منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نشـأة النقـد العربـي القديــم بين الممارسة والتأريخ.
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-09-30, 22:40   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
lakhdarali66
عضو متألق
 
الصورة الرمزية lakhdarali66
 

 

 
الأوسمة
مميزي الأقسام أحسن عضو لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي



تسلح د. محمد مندور بالمنهج التاريخي ليعيد قراءة التراث العربي عامة، والنقد الأدبي منه خاصة.رفض الوقوف عند حدود ما أثير من نقد في الأسواق والمنتديات الأدبية، وأكد منذ البدء أنه سيركز على ما جاء من نقد ممنهج مع كل من الآمدي والجرجاني، باعتبارهما شكلا المحور للطرح الذي يتبناه د. محمد مندور ويعتد به، وجعله أساس ما أسماه بالنقد المنهجي:" لم نقف وقفات خاصة عند نقد الشعراء، أو محكمين في أسواق الأدب وما شاكل ذلك، مما نجد في تضاعيف كتب الأدب والرواية القديمة. وذلك لكي نظل في حدود الفكرة الأساسية التي يقوم عليها هذا الكتاب، وهي معالجة النقد المنهجي عند العرب" (21) وإن سأله سائل عن ما النقد المنهجي يجيبه بسرعة:" هو ذلك النقد الذي يقوم على منهج تدعمه أسس نظرية أو تطبيقية عامة، ويتناول بالدرس مدارس أدبية أو شعراء أو خصوماتيفصل القول فيها، و يبسط عناصرها ويبصر بمواضع الجمال و القبح فيها."(22)

ينطلق د. محمد مندور لرصد تطور النقد الأدبي العربي القديم انطلاقا من تحديد مفاهيم عن الأدب والنقد، وتاريخ الأدب، ودور الذوق في العمل النقدي اعتمادا على ما جاء به الناقد الفرنسي "غوستاف لانسون G.Lanson.

1-الأدب: " هو كل المؤلفات التي تكتب لكافة المثقفين لتثير لديهم بفضل خصائص صياغتها صورا خيالية، أو انفعالات شعورية أو إحساسات فنية."(23)

2-النقد المنهجي: هو الذي يظهر تلك الخصائص ويحللها، أو هو في أدق

معانيه:"فن دراسة النصوص، والتميز بين الأساليب المختلفة."(24).

ترتيبا على المفاهيم السابقة، وانطلاقا من قواعدها، يتناول د. محمد مندور إشكالية نشأة النقد، بعدما يقرر أن التاريخ الأدبي، يكون في خلقه وتطوره مؤخرا عن النقد الأدبي في ظهوره.وفي ذلك يقول:" فالنقد الأدبي سابق عند العرب عن التاريخ الأدبي" (25). بينما النقد الأدبي ينشأ ملازما للشعر، متواجدا بتواجده، متطورا بتطوره ومتعايشا بتعايشه. وكل تغير يتعرض له الشعر، إلا وتجد صداه باديا في النقد. وفي ذلك يقول:" فقد وجد النقد عند العرب ملازما للشعر".(26)

3-التاريخ الأدبي:"يجمع تلك المؤلفات تبعا لما بينها من وشائج في الموضوع والصياغة وبفضل تسلسل تلك الصياغات يضع تاريخ الفنون الأدبية، وبتسلسل الأفكار والإحساسات يضع تاريخ التيارات العقلية و الأخلاقية، وبالمشاركة في بعض الألوان، وبعض المناحي الفنية المتشابهة في الكتب التي من نوع أدبي واحد ومن تأليف نفوس مختلفة يضع تاريخ عصور الذوق ".(27).

4-الذوق الأدبي: يحدد د. محمد مندور الذوق الأدبي في العمل النقدي، اعتمادا على الأهمية التي حددها له" لانسون" حيث يقول: "إذا كانت أولى قواعد المنهج العلمي هي إخضاع نفوسنا، لموضوع دراستنا، لكي ننظم وسائل المعرفة وفقا لطبيعة الشيء الذي نريد معرفته، فإننا نكون أكثر تمشيا مع الروح العلمية بإقرارنا بوجود التأثرية في دراستنا، وتنظيم الدور الذي تلعبه فيها... وما دامت التأثرية هي المنهج الوحيد الذي يمكننا من الإحساس بقوة المؤلفات وجمالها، فلنستخدمه من ذلك صراحة ولكن لنقصره على ذلك في عزم، ولنعرف – مع احتفاظنا به- كيف نميزه ونقدره ونراجعه ونحده، وهذه هي الشروط الأربعة لاستخدامه(28).

ويخرج الدكتور محمد مندور من هذه التحديدات بمجموعة من النتائج منها:

أ-أن" النقد الأدبي نشأ عربيا، وظل عربيا صرفا، وذلك لأن أساس كل نقد هو الذوق الشخصي تدعمه ملكة تحصل في النفس بطول ممارسة الآثار الأدبية". (29)

ب-"وجد النقد الأدبي عند العرب ملازما للشعر"(30)

ج- وبعد إقراره بوجود لمحات نقدية منذ القدم لدى العرب، اعتذر عن عدم إيراد نماذج لأنه سبق في ذلك بعمل الأستاذ طه أحمد إبراهيم في مؤلفه " تاريخ النقد عند العرب " فطرح السؤال التالي:" هل من الممكن أن نسمي هذا نقدا دون أن يكون في ذلك إفساد لحقائق التاريخ أو إخلال بأصول البحث؟".(31)

فيجيب عن هذا السؤال انطلاقا من ملازمة الشعر للنقد، ومن اعتبار الذوق أساس كل عملية نقدية فيسجل بأنه " قد وجد عند الجاهليين والأمويين نقد ذوقي يقوم على إحساس فني صادق، ولقد تركزت بعض أحكامهم في جمل سارت على كافة الألسن كقولهم:" أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب" (32) غير أن هذا الذوق في النقد القديم، وانطلاقا من مفهوم "لانسون" نسجل عليه العيوب التالية:

*عدم وجود منهج: وهو شيء طبيعي في مرحلة البداوة، وهي مرحلة تطغى عليها السذاجة والفطرة والعفوية. فقد كان العربي يأخذ ويرد بناء على فطرته إذ يستطيع بإحساسه أن يبدع أجمل الشعر، دون أن يحتاج إلى عقل ناضج فكان طبيعيا أن يكون النقد غير ممنهج، وغير خاضع لنظر طويل، انطلاقا من التلازم المتواجد بين الشعر والنقد. فكان بذلك النقد جزئيا مسرفا في التعميم يحكم للشاعر له أو عليه من خلال البيت الواحد أو الشطر الواحد دون أن يكلف نفسه عناء الأخذ بالإنتاج برمته. من تم فالنقد الممنهج لن يظهر إلا مع رجل نما تفكيره، واستطاع أن يخضع ذوقه لنظر العقل.

**عدم التعليل المفصل: وهو شرط لم يكن متوفرا لعرب البداوة، إذ التعليل يعتمد العقل والتفكير العربي فطري. والتعليل يبغي وضع مبادئ عامة. والعرب لم تكون بعد مبادئ علومها اللغوية إلا مع العهد العباسي. والتعليل يأتي بعد وضع القواعد. والقواعد لم توضح في سائر العلوم إلا في القرن الثالث الهجري. والتعليل ينص على ضرورة انفصال العلوم بعضها عن الآخر، وهذا لم يتم إلا في مرحلة متأخرة من مراحل تطور الفكر عند العرب، والتعليل يبغي أولا وأخيرا التدوين – وكلنا نعلم متى ظهر التدوين – إذا، في غياب هذه المسائل الموجدة للتعليل يغيب التعليل، وفي غياب التعليل يغيب النقد الممنهج والمنظم.

وهذان العيبان واضحان في الكثير من الأحكام النقدية المروية في كتب الأدب إذ لا تعتمد تحاليل النصوص أو النظرة الشاملة فيما قال هذا الشاعر أو ذلك، وينتهي من تحليله إلى الخلاصة التالية:" فقد ظل النقد في هذه المرحلة (قبل الإسلام ) إحساسا خالصا ولم يستطع أن يصبح معرفة تصح لدى الغير، بفضل ما تستند إليه من تعليل"(33) هكذا نلاحظ أن د.محمد مندور يركز على المنهج التاريخي، فهو منهج صائب في نظره يساعد على فهم جيد النقد العربي إذ هو الذي يكشف لنا عروبة النقد. من هنا يرفض المنهج الأرسطي المبني على المنطق الصوري. وهذا دافع من الدوافع الأساسية التي دفعت د. محمد مندور إلى إقصاء ونسف محاولة قدامة بن جعفر، التي استهدفت إقامة "علم الشعر" و" علم النثر". وكذا محاولة أبي هلال العسكري التي عدت امتدادا لها فاعتبرهما محاولتين لا جدوى من ورائهما.
يتبع...










رد مع اقتباس