلال يبقى علما بارزا زخرت به الثقافة العربية في النصف الثاني من هذا القرن، يضم إلى مجموعة من الأعلام الذين تثقفوا ثقافة أجنبية استطاعت أن تؤثر فيهم وتوجههم وتمنهج علمهم، وتسيطر بأفكارها على فكرهم، حتى أصبحوا لا يفكرون إلا بعقلها ولا ينتجون إلا في ضوء نتائجها.
يتبع...











رد مع اقتباس