منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نشـأة النقـد العربـي القديــم بين الممارسة والتأريخ.
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-09-30, 22:39   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
lakhdarali66
عضو متألق
 
الصورة الرمزية lakhdarali66
 

 

 
الأوسمة
مميزي الأقسام أحسن عضو لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

ج- الارتجال في الأحكام:وهذه السمة تتصل اتصالا مباشرا بالذوق الفطري الذي يعد أساسا هاما في صدور الأحكام النقدية، غير أن هذه الظاهرة تعد أثرا من آثار التذوق. فبعد أن يتذوق الناقد الشعر يصدر حكمه إما ارتجالا، وإما بعد إثبات وروية ودراسة موضوعية لنواحي الجودة أو الرداءة، لكن السمة الغالبة في النقد الجاهلي هي سمة الارتجال، والبعد عن الدراسة التفصيلية للقصيدة و التحليل لها.
حقا، كان من بين الشعراء مدرسة سمي أفرادها "عبيد الشعر"وكانت تبذل عناية فائقة في تفهم الشعر وتذوقه، وتجويده وتنميقه، ولكن على الرغم من ظهور رواد هذه المدرسة وهم أصحاب الحوليات، فلم يكن ذلك هو الاتجاه الغالب وإنما كان اتجاها محدودا لدى أهل المدرسة، وطابعا خاصا يميز المنتسبين إليها، أما الطابع العام فهو الاتجاه والبعد عن التحليل والتماس العلل، لأن البحث عن أسباب ظاهرة من الظواهر المادية و المعنوية، كان أبعد ما ينتظر من هذه البيئة التي فتكت بها الأحقاد، واستفحل فيها الخصام، وأصبحت مسرحا للتيارات، وميدانا للخصومات والغارات فخاصم الكرى جفون أهلها، وفقد الأمن سبيله إلى عقولهم وفكرهم، ومن تم لم تكن تفرغ للبحث في علم أو فن. كانت سمتهم الأمية، فلم يؤثر عنهم كتاب في علم من العلوم، أو مصنف في لون من ألوان التفكير، أو أثر يدل على تفوقهم في صناعة من الصناعات. فقد اشتهرت الرومان بعظمة السلطان وكثرة المدائن، واشتهرت اليونان بعملها وفلسفتها، والهند بطبها وحكمتها، و الصين بفنونها وصناعتها، وهؤلاء قد عاصروا العرب في جاهليتهم، ولم يؤثر عن العرب إلا تلك الملكة التي استطاعوا بها أن يرسلوا القول، ويصوغوا الشعر، وإلا تلك المكارم النفسية التي كانت تصدر عن سماحة طبعت عليها نفوس بعض كرامهم الذين اتصفوا: بالنجدة و البذل والتضحية... وليس في تلك اللمحات النقدية شيء غريب عن البيئة التي قيلت فيها، بل إنها أشبه ما تكون بطبيعة الجاهلين الذين لم يكن لديهم من أشياء الحضارة، وألوان الثقافة ما يسمح لهم بمحاولة تأييد الرأي بالعلة المعقولة، والدليل الواضح الذي يؤديها.
ويستمر طه أحمد إبراهيم في تأريخه للنقد العربي القديم، مسجلا سماته قائلا:"النقد الأدبي توطد واستقر في عهد الطبقات الأولى من اللغويين... وعرفت له مقاييس وأصول. وظاهر جدا أنه ليس نقد السليقة و الفطرة بل نقد المدارسة الكبيرة التي تبنى على العلم" (18). وبذلك نلاحظ أن نقد المرحلة متطور عن ما سبقها، زد على هذا أنه نقد علمي بعبيد عن الذوقية والانطباعية، وعلى هذه النتيجة يبني طه أحمد إبراهيم تصوره للبداية الفعلية للنقد حين يؤكد أن أواخر القرن الأول بداية صحيحة لظهور النقد، حيث يقول:" غير أن الحال تغيرت كثيرا في أواخر القرن الأول. تغيرت في أخريات أيام فحول الإسلاميين، فارتقى النقد الأدبي ارتقاء محمودا، وكثر الخوض فيه، وتعمق الناس في فهم الأدب، ووازنوا بين شعر وشعر، وبين شاعر وشاعر، حتى لتستطيع أن تقول:إن عهد النقد الصحيح يبتدئ من ذلك الوقت، وأن كل ما سبق لم يكن غير نواة له أو محاولات فيه". (19)
ونحن نقوم ذوق طه أحمد إبراهيم في تعامله مع المادة النقدية الموروثة عن العهد الجاهلي تزدحم في ذهننا تساؤلات عدة منها، هل بالفعل نشأ النقد بنشأة الشعر؟ هل ما ورث عن هذه المرحلة من أحكام نقدية يمكن أن نعتبره نقدا؟ ما المقدمة التي حكمت طه أحمد إبراهيم وجعلته يصل إلى هذه النتيجة؟...
ونقرر بدءا أن مرحلة الجاهلية و التي اعتبرها طه أحمد إبراهيم بداية فعليه للنقد، لم تكن بتاتا مؤهلة لنشأة النقد لأسباب ذكرت بعضا منها. وكل ما نؤكده الآن أن النقد الحقيقي، أي عهد النقد الفعلي وشروط النقد الصحيح لم تتوفر بعد في هذه الحقبة، وهي لن تتوفر إلا في مرحلة متقدمة من تطور المجتمع العربي وفي غياب الشروط الموضوعية لنشأة النقد نكون أمام نفحات وآراء لا ترقى إلى مستوى النقد. وقد أدرك ذلك ذ.طه أحمد إبراهيم نفسه حين وصل بدراسته إلى أواخر القرن الأول، إذ تملتكه صيحة الدهشة والإعجاب، فصاح قائلا:" إن عهد النقد الصحيح يبتدئ من ذلك الوقت، وأن كل ما سبق لم يكن غير نواة له أو محاولات فيه".(20) إن ما اعتبره ذ.طه أحمد إبراهيم نقدا في هذه المرحلة أملته ظروف الحياة الاجتماعية عند العرب التي كانت تقوم على النيل والتجريح والحط من الخصوم، أو الإشادة بالذكر، وهذا لا ينفي الغرض الفني منها، إذ كان يهدف الشاعر من إصدار حكم الإقرار بالمثل في الصياغة والمعاني كما هو الشأن فيما روي عن النابغة، وطرفة، وأم جندب، ورغم ما فيه من فنية فإنه لا يرقى إلى مستوى النقد الموضوعي، من تم لا يمكننا الحديث عن نقد في هذه المرحلة.
يتبع...










رد مع اقتباس